الأربعاء، 26 سبتمبر 2018

في ذكرى اغتيال ناهض حتر

تعليق كنت قد نشرته بعد اغتيال ناهض حتر. أعيد نشره في الذكرى الثانية.

إلقاء اللوم على الفكر الداعشي "لوحده" بالتسبّب بالعنف والوقوف وراء التصفية الجسدية (ناهض حتر مثالاً) ليس دقيقاً
• التطرّف اليساري والتحريض على قتل المدنيين في سوريا والعراق وباقي الدول بحجة مكافحة الإرهاب، هو جزء من المشكلة
• كل من يهاجم أو يسخر من رموز الإسلام ومعتقداته، من اليساريين والعلمانيين بحجة مكافحة التطرف أو الحريّة الشخصية، هو سبب في المشكلة (الفرق شاسع بين النقد الإيجابي وبين التهجم والسخرية)، وهو لا يقل عن خطورة مهاجمة المتشددين الإسلاميين للأديان الأخرى
• كل من يجمع المعارضين للنظام السوري في سلّة واحدة ويدمغها بالإرهاب والتطرّف والعمالة ويحرّض على القضاء عليها وسحقها هو سبب رئيسي في إذكاء العنف والتطرّف
• كل من يعتقد بداخله أن الإسلام هو داعش ويتعامل مع المسلمين على هذا الأساس فهو جزء من المشكلة
• كل من يفرّق بين الأردنيين (أو أي شعب آخر) بناءً على دينهم أو انتمائهم السياسي أو أصولهم، فهو شريك في العنف
• كل من يجاهر بدعمه للطغاة العرب ووقوفه ضد المطالبات الشعبية "الشرعية" بنيل الحرية والعدالة والمساواة هو سبب رئيسي في العنف
• وكل من يقوم بإقصاء الآخر ويمنعه من المشاركة في الحياة السياسية، هو مشارك بشكل أو بآخر في تحوّل هؤلاء الى دواعش ( من اليمين واليسار)

باختصار: كل من يعتقد أن فكره ومبادئه هي المبادئ الصحيحة المطلقة وأنه على حق والبقية على ضلال، فهو داعشي بامتياز وإن اختلفت الضفة التي يقف عليها  !

#إغتيال_ناهض_حتر #التطرف #الأردن #داعش

أيمن يوسف أبولبن

الثلاثاء، 18 سبتمبر 2018

رُبْع قرن على خطيئة أوسلو!



في عام 1979 وفي ظل وجود منظمة التحرير في لبنان وإحكام سيطرتها على منطقة التماس الجنوبية مع إسرائيل، كانت للنرويج آنذاك علاقات تجارية مع إسرائيل، من أهمها تزويد إسرائيل بالنفط، ونظراً لخشية حكومة النرويج من تأثير ذلك التعاون على أمن جنودها المشاركين في قوات حفظ السلام في جنوب لبنان، فقد قامت بالتواصل مع أبو عمار شخصياً لضمان عدم المسّ بأمن جنودها، وقد تفاجأ موفد الحكومة النرويجيّة باستجابة أبو عمّار السريعة، مع طلب وحيد بدا غريباً: (عندما نحتاج الى قناة خلفية للتفاوض مع الإسرائيليين ستلعبون أنتم هذا الدور)!!.

وبعد مضي نحو 12 عاماً، وفي الوقت الذي كان فيه الوفد الفلسطيني الرسمي (الذي يمثّل كافة أطياف الشعب الفلسطيني) يخوض مفاوضات "حل الدولتين" المنبثقة عن مؤتمر مدريد، فتح أبو عمار الباب الخلفي لمفاوضات أوسلو التي جرت في الخفاء وبإدارة مجموعة صغيرة مقرّبة منه، وانتهت باعتراف منظمة التحرير الفلسطينية وبشكل رسمي بدولة إسرائيل ونبذها لكافة أشكال المقاومة.

كواليس المفاوضات


من مفارقات كواليس مفاوضات أوسلو، أن الوفد الإسرائيلي قام بتقديم ملف يحتوي على 100 سؤال للوفد الفلسطيني، من أجل الحصول على فكرة عامة حول النوايا الفلسطينية والأهداف الاستراتيجية من عملية السلام، والخطوط الحمراء (إن وجدت).
المفاجأة، لم تنحصر في أن وفد فتح، قدّم إجابات لجميع الأسئلة، وأن أيّاً من هذه الأجوبة يحتوي على خطوط حمراء، ولكن المفاجأة الحقيقية كانت عدم طرح مفاوضي فتح أي سؤال على الوفد الإسرائيلي!
بعبارة أخرى، لم يأتِ وفد فتح بعقليّة التفاوض بل كان في انتظار ما سيمنحه الإسرائيليون له في تلك اللحظة التاريخية، وهذا بالتحديد ما أدّى في النهاية إلى إملاء الإسرائيليين لكافة شروطهم!

أحد الأسئلة كان: (هل توافقون على بناء مستوطنات في الأراضي التي تقع ضمن منطقة الحكم الذاتي؟) والجواب كان نعم!
لذا، من الطبيعي أن نعلم، أن عدد سكّان المستوطنات كان عند توقيع اتفاقية أوسلو نحو 115 ألفاً (في أراضي 67) في حين يتجاوز عددهم اليوم 450 ألفاً!

نقض ثوابت الثورة الفلسطينية

 

بعد مرور ربع قرن على اتفاقية أوسلو، وتكشّف كواليسها وملابساتها، يبدو واضحاً للعيان لكل باحث ومحلّل، أن أبو عمار (والتيار الموالي له داخل قيادة فتح) كان يتبنى وجهة نظر براغماتيّة تعتمد على أن الهدف من عمليات الكفاح المسلح هو الوصول الى طاولة المفاوضات، ثم محاولة تحقيق أفضل المُتاح بعد ذلك، فالمقاومة في النهاية وسيلة أما الغاية فهي الوصول الى حلٍ سياسي مُرضٍ.
المفارقة، أن هذه الاستراتيجية تتعارض عمودياً مع ثوابت الثورة الفلسطينية المُعلنة، ومبادئ فتح بالذات، وهذه الثوابت تنص صراحةً على أن الغاية من الكفاح المسلّح هي "تحرير كامل التراب الفلسطيني"، وأن حدود الوطن من البحر الى النهر، فلا صُلْح ولا اعتراف ولا تفاوض.
بل إن منظمة التحرير كانت (قبل أوسلو) تشدّد على رفض قراري مجلس الأمن 242 و338 وهما ذات القرارين اللذين ارتكزت عليهما اتفاقيه أوسلو.
وهذا يقودنا إلى القول إن مأساة أوسلو كانت مُضاعفة، فمن جهة، كان ثمن أوسلو حياة عشرات الألوف من الشهداء والضحايا الأبرياء، وتدمير عشرات المدن وتشريد مئات الألوف. ومن جهة أخرى، فإن المأساة الأعظم، أن هذا الثمن الباهظ كان بلا مقابل!

تجاهل الحديث عن القضايا المهمّة


استراتيجية الوصول إلى طاولة المفاوضات، تفسّر لنا لماذا خلت اتفاقية أوسلو من أي بند يتحدث عن إنهاء الاحتلال أو وقف الاستيطان، أو أدنى إشارة إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة.
ويفسّر أيضاً، خلو وفد المفاوضات الفلسطيني "السرّي" من أي خبير في مسائل النزاعات الدولية والقانون الدولي، وخلوّه أيضاً من أي أكاديمي مختص بالتاريخ (البُعد التاريخي-الثقافي للنزاع) والمقدّسات (البُعد الديني للقضية)، ناهيك عن عدم وجود أي مفاوض من داخل الأراضي المحتلة، يتناول قضايا الفلسطينيين تحت الإحتلال!

خطيئة من جهة وعبقرية من جهة أخرى


من سخرية الأقدار، أن اتفاقية أوسلو كانت هدفاً بحد ذاتها لكلا الطرفين، فمن وجهة نظر المفاوض الإسرائيلي، كانت هذه الاتفاقية وسيلة لنقل مسؤولية وتبعات الاحتلال الى سلطة محلية تنصاع لأوامر الحكومة المركزية وتخضع لشروطها، كما أنها تضع سقفاً للمطالبات الفلسطينية، دون أن تُلزم إسرائيل بأي إجراءات أخرى، في حين تضمن الاعتراف الكامل بشرعيّة الاحتلال وتفتح الطريق لترسيخ وجود دولة إسرائيل، واقتحامها أبواب المنطقة العربية.

أما من جهة أبو عمار وقيادة فتح، فكانت هذه الاتفاقية تعني اعتراف العالم بمنظمة التحرير ونزع صفة الإرهاب عنها، بما يضمن تحوّل قادتها إلى رجال سلطة معترف بهم. بالإضافة إلى إنهاء حالة التشتّت التي تعاني منها المنظمة واضطرارها للتنقّل بين عواصم البلاد العربية. وكان ذلك على ما يبدو أقصى ما يمكن التوصّل اليه من وجهة نظرهم.
وصف إدوارد سعيد هذه الاتفاقية بالعبارة الموجزة التالية: (منظمة التحرير الفلسطينية حوّلت نفسها من حركة تحرّر وطني إلى ما يشبه حكومة بلدية صغيرة، مع بقاء ذات الحفنة من الأشخاص في القيادة).

من هذا المنظور يمكن القول إن أوسلو كانت الخطيئة الكبرى للقيادة الفلسطينيّة، والخطوة العبقريّة الأعظم في تاريخ المشروع الصهيوني، فإذا اعتبرنا أن مشروع الدولة قد قام على وعدٍ أجنبي مكتوب، فإن الاعتراف بهذه الدولة وتفكيك كل وسائل تقويضها، جاء هذه المرة من "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"، وبذلك تحوّلت فكرة الدولة من ورقة، إلى ميثاق دولي تصونه الأمم المتحدة!
 ناهيك عن القول إن سُكّان الأرض الأصليين قد قبلوا بالحصول على أقل من 22% من مساحة الوطن (في أحسن الأحوال)، على أن يكون شكل الحكم فيها "حُكماً ذاتياً" وليس دولة مستقلة ذات سيادة، وهذا ما يتجاوز توقعات القادة السياسيين في دولة الاحتلال.

في الختام نقول، كما أن الاعتراف بالخطيئة هو بداية طريق التوبة، فإن الاعتراف بخطيئة أوسلو هو بداية الطريق لتصحيح مسار الثورة، يضاف اليه، إسقاط هذه الاتفاقية ونبذ كل ما انبثق عنها، والعودة الى ثوابت الثورة الفلسطينية.
مُضيّ ربع قرن على اتفاقية أوسلو كان كفيلاً بإعادة القضية الفلسطينيّة خمسين عاماً إلى الوراء، والأسوأ من ذلك، أن نعلم أن الانحدار سيظل مستمراً، إذا ما أصررنا على التعامل مع الواقع بذات العقلية وذات الشخوص التي قادتنا إلى ممارسة الخطيئة في الظلام، ثم المجاهرة بها بعد أن استمرأنا فعلتنا.

 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

18-9-2018

الاثنين، 10 سبتمبر 2018

ذوبان الطبقة الوسطى وخطر انهيار الأمن الاجتماعي



تؤدي الطبقة الوسطى دوراً حيويا في إحلال التوازن الاجتماعي وما يصاحبه من توازن سياسي واقتصادي للدولة والمجتمع، وكلما اتسعت الطبقة الوسطى في المجتمع ونمت، كان ذلك مؤشراً إيجابياً.
فالطبقة الوسطى غالباً ما تتكون من فئة التجار وأصحاب المنشآت الصغيرة، وموظفي القطاع الخاص، وهي طبقة غالبها من المُثقّفين والمهتمين بشؤون المجتمع والمتذوقين للفن والأدب، الذين يتميزون بقدرة مالية على الإنفاق في مجال التعليم الخاص، والسياحة الداخلية، وارتياد المقاهي والمسارح ودور السينما، يضاف إلى ذلك الاهتمام بالقراءة والمطالعة، ودعم النشاطات الثقافية.
هذه الدورة المتكاملة تعمل في النهاية على دعم الاقتصاد المحلّي واصطباغ المجتمع بحركة إنسانية راقية وجميلة، تحافظ على وهج ونبض الحياة اليوميّة، كما تعمل أيضاً على التوازن بين طبقة الأثرياء وأصحاب السلطة من جهة، وطبقة العمّال ومحدودي الدخل من جهة أخرى. لذلك تُعتبر الطبقة الوسطى صمام ورمز الأمان الاجتماعي.

تكافؤ الفرص

من شروط استمرار وازدهار الطبقة الوسطى، وجود قوانين فاعلة تضمن تكافؤ الفرص، وتوزيع الثروات بشكل عادل، وكذلك ضرورة توفر بيئة اجتماعية تُكافح الفساد والمحسوبية. كما تبرز الحاجة أيضاً لوجود نظام ضريبي عادل، ينظر بعين الخبير في إقرار القوانين الضريبية والاقتطاعات من الأجور.
لهذا نقول إن دور الطبقة الوسطى في الحياة السياسية هو دور حيوي وأساسي، وتاريخياً فقد كان لهذه الطبقة دور فاعل ومؤثر في قيادة المجتمعات نحو التغيير وإرساء الديمقراطية وتحقيق العدل الاجتماعي، ولنا خير مثال في الثورة الفرنسية (التي تبنّتها في الأساس الطبقة الوسطى) وما تلاها من ثورات حقوقية غيّرت وجه العالم الغربي. كما لعبت هذه الطبقة دوراً أساسياً في تعافي الدول الأوروبية من آثار الحرب العالمية الثانية.
كما يصح القول، إن أفراد الطبقة الوسطى غالباً ما يقومون بدعم حركات التغيير والإصلاح السياسي أينما وكيفما تطلّب ذلك، لما يتمتعون به من حس سياسي وثقافة عالية، وإيمان مُطلق بالمبادئ الاجتماعية.

وعند النظر في واقع مجتمعاتنا العربية في العقد الماضي، نجد العديد من المنعطفات التاريخيّة وما رافقها من متغيرّات سياسية واقتصادية (ترافقت بدورها مع تغيّرات اجتماعية)، أدّت في النهاية إلى نشوء ظاهرة انكماش أو تآكل الطبقة الوسطى.
قد يقول البعض إنها نتيجة طبيعية لتطوّر المجتمعات، ولكني أقول إنها نتيجة مباشرة لخسارة صراع التغيير، واستسلامنا لواقع الحال ثم قبولنا مُرغمين بما رسمته دوائر صنع القرار من تكريس لشكل الدولة السلطوية، القائمة على الفساد والمصالح الخاصة، والتي تقوم على استئثار فئة معينة بخيرات البلاد، وانفرادها بمفاتيح اللعبة.

سوء الأوضاع السياسيّة والاقتصادية، وعدم تكافؤ الفرص، دفع أغلبية أفراد الطبقة الوسطى إلى الاهتمام بشؤونهم الخاصة لضمان استمرارهم في نفس المستوى المعيشي، وهذا تطلّب الابتعاد عن الشأن العام، أو بمعنى آخر التقوقع على الذات والتخلّي عن روح المشاركة الايجابية والتفاعل، فيما بحث بعضهم عن فرصة للالتحاق بصفوف طبقة الأثرياء وأصحاب السلطة.
وقد نتج عن هذا إعلاء لقيم التملّك في المجتمع على حساب قيم المشاركة، والأهم من ذلك هروب رؤوس الأموال الى الخارج على حساب دعم السوق المحلي، مع فتح الطريق لدخول الشركات الأجنبية العابرة للقارات إلى السوق الوطني على حساب المستثمر المحلّي.

تغييرات اجتماعية

ما نشهده اليوم من تغيرات اجتماعية، يتمحور في جوهره حول ذوبان الطبقة الوسطى المعتدلة ذات السمات الإيجابية، مع طُغيان الفردية الأنانية وحب التملّك على حساب قيم المجتمع العامة.
ما أود قوله هنا، إن تعريف الطبقة الوسطى، ليس مرتبطاً فقط في معيار الدخل، وإن ذوبان الطبقة الوسطى ليس محدوداً فقط، في تغيّر مستوى الدخول الاقتصادية، وما يتبعه من تغيّر في طبقات المجتمع، ولكنه يعني من وجهة نظري: طمس الهوية الثقافية والمجتمعية لهذه الطبقة، وامّحاء السمات الشخصية لها، ثم تحوّلها تدريجياً، الى طبقة "لا فلزيّة"، سلبية المشاعر، ضعيفة التأثير ومحدودة الفعالية.

إن ما نشهده اليوم من خلو الساحة الثقافية والفكرية، سوى من عدد قليل من المؤثرين الحقيقيين، بعد تحوّل العديد من المثقفين والأكاديميين إلى "أصحاب بزنس"، يُضاف إلى ذلك قلّة الاهتمام بالشأن العام، وما نعانيه من رغبة عالية في التملّك الفردي، واختلال حاد في تقييم البشر بناء على أرصدتهم البنكية، وأثمان مقتنياتهم وليس بناء على مؤهلاتهم أو أخلاقهم وسلوكياتهم، هو نتيجة مباشرة لذوبان الطبقة الوسطى، ولكننا لا ندرك أو لا نريد أن نقر بذلك!

إن ازدياد نسب الجرائم والعنف المجتمعي والانفلات الأمني، مؤشر على خسارة الهوية الاجتماعية وتآكل الطبقة الوسطى ليس بالمفهوم الاقتصادي البحت ولكن بالمفهوم الاجتماعي الإنساني.
فنتيجة لذوبان الهويّة الاجتماعيّة للطبقة الوسطى وانعدام تأثيرها، أصبح المجتمع مقسوماً بين "كبار البلد"، ومواطنين من الدرجة الثالثة!

التصحّر المجتمعي

هاجس ذوبان الطبقة المتوسطة، وما يتبعه من نتائج وخيمة على مجتمعاتنا العربية، هو مادة دسمة يتم تناولها ومناقشتها على مستويات عديدة في العالم، إلا أننا ما زلنا غير مدركين كأفراد، نتائج ذوبان وتآكل هذه الطبقة في مجتمعاتنا.
 وهذا في الحقيقة لا يختلف عن كيفيّة تعاملنا مع الأخطار الأخرى المُحدقة بنا، والتي نسمع ونقرأ عنها الكثير، فمعظمنا على سبيل المثال يقرأ عن مشكلة التغيًر المناخي وذوبان القطب الشمالي أو التلوّث البيئي، وتأثير ذلك على كوكب الأرض، وعلى الصحة ونوعيّة الحياة التي نعيش، ولكننا لا ندرك حقيقةً أو بالتحديد ماهيّة تلك المخاطر، وحتى لو أدركناها فإننا للأسف لا نفعل شيئا يُذكر لمنع حدوثها أو على الأقل تخفيف وطأتها.
ماذا علينا ان نفعل، لإيقاف هذا التصحّر المجتمعي إن جاز التعبير؟
 إن المطلوب هو بكل بساطة، استعادة الإيمان بالقيم الإنسانية والمبادئ التي قامت عليها مجتمعاتنا وآمنت بها،
والاهتمام بجوهر الانسان، وليس بمظهره ومقتنياته.
باختصار علينا أن نستمر في عضويّة "نادي الطبقة الوسطى" بغض النظر عن وضعنا الاقتصادي، وهذه العضويّة تتطلّب منا المحافظة على الهويّة الثقافيّة لمجتمعاتنا، والدفاع عنها واعلائها، مع استمرار النضال في سبيل تحقيق شروط العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، لضمان الأمان الاجتماعي.

المفارقة، أن العالم اليوم مليء بالأجهزة الذكيّة ومترعٌ بالعوالم الافتراضية، ولكنه يحتوي على إنسانيّة أقل! وأخشى إن استمررنا في المضي قدما مع هذا التطوّر دون إدراك للقضايا العامة التي تحيط بنا، والمشاكل الجوهريّة التي تُحدق بنا، أن ينكمش الانسان فينا، فنصبح مجرّد آلة تعمل للكسب، مع فقداننا قيمتنا "الإنسانية"!
لنادي الطبقة الوسطى أدعوكم، فهل من مجيب؟!

 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

9-9-2018