الاثنين، 22 مايو 2017

لماذا خسر برشلونة بطولة الدوري وكيف فاز ريال مدريد؟


فاز ريال مدريد يوم أمس ببطولة الدوري الإسباني بفارق 3 نقاط عن غريمه التقليدي برشلونة، رغم أن فريق برشلونة تفوّق على مدريد في المواجهات المباشرة (فوز وتعادل) وتفوّق أيضاً في الأهداف المسجّلة (116 هدفاً مقابل 106) كما أنه تلقّى أهدافاً أقل من مدريد أيضاً (37 هدفاً مقابل 41). يضاف إلى ذلك تصدر ميسي وسواريز قائمة الهدافين، وهذا يدعو إلى التساؤل كيف خسر برشلونة اللقب؟



أولاً: سوء الإدارة الفنية للفريق من حيث استخدام نفس التكتيك وأسلوب اللعب المكشوف عدا فترة بسيطة من الموسم حين لجأ الى طريقة 3-4-3، بالإضافة الى عدم اختيار التشكيلة المناسبة والتخبّط في اختيار اللاعبين وعدم استغلال التبديلات بشكل مناسب

ثانياً: استهتار بعض اللاعبين في بعض المباريات التي تعتبر سهلة وإضاعة فرص سهلة للتسجيل، مع المبالغة في الألعاب الفردية (خصوصاً من قبل اللاعب نيمار) مما أثر على الأداء الفني للفريق، وهذا يثير الكثير من التساؤلات حول نجومية الفريق واعتماده على أسماء بعينها بحيث يكاد الفريق ان يكون رهناً للنجوم بدلاً من ان يتم تسخير النجوم لخدمة الفريق، ولعل عدم نضج نيمار واعتماده على الألعاب الفردية الاستعراضية، وأنانيته في الكثير من الألعاب، بالإضافة الى تعمّد الحصول على الأخطاء واستفزاز الخصم قد أثر كثيراً على وضعية الفريق في الملعب، ولكن رغم ذلك لم يجرؤ أحد على انتقاد النجم البرازيلي او الضغط عليه من أجل تغيير أسلوبه في اللعب لمصلحة الفريق.


ثالثاً: انخفاض مستوى بعض اللاعبين وعدم وجود بديل مناسب. سيرجي بوسكيتش لعب واحداً من أسوأ مواسمه، سواريز عانى كثيرا في بعض المباريات، ميسي غابت الفعالية عنه في بعض المباريات وعانى من الضغط. نيمار كان انفعاليا في مباريات كثيرة وتسبب بخسارة فريقه. والكثير من الأمثلة
الشاهد في الموضوع أن الجهاز الفني فشل في إيجاد البديل المناسب بل وفشل أيضاً في تدوير اللاعبين لتوزيع الحمل عليهم، والأهم من ذلك أنه لم يتم استغلال لاعبي الاحتياط بشكل مناسب.

رابعاً: هناك أزمة نوع في برشلونة وأزمة كم، يضاف اليها مشكلة في توزيع اللاعبين على مراكز اللعب.
·        الإخفاق الكبير في صفقات اللاعبين هذا الموسم وهذه خطيئة يتحمل مسؤوليتها المدرب والمدير الرياضي ورئيس النادي
·        سوء توظيف اللاعبين في الملعب مع تغيير في المراكز وعدم استغلال اللاعبين في المراكز المناسبة. لم يتم التعاقد مع لاعب ظهير يمين بديلاً لداني ألفيس وتم الاعتماد على لاعب الوسط الممتاز سيرجي روبيرتو الذي فشل في المركز الجديد وكان نقطة ضعف واضحة في العديد من المباريات.
ماسكيرانو الذي يلعب في مركز الوسط المتأخر في منتخب الأرجنتين وكان أفضل لاعب في هذا المركز في كأس العالم الماضية، يشغل مركز قلب الدفاع في برشلونة، ورغم انخفاض مستوى بوسكيتش الا ان المدرب لم يستطع استغلال ماسكيرانو في مركزه الأساسي في خط الوسط.
المدافع الشاب مارلون لم يأخذ حقه في اللعب رغم الأزمة الدفاعية التي يعاني منها الفريق.
·        عدم تصعيد لاعبين شباب من فريق B ربما للمرة الأولى في تاريخ برشلونة ويعود السبب الأول الى اعتماد المدرب انريكي على الأسماء والنجوم المعروفين وعدم امتلاكه روح المغامرة والشخصية القوية.
·        الفريق حالياً يعاني من عدم وجود دكة بدلاء بمستوى متميز (أزمة نوع) رغم وجود عدد كبير من اللاعبين (أزمة كم)، والأهم من ذلك أن الفريق يعاني من تخمة زائدة جداً في عدد لاعبي الوسط مقارنة مع لاعبي الدفاع والهجوم! (مشكلة في التوزيع) مع اعتماد شبه كلي على نجوم الفريق MSN الذي من النادر ان يتم استبدال أحدهم او عدم وجوده في التشكيلة الأساسية ولا يوجد لهم بديل في الفريق سوى اللاعب باكو الذي لم يثبت نفسه.
في خط الدفاع لا يوجد سوى ثلاثة لاعبين في مركز قلب الدفاع (بيكيه ماسكيرانو وأومتيتي) مع عدم استغلال مارلون كما سبق ان ذكرنا
 وهذا يفسر الضغط الهائل في عدد المباريات على الخطين الأمامي والخلفي للفريق.

خامساً: علاقة اللاعبين ببعضهم البعض وعلاقتهم بالمدرب. كانت الأجواء سلبية للغاية بين اللاعبين أنفسهم وبين اللاعبين والمدرب، واللوم هنا على المدرب والجهاز الفني الذي فشل في التواصل مع اللاعبين وفرض شخصية الفريق في الملعب.

هذه الأسباب مجتمعة أدت الى تذبذب المستوى وظهور فوارق فنية هائلة في مستويات الفريق حيث عانى النجوم من ضغط هائل في بعض المباريات مع انخفاض القدرة البدنية رافقها سوء قراءة فنية للمباريات. وإذا كانت هذه الأسباب قد حرمت برشلونة من التتويج ببطولة الدوري رغم تحقيقه ارقاماً مميزة هجومياً ودفاعياً فإنها كانت وراء تقديمه مستويات كارثية في بطولة أبطال أوروبا وتلقيه خسائر كبيرة أمام فرق لم تكن تشكل واجساً لبرشلونة قبل سنوات، ففريق باريس جيرمان الذي سحق برشلونة برباعية كان محطة عبور لبرشلونة لعدة سنوات، وفريق يوفنتوس الذي فاز على برشلونة بثلاثية هذا الموسم كان قد خسر النهائي قبل عامين أمام برشلونة بالذات بنتيجة 3-1 مع الرحمة! وهذا مؤشر على انخفاض عام في أداء الفريق وابتعاده عن مستواه المعروف قارياً للعام الثاني على التوالي.

في حين نجد ان مدريد قدم مستويات شبه ثابتة باستثناء فترة قليلة من الموسم، واعتمد كثيرا على دكة البدلاء والوجوه الشابة، وقام بإراحة اللاعبين وتدويرهم مما ساعد على توزيع الحمل البدني عليهم حيث كانوا جاهزين فنيا وبدنيا في الأوقات الحاسمة، كما استطاع زيدان رفع الروح المعنوية للفريق وبث أجواء الثقة بين اللاعبين الشباب واعطائهم الفرصة لإثبات أنفسهم مما رفع روح التنافس بين اللاعبين.


اللافت أن برشلونة لم يخسر في مواجهة فرق المقدمة خلال هذا الموسم اطلاقاً في حين أنه خسر امام فرق متوسطة المستوى، حيث خسر امام آلافيس (المركز التاسع) سيلتا فيجو (13) ريال سوسيداد (6) وملقة (11)، في حين خسر مدريد ثلاثة مباريات امام فرق قوية هي برشلونة اشبيلية وفالنسيا وتعادل في ستة مباريات ولكنه كان حاسماً في بقية المباريات مع عدم إغفال دور التوفيق والحظ الذي ابتسم للفريق في عدة مباريات.

إذا أراد برشلونة العودة الى سابق عهده، لن يكون كافياً تغيير المدرب والجهاز الفني، ولكن عليه الاستغناء عن عدد كبير من اللاعبين ما بين ستة الى ثمانية، مع عقد صفقات نوعية يتم فيها إعادة تشكيل الفريق وتوزيع اللاعبين على المراكز بشكل متوازن، ورفد الفريق باللاعبين الشباب.
وهذا يتطلب إعادة الاعتبار لمدرسة المستايا التي فقدت الكثير من بريقها في عهد رئيس النادي الحالي والمدرب إنريكي، كما يجب أيضاً تعيين مدير رياضي للنادي صاحب شخصية قوية قادرة على استكشاف المواهب من خارج النادي وقادرة ايضاً على استغلال الموارد البشرية والرياضية للنادي بالشكل الأمثل.
كما يجب على إدارة النادي النظر في الاستغناء عن أحد نجوم الفريق في حال توفر صفقة ضخمة للنادي يستطيع من خلالها إعادة تكوين الفريق وتمويل صفقاته القادمة، فالفريق لا يجب أن يكون رهناً للأسماء.

مبروك لريال مدريد تصميمه وروح الفريق التي لعب بها هذا الموسم وثبات المستوى، مبروك لمدريد استثمار المواهب الشابة واعطائها الفرصة، والى لقاء في موقعة السوبر هذا الصيف J

أيمن يوسف أبولبن

22-5-2017

الاثنين، 15 مايو 2017

متلازمة "فرق في التوقيت"!

متلازمة "فرق في التوقيت"!

يقول أحمد لصديقه سعيد وهما يرتشفان القهوة في أحد المقاهي الشعبية وسط البلد: هناك في علم النفس ما يسمى "اللحظة الفارقة" وهي تلك اللحظة التي تمر على الإنسان بمحض الصدفة أو بمعنى أدق دون تخطيط أو وعي مسبق، ولكنها تُشكّل علامة فارقة في حياته بل تكاد تُعيد تشكيل حياته من جديد، نحو الأفضل غالباً أو نحو الأسوأ إذا لم يُحسن استغلالها، أو إذا ما فوّت تلك الفرصة. لطالما شعرت أني ولدت بفارق توقيت زمني، لازمني عمري كله، بحيث بتّ أشعر أني دائماً ما أفشل في اقتناص تلك اللحظة الفارقة، وغالباً ما تفوتني في غفلة مني، كمن يفوّت موعد طائرته!
 يمكنك القول إني وجدت في الزمان الخاطئ، أو كما يحلو لي وصف حالتي، أنا أعاني من متلازمة (فرق في التوقيت!)

بدايةً، ولدت "عام النكسة"، وانضممت الى جيلٍ نُكس بمجرد ولوجه الى هذه الحياة، ولم تسمح له الظروف بشرف الولادة على أرض الوطن فولد في المهجر، وحُرم من الإشارة الى وطنه السليب على صفحته في التاريخ بالقول (مسقط رأسه!).
سافر أبي الى الكويت ليعمل سائقاً في احدى الشركات ويعيل عائلته التي تضم بالإضافة الى زوجته وأبنائه، والدته وإخوته، وكان دائم الغياب بحيث أني لم أتعرف عليه فعلياً الا بعد ان أُنهيت خدماته وأصبح عجوزاً عاطلاً عن العمل، أي في الوقت الضائع!

أحببت زميلتي في الجامعة وتعاهدنا على الزواج بعد التخرّج، وبعد حصولي على وظيفة محترمة وما أن قبضت راتب أول شهر، ذهبت الى بيت الفتاة مزهواً بسرعة تنفيذ التزامي لها، وكانت المفاجأة أن الفتاة قد خُطبت قبل أسبوع لابن عمها! طبعاً لم أقتنع وطلبت فرصة التحدث مع الفتاة على انفراد، ولكنها أكّدت الخبر وطلبت مني أن نفترق بهدوء وأن أراعي ظروفها العائلية، ثم أشارت من حيث لا تدري الى تلك المتلازمة التي لا تفارقني حين قالت (يبدو أننا التقينا في الزمان الخاطئ!)

أخبرتني جارتنا "أم حسن" المولعة في قراءة الطالع ومتابعة الأبراج والحظ، أنني تأخرت في القدوم الى هذه الحياة بضعة أيام كانت كفيلة في تغيير بُرج حظي، وأضافت أن برجي الحالي لا يتفق مع برج تلك الفتاة، فأنا هوائي وهي مائية! في حين لو أني "بكّرت" قليلاً لتطابقت معها!
تؤيدها أمي وهي تمازحني بالقول إني تأخرت أسبوعاً عن موعد الإنجاب، لأني كنت عنيداً "راسي يابس" ولو أنى التزمت بموعد ولادتي لربما تحسنت فرصي في زواجي من تلك الفتاة!

يقول سعيد في محاولة فك النحس عن صديقه: ولكن هذا لا يستدعي أن تشعر بتلك العقدة، ربما أنها مسألة قسمة ونصيب وربما حظ لا أكثر، يقاطعه أحمد: ولكن الأمور لا تقف عند هذا الحد، فثمّة وظيفةٍ أو شاغرٍ دائماً ما "يُصادف" أن يُغلق قبل أن أحصل على فرصة التقدم له، أو أن يتم تعديل قانون ما أو تعليمات خاصة بالوظيفة بحيث "يُصادف" أن لا يشملني ذلك القانون المُحسّن تبعاً لعمري او تاريخ التحاقي بالوظيفة، وعلى العكس تماماً اذا صدر تعديل ضريبي أو تعليمات يترتب عليها التزامات معينة، فإني وبقدرة قادر أكون أول من تنطبق عليه تلك الشروط الخاصة !

يسترسل أحمد في الحديث قائلاً، تخيّل أني عندما قرّرت الانضمام الى الحركات الثوريّة وذهبت للتطوّع للمشاركة في حرب لبنان عام 1982 تم رفضي بسبب صغر سني، وبعد تخرجي من الجامعة قررت الانضمام الى المنظمة لخوض النضال السياسي في الحركة، ولكن "الختيار" اختار حينها اغلاق القضية بتوقيع تفاهم مدريد تلاه اتفاقية أوسلو التي كانت بمثابة اعلان الطلاق بيني وبين كل ما يتعلق بالمنظمة والفصائل الثورية!

يتساءل سعيد: أنت لم تتزوج الى الآن، هل هو وفاء أم... ؟! يبتسم أحمد ويقول ألم أقل لك! في الحقيقة تعرضت لصدمة بعد تلك العلاقة الفاشلة، ولكني لم أحرم نفسي من خوض غمار تجارب أخرى، لقد أحببت زميلة لي في العمل تعمل معي في نفس الدائرة، وبعد علاقة حب معقدة وطويلة تبيّن لي أنها عاشت قصة حب سابقة مع أحد الناشطين الفلسطينيين الذين وقعوا في أيدي جنود الاحتلال وأستشهد تحت التعذيب. اعترفت لي أنها رغم حبها لي وتعلّقها بي إلا أنها لا ترى نفسها زوجة أحد غيره!
 تدمع عينا احمد ويقول، آخر كلامها كان (يبدو أننا التقينا في الزمان الخاطئ، ربما لو التقينا قبل عشرة أعوام لكنت أحببتك وارتبطنا، بالتأكيد كنت سأحبك!)

أُسقط في يدي سعيد، وبات حائراً فيما يقول، بل أنه هو شخصياً أصبح يميل الى الاعتقاد بصدق تلك المتلازمة التي يتحدث عنها صديقه!

وفي لحظة صمتٍ شاردة، سمعا أصواتاً قادمةً من تحت شُرفة المقهى، ورأيا تجمّعاً لافتاً للمارة ثم لاحظا انتشار قوات مكافحة الإرهاب في المكان، وفي وسط ذلك الازدحام، علا الصراخ وشاهدا أحد الأشخاص المشبوهين وهو يرتدي حزاماً ناسفاً على ما يبدو ويهدد بتفجيره محاولاً الهروب من الأمن، وفجأة ووسط كل تلك الأحداث المتسارعة انطلق ذلك الشخص هارباً وسرعان ما ارتقى درجات المقهى وأصبح على بعد طاولةٍ واحدةٍ منهما!

هرب جميع من في المقهى بمن فيهم سعيد، وحده أحمد وقف جافلاً حائراً متسمراً مكانه غير قادرٍ على الحركة، قفز المُطارَد ذو الحزام الناسف فوق الطاولة التي يشغلها أحمد، ثم صرخ ببعض الكلمات التي لا يُفهم منها سوى نيّته تفجير نفسه ويده تقبض على زر المُفجّر، وفي تلك اللحظة وقف أحمد ودون وعي أمسك بتلابيبه وقال: أضاقت عليك الدنيا وتركت كل هؤلاء البشر كي تأتي وتفجّر نفسك عند هذا العبد الغلبان؟! ووسط دهشة الإرهابي ما كان من أحمد سوى ان مدّ يده وقبض على أداة التفجير بكل تصميمٍ وصلابةٍ قائلاً (بيدي لا بيد عمرو!)؛ سقط الإرهابي على الأرض من هول المفاجأة وانقلبت الطاولة عليه، ثم أطلق ساقيه للريح وفر هارباً الى خارج المقهى وهو يصرخ ويقول مجنون! مجنون!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

15-5-2017