بعد
صدور قانون الإنتخابات الجديد بديلاً لقانون "الصوت
الواحد"
سيء الذكر، أدركت تماماً – ومثلي كثيرون – أن القانون الجديد لا يواكب تطلّعات
القوى المدنيّة والأحزاب السياسيّة الداعية للمشاركة الفعلية في إدارة البلاد
والنهوض بمسؤولياتها ومعالجة القصور في الأداء الحكومي على مدى عقود من الحكومات
المتعاقبة، فالقانون الجديد لا يعالج المشاكل التي أفرزها قانون الصوت الواحد الا
سطحياً، ولا يُعزّز دور الأحزاب السياسية ولا يؤسس لتشكيل لحكومة برلمانيّة كما إدّعى
القائمون عليه، وجاءت نتائج الإنتخابات البرلمانية
الأسبوع الفائت لتؤكد ذلك.
القانون الجديد وإن حمل صفة العمل الحزبي باعتماده
التصويت لقوائم انتخابية، ومنَحَ الناخب حق التصويت لقائمة إنتخابية ولمرشح أو
أكثر ضمن نفس القائمة، إلا أنه أجهض فكرة التكتلات البرلمانيّة والعمل المؤسسي داخل
البرلمان باعتماده فوز القائمة بنسبة من المقاعد تبعاً لنسبة التصويت التي حصلت
عليها بدلاً من فوز القائمة التي حصلت على أعلى عدد من الأصوات بمقاعد الدائرة
كاملةً، وبهذا توزّعت المقاعد النيابية على القوائم الفائزة بواقع مقعد واحد لكل
قائمة، مما أعاد العمل بقانون الصوت الواحد ولكن بطريقة أخرى!
وكان ملاحظاً أن القوائم الإنتخابية لم تُجهد
نفسها كثيراً في تقديم برنامج إنتخابي يرقى لمستوى طموحات الناخبين لعلمهم التام
بعدم قدرتهم على الإلتزام بتنفيذ هذا البرنامج لإنعدام آلية التنفيذ أصلاً!
والأدهى من ذلك أن مرشحي القائمة الإنتخابية ذاتها أصبحوا يتنافسون فيما بينهم
للحصول على هذا المقعد اليتيم، فكان لكل مرشح مقر إنتخابي خاص به ومؤتمرات
وتصريحات خاصة وانتفى بذلك العمل المؤسسي الحزبي، باستثناء قلة قليلة من القوائم وبالأخص
الإخوان المسلمون (التحالف الوطني من أجل الإصلاح).
ومن نواقص هذا القانون أيضاً أنه لم يقدّم
علاجاً للتباين الواضح بين الكثافة السكانية للمُدُن وعدد مقاعد البرلمان الممنوحة
لها (وزن المقعد النيابي)، حيث يلاحظ أن المدن الرئيسية في الأردن (العاصمة عمّان، إربد، والزرقاء) لا تحظى بتمثيل نيابي يتناسب
مع عدد سكانها مُقارنةً ببقية المحافظات، مما يؤشر على إهتمام القائمين على قانون
الإنتخاب بالتوزيع الديمغرافي لمقاعد البرلمان على حساب العدالة وعلى حساب العمل
الحزبي، بالإضافة الى عدم اشتراط حد أدنى من التحصيل العلمي للمرشحين، في الوقت
الذي أصبح من المتعارف عليه وجود حد أدنى من الدرجة العلمية والخبرة الملائمة لأي
وظيفة حكوميّة، فما بالكم بنائب في البرلمان يُفترض به أن ينظر في تشريعات تُسنّ
للدولة، ويمارس دوراً رقابياً على السلطة التنفيذية ؟!
كما
أن القائمين على العمليّة الإنتخابيّة لم يأخذوا بعين الإعتبار ضمان مشاركة المُغتربين
والأردنيين المتواجدين خارج البلاد والذين يبلغ مجموعهم أكثر من مليون مواطن حسب
آخر الدراسات، وهو ما يشكل بحدود 20% من إجمالي الناخبين ! وهذا يثير الكثير من
التساؤلات خصوصاً أننا نعيش في عصر التكنولوجيا ووسائل الإتصالات الحديثة والتي
تجعل من عملية التصويت عبر السفارات في الخارج أو عبر تطبيقات إلكترونية مخصصة،
متاحاً بيسر وقابلاً للمراقبة والتحكم.
بعد
أن إنفضّ العرس الإنتخابي في الأردن وظهرت النتائج النهائية، وجد الناخب الأردني
نفسه في مواجهة الحقيقة المٌرّة، فبالنظر الى توزيع مقاعد البرلمان بواقع مقعد
واحد لكل قائمة وتبعثر الأحزاب السياسية وفقدانها بالتالي الفرصة لتشكيل نواة عمل مؤسسي
داخل البرلمان، يبدو من المؤكد أن هذا البرلمان لن يختلف عن سابقيه وسيكون ذا نزعة
خدماتيّة، وفاقداً لكل الأدوات اللازمة لممارسة دوره التشريعي ودوره الرقابي على
أداء الحكومة، ناهيك عن المشاركة في الحُكم !
هل
كان بالإمكان أفضل مما كان؟
دون شك فإن هناك عدّة إقتراحات وأفكار لتبنّي
وتنظيم قانون إنتخابات عصري يُؤسس لمشاركة حقيقية بين القوى الوطنية المدنية، ويساعد
على توفير الأجواء لتنشيط العمل الحزبي والدفع باتجاه "مأسَسَة"
الدولة، وذلك بالإعتماد على قوائم حزبية تضم عدداً من المرشحين مساوياً لعدد مقاعد
الدائرة الإنتخابيّة بحيث تعمل كل قائمة تحت مظلة حزبية واحدة ويكون لها أجندة
وبرنامج إنتخابي ثابت ومُعلن، تعرضه على الناخب لنيل ثقته، وتفوز القائمة التي
تحصل على أعلى عدد من الأصوات بمقاعد تلك الدائرة "كاملةً".
وبالنظر الى إمكانية أن تقوم الأحزاب بإعداد وتسجيل قوائمها الإنتخابية في جميع
محافظات البلاد، تصبح الفرصة متاحة للأحزاب الرئيسية في البلد لتشكيل البرلمان ونيل
الحق في تشكيل الحكومة، ثم العمل بعد ذلك على تنفيذ وعودها الإنتخابيّة.
أما
بالنسبة للكوتا المعمول بها حالياً، فالأجدى استبدالها بتخصيص رُبْع مقاعد
البرلمان للمرشحين المستقلين خارج قوائم الإحزاب، في منافسة مفتوحة عبر جميع
المحافظات، بحيث يكون لكل ناخب الحق في التصويت لقائمة انتخابية ضمن دائرته ومرشح
مستقل آخر دون الإلتزام بدائرة معينة، مما يعطي للقوى الشبابية والمرأة وباقي
الأقليات فرصة أكبر للفوز والإحتكاك بالعمل المؤسساتي تمهيداً لإنخراطهم في العمل
الحزبي في المستقبل.
رغم
ثقتي الكبيرة أن العمل بهذه الإقتراحات سيكون له دورٌ كبير في تحقيق ما يصبو اليه
الشارع الأردني من تحقيق الخطوة الأولى لبناء دولتهم المدنية الحديثة في ظل
الملكية الدستورية المنشودة، إلا أني أعتقد جازماً أن هذه الإقتراحات وغيرها، لا
يخفى على القائمين على القانون الإنتخابي، وأن صُنّاع القرار في الأردن لا يُحبّذون
قيام دولة مدنيّة لها مؤسسات دستورية قادرة على إدارة البلاد ضمن منظومة
ديمقراطيّة متكاملة، حيث يظن هؤلاء أنهم أوصياء على هذا البلد وعلى شعبه وأن
بمقدورهم هم وحدهم إدارة البلاد بما يضمن مصلحة الوطن والمواطن، متناسين أن هذه
العقليّة هي ذاتها التي أدّت إلى خراب الدول المجاورة وغرقها في مستنقع الفوضى،
وأن لا بديل عن المشاركة الحقيقية الفاعلة والكاملة لجميع القوى المدنية والسياسية
في البلاد، لتحقيق الغاية الدستورية (الشعب مصدر السلطات)، فمتى تصل هذه الرسالة
؟!
أيمن يوسف أبولبن
26-9-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق