الثلاثاء، 27 سبتمبر 2016

الناخب الأردني ما زال يحلم بدولة مدنية !


بعد صدور قانون الإنتخابات الجديد بديلاً لقانون "الصوت الواحد" سيء الذكر، أدركت تماماً – ومثلي كثيرون – أن القانون الجديد لا يواكب تطلّعات القوى المدنيّة والأحزاب السياسيّة الداعية للمشاركة الفعلية في إدارة البلاد والنهوض بمسؤولياتها ومعالجة القصور في الأداء الحكومي على مدى عقود من الحكومات المتعاقبة، فالقانون الجديد لا يعالج المشاكل التي أفرزها قانون الصوت الواحد الا سطحياً، ولا يُعزّز دور الأحزاب السياسية ولا يؤسس لتشكيل لحكومة برلمانيّة كما إدّعى القائمون عليه، وجاءت نتائج الإنتخابات البرلمانية الأسبوع الفائت لتؤكد ذلك.

  القانون الجديد وإن حمل صفة العمل الحزبي باعتماده التصويت لقوائم انتخابية، ومنَحَ الناخب حق التصويت لقائمة إنتخابية ولمرشح أو أكثر ضمن نفس القائمة، إلا أنه أجهض فكرة التكتلات البرلمانيّة والعمل المؤسسي داخل البرلمان باعتماده فوز القائمة بنسبة من المقاعد تبعاً لنسبة التصويت التي حصلت عليها بدلاً من فوز القائمة التي حصلت على أعلى عدد من الأصوات بمقاعد الدائرة كاملةً، وبهذا توزّعت المقاعد النيابية على القوائم الفائزة بواقع مقعد واحد لكل قائمة، مما أعاد العمل بقانون الصوت الواحد ولكن بطريقة أخرى!

  وكان ملاحظاً أن القوائم الإنتخابية لم تُجهد نفسها كثيراً في تقديم برنامج إنتخابي يرقى لمستوى طموحات الناخبين لعلمهم التام بعدم قدرتهم على الإلتزام بتنفيذ هذا البرنامج لإنعدام آلية التنفيذ أصلاً! والأدهى من ذلك أن مرشحي القائمة الإنتخابية ذاتها أصبحوا يتنافسون فيما بينهم للحصول على هذا المقعد اليتيم، فكان لكل مرشح مقر إنتخابي خاص به ومؤتمرات وتصريحات خاصة وانتفى بذلك العمل المؤسسي الحزبي، باستثناء قلة قليلة من القوائم وبالأخص الإخوان المسلمون (التحالف الوطني من أجل الإصلاح).

  ومن نواقص هذا القانون أيضاً أنه لم يقدّم علاجاً للتباين الواضح بين الكثافة السكانية للمُدُن وعدد مقاعد البرلمان الممنوحة لها (وزن المقعد النيابي)، حيث يلاحظ أن المدن الرئيسية في الأردن (العاصمة عمّان،  إربد، والزرقاء) لا تحظى بتمثيل نيابي يتناسب مع عدد سكانها مُقارنةً ببقية المحافظات، مما يؤشر على إهتمام القائمين على قانون الإنتخاب بالتوزيع الديمغرافي لمقاعد البرلمان على حساب العدالة وعلى حساب العمل الحزبي، بالإضافة الى عدم اشتراط حد أدنى من التحصيل العلمي للمرشحين، في الوقت الذي أصبح من المتعارف عليه وجود حد أدنى من الدرجة العلمية والخبرة الملائمة لأي وظيفة حكوميّة، فما بالكم بنائب في البرلمان يُفترض به أن ينظر في تشريعات تُسنّ للدولة، ويمارس دوراً رقابياً على السلطة التنفيذية ؟!


كما أن القائمين على العمليّة الإنتخابيّة لم يأخذوا بعين الإعتبار ضمان مشاركة المُغتربين والأردنيين المتواجدين خارج البلاد والذين يبلغ مجموعهم أكثر من مليون مواطن حسب آخر الدراسات، وهو ما يشكل بحدود 20% من إجمالي الناخبين ! وهذا يثير الكثير من التساؤلات خصوصاً أننا نعيش في عصر التكنولوجيا ووسائل الإتصالات الحديثة والتي تجعل من عملية التصويت عبر السفارات في الخارج أو عبر تطبيقات إلكترونية مخصصة، متاحاً بيسر وقابلاً للمراقبة والتحكم.

بعد أن إنفضّ العرس الإنتخابي في الأردن وظهرت النتائج النهائية، وجد الناخب الأردني نفسه في مواجهة الحقيقة المٌرّة، فبالنظر الى توزيع مقاعد البرلمان بواقع مقعد واحد لكل قائمة وتبعثر الأحزاب السياسية وفقدانها بالتالي الفرصة لتشكيل نواة عمل مؤسسي داخل البرلمان، يبدو من المؤكد أن هذا البرلمان لن يختلف عن سابقيه وسيكون ذا نزعة خدماتيّة، وفاقداً لكل الأدوات اللازمة لممارسة دوره التشريعي ودوره الرقابي على أداء الحكومة، ناهيك عن المشاركة في الحُكم !

هل كان بالإمكان أفضل مما كان؟
 دون شك فإن هناك عدّة إقتراحات وأفكار لتبنّي وتنظيم قانون إنتخابات عصري يُؤسس لمشاركة حقيقية بين القوى الوطنية المدنية، ويساعد على توفير الأجواء لتنشيط العمل الحزبي والدفع باتجاه "مأسَسَة" الدولة، وذلك بالإعتماد على قوائم حزبية تضم عدداً من المرشحين مساوياً لعدد مقاعد الدائرة الإنتخابيّة بحيث تعمل كل قائمة تحت مظلة حزبية واحدة ويكون لها أجندة وبرنامج إنتخابي ثابت ومُعلن، تعرضه على الناخب لنيل ثقته، وتفوز القائمة التي تحصل على أعلى عدد من الأصوات بمقاعد تلك الدائرة "كاملةً". وبالنظر الى إمكانية أن تقوم الأحزاب بإعداد وتسجيل قوائمها الإنتخابية في جميع محافظات البلاد، تصبح الفرصة متاحة للأحزاب الرئيسية في البلد لتشكيل البرلمان ونيل الحق في تشكيل الحكومة، ثم العمل بعد ذلك على تنفيذ وعودها الإنتخابيّة.

أما بالنسبة للكوتا المعمول بها حالياً، فالأجدى استبدالها بتخصيص رُبْع مقاعد البرلمان للمرشحين المستقلين خارج قوائم الإحزاب، في منافسة مفتوحة عبر جميع المحافظات، بحيث يكون لكل ناخب الحق في التصويت لقائمة انتخابية ضمن دائرته ومرشح مستقل آخر دون الإلتزام بدائرة معينة، مما يعطي للقوى الشبابية والمرأة وباقي الأقليات فرصة أكبر للفوز والإحتكاك بالعمل المؤسساتي تمهيداً لإنخراطهم في العمل الحزبي في المستقبل.

رغم ثقتي الكبيرة أن العمل بهذه الإقتراحات سيكون له دورٌ كبير في تحقيق ما يصبو اليه الشارع الأردني من تحقيق الخطوة الأولى لبناء دولتهم المدنية الحديثة في ظل الملكية الدستورية المنشودة، إلا أني أعتقد جازماً أن هذه الإقتراحات وغيرها، لا يخفى على القائمين على القانون الإنتخابي، وأن صُنّاع القرار في الأردن لا يُحبّذون قيام دولة مدنيّة لها مؤسسات دستورية قادرة على إدارة البلاد ضمن منظومة ديمقراطيّة متكاملة، حيث يظن هؤلاء أنهم أوصياء على هذا البلد وعلى شعبه وأن بمقدورهم هم وحدهم إدارة البلاد بما يضمن مصلحة الوطن والمواطن، متناسين أن هذه العقليّة هي ذاتها التي أدّت إلى خراب الدول المجاورة وغرقها في مستنقع الفوضى، وأن لا بديل عن المشاركة الحقيقية الفاعلة والكاملة لجميع القوى المدنية والسياسية في البلاد، لتحقيق الغاية الدستورية (الشعب مصدر السلطات)، فمتى تصل هذه الرسالة ؟!


أيمن يوسف أبولبن
26-9-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن

للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban

الاثنين، 26 سبتمبر 2016

عن اغتيال ناهض حتر



إلقاء اللوم على الفكر الداعشي "لوحده" بالتسبّب بالعنف والوقوف وراء التصفية الجسدية (ناهض حتر مثالاً) ليس دقيقاً

·        التطرّف اليساري والتحريض على قتل المدنيين في سوريا والعراق وباقي الدول بحجة مكافحة الإرهاب، هو جزء من المشكلة
·        كل من يهاجم أو يسخر من رموز الإسلام ومعتقداته، من اليساريين والعلمانيين بحجة مكافحة التطرف أو الحريّة الشخصية، هو سبب في المشكلة (الفرق شاسع بين النقد الإيجابي وبين التهجم والسخرية)، وهو لا يقل عن خطورة مهاجمة المتشددين الإسلاميين للأديان الأخرى
·        كل من يجمع المعارضين للنظام السوري في سلّة واحدة ويدمغها بالإرهاب والتطرّف والعمالة ويحرّض على القضاء عليها وسحقها هو سبب رئيسي في إذكاء العنف والتطرّف 
·        كل من يعتقد بداخله أن الإسلام هو داعش ويتعامل مع المسلمين على هذا الأساس فهو جزء من المشكلة
·        كل من يفرّق بين الأردنيين (أو أي شعب آخر) بناءً على دينهم أو انتمائهم السياسي أو أصولهم، فهو شريك في العنف
·        كل من يجاهر بدعمه للطغاة العرب ووقوفه ضد المطالبات الشعبية "الشرعية" بنيل الحرية والعدالة والمساواة هو سبب رئيسي في العنف
·        وكل من يقوم بإقصاء الآخر ويمنعه من المشاركة في الحياة السياسية، هو مشارك بشكل أو بآخر في تحوّل هؤلاء الى دواعش ( من اليمين واليسار)

باختصار: كل من يعتقد أن فكره ومبادئه هي المبادئ الصحيحة المطلقة وأنه على حق والبقية على ضلال، فهو داعشي بامتياز وإن اختلفت الضفة التي يقف عليها  !


أيمن يوسف أبولبن

26-9-2016

الاثنين، 5 سبتمبر 2016

ولنا في البرازيل عِبْرة


في البلاد التي تحتكم لنظام ديمقراطي، وتمتلك مؤسسات دولة مستقلة، تعمل جنباً إلى جنب لخدمة المجتمع والمواطن وتحقيق مصلحة الوطن على حد سواء، تكون الكلمة العليا للقانون والأنظمة والتشريعات، التي تنظم العلاقة بين مؤسسات الدولة بعضها ببعض وبين تنظيمات المجتمع المختلفة وتخضع لها مؤسسات الدولة ومسؤوليها وأفرادها، فتنعدم بالتالي سُبُل خرق هذه القوانين والأنظمة لأيٍ كان، بما في ذلك "أكبر راس في البلد".

   تمثّل لنا هذا النموذج قبل يومين في "البرازيل" حيث تم إقالة رئيسة البلاد "ديلما روسيف" من منصبها بطريقة قانونية وعن طريق تفعيل دَوْر مؤسسات الدولة، دون تشنّجات ولا ردّات فعل غاضبة، رغم إنقسام البلاد بين مؤيد ومعارض، علماً بأن الجُرْم الذي اقترفته لا يتعدى إخفاء معلومات عن قروض دولية وعدم الإفصاح عن موازنة الدولة الحقيقية (عدم الشفافيّة فيما يتعلق بالمصاريف والمديونيّة). وكانت روسيف قد تعرّضت لإنتقادات شديدة بالرغم من إعادة انتخابها عام 2014 وذلك بسبب فشلها في إنهاء الأزمة الإقتصادية في البلاد مع أنها حقّقت نجاحات قياسية في هذا المجال خلال فترة حكمها.

التيار المؤيد لروسيف يقول أن ثمّة مؤامرة سياسيّة تقف خلفها المُعارضة وتؤيدها بعض الدوائر الفاسدة في مؤسسات الدولة نجحت في "الإنقلاب السلمي" على رئيسة البلاد، ولكن الشاهد في الموضوع أن ثمّ نظام سياسي قانوني يخضع له الجميع ويلتزم بقوانينه، وأن هذا القانون يعلو ولا يُعلى عليه.

 في هذه الدول، يأتي رئيس البلاد لخدمة البلد والمواطن لفترة مُحدّدة ومعلومة يلتزم خلالها بالقانون دون أن يحصل على استثناءات أو معاملة خاصة، ويكون عُرضةً للمُساءلة والمُحاججة بل والمُثول أمام القضاء إذا إقتضت الحاجة، ثم يغادر منصبه بعد أن تنتهي ولايته ليعود إلى صفوف المواطنين العاديين، متساوياً في الحقوق والواجبات مع باقي فئات الشعب، في حين يتم تسخير كل مؤسسات الدولة في عالمنا العربي لخدمة السلطة وحاشيتها وتنفيذ مشاريعها الخاصة على حساب مُقدّرات البلاد، وتصبح الدولة بما فيها مُلكاً لشخص ما أو جماعة تتحكم في مصائر البشر عملاً بالقول المأثور "أنت ومالِكَ لأبيك" ويتم تفصيل القوانين والدساتير بشكلٍ مرن وقابل لاستيعاب كل الخروقات والتجاوزات "الشرعيّة" وهو ما يُعرف اصطلاحاً في شارعنا العربي بالقوانين "المطّاطة". المُضحك المُبكي أن الطبقة الحاكمة هذه تتمتع بحصانة ضد النقد والإختلاف في الرأي وكأنها معصومة عن الخطأ !. 


المُفارقة فيما جرى في البرازيل مؤخراً، أن هذه التهم التي تسببت بإقالة رئيسة البلاد بعد أن تم عزلها ومنعها من ممارسة صلاحياتها في أيار الماضي، لا تصلح لمجرد النقاش في المؤسسات القضائية واللجان المُختصّة في دولنا العربية، ولو حاولنا تخيّل هذا المشهد البرازيلي في أحد بلداننا العربية لكان أشبه بالكوميديا السوداء، فالذين وصلوا الى سدّة الحكم على ظهور الدبابات يعيشون في بلادنا آمنين سالمين وتلهج ألسنة الإعلام لهم بالتلبية والفداء ليلاً نهاراً، ناهيك عمّن يذبح أبناء شعبه قرباناً لكرسي الحكم، ومن نهب خيرات البلاد بحُجّة الخصخصة وجلب الإستثمارات..... الخ القائمة الطويلة من خطايا حكامنا ومسؤولينا، فيما تبدو هذه التهم من أنواع الترف السياسي المُبالغ فيه والذي لا يليق بنا !

البرازيل تلك الدولة القابعة في أمريكا الجنوبية التي تعاني الفقر وما زالت تُصنّف من ضمن الدول النامية رغم انها من البلاد الصناعيّة الصاعدة، استطاعت رغم كل الظروف الإقتصادية والسياسية الصعبة، المحافظة على التعددية الفكرية والحزبيّة، وارساء قواعد للعيش المشترك رغم تعدّد العقائد والأعراق لأكثر من 200 مليون نسمة يقطنون البلاد ويعيشون ضمن 27 ولاية مختلفة، فيما ضاقت بنا بلادنا، وعجزنا عن استيعاب إختلافاتنا البسيطة وتناسينا القواسم المشتركة العُظمى التي تجمعنا، فهنيئاً للشعب البرازيلي.

عندما نقول أننا نحلمُ بوطنٍ يقوم على التعدّدية الفكرية ويحقق الحرية لمواطنيه ويضمن المساواة والعدالة لكافة فئات الشعب؛ عندما نقول أننا نحلمُ بدولة مؤسّساتيّة تُعنى بتعزيز النظام الديمقراطي وضمان عدم تجاوز أي مؤسسة لصلاحياتها المنصوص عليها في الدستور، حتى لو كانت هذه المؤسسة هي أعلى هرم في السلطة، وضمان عدم تجاوز أي فرد للقانون حتى لو كان هذا الفرد هو الحاكم ذاته، فنحن لا نطمح في الحقيقة بأكثر مما حققته شعوب دول العالم الثالث خارج منطقتنا الإقليمية، وليس أكثر مما ورد في الأديان السماوية وما وصّى به الأنبياء وبشّر به الفلاسفة وعظماء التاريخ. هذا الحُلم ليس خارجاً عن المألوف وما هو ببدعة، ولا يتطلب منا سوى الإيمان به وبأنفسنا وقدرتنا على تحقيقه.

مارتن لوثر كينج قال ذات يوم ( لدي حُلْم( I have a dream ! ، أحلم أن أرى أبناء هذا البلد من سودٍ وبيض يتشاركون العيش بحرية ومساواة وتجانس. إغتيل مارتن لوثر كينج ولكن حُلْمه لم يُغتال، بل عاش وتحقّق وأصبح واقعاً ملموساً.
شعوبنا العربية قالت ذات يوم أن لديها حُلْماً، ( حرية عدالة ومساواة ) شكّك البعض في الحُلْم وشكّك البعض الآخر في الشعوب نفسها ولم تؤمن سوى فئة قليلة بنفسها وبالحُلْم، وشعارها (إذا أردت أن تأخذ شيئاً فعليك أن تأخذه بذراعيك وكفّيك وأصابعك).

 هذا الحلم سيعيش وسيتحقق، رُغم تشكيك المُشكّكين ورغم تآمر المتآمرين، ورُغم أنف الفاسدين، ولو بعد حين، كونوا واثقين. 

أيمن يوسف أبولبن
4-9-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن


للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban