في علم الإدارة الحديثة يُستخدم نظام التقييم
الشامل أو ما يُعرف ب "360-degree
feedback"
لتقييم الموظفين ولإعطاء صورة متكاملة عن أدائهم، ويعتمد هذا التقييم على جمع
المعلومات من الجهات التي يتعامل معها هذا الموظف من زملاء وعملاء وجهات خارجية
ومرؤوسين ورؤساء للوصول الى تقييم شامل يأخذ بالإعتبار كل الأبعاد الوظيفيّة
الخاصة به ومقارنتها بواجباته ومسؤولياته والأهداف المرجوّة منه، ويعتبر هذا
النظام من أفضل الأنظمة المستخدمة لتقييم الأفراد نظراً لأخذه بعين الإعتبار
الجوانب التي قد تكون خافية على الإدارة، ولإعتماده على رؤية شاملة لكافة الأبعاد
الوظيفية.
من
المُفيد كذلك، إستخدام هذا النظام في تقييم أفراد المجتمع وأدائهم بالنظر إلى
علاقة هؤلاء الأفراد بمحيطهم الإجتماعي من البيت والحي الذي يسكنون به وعلاقاتهم
بزملاء العمل داخل العمل وخارجه، بالإضافة إلى علاقاتهم بالمجتمع بشكل عام، ولطالما
تفاجىْ الكثير منّا بجوانب خفيّة في شخصيّة أحد الزملاء أو المعارف سواء من
الناحية الإيجابيّة أو السلبيّة، لأننا نعتمد في الغالب على التعميم في تقييمنا
للشخص بناءّ على الزاوية التي نراه من خلالها، أو نتعامل معه من خلالها، وفي حالات
كثيرة نُصدر أحكاماً عامة وشاملة عن جهلٍ منّا أو قلّة معرفة.
لطالما تساءلت في داخلي، عن تأثير المحيط الخارجي في تكوين الشخصية وسلوك
الأفراد، بمعنى آخر لو اختلفت الظروف التي أثّرت على نشأتنا هل سنكون على ما نحن
عليه اليوم؟ لو تعرضنا لتجربة حياة مختلفة عمّا نعيشه في حاضرنا كيف سنتصرف وهل
سنشبه ما نحن عليه اليوم؟ لو وضعت نفسك مكان أحد جنود النازيّة في الحرب العالميّة
الثانيّة كيف ستتصرف، لو تعرّضت لما تعرض له الزنوج الأفارقة في أمريكا من عبوديّة
وظلم وتعسّف ماذا كنت ستتصرف؟ تُرى لو كنت مكان أحد المسؤلين في عالمنا العربي
الذين ننتقدهم ونتعرّض لهم باللوم كل صباح ومساء، ماذا كنت ستفعل وكيف ستتصرّف ؟
بشكل
عفوي وبسيط كنت أرد على هذه التساؤلات بأن الإنسان مُخيّر في هذه الحياة، وأساس
تكليف البشر هو إمتلاكهم حريّة القرار والإرادة، وفي اللحظة التي تنتفي فيها
حُريّة الإرادة والقرار تنتفي مشروعيّة التكليف والمحاسبة، ولعلّ هذا هو سبب رفض
البشر لأي سلطة تفرض رأيها وتصادر حق الآخر في التعبير عن رأيه وإرادته. ولكن هذا
الكلام يبقى نظريّاً وغير خاضع للتجربة العمليّة فأنا أحكم على الآخر من خلال
تجربتي الشخصيّة ومن خلال معرفتي المكتسبة ودون أحاطتي التامّة بظروف ذلك الشخص.
قرأت مؤخراً عن نظرية علميّة حديثة تُدعى نظرية
"الأكوان المتوازيّة أو Parallel Universes" حيث
يسعى القائمون عليها إثبات أن الوجود عبارة عن عدّة أكوان متوازية في أبعاد
مختلفة، أي أن هذه الأكوان متماثلة ولكنها مختلفة في الظروف الزمانيّة والمكانيّة،
وهكذا تتواجد عدّة شخصيات للفرد الواحد في عدّة أكوان، فقد يكون في أحد الأكوان
طالباً جامعياً في الخليج العربي وفي الثاني جندياً في المارينز، وفي الثالث
مُدرّساً في دولة أفريقية وفي الرابع رئيس دولة في أوروبا مثلاً، بمعنى آخر قد
يكون أحدنا بوذيّاً في أحد الأكوان وكاثوليكيّا في كون ثانٍ وغير مُتديّن في كونٍ
آخر !
ويأمل العلماء في إثبات وجود كون ثانٍ موازٍ
لهذا الكون في "بُعد ثالث"، وهذا بدوره سيكشف عن وجود أكوان أخرى في
أبعاد إضافية، في كل منها مجرّة كمجرّتنا، ومجموعة شمسية فيها أرض موازية ومتماثلة
مع هذه الأرض التي نعيش عليها، وهذا من شأنه الإجابة على أسئلة مُحيّرة بالفعل
ولكنه سيؤدي إلى إثارة أسئلة أخرى أكثر غرابة وحيرة.
من الناحية النظرية البحتة من شأن وجود هذه
الأكوان المتوازية والمختلفة في الظروف "الزمكانيّة" أن تعطينا تقييماً
شاملاً ودقيقاً عن حقيقة كل واحد فينا وعن طبيعة شخصيتنا عند تعرضها لظروف مختلفة أوعند
نشأتها في ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية بل وفكرية مختلفة ايضا، لأنه يعطي
الإمكانية لتواجد أبعاد مختلفة لذات الشخصيّة ويُضفي عليها تنوّع ظرفي معرفي ثقافي
وتاريخي، وهذا يدفعنا في النهاية الى التساؤل عن قدرتنا الفعليّة على صياغة
أقدارنا أو إتخاذ قرارات جوهريّة تعيد ترتيب حياتنا، وتعيد صياغة الظروف المحيطة
بما يتوافق مع رغبتنا وإرادتنا.
في النهاية، تبقى هذه مجرد نظريّة تحتاج إلى
الكثير من العمل والجهد للوصول إلى نتائج يمكن الإعتماد عليها ومن السابق لأوانه
مناقشة مدى علميّة هذه النظرية أو مدى موافقتها للدين، ولكن بالنظر اليها من ناحية
فلسفية فكرية بحتة وفي ضوء ما ذكرناه سابقاً عن أدوات تقييم الأفراد، وعن رغبتنا
في إكتشاف حقيقة أنفسنا وعلاقتنا بالظروف المُحيطة، وعن السؤال المحيّر الذي
يطاردنا، هل هذه الأرض التي نعيش عليها والتي لا تشكل سوى بقعة صغيرة من هذه
المجرّة هي محور الكون كله، ولا حياة أخرى خارجها ؟! تبدو هذه النظريّة مثيرة
بالفعل، ومُستفزّة لكثير من الأفكار الفلسفيّة التي لم تكن لتخطر على بال بشر.
أيمن أبولبن
28-3-2015