بعد نشر مقالي حول نظرية الأرض المسطحة، كانت هناك
العديد من النقاشات والردود حول تلك النظرية.
لا شك بأن فكرة الأرض المسطحة متأصلة في التاريخ وفي
علوم الدين، وان هناك العديد من الشكوك التي تحوم حول غزو الفضاء، وهبوط الإنسان
على سطح القمر، إضافة إلى عدّة تساؤلات حول ما تخفيه قارة انتاركتيكا، وهو ما غذّى
الشكوك حول كروية الأرض ودفع بفكرة الأرض المسطحة للبروز الى السطح مجدداً.
الفكرة التي دفعتني لكتابة ذلك المقال، وعرض تلك النظرية
والدعوة إلى نقاشها، كانت بسبب تحوّل فكرة كرويّة الأرض إلى واحدة من المُسلّمات
غير القابلة للنقاش، ونتيجة لذلك توقفت عقولنا عن مجرّد التفكير بها أو تأمّلها. وفوق هذا فلقد توقفنا عن محاولة فهم القوانين
المتعلقة بها وتأثيراتها على حياتنا اليومية المعتادة.
والدليل على ذلك، أن معظم الذين هاجموا المقال، واعترضوا
عليه، ومعظم الذين دخلت معهم في حوار وجدال، لم يكونوا يملكون أدنى فكرة عن
الموضوع "علمياً"، ولم يقوموا بإجراء أي نشاط (عملي أو ذهني) لإثبات أو
نفي تلك النظرية.
والدافع الثاني للكتابة، كان إقحام الدين بشكل مبتذل ومسيء
في هذه القضية. لقد تفاجأت حقيقةً، عندما بدأت في البحث في هذه المسألة من كم المحاضرات
الدينية والفيديوهات والكتب التي تؤيد هذه النظرية أو تلك، وكل معسكر يحاول جاهداً
إثبات أن فهمه لكتاب الله هو الفهم الصحيح، ويتهم المعسكر الآخر بالتخلّف والحياد
عن الحق، دون الالتفات الى الصورة الكاملة، والتي كانت تسيء للدين عموماً بغض
النظر عن صحة أو عدم صحة نظريته، ففي النهاية كان الدين هو الخاسر الأكبر!
من خلال مقالي اليوم أود التحدث عن بعض القوانين
والحقائق التي نتأثر بها بشكل شبه يومي، وتؤكد كروية الأرض، ولتجديد القول إنه مهما
ارتقت الشكوك حول صحة معلومات ناسا وغزو الفضاء والوصول الى سطح القمر وتوثيق
التسجيلات لهبوط أول إنسان على سطح القمر، فأنها لا ترقى إلى مرحلة الثبوت القطعي
(علمياً على الأقل) ، كما انها لا تستطيع دحض حقيقة كروية الأرض، رغم وجود بعض
الأسئلة التي تبقى عالقة.
حركة النجوم حول المحور
هناك محورين للأرض (القطب الشمالي والقطب الجنوبي) وحول
كل من هذه المحاور أو الأقطاب تدور مجموعة مختلفة من النجوم، حيث تتميز النجوم في
القطب الشمالي عنها في القطب الجنوبي، فمن يراقب حركة الأقمار في الجنوب سيشاهد
مجموعة معينة من النجوم تدور حول مركز القطب الجنوبي، والتي تختلف اختلافا تاما عن
النجوم التي تدور حول القطب الشمالي، وهذا يُثبت أن هناك محورين للأرض، ويتطابق هذا
مع كروية الأرض.
إثبات حركة النجوم في القطب الجنوبي
إثبات حركة النجوم في القطب الجنوبي
دوران القمر ودوران الأرض
قامت الصبن مؤخراً بإطلاق مسبار قمري لاستكشاف الجانب
المظلم من القمر، وكانت الصين قد أطلقت قمراً صناعياً في شهر أيار من العام الماضي
ليكون حلقة وصل بين كوكب الأرض والمسبار الذي تم اطلاقه حديثاً.
ومن المعروف أنه بسبب كروية الأرض ودوران القمر حولها،
ودوران كلا الكوكبين حول نفسيهما فإن وجه القمر المقابل للأرض يبقى هو نفسه، فيما
لا يظهر الوجه الأخر للقمر (الوجه المظلم).
وقد سبق لدول أخرى الوصول الى الجانب المظلم للقمر، ولكن
دون الهبوط عليه. ومن خلال الصور والأبحاث فقد بدا الوجه المظلم للقمر مختلفاً
تماما في بنيته عن الوجه الظاهر لنا، مما يؤكد مرة أخرى دوران الأرض، وبالتالي
كرويتها.
خطوط الطيران
من المواضيع التي كانت مثار شك من القائمين على نظرية
الأرض المسطحة، مسار الطائرات الذي يأخذ اتجاهاً أقرب الى الأرض المسطحة.
والحقيقة ان هناك ما يعرف بخطوط الطيران، والتي تختلف عن
مسار الرحلات البرية، وقد كتب د. علي الوردي عن هذه النقطة في كتابه (مهزلة العقل
البشري) وقارن بين خطوط الطيران الحديث التي تأخذ أقصر الطرق بالنظر الى كروية
الأرض وتحدّبها، وبين الرحلات البرية على البعير والدواب، والتي ترتكز على
المسافات الأفقية.
ومن هنا فإن مسار الطائرة يأخذ بعين الاعتبار تحدّب
الأرض، ويتبع خطوط الطيران العالمية، ولا يسير وفق قاعدة الخط الأقصر بين نقطتين
أفقياً، على عكس الأرض المستقيمة.
الغلاف الجوي
من الأمور الواجب الالتفات اليها، هو تأثير الغلاف الجوي
للأرض على الأجسام القريبة منها، بمعنى أن كل ما يقع ضمن محيط الغلاف الجوي ينجذب
للأرض ويتأثر بحركتها، ويصبح وكأنه جزء من حقل مغناطيسي عظيم تكون الأرض مركزه.
ويمتد هذا الغلاف الى مسافة 100 كم عن سطح الأرض وهو ما
يعرف بخط "كرمان"، والذي يفصل بين حدود الغلاف الجوي والفضاء الخارجي.
ولذلك فإن القول (إنه لو كانت الأرض كروية وتدور حول
نفسها فإن هذا يتنافى مع حركة الطائرات التي تنتقل من مكان الى آخر دون التأثر
بحركة الأرض حول نفسها) هو كلام غير صحيح ومنافٍ للعلم.
والحقيقة ان الطائرات لا تخترق الغلاف الجوي للأرض لذا فإنها
تبقى ضمن المجال "المغناطيسي" للأرض وتدور مع دوران الأرض، فالأرض
بالنسبة لهذه الطائرات ثابتة.
المدارات والأقمار الصناعية
لكوكب الأرض مدارات جغرافية دائرية ثابتة، وأي جسم يتم
تثبيته في هذه المدارات يكون في موقع جغرافي ثابت من الأرض ويتحرك بحركتها تماماً
وبكل دقة.
لذا نجد أن الأقمار الصناعية غالباً ما يتم تثبيتها في
هذه المدارات فوق خط الاستواء وعلى ارتفاع قريب من 35 كم. وهذا ما يفسر ثبات هذه
الأقمار بالنسبة للأرض وثبات التقاط اشاراتها من المراكز الأرضية، سواء كانت
لأغراض الاتصالات أو المناخ أو الأغراض العسكرية.
ومن خلال الممارسة العملية، فإننا نقوم بتثبيت اللواقط التلفزيونية
على درجة معينة لتتوافق مع الموقع الجغرافي لهذا القمر الصناعي أو ذاك، وحسب
المدار الذي يدور فيه.
ولعلكم تذكرون أن أول قمر فضائي عربي للاتصالات والذي تم
إطلاقه في أوائل التسعينيات، لم يتم تثبيته بنجاح في المدار وتم فقدانه بعد ذلك،
لأنه لم يأخذ المسار الصحيح.
ناسا تنشر فيديو للأرض من مليون ميل
ناسا تنشر فيديو للأرض من مليون ميل
في النهاية، أجدّد القول بضرورة تقبّل الآخر واحترام
الاختلاف بيننا، واعتماد الحوار سبيلاً وحيداً للنقاش والتواصل وصولاً إلى تقارب
في وجهات النظر، وقواعد مشتركة للفهم.
ونذكر ختاماً بالقاعدة التي تقول، إن أفكاري ومعتقداتي
صحيحة تحتمل الخطأ كما ان أفكار الآخرين بالنسبة لي خاطئة ولكنها تحتمل الصواب!
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
14-1-2019