*سنقرئك فلا تنسى*
(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى * إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ)
الأعلى 6-7
تحدثنا سابقاً عن قضية الناسخ والمنسوخ
وفندنا ما ورد عن نسخ بعض آيات الذكر الحكيم سواءً بالحكم أو بالنص.
ونستعرض اليوم هذه الآية التي وردت فيها بعض
التفسيرات الغريبة التي تقول إن الله سبحانه وتعالى يشاء أن ينسى رسوله بعض الآيات
فتسقط من التنزيل. وما عزّز الالتباس لدى القارىء هي الآية (إلا ما شاء الله)
أولاً: سنقرئك
لاحظوا معي أن الوحي كان ينزل على الرسول صلى
الله عليه وسلم بالصيغة اللغوية الصوتيّة المصاحبة للنص المكتوب، ولولا هذا لما
أسماها الله سبحانه وتعالى "قراءة" قالقراءة تكون من خلال نص مكتوب.
وهذا دليل على ما ذكرناه سابقاً من أن الكتاب العزيز محفوظ من عند الله بالرسم
والشكل وبالصيغة اللفظية أي كما قرأه جبريل على سيدنا محمد وكما قرأه سيدنا محمد
على المؤمنين، ونقل رسمه وشكله لكتبة الوحي، وهذا ينفي كل ما ورد عن القراءات
وتعدد المصاحف.
لاحظوا معي:
(لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه *
فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه) سورة القيامة 16-19
أي لا تبدأ بترديد الآيات وهي تنزل من الوحي
بلسانك حرصاً منك على حفظها، فإن الله سبحانه وتعالى قد تكفّل بجمع هذه الآيات في
قلبك وحفظها ثم قراءتها عليك، فإذا تمت القراءة والجمع، فاتبع ذلك النص المقروء
والمحفوظ في صدرك.
ثانياً: فلا تنسى
لا هنا هي لا النافية وليست لا الناهية، ولو
كانت لا الناهية لوجب حذف حرف العلة من الفعل فيصبح (لا تنسَ)
إذاً هذه الآية تنفي من حيث المبدأ أن ينسى
رسول الله أي شيء من التنزيل، فالوحي محفوظ ولا شك في نسيانه أبداً.
ولو كانت لا الناهية لكانت مسألة حفظ القرآن
منوطة بالرسول صلى الله وعليه وسلم وليست بالله سبحانه وتعالى وهذا يتعارض مع مجمل
النص القرآني عدا عن أنه غير جائز لغوياً.
لهذا نقول إن هذه الآية تطمئن الرسول صلى
الله عليه وسلم بأن نسيان الوحي هو أمر غير خاضع للقوانين البشرية فيما يتعلق بالنسيان
وتشتت الذاكرة وعدم القدرة على استرجاع النص، ولكنه خاضع لارادة الله التي شاءت أن
تتجاوز كل القوانين البشرية الموضوعة والتي يحتكم لها البشر، فيما يخص الوحي.
لهذا جاءت الآية التالية مكمّلة لذات المعنى،
إلا ما شاء الله ان تنسى من المواضيع الأخرى (عدا الوحي) فهذه طبيعة البشر.
باختصار فإن الله شاء أن لا تنسى من الوحي
شيئاً وشاء أن تخضع لقانون النسيان فيما عدا ذلك.
والدليل هو الفصل بين الآيتين، فالآية الآولى
جاءت منفصلة وتامة المعنى، والثانية تحمل معنى آخر متمماً للتي سبقتها، والفصل بين
الآيات هو وقف من الله تعالى، وعلى المفسر والمتدبر في القرآن مراعاة هذا الفصل لأنه
يؤثر مباشرة على المعنى.
أما مسألة البيان والتفسير للقرآن فهي ليست
من ضمن التكاليف للرسول صلى الله عليه وسلم بل هي عملية مكفولة من عند الله سبحانه
للبشرية عموماً وحسب تطور العصور ومرهونة بالمستقبل (ثم إن علينا بيانه).
هذا والله أعلم
أيمن يوسف أبولبن
10-5-2021
#آيات_استوقفتني_5
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق