الأحد، 20 سبتمبر 2015

من قتل إيلان ؟!



فجّرت صورة الطفل السوري الغريق "إيلان" موجةً عارمة من التعاطف الإنساني مع أزمة اللاجئين السوريين وقفزت بهذه الأزمة الى قمّة أولويات الإتحاد الأوروبي والدول المحيطة بسوريا، وقد حرّكت صورة الطفل الصغير وهو ملقىً على شاطىء البحر جثةً هامدة مشاعر النشطاء على شبكات التواصل الإجتماعي وأشعلت سجالاً مُحتدماً بين شبيحة النظام من جهة والمتعاطفين مع الثورة السورية من جهة أخرى. وهذا يثبت أهمية الصورة في عصرنا الحالي والذي يعتمد بشكل كبير على الإعلام والصورة والمؤثرات البصريّة والقدرة على إيصال الفكرة بإستخدام لغة العصر، وكم من حرب اشتعل فتيلها بسبب صورة !

  مما لا شك فيه أن الحزن العميق الذي أحاط بكل من عاين هذه الصورة وغيرها من صور مأساة اللاجئين السوريين لا يقل بشكل من الأشكال عن الغصّة التي تولّدت من تناول شبيحة النظام ومثقفيه المأجورين لهذا الحدث بطريقة فاشيّة مُستفزّة، محاولين إلقاء اللوم على الثورة السوريّة ومن تسبّب بها، بل إنهم اعتبروا هؤلاء اللاجئين عبئاً إضافياً يمكن الإستغناء عنه، فلا وزن لهم ولا تأثير لغيابهم أو لموتهم. كتب أحد الشبيحة (( بدهم حريّة فليذوقوا طعم الحريّة )) وكتب أحد المناضلين والمدافعين عن النظام السوري إن خسارة هؤلاء المهاجرين لا تعد نزفاً ديموغرافياً لسوريا، وهذا يتّفق مع تصريحات النظام الرسميّة التي يعتبر فيها سوريا لمن يدافع عنها وليس لمن عارض النظام وطالب بالإصلاح.

ولم تكن المعارضة السورية أفضل حالاً عندما أبدت توجّسها من استيعاب الدول الأوروبية للمهاجرين السوريين بشكل يسمح بتفريغ سوريا من شعبها ليحل محلهم "مستوطنين" جدد من الموالين لإيران وسوريا، لقد تم القفز عن مشكلة المهاجرين السوريين الإنسانية للأسف وأصبحت المسألة مسألة خلاف ديموغرافي ونزاع سياسي بين فئتين، أما السوريين أنفسهم فلا بواكي لهم !

ومما يُذكر أن صحيفة شارلي ايبدو الفرنسية شاركت شبيحة النظام الاستهزاء بمأساة اللاجئين السوريين وغرق الطفل إيلان، حيث نشرت رسوماً كاريكاتورية تسخر من غرق إيلان، لتوجه بذلك صفعةً مؤلمةً لكل من تعاطف مع هذه الصحيفة تحت شعار حريّة التعبير وهو ما أسميته في مقالٍ سابقٍ لي (العهر الحضاري) ولا شيء يدعو للإستغراب في سخرية الصحيفة، على الأقل بالنسبة لي، لأن من يسمح لنفسه الاستهزاء بالنبي محمد وبمعتقدات الغير ويجد الدعم والمساندة من حكام ومثقفي وشعوب العالم أجمع بمن فيهم أتباع هذا النبي، يسهل عليه الاستهزاء بعد ذلك بدمنا وضحايانا وإنسانيتنا !!   

 أكثر ما يؤلم وينغّص القلب هو محاولة بعض المثقفين لوم السوريين أنفسهم على مأساتهم وعلى ما جلبوه لأنفسهم من انقسام وتشتّت جرّاء مطالبتهم بأدنى حقوقهم الإنسانية من عدل ومساواة وتعددية وحرية رأي، هل يُعقل أن تتداول الصالونات الثقافية وصفحات التواصل الإجتماعي محاولات إظهار الشعب السوري والشعب العربي بشكل عام بالجاهل الذي لا يعرف مصلحته وأنه قد فتح أبواب جهنم على نفسه بثوراته الشعبيّة !

التحليل المنطقي يفرض علينا أن نربط المقدمات بالنتائج وأن نستنتج المجهول من المعلوم، وبأدنى جهد من التحليل المنطقي سنجد أن الثورة السورية لم تكن سبباً لمآسي الشعب السوري بقدر ما كانت هي نفسها نتيجة لإضطهاد النظام السوري على مدى قرون من الزمان، فمن الذي يتحمل مسؤولية ما جرى ؟!

انه لمنطق عجيب وغريب أن نُحمّل الحركات الثورية التي قادت العالم نحو الأفضل، مآسي الديكتاتوريين الطغاة الذين وقفوا في مواجهة هذه الحركات، هل يتحمل تشي غيفارا مثلاً معاناة الشعوب المقهورة التي انتتفضت وثارت على حكامها المستبدين؟ هل يتحمل لوثر كينغ معاناة السود في نضالهم ضد العبودية والعنصرية وهل يتحمل نيلسون مانديلا ذنب الضحايا الذين قضوا في الحرب الأهلية في جنوب افريقيا؟ لقد قادت الثورات الشعبيّة وحركات التحرّر هذا العالم نحو الأفضل وما الأنبياء الا ثوّار ضد الجهل والعبودية والظلم، فهل يتحمل الأنبياء مسؤولية من قضى من المؤمنين في سبيل الإيمان بالرسالة ؟

 ولنا في التاريخ عبرة، لقد أمر سيدنا محمد أنصاره باللجوء الى الحبشة هرباً من استبداد قريش، وذهبوا لها عن طريق البحر، ولا نعلم حقيقةً هل ذهبوا وعادوا جميعهم بسلام ؟! ومن يتحمل ذنب معاناتهم ؟! من السهل بمكان خلط الأوراق وقلب الوقائع ومحاولة تجريم الضحية في زمن قلّت فيه الأمانة وندر فيه قول الحق.
 

لقد سبق وأن تنبأ أدباؤنا في الماضي بمأساة شعوبنا العربية الحاليّة والتي كانت في نظرهم حاصلة لا محالة، لأنهم كما سبق وأن أشرنا ربطوا المُقدّمات بالنتائج، فكتب نزار قبّاني تحديداً عن البحر الذي سيحمل على ظهره أفواج الثائرين العرب لأن بلادهم لن تتسع لهم، ورسم ناجي العلي ايقونته ( حنظلة ) وهو غريق على شاطىء البحر، في صورة تتشابه الى حد كبير بصورة الطفل الغريق إيلان، وحملت كتابات الماغوط الكثير عن غربة المثقف في وطنه وتنبأ بهجرتهم. هذا فيضٌ من غيض، ولكنه كافٍ للرد على مثقفي نظرية المؤامرة "السفسطائيين" الذين يحاولون قراءة التاريخ بالمقلوب وإلباس حركات التحرّر والتقدّم لباس التخلّف والعمالة.
  


  الى كل من يُبشّر بالصمود الوهمي وانتصار حلف المقاومة والممانعة، وهزيمة المؤامرة الامبريالية الصهيونية، ويا من تلومون الثورة ومسانديها على خراب البلاد وتهجير أهلها، لوموا أنفسكم ولا تلوموا الضحية وكفاكم تدنيساً للتاريخ !

  في النهاية، علينا جميعاً أن نتكاتف لتقديم يد العون والمساعدة لهؤلاء اللاجئين في أزمتهم الإنسانيّة، وعلينا الضغط على حكومات البلاد التي نقيم فيها والمؤسسات الإنسانية للمساعدة على احتواء هذه الأزمة والتخفيف من معاناة هؤلاء اللاجئين على قدر الاستطاعة، وأننا لنرجو الله أن ينتصر لهم قريباً مصداقاً لقوله تعالى (( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ*  الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ )) يا الله ما النا غيرك يا الله !


أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
18-9-2015



للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban

الخميس، 17 سبتمبر 2015

أفلاطون والعالم الآخر

أفلاطون الفيلسوف اليوناني المعروف وتلميذ سقراط


أنشأ مدرسته الخاصة في حديقة، خارج أثينا تحمل اسم البطل الإغريقي أكاديموس، ومن هنا نشأت تسمية الأكاديمية المعروفة حاليا
عالم الأفكار
اعتقد أفلاطون أن هناك عالما للأفكار وراء كل ما يحيط بنا، فوراء البشر هناك فكرة البشر، ووراء الجياد هناك فكرة الحصان وهكذا.
 أي أن هناك عالما آخر وراء عالم الحواس حيث توجد المثل العليا الأبدية وهو ما سمي ب #نظرية_الأفكار
وانطلاقا من هذه النظرية، قال أفلاطون أن الإنسان مُركّب من جزئين، جسد يخضع للتحولات الفسيولوجية ويرتبط بعالم الحواس وهو زائل، أما الجزء الآخر فهو النفس والتي هي مقر العقل وتستطيع أن ترى عالم الأفكار لأنها عاشت هناك قبل أن ترتبط بالجسد.
يقول أفلاطون : ( إن الناس تكتفي بالعيش بين الظلال غير مدركين أنها ليست إلا صورا، وأن النفس خالدة في عالم الأفكار )
وبهذا يكون أفلاطون قد وضع أقرب النظريات ل #العالم_الآخر وعلاقة الجسد بالنفس، وذلك في القرن الرابع قبل الميلاد ! !

 أيمن أبولبن
17-9-2015

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

البحث عن الحقيقة الناقصة

البحث عن الحقيقة الناقصة




   أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

خلال الأسبوع الماضي قام تنظيم داعش بإعدام عالم الآثار السوري الدكتور "خالد الأسعد" بقطع رأسه ثم تعليق جثته في أحد الميادين العامة في مدينة تدمر الأثرية.

  اختلفت طرق تعاطي مستخدمي الشبكات الإجتماعية أو ما يطلق عليهم (النشطاء) مع هذه الحادثة كما اختلفت تغطية وسائل الإعلام لتفاصيل الحدث.

   بعض النشطاء نقل الخبر وركّز على تهمتين فقط من أصل خمسة تهم نشرتها داعش في حيثيات الحكم، وهاتان التهمتان هما: (( العمل في مجال الأصنام وحضور المؤتمرات التكفيرية )).
هذا الطرح بالذات وإبراز هاتين التهمتين دون غيرهما هو تسطيح للأمور لا يخلو من الجهل المبطن، هذا لا يعني بأي حالٍ من الأحوال أن داعش ليست تنظيماً ظلامياً يحارب الحضارة والثقافة، ولكن التركيز على هذه التهم دون غيرها سواءً بقصد أو بدون قصد يدل على تحيّز ومحاولة تسليط الأضواء على جزء معين من الحدث، بهدف اظهار التنظيمات الإسلامية عموماً والتنظيمات المتطرفة على وجه الخصوص بالتنظيمات الجاهلة المعادية للحضارة والعلم والمعرفة.


قسم آخر ركّز على تهمة التعامل أو التخابر مع شخصيات رسمية في المخابرات السورية بهدف التلميح الى ان الرجل قد لقي العقاب الذي يستحقه متناسين او متغافلين عن أن تنظيم داعش لا يملك صلاحية محاكمة افراد الشعب السوري على انتماءاتهم ولا يملك القدرة على التقصي واثبات التهم الموجهة لهم او اعطائهم حق الدفاع عن انفسهم.

بأي حق ينصب هذا التنظيم نفسه حاكماً بأمر الله ؟! ومن جهة أخرى من أباح لهذا التنظيم أو لغيره قطع رؤوس الناس وتعليق جثثهم أو صلبهم بإسم الله وفي سبيل إعلاء كلمته ؟! 

  الحقيقة التي لم يبحث عنها أيٌ من هؤلاء النشطاء، لأن الحقيقة في الغالب لا تعني لهم الكثير وجُلُّ اهتمامهم يقع على قطف بعض التفاصيل هنا وهناك لتعزيز رؤيتهم وأفكارهم المتأصلة عندهم، أقول ان الحقيقة تكمن بين السطور وفي التفاصيل التي وردت من بعض المصادر الإعلامية الموثوقة وبناءً على أنباء من مصادر مُقرّبة من الحدث، تتحدث عن اختطاف عالم الآثار واحتجازه لمدة يومين او ثلاثة قبل قتله وتعرّضه للتعذيب الوحشي بهدف الحصول على معلومات حول قطع أثرية مهمة جداً كان قد أخفاها حتى لا تقع في أيدي التنظيم، ولمّا فشل التنظيم في انتزاع اي معلومة تفيده تخلّص من الرجل ثم فبرك مجموعة من التهم وأطلقها كي يلتقطها الإعلام وبعض الناشطين ويملأوا بها فضاءاتهم الإفتراضية. أي أن ماكينة الإعلام الداعشية ان صح التعبير عرفت ما هي الرسائل التي ستتلقفها وسائل الإعلام ونشطاء الشبكات الإجتماعيّة وقذفتها لهم !

  أغلب الظن، وما أرجحه شخصياً أن الأسعد قد توفي تحت التعذيب (وهو رجل ثمانيني) مما أضطر قادة التنظيم إلى فبركة الموضوع بقطع رأسه ثم تعليق جثته.

   من السذاجة بمكان الإعتقاد أن تنظيم داعش هو مجموعة من الجهلة والمتخلفين حضارياً، هدفهم الوحيد هو إقامة كيان مستقل لهم عن طريق القتل والنهب والسلب وسبي النساء، في الحقيقة أن هذا التنظيم يضم في صفوفه العديد من الخبراء في مجال التسويق الإعلامي وعلم الإجتماع والعمليات الميدانية والبترول والآثار وغيرها من الميادين، ولديه قائمة طويلة من الأهداف قصيرة المدى وبعيدة المدى ومما يؤسف عليه أنه ماضٍ في طريقه بنجاح حتى الآن، وأحد أهم أهدافه هو السيطرة على الموارد الإقتصادية واستغلالها، ومن هذه الموارد (تجارة الآثار).

   تناول الإعلام ونشطاء الشبكات الإجتماعية للأخبار بات قريباً من برامج الفوتوشوب (القطع واللصق) ليس كيفما اتفق بل بناءً على رغبات شخصية في إيجاد ما يستسيغه الشخص أو ما يرغب أن يسمعه، فهو لا يهدف الى البحث عن الحقيقة أو المعرفة الكاملة بل هو يتعمد البحث عن المعرفة الناقصة والتركيز على جزء من الصورة وإغفال الباقي لتعميق أفكاره وتعزيز روايته الشخصية للأحداث الجارية حوله.

قبل أيام انتشر خبر تغيير حكومة حماس في غزة اسم مدرسة تحمل اسم الشهيد "غسان كنفاني" الى اسم "مرمرة"  (السفينة التركية التي حاولت فك حصار غزة عام 2010) تلقف هذا الخبر كل من يحمل ضغينة لحماس من الفصائل المختلفة وكل من تتقاطع رؤيته مع الإسلاميين عموماً وبدأت حملة نشر الغسيل الوسخ لتظهر من خلالها ما تكنه صدور هؤلاء، لقد تناسوا جميعاً في لحظة غضب أن حماس وجناحها العسكري يمثلون آخر ما تبقى من أمل للمقاومة الحقيقية في فلسطين المحتلة، لقد نسي هؤلاء أدوار البطولة التي لعبها الجناح المسلح لحماس في حرب غزة الأخيرة، والدور الصمودي في وجه الإحتلال الاسرائيلي رغم كل الحصار والتجويع والحروب المتتالية.

  لم تعط هذه الفئة من النشطاء نفسها فرصة ساعة واحدة للتأكد من صحة الخبر أو التحقق منه أو التريث قليلاً لفهم أبعاد الموضوع على أقل تقدير، ما هي سوى دقائق بمجرد ان مرّوا على الخبر مروراً سريعاً أو لمحوا احدى التغريدات أو البوستات حتى بدأوا بكتابة صفحات عريضة وتغريدات لا تنفد من انتقاد لحماس وللظلاميين الذين يريدون أن يمحوا تاريخ شهداء الأدب .... الخ القائمة !.

  ما لبث أن إتضح عدم صحة الخبر، وأن اسم " مرمرة" قد أطلق على مدرسة للإناث بمحاذاة مدرسة "غسان كنفاني".

لو أخطأت حماس أو غيرها في حق شاعر أو أديب أو شهيد أو أي مواطن فلتلعلو أصواتنا بالحق ولنوصل رسالتنا قوية واضحة وصريحة ولكن دون شتم وردح وقذف واتهام بالعمالة والخيانة، وذلك بعد التأكد من المعلومة وصحة الخبر وفهم أبعاد القضية.

الى متى سنبقى غوغائين بهذه الطريقة، نفتقد لأدنى شروط المصداقية في الكتابة أو نقل الخبر ؟! والى متى سنبقى انتقائيين في تعاطينا مع الأحداث الجارية حولنا. لا عجب أن يفشل الربيع العربي وتفشل كل محاولات النهضة طالما أننا نتعامل مع الأحداث بهذه السطحية والعبثية، وطالما أننا نصر على البحث عن الحقيقة الناقصة التي ترضي غرورنا !!

  

أيمن أبولبن
28-8-2015




للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban