لو تجرّدنا من مشاعرنا
الخاصة تجاه الصراع العربي الاسرائيلي ، وبحثنا في حادثة الباقورة بتجرّد لخلصنا
الى نتيجة مفادها أن ما قام به الجندي الدقامسة لا يمكن تصنيفه من ضمن أدوار
البطولة، فاطلاقُ النار على فتيات مدنيّات ليس من شيم الأبطال المغاوير وليس من
شيمنا كعرب ولا من صفاتنا كمسلمين، ولكن الباحث في خلفيّات القضية لا بد وأن يقف
على مجموعة من الاعتبارات والظروف المحيطة في الجريمة والتي تشير الى أن الدقامسة
وان لم يكن بطلاً فانه وقع ضحيةً لهذه الظروف .
الدقامسة كان ضحيةً للنظام
السياسي في البلاد وضحيةً للنظام الديمقراطي المُوجّه، الذي أفرز نواباً لا يمثلون
الشعب حقيقةً وانما يمثلون عشائرهم ومعارفهم ، هؤلاء النواب أجازوا تمرير معاهدة
السلام التي رفضها وما زال أغلبية الشعب الأردني ، معاهدة السلام هذه مهّدت الظروف
للتطبيع مع اسرائيل بل وفرضته على ارادة الشعب ، وكان الدقامسة أول ضحايا اتفاق
السلام غير المتوازن.
الدقامسة الذي يحمل على ساعده وشم فلسطين ،ويحمل
في ذاكرته ما تعلّمه من حب الوطن ، تكوّنت لديه قناعة بأن من أغتصب الأوطان لا يصلح الا أن يكون عدواً ونداً في المعركة وليس
صديقاَ أو زائراَ مُكرّماَ ، وعندما التحق بالجيش كان هدفه أن يحمي الأوطان وأن
يبذل روحه للذود عن حماه ، شاءت الأقدار أن تنتقل وحدته العسكرية الى أراضي
الباقورة التي عادت الى الأردن بموجب اتفاقية السلام ، وعلى خط المواجهة مع العدو
القديم -الصديق الحالي، لم يكتف القدر بهذا التناقض ، بل ان حظه العاثر وضعه في
اختبار صعب في كيفية التعامل مع الغطرسة الاسرائيلية الصهيونية وجهاً لوجه ، بعد
أن تعرّض لأقسى اختبارات التحمّل ، الا وهي السخرية من شعائره الدينية.
في خضم تجردنا وبحثنا عن
الحقيقة علينا أن لا ننسى أن الفتيات الاسرائيليات جعلنَ من هذا الجندي البسيط أضحوكة
، ومن صلاته مصدر سخرية واستهزاء ، ولكن أحداً لم يوجه أصابع الاتهام الى الضيف
الذي أهان مُضيفه!!
الدقامسة وقع ضحية دولة تحاكم شعبها ولا تملك الارادة لمحاكمة
جلاديها ، وفي هذا مُخالفةٌ لنواميس الكون ولتعاليم الأديان السماوية كافة ، هذا
اخلالٌ واضح في مبدأ العدل وتعميمه على الناس كافة .
يقول الله تعالى " وإذا حكمتم
بين الناس أن تحكموا بالعدل" ، ويقول أيضاً "
وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ
بَيْنَكُمُ" فان حققنا العدل في جانب وأخفقنا في
تحقيقه في الجانب الآخر ، اختل ميزان العدل ،
على النقيض تماماً نرى أن
العدو الاسرائيلي حريصٌ كل الحرص على أبناء جلدته فالجندي الاسرائيلي-أو لنقل
المواطن الاسرائيلي- محميٌ باسم القانون ما دامت الضحية غير يهودية ، وكل ما عدا
ذلك فهو مباح !!
المطالبة بالافراج عن الدقامسة تستند الى أسباب قانونية كثيرة ،
صحيح أن موجة المطالبات الشعبية الأخيرة اعتمدت على العاطفة ، ويمكن اعتبارها
"فزعة" لمقتل القاضي زعيتر ، ولكن
بالرجوع الى أهل الاختصاص يتبين لنا أن الدقامسة قد أنهى مدة الحكم منذ عامين ،
ولا أحد يجرؤ على الخوض في هذا الحديث ، بل أنه من الواضح أن القرار الذي اتخده
"السيستم" يقضي بأن لا يرى الدقامسة
النور ، وأن يخرج من السجن الى قبره مباشرة ،
الحكم المؤبد الذي ناله
الدقامسة ينص على امضاء 20 عاماً في السجن ، والقانون الجنائي في البلاد ينص على
أن المدة القانونية للعام الواحد يتم احتسابها على أساس 9 أشهر وليس 12 شهراً ،
وبحسبة بسيطة تكون المحكومية في حالة الدقامسة هي 15 عاماً ، وها هو يدخل عامه
الثامن عشر !! ليس هذا فحسب ، بل ان القانون يجيز اكمال المحكومية في مكان اقامة
المحكوم اذا توافرت أسباب موجبة لذلك منها الحالة الصحية على سبيل المثال،
بعيداً عن البعد القانوني للمسألة ، هناك رسالة واضحة من جميع
المُطالبين بالحرية للدقامسة الى العدو الصهيوني مفادها أننا سنعاملكم بالمثل ، ان
انتصرتم لضحايانا انتصرنا لضحاياكم ، والا فاننا سنعامل مُجرمينا كما تعاملوا مُجرميكم
. الحرية للدقامسة ليس لأنه بطل ولكن لأنه ضحيةٌ يُشبهنا ، ولأن ما فعله كان من
الممكن أن أقوم به أنا أو أنت أو أي مواطن غلبان آخر .
أيمن أبولبن
22-3-2014