الاثنين، 6 يناير 2014

مفهوم المسؤولية "بالعربي"


مفهوم المسؤولية "بالعربي"

   في علم الادارة يوجد عدة تصنيفات للمدراء، فهناك مدير يستمد القوة من المنصب الذي يشغله والصلاحيات الممنوحة له، دون  أن تتوافر لديه المهارات اﻻدارية اللازمة للنجاح، وهناك بعض المدراء المتميزين ولكنهم يفتقدون للكاريزما ولصفات القائد ، وهؤلاء يفرضون الأوامر فرضاً ويلوّحون بالعصا والجزرة (سياسة الثواب والعقاب) لتنفيذ برامجهم. أما المدير الناجح فهو من يستطيع أن يجمع بين صفات القائد المُلهم والالمام بكافة الجوانب الفنيّة والمعلوماتيّة ضمن نطاق مسؤولياته، بالاضافة الى الالتزام ،وهذه الوصفة تُعرف ب Lead By Example .

  محدودة هذه الفئة من المدراء الى أبعد مدى ، ولذلك نجد العلاقة شائكة بين الموظفين والمدراء وتبدو خالية من الكيمياء الجاذبة ، وعلى اﻷغلب يشعر الموظفون بفجوة بينهم وبين مسؤوليهم ويظهر هذا واضحاً في الشكوى والتذمر الدائمين للموظفين بشكل عام .

   في حياتنا اليومية، وخارج النطاق المهني ، نحن نعمل تحت ادارة مدراء أيضاً ولكن من نوع آخر فهؤﻻء يديرون  شؤون حياتنا ويقودون مجتمعاتنا ومؤسسات الدولة، انهم القادة السياسيون والمسؤولون الرسميون ، وهم يمارسون الادارة ولكن بمفهوم أشمل وأعم .

   في دول العالم المتقدمة، نجد أن معظم الذين يتولون المناصب العامة بشكل أو بآخر هم خبراء في مجالهم، والأهم من ذلك أنهم يتحلّون بروح المسؤولية ويتخذون من مناصبهم وسيلة لتحقيق أهداف مجتمعاتهم والرُقي ببلادهم وهو ما يجعلهم محط احترام وتقدير الناس والمجتمع . لذلك نجد أن أي مسؤول يشغل منصباُ عاماً في هذه الدول ، يكون لديه أهدافاً واضحةً ومحددة ، وخارطة طريق لتحقيق هذه الأهداف خلال فترة زمنية محددة ومعروفة، ويتم الحُكم على هؤلاء المسؤولين بمقدار نجاحهم في تطبيق الخطة الموضوعة والوصول الى الأهداف المرجوّة منهم.

   بناءً على هذه المُعطيات، من الطبيعي أن نسمع في نشرات الأخبار اليومية عن استقالة مسؤول رفيع من منصبه "طوعاً" لعدم تمكنه من ادارة أزمة ألمّت بالبلاد، أو أن رئيس وزراء بلد ما دعى الى انتخابات مُبكّرة لانخفاض شعبيّة حكومته، أو أن مسؤولاً "طلّق" الحياة السياسية وآثر الانزواء الى حياته الخاصة بعد أن ثارت حوله شبهات فساد مالي أو اداري. في بعض الثقافات قد لا يكون الفشل مقبولاً في أي حال من الأحوال، ففي اليابان على سبيل المثال يكون الانتحار هو الخيار الأنسب بدﻻً من تحمل "عار" الفشل أو الفساد والرشوة.

  أما في بلادنا العربية فمفهوم المسؤولية مختلف تماماً ، فنحن العرب لنا خصوصية في كافة مفاهيمنا كما تعلمون، فنحن ننظر إلى المسؤولية والمنصب  من باب الجاه والوجاهة و المنافع التي تجلبها لنا ، بالاضافة الى العوائد المالية والصلاحيات والتسهيلات التي توفرها  . فالسياسات العامة لمجتمعاتنا غائبة والشفافيّة مفقودة.

   المسؤولية عندنا تعني أن يكون لديك القدرة على تجاوز القانون والحصول على منافع شخصية " بحماية القانون" ، أما نجاح المسؤول فيُقاس بمدى النجاح في استغلال المنصب والخروج غانماُ سالماً معافى !!! الا من رحم ربي .
 
   الغريب أنه اذا انخفضت شعبية مسؤول ما، ارتفعت أسهمه في "سوق المناصب" وارتقى عالياً في سلّم المناصب العليا، وكلما ثارت حوله شبهات فساد اذا به يتوسّع في الصلاحيات والنفوذ، وبمجرّد دخوله الى عضوية نادي المسؤولين فليس من الوارد مغادرته طالما بقي على قيد الحياة !! الفجوة بين المواطن والمسؤول أصبحت عظيمة جداً ﻻ تقارن بالتوتر والحساسية التي تشهده علاقة الموظف بمديره ويمكن تصور مدى اتساع هذه الفجوة من خلال الحملات الشعبية للمواطنين الغلابة  والتي تحمل شعارات تعكس نظرة المواطن للمسؤول، وآخر هذه الحملات تحمل شعار لماذا يكرهوننا ؟!

      لم يكن من المُستغرب اذاً أن تشهد بلادنا موجات متلاحقة من الثورات العربية في السنوات الأخيرة، بالنظر الى أحوال المسؤولين في بلادنا، ولكنه بالتأكيد من سابع المستحيلات ان تشهد دولة مثل اليابان أو سويسرا، أو السويد مثلاً ثورات مُشابهة، حتى ولو بفعل مؤامرة كونية حقيقية !!
 
 يراودني حُلمٌ بين الحين والآخر، أن مسؤولاً في بلادنا استقال من منصبه لعدم تحقيقه الأهداف المأمولة منه ، أو أن مسؤولاً عقد مؤتمراً صحافياً أعلن فيه أنه مُصابٌ بمرض عضال يمنعه من مزاولة مهنته ، أو أن أحد المسؤولين رمى بنفسه من سطح أحد البنايات الشاهقة لثبوت تعاطيه رشوة ولتورطه في قضايا فساد عامة ، لا أدري أن كان حلماً قابلاً للتطبيق ؟!

   قرأت ذات يوم مقولة منسوبة إلى  هتلر يقول فيها " لا توجد أعذار، اذا كنت ناجحاً فلست بحاجة الى أعذار، أما اذا فشلت فالأفضل أن لا تكون موجوداً كي لا تختلق الأعذار"  عندما ما سقطت برلين انتحر هتلر ومعه ثُلّة من قادة الجيش وعائلاتهم ، هرباً من الفشل ومواجهة مصير الخاسر، وعندما ألقى امبراطور اليابان خطاب الاستسلام في نهاية الحرب العالمية الثانية ، انتحر عدد كبير من جنرالات الجيش لشعورهم بالفشل ، وعجزهم عن حماية بلادهم ، ولكم أن تستعيدوا من ذاكرتكم ما حصل في بلادنا العربية بعد خسارتنا لمعارك فاصلة في تاريخنا لتعرفوا معنى المسؤولية "بالعربي" !!!
   


أيمن أبولبن
1-1-2014
ayman_abulaban@yahoo.com





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق