في احدى الندوات التي عقدت في مصر باشراف حركة "علمانيون"، في بداية التجييش والحشد ضد النظام الحاكم
في مصر وضد الاخوان المسلمين، تحدث أحد المحاضرين الذي تم تقديمه "بالروائي" والخبير في العلوم السياسية، عن الفاشية
الدينية وهاجم منهج الاسلاميين بشكل عام، وأتهمهم بالفاشية ورفض الآخر، ليس هذا و حسب،
بل أتهم المسلمين الأوائل – ورسولنا الكريم ضمناً- بقبول فكرة التعايش في حالة
الضعف، وانقلابهم عليها بعد الوصول الى السلطة وتمكنهم منها، محاولاً اسقاط التاريخ على واقح
الحال في مصر اليوم، وربط ذلك بقبول الاخوان لفكرة المشاركة قبل انتخابات الرئاسة،
ومن ثم انقضاض الاخوان على الآخرين وعدم قبولهم لمبدأ المشاركة بعد وصولهم الى سدة الحكم .
ويستشهد على ذلك ، بتبني المسلمين شعار "لكم دينكم ولي دين" حين كانوا مستضعفين في مكة، ولكنهم في
فتح مكة، وضعوا هذا الشعار خلف ظهورهم، وحطموا الأصنام، وألغوا الآخر ورفضوا فكرة
التعايش مع كفار قريش، ومن هنا بدأت الفاشية الاسلامية، حسب المتحدث في هذه الندوة
!!
من الواضح ان المتحدث قد أماط اللثام عن الوجه
الحقيقي للعلمانية في بلادنا، فلم يقتصر الحديث عن الرغبة باقامة دولة مدنية، وفصل
الدين عن السياسة، بل تعداه الى النقد المباشر للدين والمتدينين، فهو ينتقد الاسلام
كدين وفكرة.
دعونا نضع جانباً الاساءة للدين، ونستعرض هذا
الحديث بأسلوب منهجي، علينا أولاً أن نوضح أن أحد أهم مقاصد الاسلام، هو ربط العبد
بالخالق مباشرة دون واسطة ودون الحاجة الى وسيلة أو رابط، ولهذا شدد الاسلام منذ
البداية على ازالة كل ما يحول بين العبد
وربه، وعلى توحيد الألوهية.
لو استعرضنا حال الأديان السماوية الموجودة في
جزيرة العرب قبل مجيء الاسلام، لوجدنا أن المسيحية انحرفت عن مسارها الصحيح، بدخول
مبدأ الايمان بالثالوث ( الرب والابن وروح القدس ) وظهور الرهبانية، التي تحولت شيئا فشيئا
لتصبح واسطة بين العبد وربه.
اما اليهود فقالوا ان عزير هو ابن الله، وانهم
شعب الله المختار فوق شعوب العالم، ولم يؤمنوا بالمسيح نبي الله المرسل اليهم، بل
قتلوه – على اعتقادهم - أما العرب اتباع دين ابراهيم، فقد ابتدعوا الأصنام وعبدوها
كوسيلة لعبادة الله، لتصبح في النهاية غاية، حيث انتشرت عبادة الأصنام في الجزيرة العربية، وامتلأت الكعبة بشتى انواع
الأصنام، والآلهة المبتدعة .
هذا هو المشهد، انحرافٌ تامٌ عن المسار الصحيح،
وتشتت الناس على اختلاف أديانهم عن عبادة الله عز وجل، على النهج السليم الذي أراده
سبحانه وتعالى، فكان من الواجب تغيير هذه المفاهيم واعادة ترسيخ مبدأ العبودية لله
وحده، دون واسطة ودون الحاجة الى اولياء او رهبان يوصلوننا الى الله، ومن هنا نقول
ان تحطيم الأصنام وترسيخ فكرة ربط العبد بربه مباشرة، هو احد أهم مبادىء الاسلام، دون
مداهنة او نقاش.
وقد حاولت قريش بكل ما اوتيت من وسيلة، ثني
الرسول عن ذم آلهتهم والدعوة الى بطلان دينهم، بل عرضوا عليه التعايش معهم على أن
يتركوه ودعوته، ولكنه رفض، وتحمل المسلمون ما تحملوه من تعذيب في مكة، لا لشيء سوى
كفرهم بآلهة قريش، فعن أي مهادنة يتحدث هذا الروائي !؟ والله أني لأتعجب أن يخرج
علينا أحد الذين يدعون الثقافة والرقي والحضارة، كي يقلب الحقائق ويصور المسلمين بأنهم
انتهازيون، بل و فاشيون في عقيدتهم، وأتساءل هل ورد في التاريخ أن المسلمين اعتدوا
على بيوت قريش اثناء أو بعد فتح مكة وقاموا بتحطيم أصنامهم !؟ هل ورد في التاريخ
ان المسلمين أرغموا أحداً أو أجبروه أو عذبوه كي يدخل في الاسلام ؟! والسؤال الأهم
هل بقي أحد في قريش يعبد الأصنام بعد فتح مكة !؟ (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ
الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) .
" لا اله الا الله وحده لا شريك له"
هذه هي القاعدة التي بني عليها الاسلام، صرخة بلال في بطحاء مكة "أحدٌ أحد" شاهدة على ثبات المسلمين على هذا المنهج منذ
البداية دون مداهنة او مواربة، حتى وهم في أضعف أحوالهم.
أما سورة "الكافرون" التي استشهد بها على خبث منه، وتناسى جميع
الآيات التي تتحدث بكل وضوح وحزم على محاربة عبادة الأصنام والشرك بالله، فهي على
عكس ما يقول، هي اعلان لهذا المبدأ ورفض فكرة التعايش مع عبادة الأصنام والشرك
بالله، فقد بدأت بالقول "قل يا أيها الكافرون" فلماذا ابتدأت السورة بنعتهم بالكافرين
اذا كان القصد منها استمالة جانبهم وعرض التعايش السلمي عليهم !؟ ثم انتهت ب
"""""لكم دينكم ولي دين"، أي لكم دينكم الباطل الذي لا أتبعكم فيه،
ولي دين الله الذي سيظهر على دينكم.
أما الحديث عن فكرة التعايش، فالاسلام هو من
أسس هذه الفكرة تحت شعار " لا اكراه في الدين "، فتاريخنا يشهد على مدى التعايش مع الآخر
حين كان المسلمون هم الطرف الأقوى، على عكس ما يدعيه هذا المحاضر، ومن أمثلة ذلك تعايش المسلمين مع اليهود في
المدينة وعقد المعاهدات والاتفاقيات معهم، في مرحلة قوة للاسلام، واليهود هم من
نقضوا العهد ودخلوا في عهد المشركين، فكانت النتيجة اجلاءهم عن المدينة.
ومن الأمثلة ايضاً العهدة العمرية مع النصارى في
القدس بعد استسلامهم للمسلمين، حيث قام سيدنا عمر بتأمينهم على انفسهم وأموالهم،
وحماية كنائسهم، وترك لهم حرية العبادة والاعتقاد، وهذا ما حصل أيضا في عهد صلاح
الدين عند استسلام الصليبيين له في القدس، ومن أروع الأمثلة كذلك، تعايش المسلمين
مع كافة الطوائف في الأندلس بعد انتصار المسلمين عليهم، بل واشراك الآخرين في تولي
مناصب حساسة في أجهزة الدولة بغض النظر عن أصولهم واعتقاداتهم، وهذا أكبر دليل على
قبول الآخر، والأمثلة تطول.
ان أي روائي حقيقي، يدقق في التاريخ، لا بد
وأن يشهد بأن المسلمين على مر العصور كانوا مثالاً على التعايش السلمي والحرص على
تلاقي الحضارات وعدم تصادمها، وأن المسلمين تعرضوا أكثر من غيرهم لكافة صنوف
التعذيب والتطهير العرقي، ومحاربتهم على خلفياتهم العقائدية .
ولا بد من الاشارة في النهاية أن من أهم نتائج
هذه المرحلة الحساسة التي نعاصرها حالياً، هو سقوط الأقنعة الزائفة عن بعض الوجوه، لتظهر حقيقتها البشعة المتأصلة
فيها، بعد سنوات طويلة من محاولات اخفائها، ومحاولات اقناعنا ببراءة أصحابها، وللحقيقة
أقول أن هذه الكذبة قد أنطلت علينا، وأن هذه الأقنعة الزائفة قد خدعتنا بالفعل !!
أيمن
أبولبن
26-7-2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق