الخميس، 27 ديسمبر 2012

موضوعُ التعبيرِ الذي لم أكتُبه !!




  ما زلت’ أذكر’ أولَ موضوع " تعبير" كتبتهُ و نالَ الاشادةَ من الجميع، كنت’ في نهايةِ المرحلة ِالابتدائية، في الصفِ الخامسِ او السادسِ لا اذكرُ بالتحديد، طلب منا المُدرّس حينها كتابةَ موضوعٍ لنهايةِ العام يكون بمثابة الامتحان النهائي لمادة التعبير أو ما كان يسمى بمادة "الانشاء"، يُخصّص’ له 10 علاماتٍ من أصلِ 100 علامة لمادةِ اللغةِ العربية .
   اخترت’ وقتَها أن أكتبَ عن "فلسطين"، جلست’ في البيتِ، جمعت’ أفكاري وكتبتها على الورق، ثم وضعتها في صيغتها النهائية، وفي اليوم التالي وقفت’ أمام َالطلابِ وقرأت’ الموضوع، أخفيت’ في داخلي مشاعرَ الاضطرابِ والخوف من الوقوفِ أمامَ الطلابِ، واسترسلت’ في الالقاءِ، وما ان انتهيت’ حتى قوبلت’ بالاشادةِ من جميعِ زملائي، وبكلماتِ الثناءِ و التشجيع. توجهت’ بنظري الى المُدرّس وانا في طريقي لأجلسَ في مقعدي من جديد وشاهدت’ علاماتَ الاعجابِ باديةً عليهِ، شعرت’ بسعادةٍ غامرةٍ، وأنتظرت’ أن أعرفَ علامتي بعد انتهاءِ بقية َالطلابِ، وبالطبعِ كنت’ بانتظارِ أن أحصلَ على العلامةِ الكاملةِ، ولكنّ النتيجةَ خالفت توقعاتي، لا أذكر بالضبط كم كانت العلامة ولكنها كانت علامةً متوسطةً، وهي نفس’ العلامة التي حصلَ عليها مُعظم زملائي في الصف، رُغمَ أن موضوعاًتهم لم تُثر انتباهَ المُدرّسِ اطلاقاً !! .

  لم أعترض حينها ولم أناقش المُدرّس، كُنت خجولاً جدا ًفي صِغَري، ولم أكن معتاداً على الاعتراض أو المجادلة، هكذا تربيتُ، أن أحترمَ من هم أكبر مني، ولا أجادلهم، فكيف لي أن أجادلَ أستاذ َمَدرسة !! حتى أني لم أجرؤ حينها أن أذكر ذلك لأبي على سبيل الشكوى أو التذمّر على الأقل، حتى لا أقع في مشاكل مع المُدرّس، ولم تخطرُعلى بالي فكرة اللجوء الى مديرِ المَدرسةِ بالطبع !! .
   
العجيب’ في الموضوع أن زملائي هم الذين أعترضوا على العلامة وسألوا المدرس : لماذا لم تعطِ أيمن العلامةَ الكاملةَ وهو يستحقها ؟! ردّ عليهم بعبوسٍ، لأن أيمن لم يكتب الموضوع، هكذا بكل ثقة !! عندها لم أستطع ان أكتم َمشاعري، وقلت’ له : كيف تقول هذا يا أستاذ !! أنا ألذي كتبتُ الموضوع وقد قرأتهُ أمامك ، فنظرَ الي ّوقال : أيمن، لا ’بدّ أنّ أحداً قد ساعدكَ في الكتابة، أنا أعلم أن هذا الكلام لا يمكن أن يكتبه’ طالبٌ في مثل عُمرِكَ . سكتتُ بعدها، شعرت’ أن ّهذا الكلام هو أجملُ اطراءٍ لي، وأنّ مجرد هذه الفكرة، فكرة انني أستطعت’ التعبيرَ عن أفكاري بطريقة ٍأخاذةٍ تفوق’ سني،  وتجعل’ من الصعبِ على مُدرّس اللغةِ العربية، أن يصدّقَ أنني أنا مَن كتبَ الموضوعَ فعلاً، كانت هذه الفكرة لوحدها كفيلةٌ بأن أنسى موضوع العلامة، لأني حصلت على تقديرٍ أكبرَ من مُجرد علامةٍ في الصف الابتدائي .
لسانُ حالِ المُدرّس كان يقول :  Too Good to Be True !!!  

 هذه الحادثة برغم السنين الطّوال التي مرّت عليها الا أنها تعود’ الى أذهاني بين الفينة ِوالأخرى، ما زلت’ أشعر’ بغُصةٍ، لأني كنت’ في انتظارِ تقديرٍ ومكافأةٍ على عمل ٍأنجزته’ باتقانٍ، ولم أحصل على هذا التقدير المُنتظر، بل ان هذا الانجاز كان مثارَ الريبةِ والشك . أعتقد’ أني كنت’ بحاجة ٍالى بعضِ التحفيز والتشجيع بالفعل، خصوصاً في تلك المرحلة، قد يكون هذا ما صرَفَني عن حبّ اللغة ِوالتعبير ودفعني الى الاهتمام بالمواد العلمية بدلاً منها، أحببت’ الرياضيات ووجدتُ التشجيعَ من أكثر من مدرسٍ، أحدُ هؤلاء المُدرّسين شجّعني في مسابقاتِ الشطرنج أيضاً، ولكنّه كان يُعاقِبَني على أي هفوةٍ حسابية ٍصغيرة، وان كانَ يقبلُها من غيري.

  عدت’ للاهتمام ِ بالكتابة ِوالقراءة وتذوّقِ الشعرِ لاحقاً، وكانَ تأثيرُ أخي "غسّان " الذي يكبرني واضحاً، فقد كان شغوفاً بالأدبِ والفن، ولكنها بالنسبة لي بَقِيت هوايةً ثانويةً في حياتي لم تأخذ الأولويّةَ، ولم تتصدّر اهتماماتي . ازدادَ اهتمامي بتنمية هذه الموهبة مؤخراً، مع ظهور المُدوّنات الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعيّ التي وفّرت مساحةً كبيرةً للتعبير، وعادت بي مجدّداً الى الكتابةِ والتعبير عن آراءي وأفكاري عما يدور’ حولنا من أحداثٍ، في محاولةٍ بسيطةٍ لاثراءِ معرفتي والتحاور مع الآخرين، ولكني أقول’ أني ما زلت’ هاوياً .

  ولعلّ الدرسَ الذي تعلمته من هذه القصة، كان َمؤثراً جداً، بل انه’ ساعدني كثيراً في مشواري، لأن هذه الحادثة لم تكن الوحيدة بالطبع ولكنها كانت الأولى والأقلّ ضررَاً من مثيلاتها اللاتي تَلينَها . تعلمت’ أن الأحداثَ الاستثنائيةَ في حياتنا مُمكنة ، وليسَ بالضرورةِ ان تكون " مزيّفةً " أو أن تكون مجرّدَ " خدعة "، ثمّة أشياء جميلةٌ للغايةِ ومُتقنةٌ في حياتنا. لماذا لا نتعاملُ مع الحياةِ ببساطةٍ ونؤمن’ أنّ هناك دائماً مساحةً ونافذةً للأحلامِ أن تتحققَ، بكلِ ما فيها من خيالٍ ؟!
     تعلمت’ أيضاً انّه في بعض الأحيان، من الأفضل لنا أن لا نحصلَ على ما هو مُتوقّع من الثناءِ أو ردّ الجميل، قد يكونُ هذا دافعاً لنا نحو الاستمرار في العطاء، فالحياةُ ليست مفروشةً بالورودِ. علينا في بعض الأحيان أن نتحملَ سوءَ الظنِّ، وسوءَ الفهمِ، من المُهم حينها أن نستمِرّ على ما نحن’ عليه، دونَ العودةِ الى الوراء، فالزمن’ كفيلٌ باظهارِ الحقيقةِ ولو بعد حينٍ .

أيمن أبولبن
27-12-2012

الخميس، 20 ديسمبر 2012

السعادة الحقيقية

السعادة الحقيقية

 نُخطئ حين نظن أن من واجبنا أن نُسعد من حولنا، ولعل معظمنا يضع نصب عينيه سعادة الآخرين من أحد أهم اهداف حياته.
 لا تسيئوا فهمي، فإسعاد من نهتم لأمرهم ومن نحرص عليهم، هو واحد من الأهداف النبيلة التي نعيش من أجلها ويجب علينا أن نحرص على الوفاء بها، ولكني أقصد ان إدراك سعادتهم ليس في الغالب ممكنا. علينا أن نكون واضحين في تحديد أهدافنا بالحرص على توفير سبل السعادة للآخرين، وتهيئة المناخ المناسب لإسعادهم، بدلا من شعورنا بالمسؤولية عن سعادتهم.
  لا تناقض في هذا الكلام فالسعادة نفسها هي قرار داخلي، ليس بإمكاننا نحن أن نتخذ هذا القرار عنهم، عليهم هم أن يتخذوا هذا القرار، وعلينا نحن أن نساعدهم ليس الا.
يقول الله تعالى: " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " والمشيئة هنا تعود للشخص وليس للذات الإلهية، أي ان الله يوفر سبل الهداية ويوفق من توفرت لديه الرغبة الداخلية في أن يهتدي، أي ان الله يهدي من يشاء أن يهتدي.

  ويقول ايضا: ” إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا " فالله سبحانه وتعالى قد وفّر للإنسان كل سبل الايمان، وأنزل هديه على الانبياء وحدّد شريعته في الأرض، والانسان هو الوحيد القادر على اتخاذ قراره وتحديد سبيله اما بالهداية " شاكراً " او بالكفر "كفورا".

  وكذا هي السعادة الدنيوية، كل واحد فينا قادر على اتخاذ قرار سعادته، وعلى من يهتمون لأمرنا، توفير السبل الكافية والمحفزة للسعادة، ليس الا.

أيمن أبولبن
20-12-2012


أخطاء شائعة في عملية البحث عن السعادة الحقيقية



علاء علي عبد – جريدة الغد الأردنية

عمان- هل سبق وأن حاولت أن تبحث عن سبل الحصول على السعادة الحقيقية لكن دون جدوى؟ هل تعتقد بأنه لا بد وأن يكون هناك حل سحري لجميع مشاكلك لكنك لا تعلم كيفية الوصول له؟
 ربما تندهش لو علمت بأنه بالفعل يوجد حل سحري يمكن أن يقودك للسعادة التي تحلم بها، لكن مشكلة هذا الحل كما يعرفها موقع 
PTB أنه شديد البساطة لدرجة تجعل الكثير من الناس لا يتنبهون لوجوده ولكي تتمكن من الوصول لذلك الحل السحري يجب أولا أن نستعرض عددا من أهم الأخطاء التي يقع بها من يبحث عن السعادة الحقيقية في حياته وهي على النحو الآتي:
·البحث عن الأشياء التي تجلب السعادة: يجب عليك بداية أن تؤمن بأن "الأشياء" مهما كانت طبيعتها لن تتمكن من جلب السعادة لك. فقد تحلم بامتلاك المنزل الواسع والجميل والذي يقع في أحد الأحياء الراقية، لكن هذا المنزل في حال امتلكته بالفعل ستجد بأنه سيمنحك سعادة مؤقتة لا تلبث أن تعود لمستواها الطبيعي بعد فترة. الأمر ذاته لو امتلكت المال الوفير فإنه لن يجلب لك السعادة الكاملة التي تريدها ما لم تشعر بمصدر السعادة من داخلك فهناك يكمن السر الحقيقي للسعادة.
·البحث عن شريك/ة الحياة: لو كنت ترى بأن عثورك على شريكة حياتك سيجعلك تملك السعادة الكاملة فاعلم بأنه يجب عليك إعادة التفكير. فلو نظرت من حولك ستجد بأن غالبية من وجدوا شركاء حياتهم يعانون الكثير من المشاكل الحياتية ولم تكن أيامهم وردية مثلما كانوا يعتقدون. لذا لو كنت تطمح بالحصول على السعادة الحقيقية فيجب عليك مرة أخرى البحث عنها داخلك، فلا يوجد أحد يمكنه إسعادك بالقدر الذي يمكنك إسعاد نفسك، ولو اعتقدت بأن شريكة حياتك يمكنها النجاح بهذا الشيء فستجد نفسك لا إراديا تسعى لتغيير بعض صفاتها الأمر الذي سيقودكما للمعاناة معا.
·البحث عن الحياة العقلانية: الحياة العقلانية تعني أن تحمل كل المواقف التي تحدث في حياتك سببا منطقيا لحدوثها. ولتعش بهذه الطريقة يجب عليك أن تسيطر على كافة مجالات حياتك بشكل كامل، ولو جربت محاولة الوصول لهذا من قبل لا بد وأنك أدركت بأنه لن يقودك سوى للمعاناة والتعب. اعلم بأنه لا يمكن لأحد أن يسيطر على الحياة أو يخطط أحداثها بشكل كامل، فالحياة تملك الكثير من المفاجآت التي تتراوح بين الصعود والهبوط، وكل ما يمكنك فعله هو تقبل رحلة الحياة والاستمتاع بها قدر الإمكان. واعلم بأن سبب عدم امتلاكك السعادة هو أنك تريد من الحياة أن تسير بحسب توقعاتك لكن لا تنس بأن الحياة لها قوانينها الخاصة.
·البحث عمّن تلومه: هل تعتقد بأن هناك شخصا مسؤولا عن عدم سعادتك؟ ربما يكون مديرك بالعمل أو حتى أحد أفراد عائلتك أليس كذلك؟ لو فكرت بهذه الطريقة فاعلم بأنه لا يمكن لأحد أن يمنع عنك السعادة دون أن تسمح له بذلك، فالأمر ببساطة يعتمد على ردة فعلك تجاه تصرفات الآخرين والتي من شأنها تحديد ما إذا كنت تريد أن تكون سعيدا أم لا. وكمثال على هذا يمكن أن نأخذ ردة الفعل على حالة الطقس، فقد اعتاد معظم الناس عند هطول المطر بأن يقولوا "إن الطقس سيئ" وهي عبارة غير صحيحة وغير عادلة، فهناك كثيرون الذين يرون المطر بأنه رمز للحياة والنماء وتجدهم يستمتعون به أكثر من فصل الصيف بشمسه الساطعة. لذا يجب عدم التسرع بردات أفعالك وأن تتجنب لوم الآخرين على عدم امتلاكك للسعادة التي تطمح لها.
·البحث عن المثالية: لا بد وأنك تدرك بأنه لا يوجد أي شخص يتمتع بالمثالية والكمال الذي لا يكون إلا لله، وبالتالي فإن المثالية لا تعتبر من شروط الحصول على السعادة. لذا دع الحياة تمر على طبيعتها، فحتى لو حاولت الوصول للمثالية قدر الإمكان فإنك لن تستطيع لأنك ببساطة لا تعلم ماذا تخبئ الحياة من مفاجآت، الأمر الذي يستحيل معه أن تتأكد بأن ما تقوم به هو تصرف صائب أم أنه خطأ يجب تجنبه.
·البحث عن المستقبل وتجنب الحاضر: من الأقوال التي أعجبتني هي أن السبب في عدم سعادة الناس هو أنهم يرون الماضي أفضل من حقيقته، والحاضر أسوأ من واقعه، والمستقبل لن يحمل الكثير من الحلول لمشاكلنا. هذه المقولة من شأنها أن تجعل المرء ينتظر المستقبل من أجل الوصول لبعض الحلول لمشاكله وهذا بحد ذاته يعد تصرفا خاطئا. فالسعادة تكمن في اللحظة الحالية، في داخلك أنت وحدك، والسبب الذي يعيقك عن رؤيتها هو انتظارك المزيد من المستقبل، توقف عن الانتظار وابحث في داخلك عن سعادتك.
من خلال ما سبق يمكنك أن تدرك بأن سعادتك بين يديك وكل المطلوب منك لتجدها أن تبحث عنها داخلك، فهي مستقرة هناك منذ ولادتك لكنك كنت تبحث عنها في الأماكن الخاطئة، لذا توقف عن هذا الخطأ الذي لا يقودك سوى للضيق والحزن وتذكر بأن كل دقيقة حزن تمر بك تعني أنك خسرت 60 ثانية من السعادة المتاح
ة داخلك.

الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

الأخطاء الصغيرة



 الأخطاء الصغيرة هنا وهناك كفيلة بافشال أكبر المشاريع وأنجحها 
انهاء الحياة المهنية لأحد الأشخاص لا يتطلب فشلا ذريعا ، قد تنتهي الحياة المهنية لشخص ما ، بسبب نزوة أو هفوة ، او لمجرد شائعة 
النوايا الحسنة لا تكفي ، قد نكون سببا في فشل مشروع نهضوي كبير من حيث لا ندري
اللهم يسر لنا من ينور طريقنا لا من يقف حجر عثرة في طريق نجاحنا ، اللهم لا تجعلنا سببا في اي فشل ، وأعنا على الخير 

أيمن أبولبن
19-12-2012

السبت، 1 ديسمبر 2012

حرب غزة (البندقية وغصن الزيتون)



   بعد أن وضعت الحرب أوزارها، و تم التوصل الى هدنة بعد مضي اسبوع واحد من العدوان الاسرائيلي  على غزة، يتبادر الى الأذهان سؤال بديهي عن نتائج الحرب وما آلت اليها، وانا لا أقصد هنا عدد الضحايا او الحصيلة المادية للخسائر، بل أتحدث عن المكاسب السياسة والمعنوية وتاثيراتها المستقبلية على الجانبين وعلى المنطقة بشكل عام .


   عندما بدأ العدو الاسرائيلي اعتداءاته على غزة أو  حملة " عمود الغمام" كما أطلقت عليها اسرائيل، حددت القيادة العسكرية اهدافها بتقويض القدرة الصاروخية لدى المقاومة الفلسطينية، وردعها من أي عمل " عدواني" في المستقبل، ومع نهاية الحرب يبدو من الواضح أن اسرائيل فشلت تماما في تحقيق أهدافها، بينما حققت المقاومة مكاسب كثيرة.
   من أبرز المكاسب التي حققتها المقاومة بنظري هي اعادة الأمل بالمقاومة والانتصار من جديد، فبعد سنوات عجاف طغى فيها طابع الحل السلمي والمفاوضات على القضية الفلسطينية مع سلسلة من التنازلات المتلاحقة بدءا بمفاوضات مدريد ومرورا باوسلو و انتهاءً بتصريحات عباس الأخيرة، تعود المقاومة المسلحة الى الواجهة من جديد، كخيار استراتيجي لا بديل عنه .
   المقاومة هذه المرة فاجأت العدو الاسرائيلي بقدرتها الصاروخية، ووصول مداها الى تل أبيب والقدس لأول مرة، ليس هذا فحسب بل ان الأهداف المنتقاة كانت نوعية، وتنم عن عمل كبير من قبل حماس لجمع المعلومات الأمنية الكافية عن الأهداف العسكرية داخل اراضي فلسطين 48 والقدرة على اصابتها. كانت الضربات الصاروخية نوعية ومؤثرة، وأحدثت خسائر مادية كبيرة وخسائر في الأرواح أيضا، لم تعلن اسرائيل رسميا عن خسائرها في هذه الحرب حتى الآن، ولكن وسائل الاعلام الاسرائيلية اعلنت عن مقتل 17 اسرائيليا على الأقل، واصابة أكثر من مائة جريح، هذا بالاضافة الى أنباء غير مؤكدة عن اسقاط طائرة عسكرية وأسر قائدها.
  حرب غزة القصيرة أعادت الى الأذهان صورة اسرائيل الضعيفة والهزيلة، وصورة المواطن الاسرائيلي الجبان، شاهدنا جميعنا الاسرائيليين وهم يهرعون الى الملاجىء وعلامات الهلع بادية عليهم، وفي المقابل كانت صور الصمود من غزة تتصدر الأحداث، فابتسامة الطفل الفلسطيني تسرق الاضواء من الدماء التي تغطي وجهه، وصوة الطفل الجريح وهو يشير بعلامة النصر، تتصدر قائمة أكثر الصور تأثيرا .





  كان واضحا من البداية أن الصمود هو من سيحسم المعركة في النهاية، وهذا ما راهنت عليه القيادة السياسية  في حماس، التي ادارت المعركة بمستوى عال جدا من الحنكة والارادة والتصميم، وصدق رهانها في النهاية حيث اثبت المواطن الفلسطيني بأنه صاحب الحق في هذه الأرض، بينما بدا واضحا ان الاسرائيلي القادم من وراء البحار يفضل النجاة بحياته لأنها أثمن واغلى من ان يفرط بها من اجل قيام دولة مزعومة ليس لها أي أمل في الاستمرار .



   بعد عدة اعوام من غياب القضية الفلسطينية عن المشهد العام في المسرح السياسي العربي، عادت  فلسطين لتأخذ مكانها الطبيعي في الصدارة، وتشغل أروقة السياسيين في العالم أجمع، فها هي مصر تنفض الغبار عن كاهلها وتتناسى أوجاعها الداخلية وتضع حرب غزة في مقدمة أولوياتها. استرجعت مصر بُعدها القومي باتخاذها لموقف سياسي جريء تكلل في النهاية بالتوصل الى هدنة سريعة، ولعل الموقف المصري كان من أكثر المواقف السياسية تأثيرا على حكومة اسرائيل وعلى مناخ المنطقة بشكل عام، فسرعة ردة فعل الرئيس مرسي ولهجته الحازمة والواضحة كانت صفعة قوية للادارة السياسية في اسرائيل التي عولت على انشغال مصر بأمورها ومشاكلها الداخلية .
   عولت اسرائيل على الانشقاق الفلسطيني، وحاولت استدراج حماس الى خارج الاطار الفلسطيني العام، ولكن المفاجأة كانت بعودة قنوات الاتصال بين حماس و فتح مجددا، وعودة كافة الفصائل للانصهار في بوتقة واحدة اسمها فلسطين، بل ان مناطق 48 شهدت مظاهرات حاشدة تأييدا لغزة، تأكيدا لمقولة أن الوطن في النهاية فوق الجميع بغض النظر عن الزمان والمكان والانتماءات السياسية. وعلى النقيض من ذلك بدا واضحا ارتباك القيادة الاسرائيلية وتعرضها لضغوط واسعة داخليا وخارجيا، وبدا هذا واضحا في تصريحات السياسيين هناك وانتقاداتهم لأداء الحكومة، وانكار المسؤولين  للحقائق على الارض، وهذا ما يؤكد أن الخاسر دائما ما يلجأ للكذب ليواري فشله، وأن هذا ليس مقترنا بطرف دون الآخر .
   أعجبتني صورة معدلة على الفوتوشوب شاهدتها على مواقع التواصل ولم أحتفظ بها، مأخوذة لصورة قديمة جمعت بين نتنياهو واوباما وتمت اضافة حوار يتوجه به نتنياهو لاوباما طالبا مساعدته وهو يقول " يا زلمه هادول مجانين يمكن يطلع عندهم نووي !! " بالفعل هؤلاء مجانين "  في فن السياسة " لا يعقلون " الخطوط الحمراء" ولا يحسبون حسابا " لموازين القوى" ولا " للمجتمع الدولي"، بالفعل هؤلاء مجانين لانهم تجرأوا وقصفوا تل ابيب والقدس، وتجاوزوا كل الخطوط الحمراء من أول يوم للعدوان، هؤلاء لا يعرفون فن " التكتيك" و " المراوغة" وحرب " المفاوضات" .
 قد قالها درويش قديما :

أنا لا أكره الناس
ولا أسطو على أحد
ولكني اذا ما جعت
آكل لحم مغتصبي
حذار حذار من جوعي
ومن غضبي


  هزيمة اسرائيل بدت واضحة في قبولها للهدنة، حيث انها اعترفت بحماس ضمنيا وبسيطرتها على غزة، بعد ان كانت تعتبرها منظمة ارهابية، وبدت الهزيمة جلية واضحة في شروط الهدنة، حيث فشلت اسرائيل في فرض شرط " منع التسلح وتهريب الأسلحة " كما انها رضخت لشرط رفع الحصار تدريجيا عن غزة، وهي اكبر مكاسب المقاومة على ارض الواقع بانتظار تحقيقها قريبا، وتوالت الهزائم السياسية بانخفاض شعبية نتنياهو حيث أكدت الاستفتاءات ان ثلثي الاسرائيليين غير راضين عن أداء قيادتهم في ادارة الحرب .
  هل خرجت اسرائيل خالية الوفاض ؟ بالطبع لا، فاسرائيل استطاعت أن تحقق بعض النجاحات الجانبية هنا وهناك، ومنها أنها اختبرت قدرتها الدفاعية باستخدام القبة الحديدية، والتي أثبتت فشلها في تحقيق الأمن الذي تصبو اليه اسرائيل، بالرغم من التصريحات الاعلامية الايجابية، فنسبة النجاح في التصدي للصواريخ لم تصل بعد الى النسبة المقبولة للحفاظ على أمن اسرائيل الداخلي، وهذه النقطة سوف تستغلها اسرائيل جيدا في ابتزاز امريكا من أجل دعمها عسكريا في المستقبل القريب وتطوير هذه المنظومة الدفاعية، كما انها اكتشفت فشل سياستها في منع المقاومة من التسلح وتهريب الأسلحة عدا عن تطوير الأسلحة داخليا، وتأكدت ايضا من أن مصر اليوم غير مصر مبارك، وبناء عليه ستسعى اسرائيل لسد الثغرات الأمنية لديها والعمل على مخطط لتحجيم قدرات التسلح للمقاومة، كما انها ستعيد النظر في سياساتها في المنطقة بعد الربيع العربي .
   أبطال المقاومة أعادونا الى بدايات الثورة وأعادوا احياء أواعادة اكتشاف أهداف الثورة الفلسطينية، المقاومة الفلسطينية وضعتنا على الطريق الصحيح من جديد، وأثبتت لنا أن المناضل لا يضع بندقيته جانبا، حتى وان رفع غصن الزيتون .

أيمن أبولبن
1-12-2012