الاثنين، 18 أبريل 2011

الادارة الامريكية وحكومات الظل العربية



   مصطلح الإدارة الأمريكية الذي نسمعه يتردد كثيراً في النشرات الإخبارية، دون ان نعيره انتباهنا ودون أن يثير فضولنا، غالباً ما يُطلق على إدارة الحكم في امريكا، ولكن الحقيقة ان الإدارة الامريكية لا تنحصر في الحكومة الامريكية  أو مؤسسة الرئاسة ، بمعنى ان الادارة الامريكية  الحقيقية هي فريق متكامل  من المستشارين والخبراء وأصحاب المعرفة في شؤون البلاد وفي الشؤون الخارجية، الذين يقومون بادارة دفة السياسة العامة في الدولة، وتكون لها اليد الطولى في رسم السياسات واتخاذ القرارات الاستراتيجية، بهدف المحافظة على النهج العام للسياسة الامريكية الداخلية منها والخارجية، بشكل يؤدي الى تناغم وتجانس المنهج العام لكافة الحكومات الامريكية والرئاسات الامريكية على حد سواء، على اختلاف الشخصيات التي تمارس الحكم الفعلي .
   
ولعلنا ندرك أكثر من غيرنا، بسبب تواجدنا في منطقة الشرق الأوسط، مدى الترابط والتجانس في السياسة العامة الامريكية تجاه قضايا المنطقة بالرغم من تعاقب العديد من الرؤساء على اختلاف مرجعياتهم السياسية والإقليمية .
   فلو أردنا ان نقارن بين سياسة الرئيس الامريكي الأسبق جيمي كارتر ومن تلاه وصولاً الى الرئيس الحالي باراك اوباما، لوجدنا ان الاختلافات ضئيلة جداً، تأتي على خلفيات التغيرات في المنطقة  والمناخ السياسي بشكل عام، ومدى تأثير ذلك على أصحاب القرارات .
   فباستثناء حكم جورج بوش الإبن الذي عانى من تطرف شديد وفساد حقيقي في الحكم، اعتمدت باقي الادارات على نفس المنهج المساند لاسرائيل ولمصالحها في المنطقة، ودعم الحكومات الصديقة والمعتدلة، ومحاربة كافة رموز الوطنية والتحرر المعادية لسياسة امريكا في المنطقة، والمعادية لاسرائيل .
   أما في وطننا العربي، فهناك ما يطلق عليه " حكومة الظل " وهي تلك الادارة التي تحكم البلاد فعلياً ولكن في الخفاء، عن طريق التأثير على أصحاب القرارات والسيطرة على قنوات اتخاذ القرارات المختلفة، بشكل يؤدي في النهاية الى السيطرة الفعلية على البلاد ومقدراتها، بمساعدة أصحاب القرارات في بعض الأحيان، أو "بغض الطرف" في أحيان كثيرة (ما في اليد حيلة) كما يقولون.
   في جميع بلادنا العربية، نجد دوماً شعارات الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ونسمع المسؤولين في كل يوم يتحدثون عن اجراءات حقيقية للاصلاح والتغيير، ولكن الذي يحصل في الحقيقة، أن جميع هذه الاجراءات والقرارات لا تُنفذ، لأن من يسيطر على جهات التنفيذ الحقيقية ليست الحكومة بل حكومة الظل والتي تتكون غالباً من مجموعة من المتنفذين على جميع المستويات -ما يطلق عليهم النخب السياسية- وتمتد لتصل الى طبقة رجال الأعمال وأصحاب الأموال (المستثمرين)، جميع هؤلاء يديرون دفة البلاد بما يخدم مصالحهم وبما يخدم استمراريتهم  في حكم البلاد (في الخفاء) .

   ولعل أكثر ما أثار إعجابي بالثورة المصرية هو ذكاؤها وإصرارها على إسقاط النظام المتمثل في رحيل رأس النظام والحزب الحاكم ومن يدورون في فلكه من رجال الأعمال، كانت هذه الثورة ومن قام عليها على درجة كبيرة من الذكاء بحيث لم تكتفي بإسقاط الحكومة او بتعديل الدستور او بغيرها من الوعود الإصلاحية، كان الهدف واضحاً وهو تغيير النظام الحقيقي المتمثل في حكومة الظل، وما زال الصراع قائماً حتى اللحظة بين الأيدي الخفية وبين صُنّاع الثورة.
  
 التشابه كبير بين الادارة الامريكية وحكومات الظل العربية، إلا أن الأختلاف يكمن في ان الإدارة الامريكية تعمل جاهدة لمصلحة السياسة العامة الامريكية، والمحافظة على صورة الدولة باختلاف الزمان والمكان، في حين تعمل حكومات الظل العربية جاهدة أيضا للمحافظة على مكتسباتها الشخصية واستمرار سيطرتها على أصحاب القرارات بما يخدم مصالحها.
   بين الادارة الامريكية وحكومات الظل العربية تقع أزمتنا الحقيقية، وبإدراكنا لحقيقة هذا الوضع في بلادنا نكون قد خطونا الخطوة الأولى في رحلة الالف ميل.

   لا نريد تغيير الحكومة، ولا نريد وزراء جدد، نريد تغيير من يعملون في الخفاء. الشعب يريد اسقاط "حكومة الظل".

أيمن أبو لبن
18-4-2011

الاثنين، 4 أبريل 2011

ما هو المطلوب من الحكومة ؟



   عندما جاءت حكومة البخيت أحاطها الاعلام بهالة كبيرة من الوعود بالإصلاح والحراك السياسي - كما هي العادة مع كل حكومة جديدة - كنت متأكداً وقتها ( وازداد يقيني الآن ) انها لن تقدم شيئا جديدا وأنها لن تضيف لواقع السياسة في الاردن أي جديد، لسبب بسيط وواضح للجميع يتمثل في أن الإصلاح السياسي وتصويب الأوضاع وتعديل الواقع السياسي و و و و و كلها كلمات حفظناها عن ظهر قلب، ولم تعد تُشكل أي نقلة نوعية في الخطاب السياسي ما لم تقترن هذه الأقوال بتغييرات جذرية في النظام، فالإصلاح لا يتم بتغيير الأسماء و بوضع زيد بدلاً من عمرو، ولكنه يتم عبر الإيمان بالإصلاح و بتجديد القناعات، وبث دماء جديدة، وهو شيءٌ لم يتم حتى الآن ولن يتم في القريب العاجل .

   قوات الدرك التي تدربت منذ الصغر على البطش بالمواطن وملاحقته بالأزقة وشتمه بما لم تسمعه أذن من قبل، لن يتغير أداؤها سواءً بقي البخيت أو رحل، حالها حال باقي الأجهزة الأمنية، التطبيل ُوالتزمير للحكومة ( أي حكومة ) وما تقوم به ( من إصلاح ) أصبح عادةً في وسائل إعلامنا وبات من الصعب الإستغناء عنها، أما البرنامج الاقتصادي فهو نتاج سنواتٍ طويلة من الأخطاء الاقتصادية المتوالية والتي بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي بقرار تعويم الدينار، ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن ونحن نرزخ تحت وطأة العجز الاقتصادي، رغم أننا نقرأ في كل عام عن نموٍ اقتصادي وتحسن في الأداء الاقتصادي، وكأننا نعيش في بلد غير هذا البلد، فهل تعتقدون أننا في انتظار ان يَصلُحَ البلد كله ويستقيم شأنه، من خلال وعود بالإصلاح أو بإقالة حكومة وتشكيل حكومة جديدة ؟!

   ما الذي ستغيره هذه الحكومة أو أي حكومة قادمة ؟ هل لرئيس الوزراء سلطة على الأجهزة الأمنية ؟ هل يملك رئيس الوزراء أي سلطة دستورية أو قانونية تخوله إجراء إصلاحات دستورية !؟ هل يملك الوزراء الفرصة لوضع خطة استراتيجية بعيدة المدى لخدمة البلد والمواطن ؟ ولو سلّمنا بأن الوزير الفلاني قام بوضع هذه الخطة، هل سيستمر في عمله لحين اتمام هذه الخطة ؟ هل هناك ما يضمن تنفيذ هذه الخطة بعد رحيل الوزير أم انها ستوضع على الرف، حالها حال أغراض الوزير ( المرحوم ) !؟

   ماذا ننتظر اذاً من الحكومة ومن الأجهزة الأمنية !؟ هل ننتظر حقا إصلاحات سياسية حقيقية !؟ أقول للحالمين الذين يتوقعون إصلاح حال البلد بكبسة زر، وينتظرون ان يتحسن الحال وهم قاعدون، أقول لهم آن الآوان أن تفيقوا من أحلامكم، وتبدأوا بالعمل، درب الإصلاح طويل وهو يبدأ بكم ومن خلالكم، يقول الله سبحانه وتعالى :
(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم)

  وهذه الآية فيها نفيٌ ووعدٌ وفيها شرط، النفي هو نفيٌ للتغيير بدون عمل، أما الشرط فهو البدأ بالتغيير، وأما الوعد فهو تحقيق التغيير، هو وعدٌ ربانيٌ بالتغيير إن بدأنا به بأنفسنا .

   علينا أولاً أن نؤمن بالتغيير وبالإصلاح الذي يبدأ بتعديل الدستور وتعديل قانون الانتخاب، وحل مجلسي النواب والاعيان، الفصل بين السلطات، وتهيأة الحريات الكاملة للنشاطات الحزبية بما يؤدي في النهاية الى حكم الشعب لنفسه عن طريق انتخابات نزيهة، تفرز لنا برلماناً قوياً، وتنبثق عنه حكومة منتخبة تقودها الأغلبية، وتكون تحت مساءلة ومراقبة البرلمان، وهذا يتطلب أيضاً فك جهاز قوات الدرك، وتغيير نهج وسياسة كافة الأجهزة الأمنية والمخابراتية، وبث الدماء الجديدة فيها بحيث يكون همها الأوحد الوطن والمواطن.

    إعادة النظر في كافة القوانين والتعليمات، بشكل يضمن المساواة والعدالة في الحقوق والواجبات لكافة المواطنين على اختلاف أصولهم وأديانهم وميولهم السياسية، وبالأخص في التعليم والعمل وفي التأمين الصحي وفي الوصول الى المراتب العليا في الدوائر الحكومية والأمنية.
   
وضع الرجل المناسب في المكان المناسب من أجل حلولٍ عملية واستراتيجية لمشاكل البطالة والاقتصاد والمياه والتعليم والصحة، باختصار، المطلوب هو تغيير السياسات بشكلٍ شاملٍ وجذري ، فهل أنتم مستعدون !؟

أيمن أبو لبن
12-4-2011