قبل عدة أيام من عودتي الى الوطن، لقضاء إجازتي
الصيفية، حاولت كسرَ حالة الملل التي أعانيها، بمشاهدة أحد أفلام هوليوود الحديثة -وما
أكثرها- ووجدت ضالتي في فيلم للمثل الأسمر
(صامويل جاكسون) يحمل عنوان Unthinkable ، ولكم
أن تختاروا الترجمة المناسبة لعنوان الفيلم، هم أحد أفلام "الأكشن" المثيرة ،وبالفعل كان الفيلم مشيقاً
ومثيراً ونجح في كسر حالة الملل التي أعيشها، بل أنه قضّ مضاجعي في تلك الليلة
!!!!
تبيّن
أن الفيلم الذي وقع عليه اختياري، هو فيلمٌ مُوجّهٌ سياسياً، ويحملُ فكرةً غايةً
في الخطورة، لا أريد أن أتعمق في التفاصيل حتى لا (أحرق) الفيلم ،تاركاً لكم فرصة متابعته، ولكنه بإختصار
يتناول قضية التعذيب في المعتقلات و السجون، ويطرح وجهتي نظر، متناقضتين تماماً،
وجهة النظر الأولى، والتي تتبناها الممثلةُ المساعدة في دور محققة في المباحث
الفيدرالية وهي محققة نزيهة ومتزنة
وملتزمة بالقوانين، وتتبنّى مبدأ إحترام حقوق الإنسان، وعدم إستخدام التعذيب في
التحقيقات.
أما وجهة
النظر الأخرى فيُجسّدها البطل الريئسي في دور المحقق ذو المهمات الصعبة، وهو أحد
المحققين التي تلجأ إليهم المخابرات الأمريكية في القضايا المعقدة، للحصول على
المعلومات اللازمة من المعتقلين، بغض النظر عن الوسيلة المتّبعة، بحيث لا تتحمل
مؤسسة المخابرات المركزية أية مسؤولية في حالة خرق القوانين، لسببٍ بسيط، يكمن في
أن هذا المحقق لا ينتمي بأي حالٍ من الأحوال إلى هذه المؤسسة ولا تربطه أية صلة
قانونية بها، فهو محقق مستقل، ويعمل في الخفاء !!
لا
قيود، لا محظور، ولا حدود للتعامل مع هؤلاء المجرمين الإرهابيين (المسلمين)، المهم هو الحصول على المعلومات وبأية طريقةٍ
كانت، سواءً بتقطيع الأصابع، أو قلع العيون، أو بإستخدام الكهرباء، أو بقلع
الأسنان، أو حتى بتعذيب زوجة و أطفال المتهمين امام أعينهم!! كلُّ شيءٍ مُباح، ما
دام ذلك يصب في مصلحة الوطن، وحماية أبناء الوطن !! والمثير للدهشة هو تعايش هذا
المحقق مع وظيفته، وتقبّله لها بكل أريحية، بل وإيمانه المطلق بما يفعل !!!
ونظراً
للإبداع الذي يحتويه الفيلم من ناحية الإتقان والحبكة، وهو ما تتميز به السينما
الأمريكية عادةً عن غيرها، فإن الفيلم يترك المشاهد حائراً بين وجهتي النظر، ولا يُزيل
الغمامةَ سوى في اللحظات الأخيرة من الفيلم، ونظراً لمتابعتي وشغفي بالأفلام
الأجنبية، فقد تنبأت بالسيناريو المحتمل للفيلم بعد مشاهدتي للمشاهد الأولى منه،
ورأيت أنه سيكون سيناريو رائعاً إن صدق حدسي السينمائي، ويتلخص هذا السيناريو –المفترض- بأن المشتبه به، وهو مسلم أمريكي الجنسية، قد
قرر أن يخوض هذه التجربة موهماً السلطات أنه مصدرُ تهديد لأمن أمريكا، دون أن يكون
هناك أي تهديد، أو أي عمل ارهابي، مدركاً أنه سيتعرض لكمٍّ هائل من التعذيب
والإهانة، وقد يصل به الأمر الى الموت تحت التعذيب، بغرض إيصال رسالة للسلطات
الأمنية في البلاد، ولوسائل الإعلام، مفادها أن إحترام القوانين، وإحترام كرامة
الإنسان، هو أحد أركان هذا البلد، وهذا الحلم الأمريكي، يجب الإلتزام به، مهما
كانت الظروف، ومهما كانت الشكوك والتي قد تصل الى درجة اليقين، وأن الإنسانية يجب
أن تبقى هي السمة الغالبة في المجتمع.
ولكن
صانعو الفيلم خذلوني في النهاية، وكرّسوا هذا
للفيلم، لإيصال رسالة غاية في الخطورة، رسالة موجهة للشعب الأمريكي،
ولوسائل الإعلام التي ضغطت على الحكومة والمخابرات، ونشرت غسيلهم "الوسخ"، أبان قضية سجن أبو غريب، وأبان فضائح
سجن غوانتانامو، ونادت وما تزال تنادي بمحاكمة المتسببين، وبإغلاق سجن غوانتانامو.
الرسالة مفادها :
نحن
لا نختار أن نقوم بهذه الأفعال، ولا نحبذ أن نقوم بها، ولكننا نزاولها عند الحاجة
فقط، بل ومُرغمين، ولولا هذه الأفعال القذرة التي نقوم بها من أجلكم، لما كنتم تعيشون في
أمن وسلام الآن، مستمتعين بأشعة الشمس على شواطىء البحر، وما كان أولادكم يلهون في
أمان . لا تدعوا عواطفكم تتحكم
بأفعالكم، ولا تصدقوا دموع التماسيح !!!!، فمهما بلغت قساوتنا ووحشيتنا، فأنها لن
تصل أبداً الى وحشية هؤلاء الإرهابيين.
هي
محاولة لتبرير الجرائم والوحشية بإسم الوطن، محاولة لتقنين التعذيب، وإستخدام ما
لا يخطر بالبال تحت مسمّى " الأمن القومي" .
الحلم
الأمريكي القائم على اساس الحرية والديمقراطية، العدالة و المساواة، القانون الذي
لا يتجاوزه أحد، وصيانة الدستور، أثبت خلال السنوات الماضية أنه لا يتعدى مرحلة
"الحلم" بل هو وَهمٌ صدقناه، وأقنعنا أنفسنا به،
فالحرية يتم إختراقها من أجل الوطن، لا عدالة ولا مساواة، سوى ما تحتويه الكتب
والقوانين من كلام موضوع على الرف، والقانون يتم إعادة صياغته لمصلحة الساسة
والمتنفذين، والمبررات لكل الأخطاء جاهزة دوماً، والديمقراطية أصبحت وجهة نظر !!! أما الدعاية الأمريكية، فهي ماكياج زائف، تضعه
الإدارة الأمريكية على وجهها كي تخفي قباحتها، تماماً كما تفعل الفنانات في زماننا
هذا !!.
يذكرني هذا بقصةٍ رمزيةٍ وطريفةٍ للغاية، حيث تقوم إحدى كبرى الشركات
بإفتتاح مول تجاري ضخم، مختص ببيع الدجاج، وتخصص له ميزانيات ضخمة، ودعاية كبيرة
جداً بحيث يصبح حديث الشارع، مما يدفع أحد المواطنين العاديين للذهاب الى المول،
وعند دخوله يتفاجأ بروعة المكان ومدى الحرص على النظافة، وأناقة الموظفين، يندفع
هذا المواطن نحو أحد الموظفين قائلاً له : أريد شراء دجاجة لو سمحت، فيجيبه الموظف
: عفواً سيدي، عندنا هنا نظام لكل شيء، هل تريد دجاجة كاملة أم دجاجة منظّفة ومقطّعة
؟ أبدى المواطن سروره وأجاب : بل دجاجة منظفة ومقطعة، فما كان من الموظف إلا أن
ابتسم ابتسامة عريضة وقال : تفضل سيدي الى الطابق العلوي، فنحن هنا نبيع الدجاج
الكامل فقط، صعد المواطن الى الطابق الأعلى سعيداً بهذا التنظيم وبهذه الخيارات
المتاحة، وتوجه نحو أحد الموظفين قائلاً له : أريد شراء دجاجة منظفة ومقطعة لو
سمحت، فأجابه الموظف : عفواً سيدي، عندنا هنا نظام لكل شيء، هل تريد صدر دجاج أم
فخذ دجاج ؟ ففرح المواطن وأجاب : بل صدر دجاج، فما كان من الموظف إلا أن ابتسم
ابتسامة عريضة وقال : تفضل سيدي الى الطابق العلوي، فنحن هنا نبيع فخذ الدجاج فقط،
صعد المواطن الى الطابق الأعلى سعيداً بهذا التنظيم وبهذه الخيارات المتاحة، ظاناً
منه أن كل مشاكله مع الدجاج قد ولّت إلى الأبد، وتوجه نحو أحد الموظفين جازما هذه
المرة : أريد 4 قطع صدر دجاج لو سمحت،
فيجيبه الموظف : عفواً سيدي ، نحن هنا لا يوجد لدينا صدر دجاج، في الواقع نحن لا
نقدم الدجاج إطلاقاً ، ولكن أود أن أسألك : هل أعجبك النظام المتبع لدينا ؟ ما هو
رأيك ب " السيستم " ؟؟؟؟!!!!
أيمن أبو لبن
2010-07-15
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق