السبت، 2 يناير 2010

نسيان دوت كوم


أحبيه كما لم تحب امرأة وانسيه كما ينسى الرجال
   بهذه العبارة تفتتح احلام مستغانمي كتابها الاخير نسيان دوت كوم ، والتي تدّعي فيه أن الرجل ينسى تجاربه العاطفية و (ضحاياه) بسهولة ، وينتقل من تجربة عاطفية (فاشلة) الى عشق امرأة اخرى ، ويعيش حياته بشكل طبيعي، بينما تبقى المرأة العربية تعاني من أثر الصدمات العاطفية التي تتعرض لها من الرجل الشرقي ، حيث تبقى أسيرةً للذكريات ، فهي لا تريد لهذا الحب ان ينتهي ، وبالتالي فهي غير قادرة على تجاوزه ونسيانه والانتقال الى مرحلة اخرى من حياتها.
   وتدعو الكاتبة ايضا عبر كتابها المذكور ، الى تأسيس حزب ثقافي نسائي تحت اسم "نسيان دوت كوم" ، وتدعو جميع من تعرّضن الى تجربة عاطفية فاشلة للانضمام الى هذا الحزب من أجل المساواة مع الرجل في النسيان ، وهي بالفعل قامت بانشاء موقع الكتروني لهذه الغاية.
   في هذا الكتاب وصفات علاجية لكل امرأة ، تريد ان تلقي عن كاهلها  عبء علاقة عاطفية ملأت قلبها وعقلها ثم  باءت بالفشل ، هذه الوصفة لكل امرأة تريد ان تنسى رجلاً ما في حياتها. تقصُّ علينا الكاتبة عدة قصص حقيقية ، مع الوصفات العلاجية المقترحة لتلك القصص .
  أعترف لكم بفضولي لقراءة هذا الكتاب برغم العبارة التحذيرية التي يحتويها "يحظر بيعه للرجال " وهو بطبيعة الحال ما يعني بشكل آخر (هيا يا رجال حاولوا ان تعرفوا ما بداخله) واعتقد ان نسبة القرّاء من الرجال  لا تقل عن النساء .
   على كل الاحوال ، لا اعتقد ان ما ذهبت اليه الكاتبة صحيحاً ، بل أجزم انه عارٍ عن الصحة بتاتاً ، ولن أدخل في جدال حول من الذي ينسى بسهولة اكثر ، او لنقل من يستطيع ان ينسى او يتناسى بأقل الاضرار الممكنة بمعنى (انقاذ ما يمكن انقاذه) . اذا كانت الكاتبة عاشت او عاصرت تجارباً كانت ضحاياها من النساء ، فاعتقد ان عليها ان تفتح المجال للرجل ان يروي تاريخه وقصصه عبر الزمن ، و انكسار احلامه الوردية وغروبها بعيداً تحت ظل القمر ، كم من ليلة صيف أمضاها على شاطىء البحر ، يسترجع ذكرياته ، بين مد وجزر وانكسار الامواج على الصخور ، عندها ستدرك ان ضحايا الحب من الرجال ، لا يقل عن عدد ضحايا الحروب التي خاضها الرجال على مر التاريخ .
   وبرغم اختلافي مع الكاتبة ، الا اني أدعوكم لقراءة هذا الكتاب ، متناسين ومتجاهلين محاولة حصر الضحية في المرأة ، فكلنا في الحب شرقُ.
 كما اني أدعو الى تعميم الموضوع ليشمل جميع العلاقات الانسانية وعدم حصره في (الحب) فاذا اردنا فعلا ان نشفي انفسنا ونطهرها من كل ما يدنّسها من مخلفات علاقاتنا الانسانية ، يجب علينا ان نوسّع من منظور تجاربنا الفاشلة  ليشمل جميع من أساء الينا من اخ او صديق او غيره ، من منّا لا يعاني من هجر صديق او ظُلم قريب او تعسّف اخ ، كم من مرة مددنا يد المساعدة والحب وعادت الينا تنزف دماً !!!
كم من صديق سمّيناه حبيبا او ظنناه قريبا ثم ما لبثنا ان تلفتنا حولنا فلم نجده.
قراءة ممتعة أرجوها لكم
أيمن أبولبن
2-1-2010

الأربعاء، 30 ديسمبر 2009

على أعتاب العام الجديد



على عتبة العام الجديد ، أجدني مشدوداً لا الى أحلام وأمنيات العام القادم ، ولكني على النقيض من ذلك أجدني أحن الى ذكريات ما مر من الزمن الجميل. بالإمس القريب كنت أداعب أحلام الطفولة ، غير عابثٍ بما هو آت ،ولا مكترث بهموم الدنيا من حولي ، وما تحمله الأرض من مآسي ، بالأمس القريب كنت أترقب موعد عيد ميلادي ، لا لجمال الحدث نفسه او تفرده بشيٍٕ مميز ، ولكن لكشف خفايا الهدايا التي سأتلقاها . لا أذكر أني تلقيت هدايا قيّمة في صغري ، ولكني كنت سعيداً جداً بكل هدية  ، وبخاصة ذلك المسدس الضخم والحزام الجلدي الخاص به ، و الذي كنت ألفه على خصري و أضع فيه الطلقات ، تماما كما في أفلام الكاوبوي .
    لم أعد أنتظر أعياد ميلادي الآن ، بل وكأنها بدأت تصبح مزعجة ، وحدها زوجتي تذكُرني وتجلب لي الهدايا ، لا أدري لماذا تنهال علي كل تلك الذكريات ،الآن ، وعلى أعتاب العام الجديد ، بدلاً من إطلاق العنان لأحلامي والتفكير بما هو جديد .
     قريبةٌ جداً مني تلك الذكريات التي تخص أول أيام إلتحاقي بالمدرسة الابتدائية ، وأول اختلاطٍ فعلي ببيئة خارجية ، خارج إطار العائلة واصدقاء الطفولة ، كم كان المشهدُ مرعباً لي في أول أيامي الدراسية ، جموعٌ من الطلاب ، جرسُ الطابور الصباحي و الحصة الأولى ،  صراخٌ وتأنيب من المعلمين ، ضبط ونظام ، غرف مدرسية مكتظة ومعلمٌ يلوح بالعصا ، لم أستطع تحمل إكمال الحصة الاولى ، وانفجرت بالبكاء ، الصدمةُ والرعب ، هذا هو الوصف الذي يليق في هذا المقام ، بما أحمله من ذكريات لذلك اليوم .
  اياماً واسابيع قضيتها هارباً من المدرسة ،  ومصراً على عدم العودة رغم الترغيب والترهيب ، والتهديد ، والعقاب المتنوع بكافة الاشكال _والافعال بالطبع _   من الوالد رحمة الله عليه ، غير أني ولغاية الآن لا أدرك كيف عدت ، وكيف استطعت العودة والإندماج من جديد ، بل وعشق المدرسة والمدرسين والدراسة ، وزملائي الطلاب ، ما الذي دفعني لهذا ؟ وكيف استطعت ذلك ، لست أدري ولكن يبدو أنه رحمةٌ من الخالق بأبي ، ليس الا .
    بالأمس القريب هبت على مسامعي " وعودٌ من العاصفة" بصوت مطربٍ رومانسي ساحر يغني للثورة ، مارسيل خليفة ، وبأشعار شاعر الوطن محمود درويش ، وتوالت بعدها أغاني الوطن ، ما زلت أذكر كم بكيت حنيناً الى خبز أمي ، رغم أن خبزها كان يأتيني كلَّ يوم ، إلا ان سماع تلك الأغنية او تلك القصيدة ، كان وما يزال يبكيني ، هل حقاً كل هذه الاعوام مضت عليّ ، ما زلت أذكر المسجّل القديم وألوان أشرطة الكاسيت ، وغرفتنا أنا واخوتي ، وذلك الشباك الذي يطل على الشارع الخلفي ، كنا نجلس على شرفته مساءً ، ونستمتع بصمتِ الوجود ، وبصخابة ما يتدفق فينا من مشاعر ، وأفكار وخواطر وأحلاما كبيرة ، انتظارنا في المطار لعودة الأخ الأكبر حاملاً شهادة الطب ،اجتماعنا في ليلةِ شتاء حول صوبة البواري ، كأس شاي مع صحن من البزر الساخن والمحمص للتوّ ، والجلوس حول التلفاز لمشاهدة احدى المسرحيات الشهيرة ، او أحد المسلسلات الأجنبية على قنال 6 ، صوت الراديو يصدح بأغاني الطرب الاصيل ، أم كلثوم وعبدالحليم ، وغيرهم.
 ماذا بقي لنا من حنينٍ لخبز أمهاتنا !!؟؟ ولذلك الاجتماع العائلي ، وتلك الحميمية الرائعة .
     كنتُ مشدوداً وفخوراً بالثورة الفلسطينية ، وبشخصية أبو عمار ، وبتلك الكوفية ، أذكر الإجتياح الاسرائيلي على لبنان اوائل الثمانينات وفظاعات هذه الحرب الاولى التي أعايشها ، وبالرغم من صعوبة ما تحمله ذكريات أول حرب تمر على أي انسان، الا أني كنتُ سعيداً ، وسعيداً جداً ، كنت فخوراً بأني أنتمي لهذا الشعب الثائر ، وأني أحد أبناء هذه القضية ، كنت فخوراً عندما عايشت الحدث ، وأخبار المتطوعين للانضمام لقوات الثورة في حربها ضد العدوان الاسرائيلي ، كنت فخورا بأننا وطنيون ، وبأننا ما زلنا نقاوم وأننا أبناء قضية ، وأننا نضحي دون أن نقيم وزناً للمنطق وللحسابات وللعقلانية و " التكتيك". 
هل ما زال عندنا حلمُ وطنٍ حقاً ، وهل ما زلنا وطنيون ، أين هي تلك القضية ، ومن يحمل همّها !!؟؟؟ هل سنعيش لنرى هذا الحلم يتحقق ؟ ام أنه حلمٌ ولد معنا ويموت معنا ، هل حقاً "سنرجع يوماً الى حيّنا" ؟
    كم أفتقد تلك العلاقة التي كانت تربط أبناء عائلتنا الكبيرة ، اولاداً وبناتاً ، تلك الايام والليالي التي قضيناها معاً ، البيوت التي جمعتنا ، الأرض التي افترشناها ، والسماء التي أظلتنا ، والنجوم التي سهرنا نطالعها ونعدُّها ، مستلقين على العشب الأخضر ، في ليلة بدرٍ مضيئة .
    كم يكاد يكون قريباً ذلك اليوم الذي أنهيت فيه دراستي الثانوية ، تلك الأحلام الوردية التي كنت أحملها ، احلامُ شاب في فورة شبابه وعنفوانه ، مقدمٌ على الحياة يريد أن يغتنمها ، ما زالت تلك المرحلة تأسرني ، بحلوها ومرها ، رغم الإنكسار وتبددِ الأحلام ، ثم النهوض مرةً اخرى ، وبدء الصراع من جديد .  وبرغم كل شيء ، إلا أن مرحلة الشباب والنضوج ، ما زالت تأسرني ، بما أحمله من ذكريات جميلة ، صبغت تلك المرحلة : أصدقاء جدد ، ثقافة جديدة ، صداقات مع المدرسين انفسهم ، الشعور بالقبول والتقدير ممن حولي ، تكوين ثقافاتي الداخلية وتوسيع مداركي ، وأهم نتائجها أني أصبحت أنا ، كما أردت .
    العشق الاول ، والعشق الاخير ، وما بينهما ، أول العشق ، و أخر العشق ، وما بينهما ،  أول نظرة إعجاب ، وأول إطراء ، أول كلمة حب ، الرسالةُ الأولى ، لهفةُ إنتظار ساعي البريد ، قطعةٌ من النقود أعطيها للساعي ، شاكراً له على ما يحمله لي ، كانت تعني له رسالةً يوصلها إلى صاحبها بشكل روتيني عادي ، وكانت بالنسبة لي التعويذة التي أنتظرها بشوق ، أول محادثةٍ هاتفية ، الموعد الأول ، وأول لقاء ، واللقاء الاخير ، ذلك الذي أدماني !!
 أول يومٍ في الوظيفة ، ألشعور بالرجولة ، أول هندامٍ رسمي أرتديه ، أول ربطة عنق أنيقة ، وأول عطر رجالي ثمين أشتريه ، أول راتب أحصل عليه ، وبدايةُ الأحلام السعيدة بتكوين الذات ، وبناء المستقبل .
    كلُّ عام كان يمرُ عليّ كنت فيه أسعد من ذي قبل ، لأنه كان يقربني من أحلامي ، ويجعلها ممكنة ، متأخراً أدركت أن السعادة ليست محطة نصلُها ، بتسارع السنين ، السعادة هي الحياة التي نعيشها ، هي الطريق الى السعادة  ، ذلك ما يجعلنا سعداء ، تلك السنين التي تمضي ، تمضي من أعمارنا ، ورقة تصفرُّ وتسقط من شجرة أعمارنا ، ونحن نحتفل بسقوطها متناسين ذلك، زاهينَ بالعام الجديد .
 وبين ليلة وضحاها ، ها أنا هنا ، بعيدٌ عن وطني ، مغتربٌ في بلاد الغربة ، معي كل ما أملك الآن من هذه الدنيا ، زوجةٌ محبّةٌ وطفلين مميزين أنعم الله بهم علي ، على أعتاب عامٍ جديد ، أحتفل ببداية صفحة اخرى ، وأحلم وأتمنى …………. ، ولكن ما عادت الأمنيات تخصني ، ولا تمت إلى تلك الأحلام الوردية التي كانت تراودني بصِلة ، أصبحت أعيشُ لاهدافٍ أخرى ، أصبحت أشعر أن وجودي هو لإسعاد من حولي ، وهدفي أن أجعل الحياة افضل ، بما أستطيع ان أحققه لهم ،أما أحلامي  أنا ، ما أتمناه أنا ، ………… أظن انه لو قدر لي أن اتمنى شيئاً في هذا العام الجديد ، لي أنا ،  لتمنيت أن يعود بي الزمنُ الى ذلك الماضي الجميل ، الى طفولتي ، الى شبابي ، الى عنفواني وإنطلاقي ، لأعيد احياء تلك الذكريات ، وصياغتها من جديد ، أشعر أن الزمن قد سلبني عمري ، على غفلةٍ مني ولمّا أكتفي منه بعد .
 أيمن أبولبن
30/12/2009