يوميات مواطن عربي. هذا هو العنوان الذي اخترته لمدونتي ، والذي يمثل محتويات هذه المدونة ، من يوميات وخواطر ونثر أعبر من خلالها عن آرائي وأفكاري تجاه ما يدور من حولي كمواطن عربي . أنا مهتم بالسياسة والوطن ، والمجتمع ، وكل القضايا الشائكة ، ولكن هناك دائماً متسع للحب ، والأدب ، والفن ، والرياضة. اتمنى ان تستمتعوا ، وأن لا تبخلوا علي بتعليقاتكم على كتاباتي ، التي تجدونها تحت بند "أرشيف المدونة الالكترونية" الى أسفل و يمين هذه الفقرة
الاثنين، 20 يونيو 2022
الحب من غير أمل
الاثنين، 23 مايو 2022
الشهيدة التي لا يجوز الترحم عليها!
الأربعاء، 2 فبراير 2022
"أصحاب ولا أعز" الإستسهال وفخّ التقليد
بداية دعونا ننوّه إلى قضيتين رئيسيتين، أولاهما أن الرواية الأصلية للفيلم والنسخة الأصلية "الايطالية" يستحقان الاعجاب والاشادة، وقد نال الفيلم الايطالي عدة جوائز دولية، وتم انتاج 19 نسخة عنه بلغات العالم، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن جميع النسخ وبالأخص النسخة العربية هي نسخٌ ناجحة.
والثانية، ضرورة التفريق بين الجانب الفني
للفيلم العربي من ناحية أداء الممثلين، والتصوير والاخراج...الخ، والذي كان ناجحاً
إلى حد كبير، وبين خيبة الأمل من المحتوى والصورة الفاضحة التي ظهرت به مجتمعاتنا
العربية، او بالأصح الصورة التي أظهرها الفيلم لنا.
ولعلّي استهل حديثي بالقول إن فكرة الفيلم
الايطالي كانت هادفةً وغايةً في الروعة، وقد نجحت بالفعل في إثارة المشاهدين،
وتسليط الضوء على مشكلة التقوقع خلف ستار الخصوصيّة، التي تعاني منها مجتمعاتنا
بشكل عام. ولعل عنوان الفيلم يشير إلى تلك المتلازمة التي بتنا نعاني منها في
عصرنا الحاضر أكثر من أي وقت مضى (Perfect Strangers). ففي الوقت الذي يتناول فيه الفيلم حياة
مجموعة من الأصدقاء القدامى وعلاقاتهم العائلية المُقرّبة، إلا أنه يركّز على
أسرارهم الدفينة التي يحتفظ بها كل فرد لنفسه، بحيث تتداخل الشخصيات داخل الفرد
الواحد، ويصبح الفرد فيهم في المحصلّة غريباً عمّن حوله، لا يدرك خفاياه حتى أقرب
الناس اليه.
وبما أننا نعيش في عصر التكنولوجيا،
والأجهزة الالكترونية وتطبيقات التواصل الاجتماعي، فقد باتت هذه الأجهزة المحمولة
هي صندوقنا الأسود الذي نخفي فيه كل أسرارنا ونواقصنا. ومن هذه النقطة بالتحديد
يصبح للتحدّي الذي تطلقه إحدى شخصيات الفيلم معنىً كبيراً بأن يقبل الفرد فينا
التجرّد من صندوقه الأسود، وأن يمتلك من الشجاعة ما يكفي كي يقف أمام الجميع
"عارياً" دون أي غطاء!
وفي التفاصيل يقبل الأصدقاء التحدي لأن
عدم القبول يعني أنه يُخفي شيئاً ما، وتتسارع الأحداث بعد أن يضع جميع الأصدقاء
أجهزتهم الخلوية على الطاولة، ويبدأوا في تلقّي المكالمات على العلن، وقراءة
الرسائل على الملأ، وتتواصل الحبكة الفنيّة وتتطور الأحداث وصولاً إلى الكشف عن
أسرار هؤلاء الأصدقاء أمام بعضهم البعض، والتي تكون كفيلةً بأن يتحوّل الفرد فيهم
إلى شخص غريب تماماً عمّن كان يُظهر في العلن!. وقد كتبت قبل سنوات عبر هذه
النافذة بالذات مقالاً أشدت فيه بفكرة الفيلم ونجاحه اللافت.
هذه الفكرة المُذهلة والعبقرية كانت
تستدعي اجتهاداً من القائمين على فيلم "أصحاب ولا أعز"، بداية من
العنوان ونهاية بتطورات الأحداث، فقد جاء الفيلم نسخةً طبق الأصل عن الفيلم
الأجنبي، وكأن أسرار العائلات الايطالية هي ذات أسرار العائلات العربية، وأن
المشاكل الزوجية واهتمامات الأفراد هناك هي ذاتها هنا.
مشكلة القائمين على هذا الفيلم، هي ذات
المشكلة التي تواجه كل المُبدعين والمثقفين والاداريين بل والسياسيين في عالمنا
العربي، مشكلة "الإستسهال"، والوقوع في فخ التقليد الأعمى دون إبداع،
دون خصوصية، وبالتأكيد دون هويّة! فإن نجحت التجربة عزوها إلى أنفسهم، وإن فشلت
قالوا إنما هي أفكار أؤلئك!
كنت أتمنى أن يتم طرح مشاكل الأقليّات
العرقية في مجتمعاتنا بدلاً من مشاكل الشواذ، مشاكل الشباب وهمومهم المُعاصرة،
المخدرات، رفاق السوء، بدلاً من مشكلة فتاة مراهقة طلب منها صديقها أن يمارسا
الجنس، كنت أتمنى أن يتم عرض مشاكل الفساد والرشوة والمحسوبية التي نخرت مجتمعاتنا.
كنت أتمنى حين تُطرح مشكلة الخيانة
الزوجية، أو العلاقات الفاضحة في العالم الافتراضي، أن يتم تقديمها أيضاً بشكل هادف
وقريب من مجتمعاتنا.
هناك الكثير من الأزمات والأسرار التي تستحق
أن تُطرح على طاولة مشاكلنا في المجتعات العربية، غير تلك التي عرضها الفيلم، وكان
بالإمكان أن يحقق الفيلم الغاية منه، وأن يُسلّط الضوء على مشاكلنا الحقيقية،
بدلاً من استيرادها من الخارج!
إن هدف كل عمل ثقافي وفنّي هو إحداث تلك
الصدمة والدهشة عند المُتلقّي، أن يضع المشاهد في مواجهة أخطائه وقصوره ومشاكله
الحقيقية، أن يصوّر له كل سلبياته ويضعه في ورطة تفرض عليه تقبّل هذه السلبيات
بدايةً ثم العمل على تفاديها ومعالجة آثارها ثانياً.
برأيي كمُشاهد ومتابع مهتم بالسينما، إن
هذه النسخة العربية لم تحقق تلك الصدمة أو الدهشة، ولم تصنع ذلك التأثير على
المتلقّي، بل إنها لم تستدعِ التأمل فيها أو التفكر فيها ولو للحظات، لأنها لم تكن
صادقة ولا مُقنعة، لم تكن "أصيلة"، وبالتالي لم يصدقها أحد أو يأخذها
بمحمل الجد، ومن هنا فقدت كل مقوّمات النجاح!
في الختام لا بد من القول ببالغ الأسف إن
الشيء الوحيد الذي اجتهد فيه القائمون على العمل وحاولوا تحويله إلى نسخة عربية
حقيقية، كان استخدام الألفاظ النابية والخادشة للحياء في الفيلم، وأعتقد أن هذه
الخاتمة توجز كل شيء!
أيمن
يوسف أبولبن
كاتب
ومُدوّن من الأردن
2-2-2022
الاثنين، 24 يناير 2022
الأردن ليس بخير
منذ عام 2011 ونحن نتحدث عن الاصلاح في الأردن، حديثٌ عن إصلاحات سياسية، حكومة مُنتخبة، ملكيّة دستوريّة، قانون انتخاب مُعاصر، تفعيلُ دور الأحزاب، دعم الشباب والمراة، إلخ القائمة الطويلة من مطالبات لأدنى حقوق الشعوب، ولكنه كلامٌ عابر في زمانٍ عابر!
مع كل هبّة شعبية نستبشر بالخير، وكيف لا وجميع المسؤولين من قمة الهرم إلى قاعدته يتحدثون عن ضرورة الاصلاح، ويبشّرون بمستقبلٍ مُشرق للأردن والأردنيين، ولكننا نسمع جعجعةً ولا نرى طحناً!
نحن في الأردن لسنا بمعزل عن باقي الدول العربية التي تأخر فيها الاصلاح، أو بالأحرى تأخرت فيها مطالب الاصلاح، لأننا كنا مدجّنين "كغيرنا" بالخوف من المشروع الصهيوني والقوى الامبريالية، وتدخلات أطراف خارجية، ولمّا لم يعد لهذه الشعارات تأثيرٌ أو فاعلية تُذكر، بعد أن كسر شباب الربيع العربي حاجز الخوف، تم ابتكار معوّقات معاصرة تناسب الحدث، فتارة يدّعون أن الفساد والفاسدون يعيقون حركة التقدم والاصلاح، وتارة أخرى يحمّلون العشائرية المسؤولية عن تراجع الديمقراطية والمدنيّة، وفي السنوات الأخيرة تحمّلت الحكومات وحدها المسؤولية، حيث حُمّلت حكومة هاني المُلقي "بأشخاصها" مسؤولية تردي الأوضاع في البلاد، وانقلب الشارع عليها، وباركت الدولة ذلك وبالفعل سقطت الحكومة. وها نحن بعد أكثر من ثلاثة أعوام نعيد المشهد مرة أخرى، ما زلنا نعاني من ذات الظروف السياسية والاقتصادية والمعيشية المتردية ولا ندري من نلوم، مجلس النواب أم الحكومة أم أطرافاً خفيّة لا نعلمها!
إن محاولة حل أي مشكلة دون تحليل المشكلة ذاتها والتعرف على أسبابها هو ضرب من ضروب العبث. لذلك نقول باختصار، إن ما يحصل في الأردن هو منهج صريح وواضح من الدولة الأردنيّة العميقة وأقصد الأجهزة الأمنية والمخابرات والحرس القديم من أركان الدولة، وهذا النهج يهدف إلى المحافظة على شكل الدولة الحالي ومؤسساتها الأمنية والعسكرية في مواجهة أي تغيير ديمقراطي من شأنه سحب البساط من هذه الجهات.
وهم يؤمنون وبكل إخلاص أن ذلك من مصلحة الأردن والأردنيين.
وهذه الدولة العميقة تتحالف بالتأكيد مع شخصيات متنفذة ورجال أعمال يشكلون فيما بينهم تحالفا مؤثراً وفاعلا على جميع الأصعدة في الأردن، وهم بالتالي يملكون مفاتيح الحل والربط كما يُقال.
هذا التحالف غير المرئي وغير الرسمي يشكل عائقا أساسياً أمام أي اصلاح ديمقراطي حقيقي على الأرض، ناهيك عن بعض المستفيدين من الوضع القائم الذين يركبون موجة "الوطنيّة" ويعارضون الاصلاح بشتى السبل والوسائل.
وهكذا يتم خلق حالة متناقضة من الوعود الجميلة والخطط البرّاقة وورش العمل والأوراق النقاشيّة، واللقاءات التلفزيونية والتصريحات الاعلامية والآمال التي تتجدد عاماً بعد عام، ولكن القطار مُعطّل وقضبان السكّة خرجت عن مسارها، وأني لأخشى أن ينطبق علينا قوله تعالى (وبئرٍ مُعطّلة وقصرٍ مشيد).
كلما تحركت قوى الاصلاح بخطوة إصلاحية أو مشروع قرار، سبقتها الدولة العميقة بتشريع يعيق تلك الاصلاحات ويجعلها هامشية وغير مؤثرة. طالبنا بقانون انتخاب عصري ومجلس نواب يمثّل الشعب، حقيقة الشعب، ويفرز قامات وطنية وحزبية تعبّر عن إرادة الشعب وكلمته، فأنتجوا لنا قانون انتخاب يؤسّس للعشائرية لا للأحزاب، ويجعل من سابع المستحيلات تشكيل كتلة نيابية مؤثرة فضاعت الأصوات وتبعثرت الأجندات السياسية وأصبح المجلس "حارة كل من إيدو إلو" وجلساته البرلمانيّة لا تختلف عن حلقات مقالب غوار وصحّ النوم!
طالبنا بحكومة منتخبة، و ملكيّة دستوريّة، فأصدروا لنا تشريعات تسحب كل السلطات من الحكومة "التي لم تنتخب بعد" وجعلوا السلطة تتركز في مجلس دخيل على الدستور يتمتع بجميع الصلاحيات الأمنية والعلاقات الخارجية، وبذلك أجهضوا كل معنى لأي حكومة مستقبلية حتى ولو كانت مُنتخبة، وهذا كفيل بهدم كل آمال الوصول يوماً ما إلى ملكيّة دستوريّة يحكمها الشعب!.
هذا باختصار هو المشهد الأردني اليوم، ودون فهم هذا التناقض الذي نحن فيه لن نستطيع فهم المعضلة الحقيقية ناهيك عن حل هذه المعضلة!
المطلوب اليوم أكثر من أي يوم مضى، أن يصل صوتنا إلى أصحاب القرار في الدولة، بكل السبل والوسائل وبكل مثابرة وإيمان لنقول إن من يحمي الأردن هو الشعب الأردني الحر الذي يعبر عن إرادته ويواجه كل الأخطار المحدقة به برجالاته وكفاءاته ومؤسساته، لا بالقيّمين عليه أو الأوصياء على خياراته.
المشكلة ليس في تمكين إرادة الشعب، المشكلة فيمن يعتقد أن الشعب يمارس مراهقة سياسية لا تخوّله ممارسة إي صلاحيّة!
علينا أن نوصل صوتنا بكل قوّة، بأن ما تفعله الدولة من خلق تلك المعوقات لا يراعي مصلحة الأردن المستقبلية ولا مصلحة الأردنيين بل إنه يُقزّم من دورهم، ولا يترك لهم سبيلا إلا مواجهة الدولة ذاتها، وحينها لن يكون الأردن هو الأردن بل سيتحول إلى سوريا أو ليبيا جديدة، وهذا ما لا يريده أحد من الأردنيّين.
قالها الفاروق من قبل (لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها)، ونحن اليوم نقول لكل رجالات الدولة العميقة، إذا كنتم تحبون الأردن فالأولى ان تحبوا الأردنيين وتحرصوا على أن يحققوا مطالبهم الديمقراطية والدستورية وحينها سيعود الأردن بخير!
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
23-1-2022
الاثنين، 3 يناير 2022
«لا تنظر إلى الأعلى» جهل الشعوب وإرهاصات نظرية المؤامرة
حمل هذا الفيلم "لا تنظر إلى الأعلى" مفاجأة سارة لعشّاق السينما الهادفة، ولمناصري قضايا البيئة والحفاظ على الطبيعة. وعلى عكس المتوقع من شبكة "نت فليكس" وصنّاع السينما بشكل عام، فقد سلّط الفيلم الضوء على تابوهات سياسية واجتماعية وبيئية تم تهميشها عن عمد، وبقيت في طي النسيان لسنوات طويلة.
حبكة الفيلم الظاهرية تدور حول فريق أكاديمي يكتشف نيزكاً عملاقاً متجها إلى الأرض مما يهدد بحدوث تسونامي هائل يهدد وجود البشرية، فيما يكمن محور الفيلم الأساسي في كيفية تعامل البشر على مختلف ثقافاتهم مع هذا التحدي الجديد لوجودهم، وكيفية تعامل "السلطة" مع هذا الأمر ومحاولتها تطويع الرأي العام لخدمة مبتغاها بعيداً عن مصلحة الأرض وأهلها.
يركز الفيلم على السلطات الثلاث الأهم في عصرنا، السلطة السياسية، السلطة الإعلامية، وسلطة التكنولوجيا ورجال الأعمال. ففي حين ترى السلطة السياسية في هذا التحدي فرصة لكسب الأصوات وحشد الجماهير لتقوية مركزها في السلطة عن طريق الاستعراض والتلاعب بالعواطف، يتجه رجال الأعمال إلى تسخير هذه "الفرصة" لزيادة ثرواتها وملكياتها واضعين مصلحة الشعوب والكرة الأرضية في أدنى قائمة اهتماماتهم، فيما تقوم السلطة الإعلامية بخدمة السلطتين الأخريين بما يخدم مصلحتها هي، من خلال التعتيم الإعلامي على القضايا الجوهرية والتركيز على التفاهات الإعلامية وأخبار النجوم، بما يؤدي في النهاية إلى السيطرة على الشعوب من خلال تجهيل البشر وترويج نظريات المؤامرة.
هذه الحالة الفوضوية تنجح في النهاية في إقناع سكان الأرض بعدم وجود أي خطر على حيواتهم أو على الكرة الأرضية، وأن ما يقوله العلماء هو محض هراء نابع من أشخاص مضطربين عقلياً، أو مؤامرة دنيئة تهدف إلى تهديد العيش السلمي.
ويأتي عنوان الفيلم "لا تنظر إلى الأعلى" لتسليط الضوء على المفارقة الكبرى التي يطرحها الفيلم، فحين يطرح العلماء نظريتهم حول وجود المُذنّب، ينقسم البشر بين مشكّك، أولا مبالٍ، أو جاهل غير متابع للتطورات. وعند ظهور المُذنّب واضحاً جلياً في سماء الأرض، يُفترض أن يُحسم الجدل، فكل ما يتطلبه الأمر هو فقط "النظر الى الأعلى" لرؤية الخطر جلياً ووشيكاً، وهذا ما يحاول العلماء قوله للشعوب: بكل بساطة انظروا إلى أعلى، إلا أن السلطات الثلاث تبدأ الترويج لنظرية المؤامرة، وتدعو الشعوب إلى النظر "إلى الأمام" حتى تستمر المسيرة، في حين أن النظر إلى الأعلى سيعيق التقدم البشري!!
على الرغم من أن هذه الصورة الدرامية تحمل من الكوميديا السوداء الشيء الكثير، ورغم أننا نراها مجرد مشهد سينمائي قد يثير الاستغراب أو الضحك، إلا ان الحقيقة المرّة أنها تمثل الواقع بكل تفاصيله، وتعكس حقيقة جهل الشعوب ولا مبالاتها وحالة الإنكار التي تعيشها!
كم منا يتابع أو يهتم بأخبار الكرة الأرضية وما يحدق فيها من أخطار؟ بدءاً من عملية التغيير المناخي وذوبان الجليد وارتفاع منسوب المياه، وحالات التصحّر وانحسار الغابات المطيّرة، وحرائق الغابات؟
كم منّا يكترث لأخبار التسلّح النووي وأسلحة الدمار الشامل؟
كم منّا يكرّس من يومه بعض الوقت لمتابعة أخبار التلوث البيئي واتباع الارشادات للمحافظة على البيئة في المنزل والعمل والسيارة...الخ
من منّا يقوم بتشجيع الصناعات التي تعمل على الطاقة البديلة، أو اقتناء الملابس التي يتم تصنيعها عن طريق إعادة التدوير؟
من منّا يشجع الشركات والعلامات التجارية التي تناصر قضايا البيئة وتلتزم بمعايير المحافظة على البيئة؟
من منّا يشجع الصناعات والعلامات التجارية التي تخصص جزءا من ريعها لتشجيع المجتمعات المحلية وتقوم بالخدمات الطوعية والتوعوية للمجتمعات؟
من منّا يحاول ترشيد استهلاك الطاقة والمياه ونشر التوعية حول هذه المواضيع؟
الاجابة بكل اختصار قلة قليلة جداً والأغلبية العظمى إما جاهلة وغير واعية أو غير مبالية البتّة!
نحن بحاجة فقط إلى النظر إلى ما حولنا كي ندرك حجم المعاناة والخطر المحدق فينا وفي الأجيال القادمة، ولكننا كما في شخوص هذا الفيلم لا نكترث!
دعونا لا نذهب بعيداً، انظروا كيف تعاملنا مع جائحة كورونا خلال العامين الماضيين، فرغم كل ما شهدناه من أزمة صحية وانسانية، إلا ان هناك من لا يزال يُشكّك في وجود الوباء أو خطورته، وهناك من يحرّض على عدم أخذ المطعوم والاستجابة للاجراءات الاحترازية!
في هذا العام وصلت الزيادة في درجات الحرارة الى 1.2 درجة مئوية فوق المعدل، وارتفعت درجة الحرارة في المناطق القطبية بأكثر من ثلاث درجات. يعاني نحو 700 مليون شخص حول العالم من نقص الغذاء، وخلال العقد الماضي نزح أكثر من أربعين مليون شخص بسبب الكوارث الطبيعية.
في العراق وحدها تحولت نحو 160 كم من الأراضي الزراعية إلى صحراء جافة في عام 2021.
أما بالنسبة للمياه فإن نسبة المياه الصالحة للشرب لا تتعدى 0.3 بالمئة من نسبة المياه على سطح الكرة الأرضية، وهناك نحو مليار انسان حول العالم يفتقرون لمصادر مياه عذبة. ورغم أن الشرق الأوسط يشكل نحو 5 بالمائة من سكّان العالم إلا أن حصته المائية لا تتجاوز واحد بالمئة من اجمالي المياه العذبة.
هل تعلم عزيزي القارىء أن هناك يوماً عالمياً لدورات المياه، وأن نصف سكان العالم لا يتمتعون بنظام صرف صحي فعّال، وأن نحو 700 مليون شخص لا يمتلكون نظام صرف صحي خاص أو عام ويقضون حاجاتهم في الغابات والمناطق المهجورة؟
كل هذه المعلومات هي حقائق واقعية تعكسها الأرقام ولا تستدعي منّا سوى "النظر إلى أعلى"، فهل نستمر في النظر إلى الأمام؟!
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
2-1-2022
الاثنين، 13 ديسمبر 2021
لماذا في كانون؟!
الأربعاء، 24 نوفمبر 2021
الشعور بالوحدة
سألَتْه هل تشعر بالوحدة؟ قال: أسافر
وحيداً وأكثر من الترحال، ولكني لا أشعر بالوحدة. وأنتِ؟ تنهّدت واسترسلت بالنظر
بعيداً ثم قالت: أشعر بوحدة قاتلة!
كان هذا مشهداً من فيلم Heat رائعة المخرج مايكل مان، وفيه إسقاط لمفارقة
أن تكون وحيداً، وأن تشعر بالوحدة، فالشعور بالوحدة لا يرتبط ضمنياً بان تعيش او
تتنقّل وحيداً، بل هو شعور داخلي يتعاظم بفعل عناصر عديدة. قد تكون موظفاً في
بورصة طوكيو على سبيل المثال أو أحد المشاهير المُحاطين بالمعجبين والمرافقين، ورغم
ذلك تشعر بالوحدة في داخلك!
كنتُ ذات يوم في أحد مقاهي عمّان الغربية،
ورافقني على الطاولة صاحب المقهى. أشار لي إلى احدى طاولات المقهى المليئة بالروّاد
وسألني هل ميّزت احداً منهم، نظرت نحوها ثم أجبته: تقصدُ صاحب نوفوتيه الملابس
المشهور وسط البلد؟ هز رأسه مؤكداً، ثم قال يأتي هنا مساء كل يوم مصحوباً
بالرفقاء، ويكون هو صاحب الدعوة دائماً فسألته باستغراب وما الذي يدفعه إلى فعل
ذلك، تبسّم في وجهي وقال: ليس لديه أصدقاء!
الشعور بالوحدة هو شعور بالخواء الداخلي،
بالفراغ القاتل، هو شعورٌ بانتفاء الغاية والهدف والرسالة، شعور باللاانتماء!
لدى الانسان غريزة أساسية بالانتماء إلى
مجموعة تشترك بمفاهيم وأفكار وقيم وتعمل مع بعضها البعض، وكثيرٌ من الدراسات
الانسانية ركّزت على مفهوم الأنسنة والمجتمعات والعمل الجماعي. خذ على سبيل المثال
العقل الجمعي، وسيكولوجية الجماهير...الخ جميعها تشير إلى ميل البشر بطبيعتهم إلى
تكوين الصداقات والعلاقات المشتركة والتفاعل الايجابي ضمن مجموعات، ومن هنا جاء
مفهوم العشيرة وابن البلد والصداقة والزواج وغيرها. وعندما تنتفي تلك العلاقات
المشتركة او تتعطّل تلك الروابط ولو مؤقتاً يبرز الشعور بالوحدة والغربة، والاستنزاف
العاطفي.
ولعل المفارقة تكمن في أن حياتنا المعاصرة
المنفتحة على العالم الخارجي بفضل تعدد وسائل التواصل الاجتماعي، وتجلّي مفهوم "القرية
الصغيرة" و "السوق العالمية المشتركة" ساعدت بشكل سلبي -على غير المتوقع-
على شعور الأفراد بالسلام الداخلي والشعور بالأمان والثقة بالذات.
لقد انصهرت مفاهيم الذات في مفاهيم أخرى
سائدة وطاغية تدوس على ما عداها ولا تجعل متنفساً للأفراد للتعبير عن ذواتهم او
ممارسة تلك الحميمية في المشاعر والأحاسيس الصادقة. لقد أصبحنا مجموعة من الغرباء
الغارقين في بحر من الظلمات، لا نعرف عن الآخر سوى المظاهر والأشكال الخارجية التي
تطفو على السطح.
وما يزيد من الطين بلّة انه بات من
المستغرب أن يحاول أحدنا كسر ذلك الجمود والتقرّب من الآخر، وكأن ذلك هو المستغرب
والشاذ عن القاعدة لا العكس!
نسكن في مجموعة من المباني جذابة المنظر،
ولكنها خاوية على عروشها، لا يعلم أحدنا عن جاره أو قريبه أو صديقه، سوى رسائل الصباح
والمساء والجمعة المباركة!
نحاول جاهدين كسر الصمت والجمود ولا نجد
في المقابل سوى استجابات خجولة بل ومتشكّكة في نوايانا تجاه بعضنا البعض. لقد
تلاشت مفاهيم التنزه العائلي وقضاء أوقات التسلية مع العائلة الكبيرة ومجموعات
الأصدقاء، بتنا مرهونين بأعباء الحياة، ولا نجد الوقت لأنفسنا، كمن يحاول سرقة
الزمن على غفلة منه!
ولعل أزمة كورونا قد دقّت ناقوس الخطر
فينا جميعا، وأرشدتنا إلى ضرورة التواصل والتكاتف الاجتماعي إلا انها سرعان ما
تلاشت أصداؤها وعدنا إلى عاداتنا القديمة وكان شيئاً لم يكن!
في عالمنا المادي الذي نعيش، طغت المادة
فيه على حياتنا بطريقة لا واعية، فأصبحت أعمالنا أهم بكثير من عائلاتنا وأصدقائنا،
وبات الفرد فينا رهينة لهاتفه "الذكي" وبريده الالكتروني الذي يقتحم
خلوتنا وخصوصياتنا.
في الفترة الأخيرة لاحظت أني وأثناء
تناولي الطعام أو في الوقت الذي أسرقه من يومي لأموري الخاصة، أقوم وبشكل لا إرادي
بتفقد رسائل الواتس وايميلات العمل، بل وحتى ارسال الرسائل وإنجاز أمور العمل!
لقد أصبحت شاشات التلفاز ملاذنا، للهروب
من هذه العُزلة بمشاهدة المباريات الحماسية والأفلام الشيّقة. لم نعد وحيدين في
هذا العالم، نحن كُثُر ولكننا مكبّلون بالشعور بالوحدة!
لست وحيداً، أنا مُحاطٌ بالناس ولدي
أصدقاء كثر، ومعارف على وسائل التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي، ولكني أعترف
باني لا أستطيع الافتكاك من شعوري بالوحدة، أنا في اشتباك دائم مع الوحدة والارهاق
والعزلة. احاول جاهداً ممارسة كل الطقوس الكفيلة بملأ حياتي بكل معاني الحياة،
ولكني ما زلت أشعر بتلك الوحدة القاتلة، والحنين، الحنين إلى الماضي، بل الحنين
إلى ذاتي!.
جاهداً أحاول الاجابة على أسئلة الطفل
الشقيّ في داخلي، فكلما أجبته عن الغاية من مهامي اليومية التي أقوم بها، لاحقني
بسؤال تابع عن الغائيّة ذاتها! أسئلة تبدأ ولا تنتهي، ومعها تبدو كل الغايات
فوضويّة وعبثيّة!.
الوحدة باختصار، هي تلك الفجوة بين حياتنا
الواقعيّة، وتصوّراتنا نحن عن تلك الحياة، أو بالأحرى عمّا يجب أن تكون، فالوحدة
تبدأ من ذواتنا ولا تنتهي إلا إذا أوجدنا التوازن الداخلي بين تصوراتنا حول
"الأنا" وبين الطفل الذي في داخلنا، بين عالمنا الواعي، وذاك الضارب في
أعماق اللاوعي.
أيمن
يوسف أبولبن
كاتب
ومُدوّن من الأردن
24-11-2021