الاثنين، 15 يوليو 2019

من وعود العاصفة إلى وعود حسن نصر الله!




أطلّ علينا السيد حسن نصر الله على قناة المنار، وكأنه الناطق الرسمي باسم إيران في المنطقة، والمُبشّر بزوال إسرائيل على يدها.
وهذا يقودنا إلى إعادة طرح السؤال الجدلي مجددا، هل أجندة حسن نصر الله وميليشيات حزب الله هي اجندة وطنية لبنانية؟ قومية عربية؟ إسلامية؟ أم إيرانية بحتة؟ وهل تتوافق هذه الأجندة مع قضايا فلسطين والوطن العربي مرحلياً أم منهجياً واستراتيجياً؟

شعبية حسن نصر الله

لطالما تمتّع السيد حسن نصر الله بشعبية جارفة في العالم العربي قبل أحداث الربيع العربي وبالتحديد قبل الأزمة السوريّة، وكان هناك شبه إجماع على تأييد حسن نصر الله أو حزب الله، والايمان التام بعقيدته السياسية والنضالية.
وكان ذلك منطقياً وطبيعياً إلى حد كبير، بالنظر إلى طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي وحقيقة تواجد قوات الاحتلال داخل الحدود اللبنانية وحرب الاستنزاف "الباردة" المُعلنة بين الطرفين.
ولكن الذي حصل بعد ذلك كان منافياً للمنطق ولكافة شعارات المقاومة والحرية، فالتيار الوطني التحرري المُقاوم تحوّل لتأييد نظام ديكتاتوري ظالم في سوريا، لأسباب سياسية بحتة ولحفظ مصالح إيران في المنطقة، مُخالفاً بذلك آمال شعوب المنطقة في التحرّر وإعادة تشكيل النظام السياسي الذي يحفظ لهم كرامتهم ويحمي أوطانهم من الفساد.

والمفارقة الأكبر في سياسة حسن نصر الله وحزب الله، هو تحوّلها من حركة تحررية ثورية إلى ميليشيات مسلّحة لا تخضع لأي مساءلة أو سلطة داخل لبنان، وتشارك في ذات الوقت في اللعبة السياسية، وهو تناقض خطير، فإما أن تحافظ على إرثها المُقاوم، وتتخذ من حرب الاستنزاف وممارسة عمليات المقاومة ضد العدو الصهيوني، منهجاً لها، أو تلقي بسلاحها وتنضم إلى الأحزاب السياسية مع الخضوع التام للدولة.

مزارع شبعا ومسمار جحا

ولعلّكم تذكرون قضية مزارع شبعا، التي كانت أبلغ وأعمق من قصة مسمار جحا، فبعد انسحاب قوات الاحتلال من الجنوب اللبناني، أعلن نصر الله أن إسرائيل ما زالت تحتل مزارع شبعا وهي أراضٍ لبنانية، وطالما أن هناك أراضٍ لبنانية محتلة فإن حزب الله لن يسلّم سلاحه للدولة وسيبقى على حالة صراع مع إسرائيل.

المُفارقة أن مزارع شبعا وحسب قرارات الأمم المتحدة هي أراضٍ سورية، غير أن سوريا لا تقول ذلك، أما لبنان فتطالب بترسيم الحدود، وبين حانا ومانا ضاعت لحانا، وبقي مسمار جحا والذي يُعطي حسن نصر الله شرعية حمل السلاح!
 
راية قضية فلسطين

لطالما، استخدم حسن نصر الله راية الوطنية وقضية فلسطين بكل براعة، ونجح في التأثير في عواطف القوميين والوطنيين رغم كل المغالطات والسذاجة والسطحيّة في الطرح، ولم يخرج لقاؤه الصحفي الأخير عن ذلك، ففي الوقت الذي تعاني فيه إيران من أزمة دولية نتيجة تخلي إدارة ترامب عن الاتفاق النووي، وتجاوز إيران لبنود الاتفاق، قام حسن نصر الله بتحويل القضية الى مواجهة بين إيران وإسرائيل!

وهو بذلك يؤجج عواطف الشارع العربي بنيّة خداعه وتصوير أزمة إيران الحالية وكأنها أزمة مع إسرائيل بسبب احتلالها لفلسطين!

وحقيقة القول، إن أزمة إيران الحالية ليست بسبب إسرائيل وليس بسبب خلاف ايران مع أمريكا وسياستها في المنطقة، بل من أجل استعادة أمجاد الحضارة الفارسية الاستعمارية، وهي في سبيل ذلك تقوم بالضحك على الذقون بقصة فلسطين والقضايا الوطنية، واستعداء الخليج.

تذكّروا أنه في اللحظة التي سُمح لإيران بعقد اتفاق مع دول الغرب في سبيل استمرار مشروعها النووي لم تتردد في استغلال الفرصة، وحين يُعرض عليها التعاون مع إسرائيل في مشروع مستقبلي في المنطقة لن تتردد كذلك، طالما أنه يخدم مصالحها الخاصة.

مشروع إيران-حزب الله في المنطقة هو خدعة كبيرة، ورغم وضوح نواياه وتوجهاته الواضحة للعيان، إلا أن البعض ما زال يعتقد أنه المشروع الوطني الوحيد في المنطقة، نظراً لحالة الانبطاح التي يعاني منها العالم العربي، وسقوط كل الحركات الثورية والتحررية في مستنقع الاستسلام والخضوع، مما سهّل الأمر على حزب الله الضلوع بهذا الدور المسرحي لملء هذا الفراغ.

وإذا كنا كعرب، نخشى من قدرة إسرائيل النووية، فالأجدر أن نعمل على امتلاك هذه القوة، أو على أقل تقدير، العمل على تفكيك القوة النووية الإسرائيلية ضمن تحالفات دولية أممية، وبطرق ديبلوماسية، أما القيام بدعم دولة أخرى لديها طموح ضارب في التاريخ لامتلاك هذه القوة التدميرية، فهو ضربٌ من الجنون.

تناقضات خطاب حسن نصر الله

للدلالة على مدى التناقض والمغالطات التي احتواها خطاب حسن نصر الله الأخير، فقد ذكر بدايةً أن إيران وأمريكا لا تريدان الحرب، ثم قام باستخدام راية فلسطين للتلاعب بالعواطف فقال إن إيران ستضرب إسرائيل وبقوة إذا نشبت الحرب، بالإضافة إلى مصالح أمريكا في المنطقة، ثم ختم بالقول إنه إذا عرفت أمريكا ذلك فإنها لن تفكّر في الحرب!

وترجمة هذا الكلام هو التالي:
لا يوجد حرب، ولكن عليكم أيها الوطنيون العرب، ألاّ تنسوا أن إيران تُمثّل حلف المقاومة في المنطقة، وعليكم بالتالي أن تقفوا معها وتؤيدوا حقها في المشروع النووي!
أما الرسالة الخفيّة إلى دول الخليج، عليكم أن تلجموا جنون ترامب، لأننا سنقوم بضرب مصالحكم في المنطقة إذا حصل اعتداءٌ علينا، وليس أي شيء آخر!

وعود من العاصفة

في بدايات الحركة الثورية الفلسطينية عُرفت المقاومة حركياً ب "تنظيم العاصفة"، فظهر فصيل مسلّح باسم قوات العاصفة، وكانت أول قناة إذاعية تحمل اسم (صوت العاصفة)، كما نشرت أشعار واناشيد تتحدث عن وعود الثورة، منها قصيدة وعود من العاصفة لمحمود درويش، والتي غنّاها مارسيل خليفة فيما بعد، وهذه الوعود الثورية، هي التي أبقت على الأمل في صدور أبناء جيلي باستمرار المقاومة والعمل الثوري التحرري إلى حين بلوغ النصر والتحرير.

وبعد ان تخلّت قيادة منظمة التحرير عن راية النضال، وقبلت باتفاقيات الاستسلام في أوسلو، وتحوّلت بذلك من حركة ثورية إلى سلطة حكم محلي بإدارة الاحتلال، خلت الساحة لكل من يرغب باستلال هذه الراية ورفعها على المسرح السياسي، ونظراً لرغبة الجماهير في رؤية هذه الراية ترفرف ولو على المسرح، فإن وعود حسن نصر الله ستجد لها آذاناً صاغية وكفوفاً تُصفّق، وأفواهاً تزأر!   

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
14-7-2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق