الاثنين، 28 ديسمبر 2015

لماذا يكرهوننا ؟!



   بالرغم من التقدم الحضاري للولايات المتحدة، وتسيّدها للعالم في مختلف الميادين، السياسية منها والإقتصادية والتكنولوجية، وغزوها للفضاء الخارجي إلا أن المفارقة العجيبة أن الشعب الإمريكي بشكل عام لا يعتبر من الشعوب المُثقفة أو المُنفتحة على الحضارات الأخرى، بل إنه قد أظهر في العديد من المناسبات جهلاً كبيراً في مواضيع حياتيّة أساسية، تبدو في معظم الأحيان بديهيةً للشعوب الأخرى.

نُشرَ يوم الجمعة الماضية نتائج إستبيان قامت به إحدى شركات الأبحاث مستهدفةً شريحةً من الناخبين الأمريكان، وكان من ضمن الأسئلة سؤال إستدراجي يقول نصّه: (هل تؤيد قصف مدينة عقربا ؟ ) حيث أجاب 30% من مؤيدي الحزب الجمهوري بأنهم يؤيدون قصف هذه المدينة دون أن يعلموا أنها مدينة وهمية موجودة في مغامرات علاء الدين الكرتونية فقط !! بينما عارض 13% فقط هذه الفكرة، وأجاب البقية بأنهم غير متأكدين.


وقد برّرت الشركة القائمة على الإستبيان إدراج هذا السؤال بالقول أن الهدف كان معرفة توجّهات الناخبين نحو قصف أهداف وهميّة تبدو للوهلة الأولى أو ظاهرياً أنها مواقع في الشرق الأوسط، في إشارة إلى تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا بين المواطنين الأمريكان في الفترة الأخيرة.

أذكر أنني شاهدت تقريراً تلفزيونياً بعد أحداث سبتمبر وقبيل الغزو الأمريكي لأفغانستان، قام فيه فريق البرنامج بالتجوّل في شوارع إحدى الولايات الرئيسية وسؤال الناس عن تأييدهم أو معارضتهم للحرب على أفغانستان، وكما كان متوقعاً فقد أيّدت الغالبية العظمى الغزو العسكري، ولكن المفاجأة كانت عندما طلب المذيع من المواطنين تحديد موقع أفغانستان على خارطة العالم، حيث لم ينجح معظمهم من تحديد الموقع الصحيح على الخارطة ناهيك أن بعضهم لم يكن يعلم في أي قارة تقع، حيث بحثوا عنها في قارة أمريكا الجنوبية !!

الشيئ بالشيء يُذكر، عندما ترشّح جورج بوش الإبن للإنتخابات الرئاسيّة ركّزت قنوات الإعلام الميّالة للحزب الديمقراطي على ضحالة ثقافته وعدم إمتلاكه للكاريزما الشخصية أو حتى السياسيّة المتميزة التي يُفترض أن تتوافر لدى أي مرشح رئاسي، وضمن هذا السياق، تم إستضافة بوش الإبن في العديد من البرامج التي تعمّد مُقدّموها على إحراجه بأسئلة عامة عن عواصم بعض البلدان وأسماء رؤساء الدول الحليفة والمُعادية وبعض المعلومات العامة، وكانت إجاباته مصدراً للسُخرية والتندّر عبر وسائل الإعلام المختلفة. ولكن الغريب أن هذا المرشح غير المُثقّف والجاهل في أمور السياسة الخارجية فاز على غير المتوقع في سباق الرئاسة، بل إنه إستطاع أن يفوز في الإنتخابات اللاحقة أيضاً رغم كارثتي أفغانستان والعراق !!

 في أولمبياد أثينا عام 2004 وبعد أشهر قليلة من غزو العراق والكشف عن فضيحة سجن أبوغريب، لوحظ أن الجمهور الرياضي تعامل مع الرياضيين الأمريكان بسلبية واضحة، حيث كان واضحاً تعاطف الجماهير مع أي رياضي يتواجه مع أحد أفراد الفريق الأمريكي، ومع أي فريق يتنافس مع الفريق الأمريكي، وكان الفرح يغمر الجماهير في حالة فوز المُنافس، بينما يُستقبل الفوز الأمريكي بفتورٍ وبُرود. أثارت هذه الحالة العديد من التساؤلات بين أفراد البعثة الأمريكية، وبرز حينها سؤال لماذا يكرهوننا ؟!

لقد لفتت هذه المناسبة الإنتباه إلى تعاظم الشعور العام بالسُخط من سياسات الإدارة الأمريكية، التي تعتمد على تضليل الرأي العام الأمريكي لضمان دعمه لهذه السياسات المُوجهّة، وتلا هذه المناسبة العديد من الدراسات والتحليلات التي توصلت نتائجها إلى تعزيز هذه الفرضيّة في إشارة إلى حالة الإمتعاض التي وصلت إلى حد الكُره تجاه كل ما هو أمريكي. وبناءً على ذلك حاول صُنّاع القرار في أمريكا تجميل صورة الولايات المتحدة أمام العالم وتعديل بعض السياسات " المُعلنة " على أقل تقدير.

ولكن السؤال بقي يتردد في أذهان الأمريكان إلى يومنا هذا، لماذا يكرهوننا ؟!

وللإجابة على هذا السؤال أقول، نحن لا نكرهكم ولكننا نكرهُ جهلكم بأمور حياتنا، نكرهُ فيكم أنكم تفترضون مُسبقاً أنكم متفوقون على بقية البشر، وتبنون علاقتكم مع الآخر على فرضيّة السيّد و العبد. نكرهُ فيكم أنكم لا تعلمون إلا القليل عن العالم الذي تعيشون به وتطالبون غيركم أن يتعلّم قواعدكم في الحياة وأن يتأقلم مع "الطريقة الأمريكية".
أما أكثر ما نكرهه فيكم، فهو جهلكم وسذاجتكم المُفرطة إلى حد الغباء أحياناً والتي جلبت الكوارث لمنطقتنا وللعالم، وارتدّت نتائجها عليكم دون أن تُدركوا ذلك ولو بعد حين !
 عزيزي المواطن الأمريكي، إن تأييدك لمرشح رئاسي يعرف القليل عن العالم المحيط به، أو تأييدك لغزو عسكري لبلادنا، أو فرض عقوبة إقتصادية على أحد الأنظمة التي لا تتوافق مع سياسات حكومتك، أو دعم جماعة أو طرف من الأطراف المتنازعة في بلداننا، بناءً على مصالح السلطة في بلادك، يؤثر علينا نحن شعوب المنطقة وعلى مستقبل بلداننا والأجيال القادمة، فيما تجهل أنت "صاحب القرار" خارطة المنطقة وتاريخها، بل إنك لا تُبدي أي فضول بالبحث عنا في "جوجل"، ولا تكترث لمعرفة أين تقع بلداننا وما هي أسماء مُدننا !!
فهل ما زلت تتساءل، لماذا تكرهوننا ؟!

أيمن أبولبن
28-12-2015
كاتب ومُدوّن من الأردن





للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban


الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

القراءة إكسير الحياة



   تعتبر القراءة المصدر الأول والرئيس للمعرفة بشتى أنواعها، ولا عجب أن بداية الكلام الآلهي في الرسالة المحمديّة كان " اقرأ "، فمن القراءة والإطّلاع انطلقت المعرفة الإنسانية التي ساهمت في تأسيس الحضارات الإنسانية على مر التاريخ، وأدّت من خلال التراكم المعرفي عبر الأجيال المتلاحقة إلى تطور الإنسان في ميادين الحياة المختلفة، وصولاً إلى ما نراه حالياً من إزدهار تكنولوجي، علمي، حضاري، وثقافي.

  لقد ساهمت الترجمات التي قام بها المفكرون المسلمون الأوائل نقلاً عن الحضارات الأجنبية وأبرزها الحضارة الإغريقية في تحقيق نقلة نوعية لإزدهار الحضارة الإسلامية، وإنطلاقاً من هذه النقطة بدأت رحلة المعرفة العربية الإسلامية مستفيدة من الرسالة المحمديّة في الإجابة عن الأسئلة الوجودية التي حيّرت الفلاسفة، وبهذا استطاعت الحضارة الإسلامية إضافة الكثير الى المعرفة الإنسانية وساهمت في قفزة حضارية هائلة في تاريخ الإنسانية في مختلف ميادين الحياة العلمية والفلسفية والثقافية وفي حقول التاريخ والأدب، وشهدت الحضارة الإسلامية ولا سيما في عصر الأندلس منتوجاً ضخماً من الكتب والمخطوطات والدراسات الإنسانية التي سجلت حضوراً مميزاً للعرب والمسلمين في سجل الحضارة الإنسانية.

   هذه المساهمة العربية الاسلامية في سلم التطور الإنساني كانت القاعدة التي بنى عليها الغرب قفزة هائلة أخرى في تاريخ الإنسانية مستفيدين بدورهم من ترجمات الكتب العربية، وتزامنت هذه المرحلة مع فترة إنحدار فكري وثقافي عانت منه الحضارة الإسلامية بعد عصر الأندلس.

وبالنظر الى ما يتمتع به جيلنا الحالي من وسائل لا نهائية للمعرفة وغير مسبوقة من ناحية الكم والنوع، وعلى رأس هذه الوسائل الانترنت الذي جعل العالم الكبير قرية تفاعليّة صغيرة، يستبشر المرء بقدرة الإنسان على تحقيق قفزات هائلة في تطور البشرية في وقت قياسي بالمقارنة مع الأجيال السابقة، ولكن المؤسف أن القراءة لم تعد من أولويات هذا الجيل بالرغم من سهولة الوصول الى أي معلومة أو أي كتاب بأي لغة، حيث لا يتطلب هذا في كثير من الأحيان الى أكثر من كبسة زر.

  لا شك أن هناك نسبة لا يستهان بها في عالمنا العربي تمارس القراءة بشكل دوري ومستمر، ولكننا لو بحثنا في نوعية الكتب التي تلقى رواجاً لوجدنا أنها في أغلبها لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تبشّر بقفزة نوعية في المعرفة في عالمنا العربي، علينا أن ننتقل من مرحلة القراءة من أجل المتعة والتسلية الى القراءة من أجل المعرفة، أو ما يطلق عليه مصطلح " القراءة الذكية "، نحن نتحدث عن القراءة التي تثير في القارىء الرغبة في البحث، وتدفع به نحو توليد الأفكار الإيجابية ونشرها في دوائره المحيطة، بحيث تصبح القراءة حواراً بين القارىء والكاتب من جهة، وبين القارىء وعالمه المحيط به من جهة أخرى.

  حقيقةً، لا أتفق مع الكثير من الإحصائيات التي تصدر تباعاً والتي توضح الفجوة الهائلة في القراءة وفي إنتاج الكتب في العالم العربي مقارنةً ببقية دول العالم، وإن كنت أتفق مع القول بأن الإهتمام بالقراءة "الذكية" والمعرفة السليمة يعد ضعيفاً في عالمنا العربي، مقارنة مع الدول الغربية، ومن هنا علينا أن نعترف أن هناك إرتباطاً وثيقاً بين الإهتمام بالقراءة من جهة وحالة الرضى عن الأوضاع المعيشية والسياسية التي تعيشها البلاد من جهة أخرى، بمعنى أن إزدهار الحريات العامة وارتفاع قيمة الفرد في المجتمعات يؤثر بشكل كبير على إرتفاع معدلات القراءة والكتابة على حد سواء، وهذا ما يوضح إرتفاع معدلات القراءة وانتشار المدونات الإلكترونية وصفحات التواصل الإجتماعي في عالمنا العربي بعد انطلاق شرارة الربيع العربي.


   تُعدّ فكرة المكتبة المنزلية واحدة من أهم المبادرات الهادفة الى نشر ثقافة القراءة في مجتمعاتنا العربية، وبالأخص لدى أطفالنا، فعندما ينمو الفرد في بيئة تعتبر الكتاب جزءاً أساسياً من مكونات البيت سيكون من السهل عليه الإرتباط بعادة القراءة وحب المعرفة ونقل هذه العادة الحميدة لأصدقائه ولأبنائه من بعده.

 وهذا يدفعنا الى التساؤل لماذا لا نهتم بإقتناء الكتب بقدر إهتمامنا بإقتناء الملابس واكسسوارات المنزل ومظاهر الترفيه الأخرى من ألعاب الكترونية ومقتنيات شخصية ؟! لماذا نشعر بأن اقتناء الكتب لا يعتبر بنداً أساسياً من ضرورات العائلة. حبذا لو بدأنا بتنفيذ مبادرة مكتبة منزلية لكل عائلة، وقمنا بتخصيص ميزانية لرفدها بالجديد من الكتب، حتى لو كانت هذه الميزانية متواضعة لا تكفي لشراء أكثر من كتاب واحد في الشهر، ولكنها ستكون كفيلة بأن تؤسّس لمشروع قراءة واعد في عالمنا العربي.

يقول الأديب المعروف عباس محمود العقاد واصفاً شغفه بالقراءة ( إن حياة واحدة لا تكفيني ! )، وأنا بدوري أعاين رفوف مكتبتي المنزلية المتواضعة، وأستعرض ما فيها من كتب " جذّابة " كل مساء، وأتساءل تُرى هل تكفي الأيام القادمة لسبر أغوار صفحات هذه الكتب، ثم أعود وأقول ليس هذا هو المهم، طالما أني أمتلك هذه الرغبة النهمة في التهام صفحات هذه الكتب فأنا حيٌّ !

أيمن أبولبن
7-12-2015
كاتب ومُدوّن من الأردن





للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban