أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
تحرص
شركات الإنتاج التلفزيوني كل عام على إنتاج مسلسلات متميزة تمثل باكورة إنتاجها، لتُعرض في شهر رمضان
أملاً في الحصول على أعلى نسب للمشاهدة والإستفادة من التجمع العائلي بعد الإفطار
وحاجة العائلات لقضاء أمسيات جميلة، خصوصاً مع امتداد ساعات السهر إلى وقت السحور،
وبالفعل شهدت مواسم الدراما الرمضانية خلال السنوات الماضية عرض أهم وأفضل الأعمال
التلفزيونية والتي صاحبها أيضاً صعود نجم الدراما السورية بشكل سريع ولافت ممّا
شكل مفاجأة مفرحة للجمهور العربي.
من المسلسلات التي شكلت
علامة فارقة في الدراما التلفزيونية وعرضت في موسم رمضان مسلسل اخوة التراب،
التغريبة الفلسطينية، الاجتياح، ليالي الحلمية، أيام شامية، الفصول الأربعة، آرابيسك
وغيرها، ولكن مع تزايد المنافسة بين شركات الإنتاج المختلفة وارتفاع الطلب على
المسلسلات من قبل القنوات الفضائية والتي تسعى الى ملىء ساعات بثها بكل ما يجذب
انتباه المشاهد ويرفع من أعداد المشاهدين للقناة ومع ارتفاع حمّى الاعلانات
التجارية واستعداد الشركات لدفع مبالغ طائلة لبث دعاياتها التجارية في المسلسلات التي
تحقق اعلى مشاهدة، انقلبت صناعة الدراما العربية من صناعة الفن الجميل الى صناعة
ما يعرف بالمسلسلات التجاريّة.
المراقب للدراما
الرمضانية في الأعوام القليلة الماضية يلاحظ أن معظم المسلسلات التي تُعرض يتم
انتاجها على عجل أو "سلقها على الماشي" حتى تتمكن من
اللحاق بالموسم الرمضاني ناهيك عن تدنّي مستوى النصوص ومضمون القصة والتكرار الممل
ومطّ الحلقات دون مضمون وبمشاهد لا تخدم الخط الدرامي للعمل. بحيث أصبح الهدف هو
الكسب المادي وحسب، لا قيمة فنيّة ترجى من العمل ولا فائدة تنعكس على المجتمع، على
عكس المتوقع والمرجو.
لو راجعنا المسلسلات التي حققت نجاحاً على
مستوى الجمهور والنقاد على حد سواء لوجدنا ان الدراما الناجحة عموماً ترتبط
بالواقع وتتناول هموم ومشاكل الانسان والمجتمع، على إختلاف نوع الدراما التي يتم
تقديمها، سواءً عن طريق تقديم أعمال تاريخيّة لاضاءة حقبة ماضية من التاريخ وابراز
ايجابيات وسلبيات تلك الحقبة دون تجميل أو تشويه، أو عرض قصص واقعية تحاكي مشاكل
وهموم المجتمع تدعو فيها للفضيلة وتحذر من المظاهر السلبية والسلوكيات المسيئة أو
تستشرف المستقبل وتقدّم نبوءات مستقبلية لحال المجتمعات وتكون هذه النبوءة اما
ايجابية بحيث تساعد المجتمع على تجسيد أهداف جميلة والسعي لتحقيقها أو سلبية تحذر
من خطر الاستمرار في السلوكيات السلبية والانحدار نحو الهاوية.
من المؤسف أن الدراما
العربية الحالية حين تتناول الماضي تُحرّفه او تشوّهه وعندما تصوّر الواقع تعطينا
واقعاً لا يعيشه سوى قلة قليلة ونادرة، فإما ان يدور المسلسل حول عائلات ثرية
وسيارات فارهة وجمال فتّان لنجوم ونجمات المسلسل، مما يدفع المشاهد وخصوصاً من فئة
الشباب الى التصادم مع الواقع، واما ان يقتحم العمل العالم السفلي للمجتمعات ويأخذ
كل ما فيه من فجاجة ويعرضه على انه من يوميات المواطن العربي الاعتيادية، وهذا ما
يزيد من الفجوة بين الدراما العربية والواقع.
تتكرّس هذه الفجوة بشكل واضح في الدراما
الرمضانية لهذا العام، والتي باتت منفصلة تماماً عن الواقع ولا تقدّم للمشاهد أي
فائدة أو قيمة فنيّة، ففي مسلسل بيت الحارة على سبيل المثال نرى أن العمل يبرز
"نظرياً" العمل الوطني وإحياء
القيم الشامية الأصيلة في حين أن معظم طاقم العمل يؤيد نظام الأسد ويقف ضد تطلعات
الشعب السوري ! ليس هذا فحسب بل ان المسلسل بات مفصولاً عن الحقبة التاريخية لسوريا
ويستعيض عن ذلك بتقديم قصص عن خبايا البيوت و "سواليف حصيدة" لا تسمن ولا
تغني من جوع !
اما في الدراما المصرية
فنجد ان الزعيم عادل إمام وبعد أن امضى سنين عمره وهو يصر على تجسيد شخصية محطم
قلوب العذارى وساحر الجنس اللطيف رغم عدم امتلاكه اي مقومات ل "فتى الأحلام" يجسد لنا هذا
العام شخصية اكاديمي يساري ثوري يؤيد تغيير النظام ويصبو لتحقيق العدالة والحرية
والمساواة وهو نقيض شخصية عادل امام تماماً ! لا أحد سينسى موقف الممثل الشهير من
ثورة يناير أو مواقفه المؤيدة للنظام المصري وتماهيه معه على طول مسيرته الفنيّة،
فهل هذا استخفاف بعقول المشاهدين ام قلة اعتبار لأهمية آرائنا وقناعتنا ؟! ناهيك
عن الصورة السلبية للثورة والقائمين عليها ولأحزاب المعارضة من يسار ويمين، كعادة
كاتب العمل يوسف معاطي في التعامل مع هذه القضايا.
يزداد سخط المُشاهد عندما يقرأ عن أجور
الممثلين والميزانيات الضخمة للأعمال الدراميّة، هل تعلم عزيزي القارىء ان عادل
امام تقاضى مليون جنيه مصري عن الحلقة الواحدة اي ما يعادل 4 مليون دولار عن العمل
؟!
من الملاحظ أيضاً، غياب
القضايا التي تشغل بال المواطن العربي عن الساحة الدراميّة، قليلة هي الأعمال التي
تتناول حقبة الربيع العربي وما صاحبها من هموم ومشاكل للمجتمعات العربية، مثل مشاكل
اللاجئين السوريين او المعتقلين والسجناء السياسيين، أزمة الفكر الاسلامي،
والطائفية والعنصرية.... الخ القائمة الطويلة من مشاكل وأوجاع الوطن العربي، وهنا
يجب ان نرفع القبعة لبرنامج سيلفي للفنان غازي القصبي الذي يتناول سلبيات المجتمع
السعودي والخليجي خاصة والعربي عامة ويتناول قضايا التطرف الداعشي والإرهاب، وكذلك
برنامج خواطر في موسمه الأخير.
هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن جميع مسلسلات
هذا العام هي دون المستوى، إذ لا يمكن لمتابع واحد ان يشاهد جميع المسلسلات ويحكم
عليها، ولكن الحديث بشكل عام عن تدهور مستوى الدراما العربية إجمالاً وإعتمادها
على الربح المادي والتسويق الجماهيري وإبتعادها عن الغاية الأساسية وهي إضافة قيمة
فنيّة وتوجيه رسائل ذات قيمة للمجتمع.
أدعوكم الى اغلاق شاشات
التلفاز وعدم متابعة أي مسلسل يستخف بعقولكم او مشاعركم، ويضر بالصحّة النفسيّة
لأطفالنا وشبابنا، واحترام الوقت الذي نضيعه في مشاهدة هذه المسلسلات، علينا
الإعتراف أن كل من يتابع هذه المسلسلات هو مساهم في نجاحها ودر الدخل والأرباح
للقائمين عليها واصحاب الاعلانات التجارية، هذه دعوة لتوجيه رسالة حاسمة للعاملين
على القنوات الفضائية والعاملين في مجال الدراما التلفزيونية، احترموا عقولنا !!
أيمن أبولبن
2-7-2015