من
الدروس المفيدة التي تعلمناها على مقاعد الدراسة، تلك المفاهيم المتعلقة بالقيم
المطلقة والقيم النسبية والفرق بينهما، بالاضافة الى تعرّفنا على مفهوم "القانون"
واختلافه عن "النظرية"
وكيفية الاستفادة من كليهما في التطبيق، فهناك توابت في حياتنا المادية لا تتغير، مثل
قوانين الطبيعة التي تحكمنا والكون المحيط بنا، وهناك نظريات لم تثبت علمياً وهي
حقائق نسبية قابلة للتعديل والاجتهاد.
لو تمعنّا قليلاً لوجدنا
أن بالامكان اسقاط هذه المفاهيم على واقعنا الحياتيّ، وعلى القيم والمبادىء
الانسانية الخاصة بنا، ولخلصنا الى نتيجة مفادها أن لكل منّا قيم ثابتة ومتغيرة.
هناك قيم انسانية سامية
متعارف عليها، ومبادىء ثابتة في دواخلنا لا تتغير وان اختلفت من شخص الى آخر تبعاً
لمنهج الحياة الخاص بذات الشخص، منها على سبيل المثال قيم المحبة والعدالة ، الحق
ونصرة المظلوم ، العدل والمساواة .... الخ، وهناك متغيرات تحيط بنا، كالظروف
الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، العلاقات الانسانية وحسابات الشد والجذب،
وغيرها من المتغيرات الاقليمية والدولية، والتكتلات السياسية المختلفة.
القوانين المادية ثابتة،
والمبادىء الانسانية ثابتة كذلك، أما النظريات العلمية فهي متغيرة، حالها حال الاعتقادات
الخاصة بكل فرد، أو وجهات النظر الخاصة بنا، وتبقى الثوابت هي الأصل وليست
المتغيرات ، القوانين وليست النظريات ، فالثوابت في حياتنا تُمكننا من قياس الأشياء
حولنا واتخاذ المواقف التي تتناسب مع هذه الثوابت، باختصار فان مرجعيتنا في الحياة
هي ثوابتنا، ومن الخطأ –علمياً-
ترجيح كفّة النظريات على القوانين ، فما بالكم بمن يقدّم المتغيرات على ثوابته
ومبادئه ؟!
مع بدء حركات الربيع
العربي في منطقتنا، أختلف الناس في تقييم هذه الحركات، فمنهم من أيّد ومنهم من
تحفّظ، ومنهم من عارض. ومع بدء الثورة السورية تعمّق الانقسام في أوساط المثقفين،
حيث انحازت فئة ليست بالقليلة لصالح النظام السوري في مواجهة ما سمّوه ب"المؤامرة"
معتمدين بشكل كبير على قراءة خارطة التحالفات السياسية في المنطقة، ومن منطلق
متابعتهم الحثيثة للعبة الكراسي وتوزيع الأدوار.
طائفة كبيرة من المثقفين
والوطنيين وضعوا كل مبادئهم الانسانية وثوابتهم وراء ظهورهم وبرّروا وقوفهم مع
النظام السوري بوجود مؤامرة تشترك بها امريكا مع دول الخليج للتخلص من ايران،
والنيل من حلف المقاومة والممانعة في المنطقة، وبناءً على نظريتهم هذه تناقضوا مع
أنفسهم ومواقفهم السابقة "المُعلنة"
بالوقوف ضد الطغيان والقمع والظلم ،
وناصروا نظاماً عنصرياً دموياً لم يقدم للأمة العربية أو الاسلامية أي خدمة تذكر على
مدى 40 عاماً.
في النتيجة اضطرت هذه الفئة للتغاضي عن أبشع
الجرائم التي ترتكب في حق الشعب السوري، بحجة التصدي لتهادي احجار الدومينو
المعارضة للسياسة الامريكية في المنطقة –على حد
تعبيرهم- .
لو عدنا خطوة الى
الوراء، واسترجعنا ما تعلمناه في صغرنا عن الثوابت والمتغيرات، لوجدنا أن هذه
الفئة قد وقعت في المحظور، وخلطت بين المفاهيم ، هؤلاء حكموا على ثوابتهم من منظور
المتغيرات ، جعلوا ثوابتهم رهناً لحسابات اقليمية تتغير تبعاً للمصالح ولحسابات لا
تشكل الانسانية جزءاً صغيراً منها، الا يعلم هؤلاء أن التحالفات السياسية
والاقليمية تتغير في يوم وليلة ، وأن صديق اليوم قد يصبح عدو الغد ؟! ها هي ايران تنفتح على الغرب ، وتبدأ بالفعل
عملية تغيير حقيقية في المواقف والتحالفات في المنطقة ، عملية التقارب هذه شهدت
لقاءات ثنائية سرية بين الطرفين، ولم يعد مستبعداً أن القضية السورية برمتها ستُحلّ
لمصلحة النظام السوري -ولا أقصد استمرار بشار بالضرورة-
وبمباركة امريكا وايران .
قالوا لنا أن التيارات
الاسلامية المتشددة والقاعدة ستصل الى الحكم في سوريا ولن تجلب للمنطقة سوى الدمار
، وها هي الميليشيات الايرانية والروسية ، بالاضافة الى الحوثيين وحزب الله يسرحون
ويمرحون في دمشق ، ومهرجانات اللطم والجلد تقام على مرأى ومسمع الجميع ، لماذا
ننسى أن أمريكا قد سلّمت العراق لايران على طبق من ذهب قبل نحو 10 أعوام ، وأن
سوريا مجرد خطوة أخرى للأمام ؟!
لربما تخسر الثورة السورية المعركة، وأغلب الظن
أنها ستخسر، كما خسرت الثورة الاسبانية وثورات أخريات من قبل ، ولكن الخاسر
الحقيقي هو ذلك الانسان الذي غيّب ضميره ، وتجاهل كل مبادىء الانسانية من أجل
شعارات وطنية رنّانة ولكنها زائفة، ونظريات بالية وأسطوانات مشروخة تلوّث الأسماع.
الخاسر الحقيقي من تبنّى مبادىء مكيافيلي ، ورفع
شعار "الغاية تبرر الوسيلة"،
وتغاضى في النتيجة عن أحقيّة الشعب السوري في حرية التعبيروالاختيار، و العدل
والمساواة، وفي محاولة يائسة لارضاء
الضمير ، والتخلص من معاناة اللوم ، اتجه الى انكار الواقع ، مردداً أكذوبات
النظام " كل ما يحصل هو تمثيل في تمثيل"!!
تعساً لكل من ربط توابته في الحياة بمتغيراتها،
و خاب كل من ربط قيمه ومبادئه بنظريات وهميّة، بغض النظر عن المسميات.
أيمن أبولبن
7-12-2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق