الجمعة، 27 ديسمبر 2013

الفن والمناكفات السياسيّة

   

   في اﻻسبوع الماضي تم افتتاح عرض فيلم "ملك الرمال" من إخراج وإنتاج الفنان السوري نجدة انزور، الذي يستعرض فيه رحلة 50 عاماً من عمر المملكة العربية السعودية والملك المؤسس ، في محاولة لكشف العيوب والدعوة لتصحيحها -على حد تعبيره- . الفيلم يمكن تصنيفه انه فيلم عالمي تشترك في تنفيذه وتقديمه عدة جنسيات دولية وسيتم عرضه قريباً في دور السينما العالمية وعلى رأسها الوﻻيات المتحدة .

   من المعروف للجميع مدى توتر العلاقات بين دول الخليج وسوريا ، وبخاصة السعودية ، حيث وصل التوتر الى حد الحشد والحشد المضاد بين البلدين، وما هذا الفيلم الا حلقة من حلقات الصراع الدائر بين البلدين وما هو ببعيد عن هذا السياق.

   ﻻ نستطيع الحكم على الفيلم قبل مشاهدته، ولكن من حقنا مناقشة الفكرة نفسها ونقدها واﻻعتراض عليها، هل عجز انزور عن التحقيق في تاريخ سوريا على مدى الخمسين عاماً الماضية وهوالذي وُلد في حلب من أصول شركسيّة ؟ الم يجد في جراحات الشعب السوري ما يستحق التوثيق ومحاولة استنباط الدروس منه ، الم تستوقفه هزيمة النكسة وضياع الجوﻻن ، ثم هزيمة 73 وما تلاها من دخول الجيش السوري ﻻراضي لبنان وبسط نفوذه هناك لما يقارب 30 عاماً، مروراً بأحداث حماة وتدمُر وانتهاءً بسجن صيدنايا، الم تتحرك مشاعره لكل هذه المآسي وهو الفنان المرهف الإحساس ؟!

   كنّا نتمنى من أنزور أن يأخذ موقفاً ايجابياَ من الثورة السورية وينحاز الى الجهة الأضعف التي تحتاج الى كل فنّان وكل مُبدع لايصال رسالتها الى العالم ، كنا نتمنى على أنزور أن يقدم جزءاً يسيراً من الحقيقة دون الحاجة ﻻضافة توابل سينمائية أو بهرجات ، ولكنه اختار أن يبحث في صحراء الربع الخالي عن تاريخ قديم يخدم مصالح النظام في البروباغاندا الداعمة لنظرية المؤامرة التي يتبناها.

   قبل ما يزيد على عشرة أعوام تابعتُ حواراٌ تلفزيونياٌ مطوﻻٌ بين نجدة أنزور والكاتب المصري أسامة أنور عكاشة ، وكلاهما كان  في قمة تألقه وعطائه ، وبدلاٌ من أن يكون الحوار ايجابياٌ وبنّاءٌ ، تحوّل الى حوار نقدي متبادل ، ومحاولة لاظهار سلبيات الطرف الآخر ، وهذه عادات معظم برامجنا الحوارية اجمالاٌ !! ما لفت انتباهي وجعلني استرجع شريط هذه المقابلة عند متابعتي للأخبار المتعلقة بالعمل السينمائي الأخير لنجدة أنزور، هو أحد الأسئلة التي طُرحت على أنزور وتتعلق بتقصيره في تقديم عمل يصل إلى مستوى العالمية ويطرح قضايانا المهمة في المنطقة ، لماذا ﻻ يقدّم عملاٌ عن صلاح الدين اﻷيوبي مثلاٌ ويسقطه على واقع القضية الفلسطينية ؟!

   احتدّ أنزور في الاجابة ، وتعلّلَ بعدم وجود ميزانية ، بالاضافة الى عدم وجود جهات راعية أو داعمة لمشروع كهذا، ثم بدأ بنقد شخصيات فنية معروفة على الساحة ، بل وذكر أسماء معينة وقال ان هؤلاء يملكون المال الكافي ، لماذا ﻻ ينتجون عملاٌ ضخماٌ من مالهم الخاص ؟! سبحان مَغيّر اﻷحوال، عندما امتلك نجدة انزور المال الكافي كرّسه للمناكفات السياسية بدﻻ من خدمة القضايا التي تهم شعوب المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

 اﻻ يحق لنا كمثققين أن نتساءل عن هذه اﻷموال واﻻمكانيات الفنية التي يتم تكريسها لمناكفات ومناوشات جانبية هنا وهناك لخدمة أنظمة بعينها ، وفي ذات الوقت يتم تجاهل قضايانا نحن شعوب المنطقة ؟!

  وفي النهاية ، يبقى العدو الصهيوني مطمئناٌ مستكيناٌ ، اذ ﻻ مناكف له !! وتبقى قضية فلسطين المحوريّة في انتظار الميزانية، فإن حضرت الميزانية غابت اﻻمكانيات الفنية، وأن اجتمعت كل الأسباب، غاب القرار السياسي واﻻرادة الحرّة!!.

   بانتظار حلقة جديدة من مسلسل المناكفات السياسية في المنطقة ، والتي تدور أحداثه على الساحة الفنية هذه المرة.




أيمن أبولبن
14-12-2013
Ayman_abulaban@yahoo.com


الاثنين، 9 ديسمبر 2013

مكيافيلي و القيَم المُطلقة


 

        من الدروس المفيدة التي تعلمناها على مقاعد الدراسة، تلك المفاهيم المتعلقة بالقيم المطلقة والقيم النسبية والفرق بينهما، بالاضافة الى تعرّفنا على مفهوم "القانون" واختلافه عن "النظرية" وكيفية الاستفادة من كليهما في التطبيق، فهناك توابت في حياتنا المادية لا تتغير، مثل قوانين الطبيعة التي تحكمنا والكون المحيط بنا، وهناك نظريات لم تثبت علمياً وهي حقائق نسبية قابلة للتعديل والاجتهاد.

   لو تمعنّا قليلاً لوجدنا أن بالامكان اسقاط هذه المفاهيم على واقعنا الحياتيّ، وعلى القيم والمبادىء الانسانية الخاصة بنا، ولخلصنا الى نتيجة مفادها أن لكل منّا قيم ثابتة ومتغيرة.
   هناك قيم انسانية سامية متعارف عليها، ومبادىء ثابتة في دواخلنا لا تتغير وان اختلفت من شخص الى آخر تبعاً لمنهج الحياة الخاص بذات الشخص، منها على سبيل المثال قيم المحبة والعدالة ، الحق ونصرة المظلوم ، العدل والمساواة .... الخ، وهناك متغيرات تحيط بنا، كالظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، العلاقات الانسانية وحسابات الشد والجذب، وغيرها من المتغيرات الاقليمية والدولية، والتكتلات السياسية المختلفة.

  القوانين المادية ثابتة، والمبادىء الانسانية ثابتة كذلك، أما النظريات العلمية فهي متغيرة، حالها حال الاعتقادات الخاصة بكل فرد، أو وجهات النظر الخاصة بنا، وتبقى الثوابت هي الأصل وليست المتغيرات ، القوانين وليست النظريات ، فالثوابت في حياتنا تُمكننا من قياس الأشياء حولنا واتخاذ المواقف التي تتناسب مع هذه الثوابت، باختصار فان مرجعيتنا في الحياة هي ثوابتنا، ومن الخطأ –علمياً- ترجيح كفّة النظريات على القوانين ، فما بالكم بمن يقدّم المتغيرات على ثوابته ومبادئه ؟!

  مع بدء حركات الربيع العربي في منطقتنا، أختلف الناس في تقييم هذه الحركات، فمنهم من أيّد ومنهم من تحفّظ، ومنهم من عارض. ومع بدء الثورة السورية تعمّق الانقسام في أوساط المثقفين، حيث انحازت فئة ليست بالقليلة لصالح النظام السوري في مواجهة ما سمّوه ب"المؤامرة" معتمدين بشكل كبير على قراءة خارطة التحالفات السياسية في المنطقة، ومن منطلق متابعتهم الحثيثة للعبة الكراسي وتوزيع الأدوار.

   طائفة كبيرة من المثقفين والوطنيين وضعوا كل مبادئهم الانسانية وثوابتهم وراء ظهورهم وبرّروا وقوفهم مع النظام السوري بوجود مؤامرة تشترك بها امريكا مع دول الخليج للتخلص من ايران، والنيل من حلف المقاومة والممانعة في المنطقة، وبناءً على نظريتهم هذه تناقضوا مع أنفسهم ومواقفهم السابقة "المُعلنة"  بالوقوف ضد الطغيان والقمع والظلم ، وناصروا نظاماً عنصرياً دموياً لم يقدم للأمة العربية أو الاسلامية أي خدمة تذكر على مدى 40 عاماً.
    في النتيجة اضطرت هذه الفئة للتغاضي عن أبشع الجرائم التي ترتكب في حق الشعب السوري، بحجة التصدي لتهادي احجار الدومينو المعارضة للسياسة الامريكية في المنطقة –على حد تعبيرهم- .


   لو عدنا خطوة الى الوراء، واسترجعنا ما تعلمناه في صغرنا عن الثوابت والمتغيرات، لوجدنا أن هذه الفئة قد وقعت في المحظور، وخلطت بين المفاهيم ، هؤلاء حكموا على ثوابتهم من منظور المتغيرات ، جعلوا ثوابتهم رهناً لحسابات اقليمية تتغير تبعاً للمصالح ولحسابات لا تشكل الانسانية جزءاً صغيراً منها، الا يعلم هؤلاء أن التحالفات السياسية والاقليمية تتغير في يوم وليلة ، وأن صديق اليوم قد يصبح عدو الغد ؟!  ها هي ايران تنفتح على الغرب ، وتبدأ بالفعل عملية تغيير حقيقية في المواقف والتحالفات في المنطقة ، عملية التقارب هذه شهدت لقاءات ثنائية سرية بين الطرفين، ولم يعد مستبعداً أن القضية السورية برمتها ستُحلّ لمصلحة النظام السوري -ولا أقصد استمرار بشار بالضرورة- وبمباركة امريكا وايران .

   قالوا لنا أن التيارات الاسلامية المتشددة والقاعدة ستصل الى الحكم في سوريا ولن تجلب للمنطقة سوى الدمار ، وها هي الميليشيات الايرانية والروسية ، بالاضافة الى الحوثيين وحزب الله يسرحون ويمرحون في دمشق ، ومهرجانات اللطم والجلد تقام على مرأى ومسمع الجميع ، لماذا ننسى أن أمريكا قد سلّمت العراق لايران على طبق من ذهب قبل نحو 10 أعوام ، وأن سوريا مجرد خطوة أخرى للأمام ؟!

    لربما تخسر الثورة السورية المعركة، وأغلب الظن أنها ستخسر، كما خسرت الثورة الاسبانية وثورات أخريات من قبل ، ولكن الخاسر الحقيقي هو ذلك الانسان الذي غيّب ضميره ، وتجاهل كل مبادىء الانسانية من أجل شعارات وطنية رنّانة ولكنها زائفة، ونظريات بالية وأسطوانات مشروخة تلوّث الأسماع.
    الخاسر الحقيقي من تبنّى مبادىء مكيافيلي ، ورفع شعار "الغاية تبرر الوسيلة"، وتغاضى في النتيجة عن أحقيّة الشعب السوري في حرية التعبيروالاختيار، و العدل والمساواة،  وفي محاولة يائسة لارضاء الضمير ، والتخلص من معاناة اللوم ، اتجه الى انكار الواقع ، مردداً أكذوبات النظام " كل ما يحصل هو تمثيل في تمثيل"!!


    تعساً لكل من ربط توابته في الحياة بمتغيراتها، و خاب كل من ربط قيمه ومبادئه بنظريات وهميّة، بغض النظر عن المسميات.

أيمن أبولبن
7-12-2013