بمناسبة الذكرى الاولى للحرب على غزة ،أقوم بنشر هذه
التجربة الشعرية، والتي كتبتها اثناء الحرب
كونوا
رُحماء
عندما
تمرّون من سمائنا الجريحة
النازفةِ دماً
أبيضاً
والمحترقةِ لوعةً وحسرة
وتخترقون
هذه الفوضى العبثيةِ المُمعنة في الدمارِ
وتقتربون
من ضحايانا ، لتقبضوا أرواحهم …….
كونوا
رُحماءَ ، معهم
لعلّهم
يمحون صورة الحصارِ
والدمارِ
من
ذاكِرَتهم
ويستبدِلون
صورةَ الوطنِ الحُلم
بوطنٍ أجملٍ وأحلى
……….
لعلَّ
——————————-
عندما
تصعدون بأرواحهم الى السماء
توقّفوا
قليلاً ……. في سَماءِ غزّةَ
دعوهم
يشتمّون عبيرَها
ويجولون
بنظرهم في أرجائها
دعوهم
يُلقون نظرةَ الوداعِ الأخيرةِ
ويُسدِلون
الستارةَ على وطنٍ
ماتوا
دونهُ
وطنٍ
، ولِدوا فيه
وعاشوا
فيه
وماتوا
فيه
دون
ان يَنعموا به
——————————-
هناكَ ،
في ذلك المدى المفتوحِ للرحيلِ
والغيابِ
اشلاءُ طفلةٍ
فقَدَت
أباها في خريفِ الانتفاضةِ
فقدت
دُميتها …..وحقيبتها المدرسيةِ
تحت
انقاضِ ما تبقّى من بيتها
و
هناكَ ، بقايا ما تبقّى من طفلٍ حريقٍ
كان
يَحلُمُ أن يكونَ ……..
انساناً …..ليس
إلا
يفيقُ في
الصباحِ
على
صوتِ المنبّه لا صوت الإنفجاراتِ
يتناولُ إفطاره
مع صِغارهِ
يطبعُ قبلةً على
وجنةِ حبيبتهِ
ويتوجّهُ
الى العملِ
ينفثُ دخان
سيجارته ، لاعناً رئيسه
يعودُ في
المساءِ منهكاً …..متعباً
يشاهدُ التلفازَ
وآخر
أخبار الحربِ على جُزر الهاواي
يشعر
بغُصّة …….وينام
——————————-
عندما
تنتزعون روح فتاةٍ
في
مُقتبل العمر
فقدت
حبيبها المراهقَ قبل يومينِ
ودّعت
أشلاءَه
رأسه
، وطرَفهُ الأيمنُ مع بعضِ أجزاءِ ملابسهِ
وفي
المساء تدفأت على رسائلهِ الغراميةِ
بعد
أن نفذَ الغاز والوقودُ
كما
نفذ الهواءُ
وكلُ شيءٍ هنا
سوى
صوتُ الطائراتِ
والإنفجاراتِ
وصوتُ شهقاتِ الأمواتِ
لحظة أن
………. تقبضوا أرواحهم
لم
يعُد للجمالِ عندها معنى
ولا
للوقوفِ أمام المرآةِ
معنى
ولا
الوقوفُ أمام نافذةِ البيتِ المطلّةِ على واجهةِ الشارع
لهُ معنى
ولم
يعُد للنظراتِ والإبتساماتِ
وتبادُل
الأشعارِ
معنى
لم
يعُد هناكَ معنى لأي معنى
هو
معنىً واحدٌ بقِي لهذه الفتاة
أن تموتَ
وحدَها
لا
لأن جلادَها يريدُها أن تموتَ
ولكن
… لأن
على
هذه الأرض ….. ما يستحقُ الموتَ من أجله
كما
أن
على
هذه الأرض ما يستحقُ الحياة
——————————-
عندما
تقبضون روح مُقاومٍ
مقاتلٍ
صامدٍ
هنا ،
على هذه الأرض
رغمَ ما
صار
وما
يصيرُ
وما
سيصيرُ
كونوا
رُحماءَ معه
قد
لا يبدو لكم أنه جُنديّ نظاميٌ
فهو
لا يرتدي بزّةً عسكريةً كنُظرائِه
لا
يلبسُ خوذةً ولا يحملُ على ظهره حقيبةً
فوضويّ الهندامِ
لم
يتلقّ دروساً في العسكريةِ
ولا
نياشيناً
لكنّه
رضع حبّ هذا الوطن من آهات صدرِ أمه
ومن
أوجاع أهله
ومن
قِصص جدّته
أتقن
رميَ الحجارةَ منذ نُعومةِ أظفاره
كانت
اللعبةَ الوحيدة التي أحبها في صِباه
لم
يُتقن لُعب الكرة ولم يهوى لُعب الورق
قد
يبدو لكم متجهّما
عابساً
مطلقاً لحيته
بلا
تشذيبٍ ولا عنايةٍ
ولكنّه
يحملُ بين أضلاعه قلبَ طفلٍ كبير
لم
يعرف الطفولةَ بعدُ
ولم
يتّسخ بأقذارِ هذه الدنيا
——————————-
قد
يقاومكم
عندما
تقبضون روحه
ليس
خوفاً من الموتِ
ولكن
لأنه
إعتاد
على المُقاومة
في
ما مضى
و
اليوم
هو
أحرصُ ما يكونُ على الحياةِ
لأنه
في هذه الليلة
عندما
لوّح لأمّه مُودّعاً
تلوّع
قلبُ أمه
وأظهر
ما كان يُخفيهِ من خوفٍ
في
هذه الليلة
كان
دُعاء أمه مختلفاً
عن
ايّ ليلةٍ سواها
"
يجعل يومي قبل يومك ، يمّه
يجعلك
تدفنّي بايديك ، يمّه
ما
يدفنّي حدا غريب "
كونوا
رُحماءَ معه
ما
كان لروحِه أن تُطاوعكم
قبل
أن يبرّ بدُعاء أمه
كي
لا يكون عصيّا
——————————-
أيتها
الملائكةُ
تلكَ التي
تقبضُ أرواح ضحايانا
و
تصعدُ بها الى
آخر
آخر مُنتهاها
كونوا
رُحماء
كونوا
رُحماء
أيمن أبولبن
23-1-2010