الخميس، 19 أكتوبر 2023

عشر قواعد من حرب 7 أكتوبر

 



 

‏‏أولاً: لا سلام ولا حلٍ سلميٍ مع دولة الاحتلال

 

على كل من روّج للسلام ولمبدأ الأرض مقابل السلام، أن يقف لحظة صدق مع نفسه وأن يعترف بفشل مساعيه.

عودة اللاجئين، وتفكيك المستوطنات، والتخلّي عن القدس كلها عقبات في وجه اعتراف دولة الاحتلال ومن خلفها الغرب، بحقوق دولة فلسطين.

لقد سعى العالم العربي بأكمله منذ مؤتمر مدريد عام 1990 للسلام مع دولة الاحتلال، إلا أن جهوده كلها باءت بالفشل لانعدام الرغبة لدى الجانب الاسرائيلي، وهذا الواقع لن يتغيّر، إلا بتغيير معادلة القوّة والتفوّق العسكري.

 

ثانياً: إعرف عدوّك

 

سقط القناع عن الغرب هذه المرة، وتكالبت أمريكا وبريطانيا وفرنسا، على غزة وشعبها، دون تجميل ولا مداهنة.

ومن نافل القول أن من لا يعرف عدوّه، لن يكون قادراً على إدارة معركته وتوجيهها، بل سيكون أشبه ما يكون ب "دون كيشوت" في حربه على طواحين الهواء!

 

ثالثاً: أوهن من بيت العنكبوت

دولة الاحتلال أوهن مما نتخيل، هي هشّة من الداخل وما كتب لها الاستمرار إلى يومنا هذا، سوى بانقسامنا وتخلّفنا.

إن هزيمتها ممكنة، وتحرير فلسطين كاملة من البحر إلى النهر ليس ضرباً من الخيال.

 

رابعاً: التخلّي عن وهم السلطة

السلطة الفلسطينية أحد عوامل استمرار دولة الاحتلال، ورجالها تخلّوا عن واجباتهم الوطنية من أجل المناصب والمصالح الفردية، أقول هذا وأنا أعتصر الماً ولكنها الحقيقة، وعلينا أن نتوقف عن خداع أنفسنا.

إن إسقاط اتفاقية أوسلو، ووقف كل تداعياتها الانهزامية، وعلى رأسها التنسيق الأمني يجب ان يكون اليوم على قمة أولويات الفصائل الفلسطينية.

 

خامساً: صدام الحضارات

التفوق التكنولوجي والاقتصادي والعسكري لدولة الاحتلال، يجب أن يواجه بمشاريع نهضوية في كل البلدان العربية، يجب أن نخوض الحرب الحضارية والمعرفية جنباً إلى جنب مع مقاومتنا ودعمنا لقضيتنا المركزية، قضية فلسطين.

أعتذر إذا ما قلت أن الحق لن ينتصر بكونه الحق فقط، ومن يعتقد ذلك هو أشبه بمن يعتقد أنه إذا كان نباتياً فإن الأسد أو الدب لن يهاجمه في الغاب!

إن كل صناعة عربية، وتفوّق تكنولوجي، وجائزة معرفية، وبراءة اختراع، وسبق تكنولوجي، واكتفاء اقتصادي، وتفوق حضاري، هو خطوة نحو القدس.

يجب علينا ان نؤمن بهذا ونعمل كل ما بوسعنا لتحقيقه، أفراداً وجماعات ومؤسسات.

 

سادساً: على الربيع العربي أن لا يتوقف

إن الطريق إلى تحرير القدس يبدأ بتحرير الدول العربية من الأنظمة السلطوية، وتحقيق الحرية والعدالة، وضمان ان تمثّل الشعوب العربية نفسها، وأن تتمكن هذه الشعوب من حكم نفسها بنفسها، وتحقيق آمالها وتحقيق أهدافها.

لأن المواقف السياسية والرسمية في البلدان العربية هي التي تصنع الفارق، ومن أجل هذا خاضت الشعوب العربية حربها ضد الطغيان والديكتاتورية خلال العقد الماضي، وقد تعرضت هذه الشعوب إلى مسلسل طويل من المؤامرات، ونظريات المؤامرة المضادة، وتكاتفٍ لكل قوى الشر من أجل ردع هذه الصحوة العربية.

هذه الصحوة يجب أن تستمر بكل الطرق السلمية الممكنة، بعيداً عن العنف والخراب، وهي سبيلنا الوحيد للتحرر ودعم قضيتنا المركزية، قضية فلسطين.

 

سابعاً: تفقد المبادىء والشعارات قيمتها إن لم يُصاحبها الصدق والحياد.

كل مبادىء الحرية والعدل والمساواة الغربية لا تساوي شيئاً عندما يقف موقفاً أعمى من قضية فلسطين، ولن يعود لها قيمة، حين يذرف المسؤولون الأمريكيون الدموع على ما "شبّه لهم"، في الوقت الذي يوجهون بارجاتهم الحربية وصواريخهم نحو صدورنا.

تفقد مبادىء المساواة شرعيتها، حين تُحرم فتاة مسلمة من ارتداء حجابها في المدرسة، وتفقد الحرية قيمتها، حين يتم تشريع قوانين المعاداة للساميّة، في حين يتم غض الطرف عن أدنى حقوق العرب، والمسلمين والفلسطينيين.

 

ثامناً: النظام العالمي المُتهالك

إن العالم اليوم بمؤسساته الدولية، ونظامه القائم عاجزٌ عن تحقيق العدل والمساواة، والدفاع عن الحريّات، إنه نظام قائم على نظام "القوي يحكم الضعيف"، وهذا هو سبب كل الصراعات في العالم؛ الحصول على القوة والسلطة لتحقيق العدالة!

 

على العالم الحر اليوم، أن يغيّر قواعد اللعبة، وينهي سيطرة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن على باقي دول العالم، وعلى جميع الدول العربية إدراك أن معركتها اليوم هي معركة عالمية إقليمية، وليست قضية صراعٍ في الشرق الأوسط، وأن تحالف القوى واتخاذ خطوات عملية للتخلص من سطوة هذه الدول، هو المسمار الذي سيدق نعش "النظام العالمي الجديد".

 

تاسعاً: قضية فلسطين لن تموت وهذا الشعب سينتصر.

 

طال أمد الاحتلال أو قصر، فإن فلسطين ستعيش إلى الأبد، ولن تموت، هذا الشعب الذي يُقاوم نازفاً مضمداً جراحه، ومُخلياً منزله، سينتصر!

من حفر الأنفاق بيديه، وهز عرش جيش الاحتلال في بضع ساعات، سوف ينتصر.

 

عاشراً: ليتني شمعةٌ في الظلام

إن لوم الأنظمة العربية والندب على التخاذل الغربي لن يفيدنا بقيد أنملة، ولعن الاعلام الغربي لن يغيّر من حقيقة تفوّق الأعداء في غزونا فكرياً، ومن سيطرتهم على الإعلام العالمي، ولكن المفيد حقاً أن نسعى للتفوّق عليهم وهزيمتهم في ميدانهم.

يجب أن يكون للحق القوة للتغيير، ولهذا نقول إننا نخوض اليوم معركة الأقصى كلٌ في مكانه، هي معركة الوعي والحضارة، والقوة، والقانون والاعلام، هي معركة الكلمة والتضامن، ومعركة الدفاع عن الانسانية، ومعركة الايمان وتحقيق العدل والمساواة.

وأختم بما قال شاعرنا محمود درويش:

 

وأَنتَ تعودُ إلى البيت، بيِتكَ، فكِّرْ بغيركَ
[ لا تنس شعب الخيامْ]

وأَنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّرْ بغيركَ
[ ثَمَّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام]

وأَنتَ تحرِّرُ نفسك بالاستعارات، فكِّرْ بغيركَ
[ مَنْ فَقَدُوا حَقَّهم في الكلامْ]

وأَنتَ تفكِّر بالآخرين البعيدين، فكِّرْ بنفسك
[ قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ]

 

 

أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

18-10-2023

الكلب والمرآة وحذاء غاندي!

 


 

‏‏يُحكى أن أحد الكلاب ضلّ طريقه في يوم من الأيام ودخل إلى أحد المتاحف، كان متحفًا فريدًا من نوعه، فالجدران والسقف والأبواب وحتى الأرضيات كانت كلّها مصنوعة من المرايا، بمجرّد أن رأى الكلبُ انعكاساته، أصيب بصدمة كبيرة، فقد رأى أمامه فجأة قطيعاً كاملاً من الكلاب التي تحيط به من كلّ مكان، كشّر الكلب عن أنيابه وهزّ ذنبه وبدأ بالنباح، فردّت عليه الكلاب الأخرى بالمثل، فنبح من جديد، وراح يقفز جيئة وذهابًا محاولاً إخافة الكلاب المحيطة به، فقفزت هي الأخرى مقلّدة إياه، وهكذا استمرّ الكلب المسكين في محاولة إخافة الكلاب وإبعادها دون جدوى!

في صباح اليوم التالي، عثر حارس المتحف على الكلب البائس خاليًا من الحياة، مُحاطًا بمئات الانعكاسات لكلبٍ ميتٍ أيضًا.

لم يكن هناك أحدٌ لإيذاء الكلب في المتحف، سوى انعكاساته هو، وكلّ شيء يحدث من حولنا ما هو إلاّ انعكاس لأفكارنا، مشاعرنا، أمانينا وأفعالنا. بمعنى آخر إن العالم الكبير المحيط بنا، ما هو سوى مرآة كبيرة، تعكس ردة فعلنا، وحسن أو سوء تصرّفنا؛ تقول إحدى الحكم القديمة، إنك لن تستطيع تغيير العالم من حولك، ولكنك تستطيع تغيير قناعاتك عن هذا العالم، وأن تتحكم بتصرفاتك وأفعالك.

 

في عام 1776 نص ميثاق الحرية الأمريكي على أن الفرد يتمتع بحرية "السعي نحو السعادة" أي أن للفرد الحرية في اختيار مسار حياته وتحديد تفضيلاته، بما يضمن له السعادة دون تدخل أي سلطة أو جهة ذات مسؤولية، وبهذا يكون للفرد الحق الكامل (حسب الدستور الأمريكي) في الحياة، والحرية، والسعي نحو السعادة، وهذا يتضمن أن تقوم الدولة بعمل كل ما يلزم لحماية هذه الحقوق وضمان حصول الأفراد عليها، ولكن أحداً لن يتدخل لتحديد سلوك هذا الفرد وضمان تحقيقه للسعادة، لأن هذا من شانه الاخلال بالضلع الثالث من مثلث الحريات الذهبي ألا وهو حرية الفرد في الاختيار!

ومن هنا كان الفرد وحده، هو المسؤول أمام نفسه لتحقيق سعادته، وليس المجتمع أو الدولة.

 

وهذا يفسّر مفارقة أن هذا العالم المتحضر التكنولوجي الراقي، يفتقد أفراده إلى الأمان الوظيفي والانتماء الاجتماعي والرضا الذاتي ويعانون من الأرق والضغط والاكتئاب، وازدياد معدلات الجريمة، ومعدلات الانتحار، في الوقت الذي تتعاظم فيه معدلات استهلاكنا اليومي، وتزداد فيه المتع والملذات المادية من حولنا يومأ بعد يوم!

 

لقد تضاعف الدخل اليومي لعائلاتنا بشكل غير مسبوق، وتحسّنت جودة الحياة، وساهمت التكنولوجيا في حل الكثير من المشكلات، وساهمت في تيسير وتسهيل حياتنا، وانخفضت نسبة الأوبئة والأمراض والوفيات المبكرة، ووفيات الأطفال المبكرة، وأخطار البيئة – إلى حد كبير - ولكن كل هذا لم يسهم في شكل رئيسي ومباشر في تحسين المشاعر الايجابية، وتعزيز الشعور بالرضا والسلام الداخلي عند الأفراد!

 

وهذا يقودنا إلى القول مرة أخرى، أن نظرتنا إلى العالم هي التي تتحكم بمشاعرنا الايجابية والسلبية، وأن طريقة تعاطينا وتعاملنا مع الظروف المحيطة، هي التي تتحكم بمزاجنا، ومشاعرنا الايجابية والسلبية، وبالتالي فإنها تتحكم في سعادتنا ودرجة رضانا، فالسعادة ما هي سوى تحقيق المشاعر الايجابية والتخلص من الألم والمشاعر السلبية.

 

تعامل مع من حولك بلطف ومودّة

 

بالعودة إلى القصة القصيرة التي نقلتها في مقدمة مقالي هذا، فإن أول وأهم خطوة في طريق تغيير نظرتك إلى العالم، هو تغيير نظرتك إلى الآخرين، تعامل مع الناس بمودة ولطف ومحبة، لا تفترض فيهم السوء أو إضمار الشر لك، كن منفتحاً على الآخرين، كن صريحاً ولا تجامل، لا تخاف من النقد ولا تخشى الفشل، غامر بحسن النيّة، وامنح الثقة لمن حولك، وسترى أن هذا سينعكس إيجاباً عليهم ثم عليك.

 

ساهم في نشر الايجابية

 

بادر أنت في خلق حلقات ودوائر من المشاعر الايجابية ونشرها في نطاق أوسع، ولا تتعذر بأن الآخرين أشرار وسيئو النية....الخ لأنهم يرونك كما تراهم، تماماً كصاحبنا الكلب ومرآته!

 

قد تتعرض في بعض المراحل لأوقات عصيبة، ومشاعر سلبية وظروف قاهرة، هذه سنة الحياة، ولكنها لن تدوم، اصبر واحتسب، ولا تدع للقلق والخوف والندم الفرصة لتغيير قناعاتك، هناك ضوء في نهاية النفق، وهناك أشياء ايجابية دوماً، ركّز عليها، والتزم الهدوء وتحلّى بالصبر، وستجد انك وبعد كل تجربة سيئة عدت أقوى من قبل وأكثر إصراراً!

تذكّر أن عظماء التاريخ والأنبياء عانوا من قبلك من أشد وأخطر مما مر وسيمرّ عليك، لا تركن إلى أنك مشؤوم وأنك قليل الحظ، أو ان نصيبك في الحياة هو هكذا!

 

ترجم الأخطار إلى فرص

 

في علم الادارة تعلّمت أن أصنع من كل تحدٍّ فرصة جديدة، وأملاً للمستقبل، فخلف كل مأساة قصة حياة!

صعد غاندي وهو شاب صغير إلى أحد القطارات المزدحمة، وعلقت قدمه في الزحام، فسقطت فردة حذائه من القطار، فما كان منه إلا أن خلع فردة حذائه الأخرى وقذف بها!

ظن المحيطون به أنه انزعج من فقد فردة حذائه فعبّر عن ذلك بهذه العصبية، وحين سألوه قال لن أستفيد من فردة حذاء واحدة، ولن أستطيع استرجاع فردة الحذاء من خارج القطار، ولكني أستطيع أن أمنح فردة الحذاء الأخرى للشخص الذي سيعثر على فردة حذائي المفقودة فيستفيد منها!

موقف بسيط ولكن التاريخ سجّله لما فيه من سمو في التفكير واعتبار للحياة، فتصرف غاندي يعكس تماماً قيمة الحياة لديه ومفهومه عن الآخر!

عندما نظر غاندي إلى مرآته استطاع أن يخترق الحواجز ويرى على الطرف الآخر من المرآة، فقيراً يبحث في الفناء فيجد فردتي حذاء جديد فيسعد بهما، لقد صنع غاندي من فقدان حذائه ومشقة السفر حافي القدمين، فرصة لفقير آخر كي ينعم بما افتقده هو!

 

حافظ على حياة نشيطة ومتوازنة

 

حافظ على نظام حياة صحي، نشيط ومتوازن، فالحياة النشيطة والمتوازنة تساهم في تعديل المزاج العام والصحة النفسية، وتساعد على انطلاقتنا الايجابية في الحياة، وعلى العكس من ذلك فإن الكسل والركون إلى الروتين يدفعان بنا إلى الاكتئاب والسلبية.

 

املىء أوقاتك بأشياء إيجابية واشرك من حولك في هذه النشاطات، فممارسة النشاطات الاجتماعية، مع الأصدقاء والأقرباء وزملاء العمل مفيدة جداً في كسر الجمود وتعميق التعارف ونشر الأجواء الايجابية.

 

جدّد من حياتك

إن الثابت في الحياة هو سنة التغيير، أما الجمود فيعني التخلي عن الركب والتخلف عن القافلة، لهذا عليك أن تسعى دوماً لتعلم أشياء جديدة واكتساب مهارات جديدة، إن القراءة والكتابة والتعلّم وممارسة الفنون ومتابعة المستجدات، والاستمتاع بالطبيعة هي بواعث أمل وعوامل ايجابية لنا، وفي ذات الوقت فهي طاردة للمشاعر السلبية.

 

حب العالم والارتباط به يبدأ بحب الذات والامتنان لما أنت عليه، وتقدير النعم التي أنعمها الله عليك، ثم تكتمل الحلقة بالارتباط بالله والتعلّق به، فكلما اقتربت من الله واستشعرت تلك القوة العظمى، وانتماءك لهذا النظام الكوني، ودورك فيه، كلما أصبحت نظرتك إلى الحياة وإلى العالم أكثر إيجابية!

 

خلاصة القول أنك أنت وحدك، من تحددّ حياتك وتسيطر على عالمك، وليس أي أحدٍ آخر، وكلما مررت بظرف سيء وواجهت الصعاب، والتف حولك الأعداء، تذكّر الكلب والمرآة، أو تذكّر حذاء غاندي!

 

 

أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

30-9-2023

السبت، 14 أكتوبر 2023

كونوا رُحماء



 إعادة نشر قصيدة "كونوا رحماء" التي كتبتها أثناء حرب #غزة عام 2009
 
تنويه:
نظراً لكثرة ما حصل من اقتباسات ونسخ ولصق لمحتوى هذه القصيدة من قبل العديد من الصفحات والمواقع يرجى نشر القصيدة من خلال الرابط أو الاشارة إلى كاتبها، مع الشكر
 
#طوفان_الأقصى

 


كونوا رُحماء
عندما تمرّون من سمائنا الجريحة
النازفةِ دماً أبيضاً
والمحترقةِ لوعةً وحسرة
وتخترقون هذه الفوضى العبثيةِ المُمعنة في الدمارِ
وتقتربون من ضحايانا ، لتقبضوا أرواحهم …….
كونوا رُحماءَ ، معهم
لعلّهم يمحون صورة الحصارِ
والدمارِ
من ذاكِرَتهم
ويستبدِلون صورةَ الوطنِ الحُلم
بوطنٍ أجملٍ وأحلى
………. لعلَّ

——————————-

عندما تصعدون بأرواحهم الى السماء
توقّفوا قليلاً ……. في سَماءِ غزّةَ
دعوهم يشتمّون عبيرَها
ويجولون بنظرهم في أرجائها
دعوهم يُلقون نظرةَ الوداعِ الأخيرةِ
ويُسدِلون الستارةَ على وطنٍ
 ماتوا دونهُ
وطنٍ ، ولِدوا فيه
وعاشوا فيه
وماتوا فيه
دون ان يَنعموا به

——————————-

هناكَ ، في ذلك المدى المفتوحِ للرحيلِ
والغيابِ
اشلاءُ طفلةٍ
فقَدَت أباها في خريفِ الانتفاضةِ
فقدت دُميتها …..وحقيبتها المدرسيةِ
تحت انقاضِ ما تبقّى من بيتها
و هناكَ ، بقايا ما تبقّى من طفلٍ حريقٍ
كان يَحلُمُ أن يكونَ ……..
انساناً …..ليس إلا
يفيقُ في الصباحِ
على صوتِ المنبّه لا صوت الإنفجاراتِ
يتناولُ إفطاره مع صِغارهِ
يطبعُ قبلةً على وجنةِ حبيبتهِ
ويتوجّهُ الى العملِ
ينفثُ دخان سيجارته ، لاعناً رئيسه
يعودُ في المساءِ منهكاً …..متعباً
يشاهدُ التلفازَ
وآخر أخبار الحربِ على جُزر الهاواي
يشعر بغُصّة …….وينام

——————————-

عندما تنتزعون روح فتاةٍ
في مُقتبل العمر
فقدت حبيبها المراهقَ قبل يومينِ
ودّعت أشلاءَه
رأسه ، وطرَفهُ الأيمنُ مع بعضِ أجزاءِ ملابسهِ
وفي المساء تدفأت على رسائلهِ الغراميةِ
بعد أن نفذَ الغاز والوقودُ
كما نفذ الهواءُ
وكلُ شيءٍ هنا
سوى صوتُ الطائراتِ
والإنفجاراتِ
وصوتُ شهقاتِ الأمواتِ
لحظة أن ………. تقبضوا أرواحهم
لم يعُد للجمالِ عندها  معنى
ولا للوقوفِ أمام المرآةِ  
معنى
ولا الوقوفُ أمام نافذةِ البيتِ المطلّةِ على واجهةِ الشارع
لهُ معنى
ولم يعُد للنظراتِ والإبتساماتِ
وتبادُل الأشعارِ 
معنى
لم يعُد هناكَ معنى لأي معنى
هو معنىً واحدٌ بقِي لهذه الفتاة
أن تموتَ
وحدَها
لا لأن جلادَها يريدُها أن تموتَ
ولكن … لأن
على هذه الأرض ….. ما يستحقُ الموتَ من أجله
كما أن
على هذه الأرض ما يستحقُ الحياة

——————————-

عندما تقبضون روح مُقاومٍ
مقاتلٍ
صامدٍ
هنا  ، على هذه الأرض
رغمَ ما صار
وما يصيرُ
وما سيصيرُ
كونوا رُحماءَ معه
قد لا يبدو لكم أنه جُنديّ نظاميٌ
فهو لا يرتدي بزّةً عسكريةً كنُظرائِه
لا يلبسُ خوذةً ولا يحملُ على ظهره حقيبةً
فوضويّ الهندامِ
لم يتلقّ دروساً في العسكريةِ
ولا نياشيناً
لكنّه رضع حبّ هذا الوطن من آهات صدرِ أمه
ومن أوجاع أهله
ومن قِصص جدّته
أتقن رميَ الحجارةَ منذ نُعومةِ أظفاره
كانت اللعبةَ الوحيدة التي أحبها في صِباه
لم يُتقن لُعب الكرة ولم يهوى لُعب الورق
قد يبدو لكم متجهّما
عابساً
مطلقاً لحيته
بلا تشذيبٍ ولا عنايةٍ
ولكنّه يحملُ بين أضلاعه قلبَ طفلٍ كبير
لم يعرف الطفولةَ بعدُ
ولم يتّسخ بأقذارِ هذه الدنيا

——————————-

قد يقاومكم
عندما تقبضون روحه
ليس خوفاً من الموتِ
ولكن لأنه
إعتاد على المُقاومة
في ما مضى
و اليوم
هو أحرصُ ما يكونُ على الحياةِ
لأنه في هذه الليلة
عندما لوّح لأمّه مُودّعاً
تلوّع قلبُ أمه
وأظهر ما كان يُخفيهِ من خوفٍ   
في هذه الليلة
كان دُعاء أمه مختلفاً
عن ايّ ليلةٍ سواها
يجعل يومي قبل يومك ، يمّه
يجعلك تدفنّي بايديك ، يمّه
ما يدفنّي حدا غريب "

كونوا رُحماءَ معه
ما كان لروحِه أن تُطاوعكم
قبل أن يبرّ بدُعاء أمه
كي لا يكون عصيّا
——————————-
أيتها الملائكةُ
تلكَ التي تقبضُ أرواح ضحايانا
و تصعدُ بها الى
آخر آخر مُنتهاها
كونوا رُحماء
كونوا رُحماء

أيمن يوسف أبولبن
 13-1-2009

السبت، 22 يوليو 2023

الحنينُ إلى الذات

 



 

‏من منّا لم يمر بمرحلة البحث عن الذات، أو محاولة الاجابة عن الأسئلة الوجودية عن ذاته، لوجوده كإنسان، عن غاياته العظمى في هذه الحياة؟

أكاد أقول أن جُلُّنا قد مرّ بهذه المرحلة من الوعي الذاتي، أو القفزة التنويرية، التي نقلته إلى مرحلة فكرية واعية متقدمة عن سابقتها، ربما بسبب حالة من التجلّي الفكري، أو البحث والتأمل، أو بسبب تجربة صعبة وصادمة مثل الحرب والمرض أو فقد عزيز، أو لقاءٍ مع أحد الأشخاص الذين كان يخبأهم القدر لنا، لإحداث تغيير جذري في حيواتنا، أو لسبب آخر خطر على بال القارىء وهو يقرأ هذه السطور، وغاب عن ذهن الكاتب!

 

لقد تناول الفيلسوف ورائد التحليل النفسي الشهير كارل يونج فكرة "الصحوة الروحيّة Spiritual Awakening" وقال عنها بأنها الجزء الجوهري لوجودنا الإنساني، إذ بدون هذه القفزة الروحية، والارتقاء الفكري، وما يتبعهما من تغيرات في أسلوبنا الحياتي ومراجعةٍ لقيمنا العليا، فإن حياتنا الانسانية ستبقى تراوح مكانها، وستكرر البشرية نفسها من جديد، بلا تحديث أو إضافة حضارية.

 

مفهوم الصحوة الروحية ورد في الثقافات القديمة كذلك بل وحتى في الأديان حول العالم، بصورة أو بأخرى، ويتلخص هذا المفهوم في تغير نظرة الفرد إلى ذاته وعلاقته بالعالم والكون المحيط به، وكأنه يعيد النظر في هذا الوجود من جديد، وفي دوره فيه.

 

وتترافق هذه الرحلة الفكرية، بشعور الفرد بالرغبة في العزلة، والتأمل الفردي بعيداً عن الدوائر المحيطة به، حيث يبدأ بمراجعة كل مسلّماته في الحياة، والتشكيك في كل الثوابت وبدء مرحلة "البحث عن الحقيقة"، ورحلة البحث هذه لن تبدأ سوى بالبحث عن حقيقة ذاته أولاً!

 

ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية سيبدأ هذا الفرد بالابتعاد "ولو معنوياً" عن الأشياء والأشخاص الذين اعتاد الاستماع لهم والاستمتاع برفقتهم، لرغبته الشديدة في تكوين مفاهيم جديدة تمس كينونته، وتنبت من أصوله هو.

 

ومن شأن هذا أن يؤثر على الأشخاص المحيطين به، الذين قد لا يكترثون للأمر، أو لربما يزعجهم هذا التغيير والتحوّل إذا صح التعبير، وهنا تبدأ مرحلة جديدة تتمثّل في إعادة ترتيب علاقاته وإعادة النظر فيها من جديد، وقد يضطر إلى اتخاذ قرارات مفصلية في التخلي عن البعض، وإقحام البعض الآخر، وهذه قصة أخرى، يطول الحديث عنها، ولعل مكانها في مقال آخر!

 

ثم يشرع بمراجعة معتقداته وقيمه الروحية ومناقشتها، والبناء عليها، أو تبني معتقدات جديدة، سواء تجلّى هذا الأمر بالارتباط بشكل عميق بالدين أو بالارتباط بمعتقد جديد، أو تغيير مجاله المهني والوظيفي، أو السعي وراء موهبة كامنة، بحثاً عن ذاته أو كما يتم ترديده كثيراً هذه الأيام بحثاُ عن "شغفه الحقيقي".

 

ومع استمرار هذه الحالة النقدية، والمراجعة المستمرة، يبدأ الشخص بإعادة ترتيب أولوياته في الحياة، وتحديد أهدافه بشكل أوضح وأكثر تحديداً، رغم أنه في البداية سيشعر بأنه تائه وسط طود عظيم من الأفكار، التي تعصر به وتقذف به يميناً وشمالاً، إلا أنه سيكتسب الثقة يوماً بعد يوم، وسيتمكن من فلترة تلك الأفكار، للوصول إلى أهدافه الحقيقية التي تتماشى مع طبيعته.

ولعل هذه هي أخطر مراحل الصحوة الروحيّة إذ أن غالبنا لا يتجاوزها بنجاح، بل يغرق في موج الأفكار هذه، ثم لا يلبث أن يجد نفسه تائهاً في الصحراء، دون مرشدٍ، أو نجمٍ يهتدي به، وسرعان ما يعود إلى وتيرة حياته السابقة، مُحملاً بخيبة الأمل!

 

ولكنه إذا ما عبر هذه المرحلة بنجاح، فإنه وبالتأكيد سيتمكن من الحصول على تلك الانفراجة في الرؤية، تلك الطاقة الروحية التي فتحت نافذتها لهذا الشخص ليبصر من جديد، وحينها لن يعود هو كما كان ذات يوم، كما أن العالم الذي عرفه لن يعود ذاته أبداً، وهنا بالذات سيكون قد تجاوز نقطة اللاعودة إلى الأبد!

 

إعادة إكتشاف الذات، تعني إعادة اكتشاف قدراتنا، وحدسنا، وشغفنا، وشخصيتنا، سنشعر بطاقتنا الروحية من جديد، وسنكتشف قدرات ومواهب جديدة كانت مدفونة تحت غلافنا الخارجي، ولربما طمسناها لنتماهى مع من حولنا، ومع هذه الاكتشافات والطاقات الجديدة المنبعثة فينا، سنشعر ولأول مرة ربما، أننا بتنا أكثر انسجاماً مع أنفسنا، على عكس ما كنا نظن في السابق!

ولعلّ أهم نتائج هذه الرحلة هي الوصول إلى التوافق الروحي؛ أن نصبح نسخة أفضل من أنفسنا، قادرة على الإجابة عن تلك الأسئلة التي كانت تؤرقنا، بل إننا نكون قد أسّسنا لعهد جديد، لقفزة فكرية وروحيّة ستفتح لنا آفاقاً جديدةً، وورؤية أكثر اتساعاً وجمالاً وحيويةً!

وهذا التوافق الروحي سينعكس علينا إيجاباً في الانصهار في المجتمع بشكل أفضل وأكثر سلاسة، فاليقظة الروحية لا تعني ممارسة حياة النسّاك، بل على العكس تماماً، فهي تزيد من وعينا المجتمعي وتعاطفنا مع القضايا العامة والانسانية.

 

وهي رحلة لا شك طويلة وشائكة، بل ومستمرة، ومن أجل الاستمرارية علينا أن نجد الأجوبة المناسبة، وملءَ الفراغات الروحية، وفي سبيل ذلك علينا أن نتخلى عن خداع الذات، فاليقظة الروحية تتطلب تنظيف الجسد أولاً والفكر ثانياً، من أجل بناء شخصيتنا من جديد، ومن ثم البدء بتغيير واقعنا، والعالم من حولنا، إن استطعنا، ولن نتمكن من هذا إلا إذا واجهنا أنفسنا بالحقيقة، وتخلّينا عن كل الأعذار والتسويفات، وعن كل القيود التي تحدّ تفكيرنا، وتشلّ حركتنا.

 

هي رحلة مستمرة، قد تستغرق عمراً طويلاً، يتخلّله صعودٌ وهبوط، ولكن بغض النظر عن مدى الصعوبات التي تواجهنا، والاخفاقات التي تحدث لنا في بعض الفترات، علينا دائماً النهوض والمحاولة من جديد، للوصول إلى الهدف، للوصول إلى ذواتنا، إلى أعماق أعماق ذواتنا، هي رحلة إلى الذات، يدفعنا لها، ذلك الحنين، الحنينُ إلى الذات!

 

 

أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

24-3-2023


رابط القدس العربي