يُحكى أن أحد الكلاب ضلّ طريقه في يوم
من الأيام ودخل إلى أحد المتاحف، كان متحفًا فريدًا من نوعه، فالجدران والسقف
والأبواب وحتى الأرضيات كانت كلّها مصنوعة من المرايا، بمجرّد أن رأى الكلبُ انعكاساته،
أصيب بصدمة كبيرة، فقد رأى أمامه فجأة قطيعاً كاملاً من الكلاب التي تحيط به من
كلّ مكان، كشّر الكلب عن أنيابه وهزّ ذنبه وبدأ بالنباح، فردّت عليه الكلاب الأخرى
بالمثل، فنبح من جديد، وراح يقفز جيئة وذهابًا محاولاً إخافة الكلاب المحيطة به،
فقفزت هي الأخرى مقلّدة إياه، وهكذا استمرّ الكلب المسكين في محاولة إخافة الكلاب
وإبعادها دون جدوى!
في صباح اليوم التالي، عثر حارس المتحف
على الكلب البائس خاليًا من الحياة، مُحاطًا بمئات الانعكاسات لكلبٍ ميتٍ أيضًا.
لم يكن هناك أحدٌ لإيذاء الكلب في المتحف،
سوى انعكاساته هو، وكلّ شيء يحدث من حولنا ما هو إلاّ انعكاس لأفكارنا، مشاعرنا،
أمانينا وأفعالنا. بمعنى آخر إن العالم الكبير المحيط بنا، ما هو سوى مرآة كبيرة، تعكس
ردة فعلنا، وحسن أو سوء تصرّفنا؛ تقول إحدى الحكم القديمة، إنك لن تستطيع تغيير
العالم من حولك، ولكنك تستطيع تغيير قناعاتك عن هذا العالم، وأن تتحكم بتصرفاتك
وأفعالك.
في عام 1776 نص ميثاق الحرية الأمريكي على
أن الفرد يتمتع بحرية "السعي نحو السعادة" أي أن للفرد الحرية في اختيار
مسار حياته وتحديد تفضيلاته، بما يضمن له السعادة دون تدخل أي سلطة أو جهة ذات
مسؤولية، وبهذا يكون للفرد الحق الكامل (حسب الدستور الأمريكي) في الحياة، والحرية،
والسعي نحو السعادة، وهذا يتضمن أن تقوم الدولة بعمل كل ما يلزم لحماية هذه الحقوق
وضمان حصول الأفراد عليها، ولكن أحداً لن يتدخل لتحديد سلوك هذا الفرد وضمان تحقيقه
للسعادة، لأن هذا من شانه الاخلال بالضلع الثالث من مثلث الحريات الذهبي ألا وهو
حرية الفرد في الاختيار!
ومن هنا كان الفرد وحده، هو المسؤول أمام
نفسه لتحقيق سعادته، وليس المجتمع أو الدولة.
وهذا يفسّر مفارقة أن هذا العالم المتحضر
التكنولوجي الراقي، يفتقد أفراده إلى الأمان الوظيفي والانتماء الاجتماعي والرضا
الذاتي ويعانون من الأرق والضغط والاكتئاب، وازدياد معدلات الجريمة، ومعدلات
الانتحار، في الوقت الذي تتعاظم فيه معدلات استهلاكنا اليومي، وتزداد فيه المتع
والملذات المادية من حولنا يومأ بعد يوم!
لقد تضاعف الدخل اليومي لعائلاتنا بشكل
غير مسبوق، وتحسّنت جودة الحياة، وساهمت التكنولوجيا في حل الكثير من المشكلات،
وساهمت في تيسير وتسهيل حياتنا، وانخفضت نسبة الأوبئة والأمراض والوفيات المبكرة،
ووفيات الأطفال المبكرة، وأخطار البيئة – إلى حد كبير - ولكن كل هذا لم يسهم في
شكل رئيسي ومباشر في تحسين المشاعر الايجابية، وتعزيز الشعور بالرضا والسلام
الداخلي عند الأفراد!
وهذا يقودنا إلى القول مرة أخرى، أن
نظرتنا إلى العالم هي التي تتحكم بمشاعرنا الايجابية والسلبية، وأن طريقة تعاطينا
وتعاملنا مع الظروف المحيطة، هي التي تتحكم بمزاجنا، ومشاعرنا الايجابية والسلبية،
وبالتالي فإنها تتحكم في سعادتنا ودرجة رضانا، فالسعادة ما هي سوى تحقيق المشاعر
الايجابية والتخلص من الألم والمشاعر السلبية.
تعامل مع من حولك بلطف ومودّة
بالعودة إلى القصة القصيرة التي نقلتها في
مقدمة مقالي هذا، فإن أول وأهم خطوة في طريق تغيير نظرتك إلى العالم، هو تغيير
نظرتك إلى الآخرين، تعامل مع الناس بمودة ولطف ومحبة، لا تفترض فيهم السوء أو إضمار
الشر لك، كن منفتحاً على الآخرين، كن صريحاً ولا تجامل، لا تخاف من النقد ولا تخشى
الفشل، غامر بحسن النيّة، وامنح الثقة لمن حولك، وسترى أن هذا سينعكس إيجاباً
عليهم ثم عليك.
ساهم في نشر الايجابية
بادر أنت في خلق حلقات ودوائر من المشاعر
الايجابية ونشرها في نطاق أوسع، ولا تتعذر بأن الآخرين أشرار وسيئو النية....الخ
لأنهم يرونك كما تراهم، تماماً كصاحبنا الكلب ومرآته!
قد تتعرض في بعض المراحل لأوقات عصيبة،
ومشاعر سلبية وظروف قاهرة، هذه سنة الحياة، ولكنها لن تدوم، اصبر واحتسب، ولا تدع للقلق
والخوف والندم الفرصة لتغيير قناعاتك، هناك ضوء في نهاية النفق، وهناك أشياء ايجابية
دوماً، ركّز عليها، والتزم الهدوء وتحلّى بالصبر، وستجد انك وبعد كل تجربة سيئة
عدت أقوى من قبل وأكثر إصراراً!
تذكّر أن عظماء التاريخ والأنبياء عانوا
من قبلك من أشد وأخطر مما مر وسيمرّ عليك، لا تركن إلى أنك مشؤوم وأنك قليل الحظ،
أو ان نصيبك في الحياة هو هكذا!
ترجم الأخطار إلى فرص
في علم الادارة تعلّمت أن أصنع من كل
تحدٍّ فرصة جديدة، وأملاً للمستقبل، فخلف كل مأساة قصة حياة!
صعد غاندي وهو شاب صغير إلى أحد القطارات
المزدحمة، وعلقت قدمه في الزحام، فسقطت فردة حذائه من القطار، فما كان منه إلا أن
خلع فردة حذائه الأخرى وقذف بها!
ظن المحيطون به أنه انزعج من فقد فردة
حذائه فعبّر عن ذلك بهذه العصبية، وحين سألوه قال لن أستفيد من فردة حذاء واحدة،
ولن أستطيع استرجاع فردة الحذاء من خارج القطار، ولكني أستطيع أن أمنح فردة الحذاء
الأخرى للشخص الذي سيعثر على فردة حذائي المفقودة فيستفيد منها!
موقف بسيط ولكن التاريخ سجّله لما فيه من
سمو في التفكير واعتبار للحياة، فتصرف غاندي يعكس تماماً قيمة الحياة لديه ومفهومه
عن الآخر!
عندما نظر غاندي إلى مرآته استطاع أن
يخترق الحواجز ويرى على الطرف الآخر من المرآة، فقيراً يبحث في الفناء فيجد فردتي
حذاء جديد فيسعد بهما، لقد صنع غاندي من فقدان حذائه ومشقة السفر حافي القدمين،
فرصة لفقير آخر كي ينعم بما افتقده هو!
حافظ على حياة نشيطة ومتوازنة
حافظ على نظام حياة صحي، نشيط ومتوازن،
فالحياة النشيطة والمتوازنة تساهم في تعديل المزاج العام والصحة النفسية، وتساعد
على انطلاقتنا الايجابية في الحياة، وعلى العكس من ذلك فإن الكسل والركون إلى
الروتين يدفعان بنا إلى الاكتئاب والسلبية.
املىء أوقاتك بأشياء إيجابية واشرك من
حولك في هذه النشاطات، فممارسة النشاطات الاجتماعية، مع الأصدقاء والأقرباء وزملاء
العمل مفيدة جداً في كسر الجمود وتعميق التعارف ونشر الأجواء الايجابية.
جدّد من حياتك
إن الثابت في الحياة هو سنة التغيير، أما الجمود
فيعني التخلي عن الركب والتخلف عن القافلة، لهذا عليك أن تسعى دوماً لتعلم أشياء
جديدة واكتساب مهارات جديدة، إن القراءة والكتابة والتعلّم وممارسة الفنون ومتابعة
المستجدات، والاستمتاع بالطبيعة هي بواعث أمل وعوامل ايجابية لنا، وفي ذات الوقت
فهي طاردة للمشاعر السلبية.
حب العالم والارتباط به يبدأ بحب الذات
والامتنان لما أنت عليه، وتقدير النعم التي أنعمها الله عليك، ثم تكتمل الحلقة بالارتباط
بالله والتعلّق به، فكلما اقتربت من الله واستشعرت تلك القوة العظمى، وانتماءك
لهذا النظام الكوني، ودورك فيه، كلما أصبحت نظرتك إلى الحياة وإلى العالم أكثر إيجابية!
خلاصة القول أنك أنت وحدك، من تحددّ حياتك
وتسيطر على عالمك، وليس أي أحدٍ آخر، وكلما مررت بظرف سيء وواجهت الصعاب، والتف
حولك الأعداء، تذكّر الكلب والمرآة، أو تذكّر حذاء غاندي!
أيمن
يوسف أبولبن
كاتب
ومُدوّن من الأردن
30-9-2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق