الخميس، 9 نوفمبر 2023

"هل تُدينُ حماس؟" كيف وقع باسم يوسف في فخ "القيم الغربية"!

 

 

لعله من الملاحظ بل ومن المستنكر تكرار ذات السؤال في كل وسائل الاعلام الغربية "هل تُدينُ حماس؟" هل تُدينُ هجمات السابع من أكتوبر؟

ولعمري أن هذا السؤال هو سؤال مخادع والاجابة عليه سيفٌ ذو حدّين!

ففي حال رفض إدانة حماس والهجمات ضد المدنيين سيتم إعتبارك منحازاً وغير مُحايدٍ ولا تشارك الغرب قيمهم الانسانية! والخطورة هنا أنه سيتم إعتبار كل ما تقوله بعد ذلك -حتى لو أتيت بالحقائق الدامغة- مشكوكاً في نزاهته، ولن يعود له وقعٌ أو تأثيرٌ على المُتلقّين.

أما إذا أجبت بأنك تُدين حماس وأحداث السابع من أكتوبر، فسينتقل الحديث مباشرة إلى كيف يمكن القضاء على حماس بما أننا أتفقنا على أنها إرهابية وأن ما فعلته يستحق العقاب؟ وكيف يُمكن لاسرائيل القضاء على حماس، دون خوض حربٍ شاملة على غزة، وتحمّل أضرارها الجانبيّة؟!

وهذا هو الفخ الذي وقع فيه باسم يوسف في المقابلة الثانية، لقد ظنّ أنه سيكسب ودّ المشاهد الغربي عندما يُظهر تعاطفه مع المدنيين الاسرائيليين، ولكن الإعلامي البريطاني بيرس مورغان ورّطه بكل دهاء في إشكاليّة "تبرير سقوط الضحايا وتدمير غزة"، لأننا اتفقنا منذ البداية أن حماس منظمة إرهابية!

 


وأنا أستغرب حقيقةً، كيف وقع العديد من إعلاميّينا بل ومسؤولينا في هذا المطبّ، ولم تكن لديهم الحيلة ولا الوسيلة المُقنعة للرد على هذه الأسئلة المراوغة والمُخادعة!

 

عندما يتوجب علينا الحوار مع أناسٍ يصعب عليهم فهم تاريخ القضية الفلسطينية وانعكاساتها، بمعنى أنهم ليسوا في مكاننا ولا يمكنهم تصوّر حقيقة أوضاعنا، فإن علينا في البداية الاتفاق على قواعد عامة تحكم النقاش، ومرجعية معينة نحتكم إليها في حكمنا على الأمور، وفي حالتنا هذه فإن القرارات الدولية ذات العلاقة، والهيئات المختصة، والاتفاقيات المتعلقة بالصراع هي المرجعية.

ومن هنا نقول بأنه وحسب قرار الأمم المتحدة عام 1947 والذي يقضي بتقسيم فلسطين التاريخية بين العرب واليهود، فإن قطاع غزة بالكامل وصولا إلى أسدود شمالاً  مروراً بعسقلان هو من ضمن المناطق العربية.






 ورغم أن حل الدولتين وإتفاقية أوسلو قد اقتطعتا من المناطق العربية جزءاً من قطاع غزة، إلا أنهما قد نصّتا على سيطرة الفلسطينيين على كافة القطاع بما في ذلك مطار  غزة وميناء غزة الدوليين، ومعبر رفح البري "بالاشتراك مع مصر والأمم المتحدة "، ووجود ممر بر ي آمن يصل الضفة الغربية بالقطاع.

 

 


 

وقد تم بالفعل تشغيل مطار غزة عام 1998 قبل أن يتم إغلاقه مجدداً، كما تم الاتفاق على تشغيل الميناء عام 1999 إلا أن هذا الاتفاق لم يرَ النور، إلى أن تم بدء حصار غزة عام 2007 وقطعها عن العالم الخارجي.

 


وقد تسبّب حصار غزة في تخفيض حصة الغذاء للفرد إلى 20%، إضافة إلى تسببه في الركود الاقتصادي والبطالة، وتدهور القطاع الصحي، وتلف المزروعات نتيجة نقص الأسمدة، بل وتعمّد قوات الاحتلال رش المناطق الزراعية بالمبيدات!!

كما يعاني القطاع من عدم وجود أي منفذ جوي أو بحري، فيما يُمنع صيادو غزة من الصيد في مسافة تتجاوز الخمسة كيلومتر في البحر، بل ويتم تخصيص ساعات معينة للصيد!

كما تقوم سلطات الاحتلال بالتحكم في معبر رفح باستخدام القوة العسكرية لو لزم الأمر!

كما قامت إسرائيل بالتعدّي  على آبار الغاز قبالة ساحل غزة، والذي يعود إلى الفلسطينيين حسب القرارات الدولية، وفي ذات الوقت فإنها تقوم بتقنين استهلاك الطاقة في قطاع غزة، قبل أن تقوم بقطع كامل لكل أنواع الطاقة أثناء حربها الأخيرة على غزة!!

 


يُجمع العالم اليوم على أن الحصار الذي فرضته دولة الاحتلال على قطاع غزة منذ عام 2007 هو مخالفٌ لكل القرارات الدولية، ولكل معاهدات السلام التي التزمت اسرائيل بها. وبهذا يكون قطاع غزة واقعاً حكماً وقانوناً ضمن "الاحتلال الاسرائيلي" ولا يمكن تصنيفه أنه خاضع للسلطة الفلسطينية، وهذا ما تتفق عليه الأمم المتحدة والصليب الأحمر وغيرها من المنظمات والمؤسسات الدولية.

وبالتالي فإن أي كفاح مسلح تقوم به حماس وغيرها من الفصائل من غزة، يُعتبر "مقاومة ضد الاحتلال" ولا يخضع للقوانين الدولية التي تحكم الصراعات بين الدول المستقلّة!

كما نصّت اتفاقيات جنيف لسنة 1949 على شرعيّة حركات المقاومة المنظمة وحرّمت القصف العشوائي وقصف الأماكن التي يختلط بها العسكريون مع المدنيين.

وفي عام 2016 أقر مجلس الأمن الدولي قرار رقم 2334 الذي نزع الشرعية عن المستوطنات الاسرائيلية "في الأراضي الفلسطينية" وطالب بالوقف الفوري عن بنائها. وهذا يعود بنا للقول أن أعمال حماس تقع ضمن حدود المقاومة والكفاح المسلح، ضد قوات إحتلال وفي مناطق نزاع مشتركة، ولا يتم تصنيفه ضمن الأعمال الارهابية إلا في قاموس الدولة الصهيونية وحلفائها!

 

خلاصة ما قيل، إن أحداث 7 أكتوبر لا يمكن النظر  إليها بدون وضعها في إطارها التاريخي والزمكاني، وأن التاريخ لم يبدأ يوم 7 أكتوبر، وإذا كان العالم الغربي قد نام في سبات عميق عن قضايا الشرق الأوسط، ثم أفاق يوم 7 أكتوبر على صدى هجمات حماس، صارخاً "يا إلهي، ماذا حصل! الفلسطينيون يقتلون الاسرائيليين!! ماذا علينا أن نفعل لحماية اسرائيل؟!"

فإن علينا أن نعيدهم إلى الواقع وإلى التاريخ، والاحتكام إلى القوانين الدولية، بل ومساءلتهم عن التقاعس في لجم اسرائيل وتمكين الفلسطينيين من نيل حقوقهم الأساسية بالتفاوض والحلول السلمية، بدلا من اضطرارهم للجوء إلى العنف.

 وبدلاً من طرحهم لسؤال كيف يمكن لاسرائيل التخلص من حماس دون إيقاع ضحايا مدنيين، فإن من حقّنا أن نسأل: وماذا على الفسطينيين العمل لفك حصار غزة المُخالف لكل قوانين الأرض والسماء، دون الاعتداء على الاسرائيليين واختراق هذا الحصار؟!

ولعلّ من نافلة القول أن على جميع المسؤولين ووزراء الخارجية العرب الاعتراف بحماس على أنها حركة سياسية فاعلة في المنطقة، وأن الفلسطينيين وحدهم من يحددون من يحكمهم، وإذا كنّا على خلاف في هذا، فعلى العالم معاقبة الاسرائيليين على انتخابهم لنتنياهو ، ومن سبقه من رؤساء الحكومات، بل وعلى العالم الحر معاقبة الأمريكيين على انتخابهم جورج بوش مجرم حرب العراق!

 رابط المقال على القدس العربي

 

أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

9-11-2023

الجمعة، 3 نوفمبر 2023

مُعادٍ للساميّة!

 


 

قال الله سبحانه وتعالى عن المُفسدين من بني اسرائيل

(كلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)

وخاطب السيد المسيح اليهود الذين خالفوا تعاليمه قائلاً:

(إِنَّ بَيْتِي بَيْتُ الصَّلاَةِ. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ)

 

أما في الأدب العالمي، فتم تصويرهم بما يستحقون؛ شخصية "شايلوك" التاجر الجشع في رائعة "تاجر البندقية" لشكسبير، المُرابي الذي يقتصّ من المدينين لحمهم البشري!

شخصية "سكروج" في رواية تشارلز ديكنز التي أصبحت مُصطلحاً مستعاراً في الأدب العالمي، للإشارة إلى كلِّ بخيلٍ مُقيت!

رئيس العصابة "فاجن" في رواية أوليفر تويست، الذي يخطف الأولاد ويُكرّسهم لعمليات النهب والاحتيال!

 

لقد احتفظ التاريخُ بما صنعه اليهود المتعصبّون، في كل العواصم الأوروبية التي قطنوا فيها، حيث تشير الدراسات التاريخية أن اليهود هم من أنشأوا ما يُعرف بالسوق السوداء، وتجارة الجنس، والربا (الدين الآجل بفوائد باهظة)، لقد كان اليهود المتعصبون -الذين أنشأوا الحركة الصهيونية لاحقاً- على مر العصور مثالاً حياً لما وصفهم به الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، وكما ذكرت في مقدمة مقالي هذا (يسعون في الأرض فسادا) أي أنهم يهدفون ويخططون وينفذون مشروعاتهم التخريبية عن سبق إصرار وعزيمة، لبث الفتنة والحروب والفساد في كل المجتمعات، منطلقين من إيمانهم بأن الله فضّلهم على العالمين، وأنه ما خلق باقي الأمم سوى لخدمة الأمة اليهودية-الصهيونيّة!

 

ومن أجل هذا كلّه، قام الأوروبيون في القرن السادس عشر بوضع الجاليات اليهودية في كانتونات ومساكن شعبية سُميّت "الغيتو" أو "الحارة اليهودية"، حيث منعوهم من الاختلاط معهم لأنهم أدركوا أن هؤلاء المتعصبين لا يصلحون للعيش المشترك مع الحضارات والقوميات المختلفة، ثم تخلصوا منهم في القرن العشرين بأن منحوهم أرضنا بعيداً عنهم كي يستريحوا من همومهم ومشاكلهم، وهكذا أصبحنا نحن "العرب" المشكلة والعائق أمام سلام وأمن العالم!

 

لهذا كان -وما زال- اليهودُ أمّة واحدة منغلقة على نفسها،  لا يعترفون بحقوق متساوية مع من سواهم، والدليل على قولنا هذا أن دستور دولة إسرائيل جعل المواطنة من حق كل "يهودي"، فتحوّلت المواطنةُ المدنيّة القائمة على الحقوق المتساوية والعيش المشترك بين فئات المجتمع، والقيم الانسانية "الحرية والعدالة والمساواة" إلى هوية طائفيّة عنصرية قائمة على الدين، وبهذا تكون دولة اسرائيل (دولة الاحتلال) الدولة الوحيدة في العالم القائمة على أصولٍ دينيّة!

 

في روايته "أبناء الغيتو"– التي أنصح الجميع بقراءتها – يتحدث الأديب اللبناني إلياس خوري عن تفاصيل مجزرة اللدّ التي ارتكبها الصهاينة عام 1948 في خضم معركتهم لاستعمار فلسطين، وكيف حوّل جيش الاحتلال الصهيوني مدينة اللدّ إلى "غيتو" آخر للفلسطينيين ومارسوا على سكان المدينة الأصليين، كل صنوف العذاب والبؤس التي تعرّض لها اليهود في أوروبا، من "الغيتو" إلى "الهولوكوست".

لقد تقمّص جيش الاحتلال شخصية الأوروبي القاتل، بأكثر صوره بشاعةً، ثم قام بإسقاط شخصية الضحيّة على العرب الفلسطينيين، فمارسوا عليهم أبشع الجرائم من حصار ٍ وحرمان من الماء والطعام وحليب الأطفال، ثم أوسعوا فيهم قتلاً وتمثيلاً، ثم أجبروا الأحياء الباقين على تنظيف المدينة من الجثث ثم حرقها!!

" هل تستطيع أن تتخيل معنى أن يبدأ صباحك برائحة الجثث المحترقة؟ صار عمري أكثر من سبعين عاماً و هذه الرائحة ترافقني، عليّ كل صباح أن اخرج إلى الحديقة حتى لو كانت الحرارة ١٥ تحت الصفر، أخرج كي أتنشق الهواء و أبدّد الرائحة"!!

 

لقدأصرّت دولة الاحتلال عن وعي أو غير وعي منها، على أن تحفر في ذاكرة كل جيلٍ من أبناء هذه المنطقة، ذكرى حربٍ ومجزرةٍ دموية، ووصمة عار ٍعلى جبين الإنسانية!

يصرّ القائمون على هذه الدولة أن يزرعوا الكراهية والحقد في صدور الأجيال المتعاقبة، جيلاً بعد جيل، ولا أعلم إن كان هذا عن عمدٍ وإصرار، أم هي طبيعتهم التي لا يستطيعون تغييرها ولو حاولوا جاهدين!

 

لن أنسى ما حييت قصص والدي عن إحتلال عام 1948 ومجازر دير ياسين وقرية الطنطورة وخان يونس، وعن نكبة 1967، عدا عن الكم الهائل من التوثيقات والروايات والأرشيفات التي قرأتها وتتحدث عن جرائمهم وبشاعة أعمالهم.

 

أضف إلى ذلك مجزرة بحر البقر عام 1970 في محافظة الشرقيّة في مصر، وقتل الجنود المصريين الأسرى عام 1973، ودفنهم في مقابر جماعية وأيديهم مكبّلة!

 

وما أن دخلت العقد الثاني من عمري، إذا بأحداث غزو لبنان ومجزرة صبرا وشاتيلا تدقّان الأبواب، تلاهما مذبحة الأقصى عام 1990 والحرم الابراهيمي عام 1994، وقانا 1996 ومجزرة جنين عام 2002.

 

ثم انتقلت المجازر الصهيونية، إلى الجيل الثالث مع حروب غزة المتعاقبة وصولاً إلى يومنا هذا ومجازر المستشفى المعمداني وكنيسة الروم الأرثوذكس، وقبلها قصف مدرسة الأونروا عام 2009.

 

ينتقل الثأر بين أبناء هذه المنطقة من جيلٍ إلى جيل، رغم أنفنا!

أجزم بأن لكل جيل في هذه المنطقة تأرٌ عند هؤلاء الصهاينة، وكأنهم يزرعون الحقد والبغض أينما حلّوا وأينما أقاموا!

 

 وللأسف فقد نجحت الحركة الصهيونية -رغم تاريخها الدموي- في تزييف الحقائق وقلب الوقائع فيما يخص قضية فلسطين لأسباب عديدة من أهمها امتلاكها للوبي صهيوني قوي قادر على التأثير على دوائر إتخاذ القرار بالإضافة الى سيطرتها على وسائل الاعلام الغربية وصناعة السينما.

ولعل الكذبة الكبرى التي سخّرتها الحركة الصهيونية لمصلحتها هي حَصر العرق السامي بمعتنقي الديانة اليهودية واختراع تهمة "معاداة الساميّة" بهدف تحصين اليهود الصهاينة أفراداً ومؤسسات، من المحاسبة والملاحقة القانونية بل واغتيال شخصية كل من يخالفهم فكرياً.

بمعنى آخر لقد توافق العالم الغربي اليوم على وضع اليهود الصهاينة في منزلةٍ فوق كل البشر!

 

لهذا أقول في الختام، بأني أعترف بكامل قواي العقليّة وصحتي النفسية أني مُعادٍ للساميّة!

 

 

أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

3-11-2023

الخميس، 19 أكتوبر 2023

عشر قواعد من حرب 7 أكتوبر

 



 

‏‏أولاً: لا سلام ولا حلٍ سلميٍ مع دولة الاحتلال

 

على كل من روّج للسلام ولمبدأ الأرض مقابل السلام، أن يقف لحظة صدق مع نفسه وأن يعترف بفشل مساعيه.

عودة اللاجئين، وتفكيك المستوطنات، والتخلّي عن القدس كلها عقبات في وجه اعتراف دولة الاحتلال ومن خلفها الغرب، بحقوق دولة فلسطين.

لقد سعى العالم العربي بأكمله منذ مؤتمر مدريد عام 1990 للسلام مع دولة الاحتلال، إلا أن جهوده كلها باءت بالفشل لانعدام الرغبة لدى الجانب الاسرائيلي، وهذا الواقع لن يتغيّر، إلا بتغيير معادلة القوّة والتفوّق العسكري.

 

ثانياً: إعرف عدوّك

 

سقط القناع عن الغرب هذه المرة، وتكالبت أمريكا وبريطانيا وفرنسا، على غزة وشعبها، دون تجميل ولا مداهنة.

ومن نافل القول أن من لا يعرف عدوّه، لن يكون قادراً على إدارة معركته وتوجيهها، بل سيكون أشبه ما يكون ب "دون كيشوت" في حربه على طواحين الهواء!

 

ثالثاً: أوهن من بيت العنكبوت

دولة الاحتلال أوهن مما نتخيل، هي هشّة من الداخل وما كتب لها الاستمرار إلى يومنا هذا، سوى بانقسامنا وتخلّفنا.

إن هزيمتها ممكنة، وتحرير فلسطين كاملة من البحر إلى النهر ليس ضرباً من الخيال.

 

رابعاً: التخلّي عن وهم السلطة

السلطة الفلسطينية أحد عوامل استمرار دولة الاحتلال، ورجالها تخلّوا عن واجباتهم الوطنية من أجل المناصب والمصالح الفردية، أقول هذا وأنا أعتصر الماً ولكنها الحقيقة، وعلينا أن نتوقف عن خداع أنفسنا.

إن إسقاط اتفاقية أوسلو، ووقف كل تداعياتها الانهزامية، وعلى رأسها التنسيق الأمني يجب ان يكون اليوم على قمة أولويات الفصائل الفلسطينية.

 

خامساً: صدام الحضارات

التفوق التكنولوجي والاقتصادي والعسكري لدولة الاحتلال، يجب أن يواجه بمشاريع نهضوية في كل البلدان العربية، يجب أن نخوض الحرب الحضارية والمعرفية جنباً إلى جنب مع مقاومتنا ودعمنا لقضيتنا المركزية، قضية فلسطين.

أعتذر إذا ما قلت أن الحق لن ينتصر بكونه الحق فقط، ومن يعتقد ذلك هو أشبه بمن يعتقد أنه إذا كان نباتياً فإن الأسد أو الدب لن يهاجمه في الغاب!

إن كل صناعة عربية، وتفوّق تكنولوجي، وجائزة معرفية، وبراءة اختراع، وسبق تكنولوجي، واكتفاء اقتصادي، وتفوق حضاري، هو خطوة نحو القدس.

يجب علينا ان نؤمن بهذا ونعمل كل ما بوسعنا لتحقيقه، أفراداً وجماعات ومؤسسات.

 

سادساً: على الربيع العربي أن لا يتوقف

إن الطريق إلى تحرير القدس يبدأ بتحرير الدول العربية من الأنظمة السلطوية، وتحقيق الحرية والعدالة، وضمان ان تمثّل الشعوب العربية نفسها، وأن تتمكن هذه الشعوب من حكم نفسها بنفسها، وتحقيق آمالها وتحقيق أهدافها.

لأن المواقف السياسية والرسمية في البلدان العربية هي التي تصنع الفارق، ومن أجل هذا خاضت الشعوب العربية حربها ضد الطغيان والديكتاتورية خلال العقد الماضي، وقد تعرضت هذه الشعوب إلى مسلسل طويل من المؤامرات، ونظريات المؤامرة المضادة، وتكاتفٍ لكل قوى الشر من أجل ردع هذه الصحوة العربية.

هذه الصحوة يجب أن تستمر بكل الطرق السلمية الممكنة، بعيداً عن العنف والخراب، وهي سبيلنا الوحيد للتحرر ودعم قضيتنا المركزية، قضية فلسطين.

 

سابعاً: تفقد المبادىء والشعارات قيمتها إن لم يُصاحبها الصدق والحياد.

كل مبادىء الحرية والعدل والمساواة الغربية لا تساوي شيئاً عندما يقف موقفاً أعمى من قضية فلسطين، ولن يعود لها قيمة، حين يذرف المسؤولون الأمريكيون الدموع على ما "شبّه لهم"، في الوقت الذي يوجهون بارجاتهم الحربية وصواريخهم نحو صدورنا.

تفقد مبادىء المساواة شرعيتها، حين تُحرم فتاة مسلمة من ارتداء حجابها في المدرسة، وتفقد الحرية قيمتها، حين يتم تشريع قوانين المعاداة للساميّة، في حين يتم غض الطرف عن أدنى حقوق العرب، والمسلمين والفلسطينيين.

 

ثامناً: النظام العالمي المُتهالك

إن العالم اليوم بمؤسساته الدولية، ونظامه القائم عاجزٌ عن تحقيق العدل والمساواة، والدفاع عن الحريّات، إنه نظام قائم على نظام "القوي يحكم الضعيف"، وهذا هو سبب كل الصراعات في العالم؛ الحصول على القوة والسلطة لتحقيق العدالة!

 

على العالم الحر اليوم، أن يغيّر قواعد اللعبة، وينهي سيطرة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن على باقي دول العالم، وعلى جميع الدول العربية إدراك أن معركتها اليوم هي معركة عالمية إقليمية، وليست قضية صراعٍ في الشرق الأوسط، وأن تحالف القوى واتخاذ خطوات عملية للتخلص من سطوة هذه الدول، هو المسمار الذي سيدق نعش "النظام العالمي الجديد".

 

تاسعاً: قضية فلسطين لن تموت وهذا الشعب سينتصر.

 

طال أمد الاحتلال أو قصر، فإن فلسطين ستعيش إلى الأبد، ولن تموت، هذا الشعب الذي يُقاوم نازفاً مضمداً جراحه، ومُخلياً منزله، سينتصر!

من حفر الأنفاق بيديه، وهز عرش جيش الاحتلال في بضع ساعات، سوف ينتصر.

 

عاشراً: ليتني شمعةٌ في الظلام

إن لوم الأنظمة العربية والندب على التخاذل الغربي لن يفيدنا بقيد أنملة، ولعن الاعلام الغربي لن يغيّر من حقيقة تفوّق الأعداء في غزونا فكرياً، ومن سيطرتهم على الإعلام العالمي، ولكن المفيد حقاً أن نسعى للتفوّق عليهم وهزيمتهم في ميدانهم.

يجب أن يكون للحق القوة للتغيير، ولهذا نقول إننا نخوض اليوم معركة الأقصى كلٌ في مكانه، هي معركة الوعي والحضارة، والقوة، والقانون والاعلام، هي معركة الكلمة والتضامن، ومعركة الدفاع عن الانسانية، ومعركة الايمان وتحقيق العدل والمساواة.

وأختم بما قال شاعرنا محمود درويش:

 

وأَنتَ تعودُ إلى البيت، بيِتكَ، فكِّرْ بغيركَ
[ لا تنس شعب الخيامْ]

وأَنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّرْ بغيركَ
[ ثَمَّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام]

وأَنتَ تحرِّرُ نفسك بالاستعارات، فكِّرْ بغيركَ
[ مَنْ فَقَدُوا حَقَّهم في الكلامْ]

وأَنتَ تفكِّر بالآخرين البعيدين، فكِّرْ بنفسك
[ قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ]

 

 

أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

18-10-2023

الكلب والمرآة وحذاء غاندي!

 


 

‏‏يُحكى أن أحد الكلاب ضلّ طريقه في يوم من الأيام ودخل إلى أحد المتاحف، كان متحفًا فريدًا من نوعه، فالجدران والسقف والأبواب وحتى الأرضيات كانت كلّها مصنوعة من المرايا، بمجرّد أن رأى الكلبُ انعكاساته، أصيب بصدمة كبيرة، فقد رأى أمامه فجأة قطيعاً كاملاً من الكلاب التي تحيط به من كلّ مكان، كشّر الكلب عن أنيابه وهزّ ذنبه وبدأ بالنباح، فردّت عليه الكلاب الأخرى بالمثل، فنبح من جديد، وراح يقفز جيئة وذهابًا محاولاً إخافة الكلاب المحيطة به، فقفزت هي الأخرى مقلّدة إياه، وهكذا استمرّ الكلب المسكين في محاولة إخافة الكلاب وإبعادها دون جدوى!

في صباح اليوم التالي، عثر حارس المتحف على الكلب البائس خاليًا من الحياة، مُحاطًا بمئات الانعكاسات لكلبٍ ميتٍ أيضًا.

لم يكن هناك أحدٌ لإيذاء الكلب في المتحف، سوى انعكاساته هو، وكلّ شيء يحدث من حولنا ما هو إلاّ انعكاس لأفكارنا، مشاعرنا، أمانينا وأفعالنا. بمعنى آخر إن العالم الكبير المحيط بنا، ما هو سوى مرآة كبيرة، تعكس ردة فعلنا، وحسن أو سوء تصرّفنا؛ تقول إحدى الحكم القديمة، إنك لن تستطيع تغيير العالم من حولك، ولكنك تستطيع تغيير قناعاتك عن هذا العالم، وأن تتحكم بتصرفاتك وأفعالك.

 

في عام 1776 نص ميثاق الحرية الأمريكي على أن الفرد يتمتع بحرية "السعي نحو السعادة" أي أن للفرد الحرية في اختيار مسار حياته وتحديد تفضيلاته، بما يضمن له السعادة دون تدخل أي سلطة أو جهة ذات مسؤولية، وبهذا يكون للفرد الحق الكامل (حسب الدستور الأمريكي) في الحياة، والحرية، والسعي نحو السعادة، وهذا يتضمن أن تقوم الدولة بعمل كل ما يلزم لحماية هذه الحقوق وضمان حصول الأفراد عليها، ولكن أحداً لن يتدخل لتحديد سلوك هذا الفرد وضمان تحقيقه للسعادة، لأن هذا من شانه الاخلال بالضلع الثالث من مثلث الحريات الذهبي ألا وهو حرية الفرد في الاختيار!

ومن هنا كان الفرد وحده، هو المسؤول أمام نفسه لتحقيق سعادته، وليس المجتمع أو الدولة.

 

وهذا يفسّر مفارقة أن هذا العالم المتحضر التكنولوجي الراقي، يفتقد أفراده إلى الأمان الوظيفي والانتماء الاجتماعي والرضا الذاتي ويعانون من الأرق والضغط والاكتئاب، وازدياد معدلات الجريمة، ومعدلات الانتحار، في الوقت الذي تتعاظم فيه معدلات استهلاكنا اليومي، وتزداد فيه المتع والملذات المادية من حولنا يومأ بعد يوم!

 

لقد تضاعف الدخل اليومي لعائلاتنا بشكل غير مسبوق، وتحسّنت جودة الحياة، وساهمت التكنولوجيا في حل الكثير من المشكلات، وساهمت في تيسير وتسهيل حياتنا، وانخفضت نسبة الأوبئة والأمراض والوفيات المبكرة، ووفيات الأطفال المبكرة، وأخطار البيئة – إلى حد كبير - ولكن كل هذا لم يسهم في شكل رئيسي ومباشر في تحسين المشاعر الايجابية، وتعزيز الشعور بالرضا والسلام الداخلي عند الأفراد!

 

وهذا يقودنا إلى القول مرة أخرى، أن نظرتنا إلى العالم هي التي تتحكم بمشاعرنا الايجابية والسلبية، وأن طريقة تعاطينا وتعاملنا مع الظروف المحيطة، هي التي تتحكم بمزاجنا، ومشاعرنا الايجابية والسلبية، وبالتالي فإنها تتحكم في سعادتنا ودرجة رضانا، فالسعادة ما هي سوى تحقيق المشاعر الايجابية والتخلص من الألم والمشاعر السلبية.

 

تعامل مع من حولك بلطف ومودّة

 

بالعودة إلى القصة القصيرة التي نقلتها في مقدمة مقالي هذا، فإن أول وأهم خطوة في طريق تغيير نظرتك إلى العالم، هو تغيير نظرتك إلى الآخرين، تعامل مع الناس بمودة ولطف ومحبة، لا تفترض فيهم السوء أو إضمار الشر لك، كن منفتحاً على الآخرين، كن صريحاً ولا تجامل، لا تخاف من النقد ولا تخشى الفشل، غامر بحسن النيّة، وامنح الثقة لمن حولك، وسترى أن هذا سينعكس إيجاباً عليهم ثم عليك.

 

ساهم في نشر الايجابية

 

بادر أنت في خلق حلقات ودوائر من المشاعر الايجابية ونشرها في نطاق أوسع، ولا تتعذر بأن الآخرين أشرار وسيئو النية....الخ لأنهم يرونك كما تراهم، تماماً كصاحبنا الكلب ومرآته!

 

قد تتعرض في بعض المراحل لأوقات عصيبة، ومشاعر سلبية وظروف قاهرة، هذه سنة الحياة، ولكنها لن تدوم، اصبر واحتسب، ولا تدع للقلق والخوف والندم الفرصة لتغيير قناعاتك، هناك ضوء في نهاية النفق، وهناك أشياء ايجابية دوماً، ركّز عليها، والتزم الهدوء وتحلّى بالصبر، وستجد انك وبعد كل تجربة سيئة عدت أقوى من قبل وأكثر إصراراً!

تذكّر أن عظماء التاريخ والأنبياء عانوا من قبلك من أشد وأخطر مما مر وسيمرّ عليك، لا تركن إلى أنك مشؤوم وأنك قليل الحظ، أو ان نصيبك في الحياة هو هكذا!

 

ترجم الأخطار إلى فرص

 

في علم الادارة تعلّمت أن أصنع من كل تحدٍّ فرصة جديدة، وأملاً للمستقبل، فخلف كل مأساة قصة حياة!

صعد غاندي وهو شاب صغير إلى أحد القطارات المزدحمة، وعلقت قدمه في الزحام، فسقطت فردة حذائه من القطار، فما كان منه إلا أن خلع فردة حذائه الأخرى وقذف بها!

ظن المحيطون به أنه انزعج من فقد فردة حذائه فعبّر عن ذلك بهذه العصبية، وحين سألوه قال لن أستفيد من فردة حذاء واحدة، ولن أستطيع استرجاع فردة الحذاء من خارج القطار، ولكني أستطيع أن أمنح فردة الحذاء الأخرى للشخص الذي سيعثر على فردة حذائي المفقودة فيستفيد منها!

موقف بسيط ولكن التاريخ سجّله لما فيه من سمو في التفكير واعتبار للحياة، فتصرف غاندي يعكس تماماً قيمة الحياة لديه ومفهومه عن الآخر!

عندما نظر غاندي إلى مرآته استطاع أن يخترق الحواجز ويرى على الطرف الآخر من المرآة، فقيراً يبحث في الفناء فيجد فردتي حذاء جديد فيسعد بهما، لقد صنع غاندي من فقدان حذائه ومشقة السفر حافي القدمين، فرصة لفقير آخر كي ينعم بما افتقده هو!

 

حافظ على حياة نشيطة ومتوازنة

 

حافظ على نظام حياة صحي، نشيط ومتوازن، فالحياة النشيطة والمتوازنة تساهم في تعديل المزاج العام والصحة النفسية، وتساعد على انطلاقتنا الايجابية في الحياة، وعلى العكس من ذلك فإن الكسل والركون إلى الروتين يدفعان بنا إلى الاكتئاب والسلبية.

 

املىء أوقاتك بأشياء إيجابية واشرك من حولك في هذه النشاطات، فممارسة النشاطات الاجتماعية، مع الأصدقاء والأقرباء وزملاء العمل مفيدة جداً في كسر الجمود وتعميق التعارف ونشر الأجواء الايجابية.

 

جدّد من حياتك

إن الثابت في الحياة هو سنة التغيير، أما الجمود فيعني التخلي عن الركب والتخلف عن القافلة، لهذا عليك أن تسعى دوماً لتعلم أشياء جديدة واكتساب مهارات جديدة، إن القراءة والكتابة والتعلّم وممارسة الفنون ومتابعة المستجدات، والاستمتاع بالطبيعة هي بواعث أمل وعوامل ايجابية لنا، وفي ذات الوقت فهي طاردة للمشاعر السلبية.

 

حب العالم والارتباط به يبدأ بحب الذات والامتنان لما أنت عليه، وتقدير النعم التي أنعمها الله عليك، ثم تكتمل الحلقة بالارتباط بالله والتعلّق به، فكلما اقتربت من الله واستشعرت تلك القوة العظمى، وانتماءك لهذا النظام الكوني، ودورك فيه، كلما أصبحت نظرتك إلى الحياة وإلى العالم أكثر إيجابية!

 

خلاصة القول أنك أنت وحدك، من تحددّ حياتك وتسيطر على عالمك، وليس أي أحدٍ آخر، وكلما مررت بظرف سيء وواجهت الصعاب، والتف حولك الأعداء، تذكّر الكلب والمرآة، أو تذكّر حذاء غاندي!

 

 

أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

30-9-2023