لعله
من الملاحظ بل ومن المستنكر تكرار ذات السؤال في كل وسائل الاعلام الغربية
"هل تُدينُ حماس؟" هل تُدينُ هجمات السابع من أكتوبر؟
ولعمري
أن هذا السؤال هو سؤال مخادع والاجابة عليه سيفٌ ذو حدّين!
ففي
حال رفض إدانة حماس والهجمات ضد المدنيين سيتم إعتبارك منحازاً وغير مُحايدٍ ولا
تشارك الغرب قيمهم الانسانية! والخطورة هنا أنه سيتم إعتبار كل ما تقوله بعد ذلك
-حتى لو أتيت بالحقائق الدامغة- مشكوكاً في نزاهته، ولن يعود له وقعٌ أو تأثيرٌ
على المُتلقّين.
أما
إذا أجبت بأنك تُدين حماس وأحداث السابع من أكتوبر، فسينتقل الحديث مباشرة إلى كيف
يمكن القضاء على حماس بما أننا أتفقنا على أنها إرهابية وأن ما فعلته يستحق
العقاب؟ وكيف يُمكن لاسرائيل القضاء على حماس، دون خوض حربٍ شاملة على غزة، وتحمّل
أضرارها الجانبيّة؟!
وهذا
هو الفخ الذي وقع فيه باسم يوسف في المقابلة الثانية، لقد ظنّ أنه سيكسب ودّ
المشاهد الغربي عندما يُظهر تعاطفه مع المدنيين الاسرائيليين، ولكن الإعلامي
البريطاني بيرس مورغان ورّطه بكل دهاء في إشكاليّة "تبرير سقوط الضحايا
وتدمير غزة"، لأننا اتفقنا منذ البداية أن حماس منظمة إرهابية!
وأنا
أستغرب حقيقةً، كيف وقع العديد من إعلاميّينا بل ومسؤولينا في هذا المطبّ، ولم تكن
لديهم الحيلة ولا الوسيلة المُقنعة للرد على هذه الأسئلة المراوغة والمُخادعة!
عندما
يتوجب علينا الحوار مع أناسٍ يصعب عليهم فهم تاريخ القضية الفلسطينية وانعكاساتها،
بمعنى أنهم ليسوا في مكاننا ولا يمكنهم تصوّر حقيقة أوضاعنا، فإن علينا في البداية
الاتفاق على قواعد عامة تحكم النقاش، ومرجعية معينة نحتكم إليها في حكمنا على الأمور،
وفي حالتنا هذه فإن القرارات الدولية ذات العلاقة، والهيئات المختصة، والاتفاقيات
المتعلقة بالصراع هي المرجعية.
ومن
هنا نقول بأنه وحسب قرار الأمم المتحدة عام 1947 والذي يقضي بتقسيم فلسطين
التاريخية بين العرب واليهود، فإن قطاع غزة بالكامل وصولا إلى أسدود شمالاً مروراً بعسقلان هو من ضمن المناطق العربية.
ورغم أن حل الدولتين وإتفاقية أوسلو قد اقتطعتا
من المناطق العربية جزءاً من قطاع غزة، إلا أنهما قد نصّتا على سيطرة الفلسطينيين
على كافة القطاع بما في ذلك مطار غزة
وميناء غزة الدوليين، ومعبر رفح البري "بالاشتراك مع مصر والأمم المتحدة "،
ووجود ممر بر ي آمن يصل الضفة الغربية بالقطاع.
وقد
تم بالفعل تشغيل مطار غزة عام 1998 قبل أن يتم إغلاقه مجدداً، كما تم الاتفاق على
تشغيل الميناء عام 1999 إلا أن هذا الاتفاق لم يرَ النور، إلى أن تم بدء حصار غزة
عام 2007 وقطعها عن العالم الخارجي.
وقد
تسبّب حصار غزة في تخفيض حصة الغذاء للفرد إلى 20%، إضافة إلى تسببه في الركود
الاقتصادي والبطالة، وتدهور القطاع الصحي، وتلف المزروعات نتيجة نقص الأسمدة، بل
وتعمّد قوات الاحتلال رش المناطق الزراعية بالمبيدات!!
كما
يعاني القطاع من عدم وجود أي منفذ جوي أو بحري، فيما يُمنع صيادو غزة من الصيد في مسافة
تتجاوز الخمسة كيلومتر في البحر، بل ويتم تخصيص ساعات معينة للصيد!
كما
تقوم سلطات الاحتلال بالتحكم في معبر رفح باستخدام القوة العسكرية لو لزم الأمر!
كما
قامت إسرائيل بالتعدّي على آبار الغاز
قبالة ساحل غزة، والذي يعود إلى الفلسطينيين حسب القرارات الدولية، وفي ذات الوقت
فإنها تقوم بتقنين استهلاك الطاقة في قطاع غزة، قبل أن تقوم بقطع كامل لكل أنواع
الطاقة أثناء حربها الأخيرة على غزة!!
يُجمع
العالم اليوم على أن الحصار الذي فرضته دولة الاحتلال على قطاع غزة منذ عام 2007 هو
مخالفٌ لكل القرارات الدولية، ولكل معاهدات السلام التي التزمت اسرائيل بها. وبهذا
يكون قطاع غزة واقعاً حكماً وقانوناً ضمن "الاحتلال الاسرائيلي" ولا
يمكن تصنيفه أنه خاضع للسلطة الفلسطينية، وهذا ما تتفق عليه الأمم المتحدة والصليب
الأحمر وغيرها من المنظمات والمؤسسات الدولية.
وبالتالي
فإن أي كفاح مسلح تقوم به حماس وغيرها من الفصائل من غزة، يُعتبر "مقاومة ضد
الاحتلال" ولا يخضع للقوانين الدولية التي تحكم الصراعات بين الدول
المستقلّة!
كما
نصّت اتفاقيات جنيف لسنة 1949 على شرعيّة حركات المقاومة المنظمة وحرّمت القصف
العشوائي وقصف الأماكن التي يختلط بها العسكريون مع المدنيين.
وفي
عام 2016 أقر مجلس الأمن الدولي قرار رقم 2334 الذي نزع الشرعية عن المستوطنات
الاسرائيلية "في الأراضي الفلسطينية" وطالب بالوقف الفوري عن بنائها. وهذا
يعود بنا للقول أن أعمال حماس تقع ضمن حدود المقاومة والكفاح المسلح، ضد قوات
إحتلال وفي مناطق نزاع مشتركة، ولا يتم تصنيفه ضمن الأعمال الارهابية إلا في قاموس
الدولة الصهيونية وحلفائها!
خلاصة
ما قيل، إن أحداث 7 أكتوبر لا يمكن النظر
إليها بدون وضعها في إطارها التاريخي والزمكاني، وأن التاريخ لم يبدأ يوم 7
أكتوبر، وإذا كان العالم الغربي قد نام في سبات عميق عن قضايا الشرق الأوسط، ثم
أفاق يوم 7 أكتوبر على صدى هجمات حماس، صارخاً "يا إلهي، ماذا حصل! الفلسطينيون
يقتلون الاسرائيليين!! ماذا علينا أن نفعل لحماية اسرائيل؟!"
فإن
علينا أن نعيدهم إلى الواقع وإلى التاريخ، والاحتكام إلى القوانين الدولية، بل
ومساءلتهم عن التقاعس في لجم اسرائيل وتمكين الفلسطينيين من نيل حقوقهم الأساسية
بالتفاوض والحلول السلمية، بدلا من اضطرارهم للجوء إلى العنف.
وبدلاً من طرحهم لسؤال كيف يمكن لاسرائيل التخلص
من حماس دون إيقاع ضحايا مدنيين، فإن من حقّنا أن نسأل: وماذا على الفسطينيين
العمل لفك حصار غزة المُخالف لكل قوانين الأرض والسماء، دون الاعتداء على
الاسرائيليين واختراق هذا الحصار؟!
ولعلّ
من نافلة القول أن على جميع المسؤولين ووزراء الخارجية العرب الاعتراف بحماس على
أنها حركة سياسية فاعلة في المنطقة، وأن الفلسطينيين وحدهم من يحددون من يحكمهم،
وإذا كنّا على خلاف في هذا، فعلى العالم معاقبة الاسرائيليين على انتخابهم
لنتنياهو ، ومن سبقه من رؤساء الحكومات، بل وعلى العالم الحر معاقبة الأمريكيين
على انتخابهم جورج بوش مجرم حرب العراق!
أيمن
يوسف أبولبن
كاتب
ومُدوّن من الأردن
9-11-2023