الثلاثاء، 19 فبراير 2019

الطغاة يعيشون إلى الأبد!



في مشهدٍ مسرحي أقرب إلى روايات الفانتازيا، يطلّ رجلٌ مُقعد، تدور مُقلتاه تائهتين أمام عدسة الكاميرا، وتطغى عليه ملامح مومياء عادت إلى الحياة، ويعلن رجلٌ على مقربة منه، أن هذا الرجل المترنح بين الموت والحياة سيستكمل مسيرة الإصلاحات وسيخوض منافسات الرئاسة الجزائرية للمرة الخامسة على التوالي، مستمراً في الحكم منذ عام 1999، مؤكداً ألاّ أحداً غيره يستطيع تأمين الاستقرار في البلاد وضمان الاستمرار في طريق الإصلاح.

بوتفليقة المدعوم من السلطة العسكرية، كان قد عمل على تعديل الدستور الجزائري الذ كان ينص على عدم جواز استمرار الرئيس في الحكم لأكثر من فترتين رئاسيتين، لضمان استمراره في الحكم إلى الأبد، ورغم معاناته الصحية وتعرّضه لجلطات دماغية متلاحقة أدّت في النهاية إلى غيابه عن المشهد الإعلامي، وعدم قدرته على ممارسة شؤون الحكم والنهوض بمسؤولياته، إلا انه يبدو مصرّاً على عدم مغادرة كرسي الحكم، إلى حين دخوله القبر، أو لعلّه يبحث عن اكتشاف علمي جديد يؤهله لمواصلة الحكم عبر العوالم الخفية للموت!

وعلى نفس المنوال، يسير المشير المنقذ عبد الفتاح السيسي على نفس الخطى، بعد ان أقرّ مجلس الشعب المصري تعديل الدستور بشكل يسمح للسيسي بالاستمرار في الحكم لمد 16 عاماً قادمة على أقل تقدير، ليصل إجمالي سنوات حكمه إلى عشرين عاماً.

السيسي الذي كان قد أعلن عدم نيته للترشّح للرئاسة بعد تنفيذه انقلاب يونيو، ثم عزى رغبته في الحكم (بعد أشهر قليلة) إلى الرضوخ لرغبة الشعب!
ثم أعلن مراراً عقب ذلك أمام الملأ وعلى شاشات التلفزيون العالمية، ألاّ مكاناً لطاغية في مصر وأن الدستور فوق الجميع، وأن أحداً لن يتمكن من الاستمرار في منصب الحكم لأكثر من فترتين رئاسيتين، ثم عاد مرة أخرى للقفز على كل ذلك وتمرير تعديل الدستور الذي جاء مفصّلاً وبالمقاس على مواصفات شخصه، ومرّة أخرى يسوّغ كل ذلك بالرضوخ لرغبة الشعب!

جاء في كتاب مهزلة العقل البشري للدكتور علي الوردي: ((لم يبتكر العقل البشري مكيدة أبشع من الحق والحقيقة ولست أجد انساناً في هذه الدنيا لا يدّعي حب الحق والحقيقة حتى أولئك الظلمة الذين ملأوا صفحات التاريخ بمظالمهم التي تقشعر منها الأبدان .. لا تكاد تستمع إلى أقوالهم حتى تجدها مفعمة بحب الحق والحقيقة!))

ويستمر مسلسل التطبيل والاستهبال في الاعلام المصري، في محاولة غسيل دماغ وتدجين في آن واحد، في حين كشّرت السلطة الأمنية عن أنيابها وبات واضحا وبما لا يدع مجالاً للشك، أن قبضتها الأمنية ستلاحق كل من تخوّل له نفسه معارضة التعديلات الدستورية أو الاعتراض على النهج السيساوي لحكم البلاد. يأتي ذلك مع استمرار اكتظاظ السجون بالمعارضين السياسيين، واستمرار إصدار المحاكم لقوائم الاغتيال، التي تزداد تخمةً شهراً بعد آخر.

وعلى غرار المخلّص في الجزائر، يتم الحديث وبشكل مستمر عن خلو مصر من أي كفاءة وحكمة واقتدار ووقار كتلك التي تجتمع في شخص السيسي، بل إن من يتابع الاعلام السيساوي يمر بخاطره أن هذا الرئيس هو من بواقي أثر الرسل عليهم السلام، وأنه لا ينطق عن الهوى!
 
غير بعيد عن هذا كلّه، يتأهب الرئيس بشار الأسد بطل المقاومة والممانعة للعودة الى الساحة الدولية والحظيرة العربية، بعد ان أنهى حلم السوريين في أن ينعموا بحقوقهم الانسانية الأساسية أو أن يعيشوا في بيئة ديمقراطية تمكنهم على الأقل من الاختيار بين حزب البعث "الإلهي الحكم" وبين غيره.
حيث بات من المؤكد أن الشعار الذي اتخذه شبيحة النظام إبّان الثورة السوريّة (الأسد إلى الأبد) قد أصبح حقيقة مؤكدة لا مجال للشك فيها، بل إنني أبشرّكم بأن شعار "الأسد" ليس محصوراً ببشار بل مستمر في نسله إلى أبد الآبدين، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!
وكما تم تعديل الدستورين الجزائري والمصري، فقد تم تعديل الدستور السوري كذلك من قبل مجلس الشعب بعد وفاة حافظ الأسد لتمكين نجله الدكتور بشار من الترشّح للحكم، نظراً لخلو المواطنين السوريين من الجينات السماوية التي تسمح لهم بممارسة شؤون الحكم (باستثناء آل الأسد)!

هذه الحالة من الكوميديا السوداء التي تعيشها المنطقة العربية، تفرض علينا ان نسأل أنفسنا: هل هذا حقيقةً هو ما يستحقه الشعب العربي؟ وهل تتحمّل الشعوب العربية مسؤولية ما يحدث؟
ليس أصعب من طرح هذا السؤال إلا محاولة الإجابة عليه.
لا شك أن استمرار هؤلاء الطغاة ما كان ليحصل لولا تآمر عصبة من الفاسدين والمستفيدين، وتسخيرهم لغيرهم بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى، وباستغلال سذاجة شريحة كبيرة من فئات الشعب.
ولكن مما لا شك فيه أيضاً أن الأغلبية الصامتة التي توقفت عن الحراك ومحاولة التغيير والاكتفاء بما في القلوب، على اعتبار أن ذلك أضعف الايمان، هي من تمتلك الكلمة السرية ومفتاح التغيير، وهي وحدها القادرة على القول الفصل.

فهل ستستمر الأغلبية الصامتة في صمتها ويزداد الطغاة في معيشتهم السرمدية الأبدية!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
18-2-2019


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق