الاثنين، 18 يوليو 2016

تحيا تركيا !


   فشلت محاولة الإنقلاب العسكري في تركيا بفضل وعي الشعب التركي وبفضل ديمقراطية الدولة المؤسساتية، فبعد أن تفاجأ العالم بتحركات بعض فصائل العسكر لبسط سيطرتهم على البلاد تحت غطاء إعلامي حاول إيهام الأتراك بسقوط الحكومة التركية ومغادرة المسؤولين البلاد، سحب الرئيس "أردوغان" البساط من تحت أقدام الإنقلابيين باحتكامه الى الشعب "مصدر السلطات" ومطالبته الجماهير بالنزول الى الميادين العامة للمحافظة على مكتسباتهم الديمقراطية وعلى مؤسسات الدولة، فكان له ما أراد حيث أكّد الشعب التركي على عمق إيمانه بالديمقراطيّة وعلى تمسكّه بحقّه في تقرير مصيره بالطرق السلمية الديمقراطية ورفض مصادرة حريته أو المتاجرة بها من قبل العسكر في سبيل الوصول الى الحكم.

  أشد ما لفت إنتباهي هو موقف أحزاب المعارضة التركيّة التي استنكرت محاولة الإنقلاب العسكري ودعت الى إحترام مؤسسات الدولة الديمقراطيّة ولم تحاول الصيد في الماء العكر أو استغلال الظروف لمصالحها الحزبيّة الضيّقة بل آثرت مصلحة الوطن والحفاظ على مكتسبات الدولة المدنيّة العلمانيّة، ورفضت تبرير استخدام القوة العسكرية لفرض وجهة نظرها السياسيّة.

  السيناريو التركي الليلة الماضية أعاد الى الأذهان الإنقلاب العسكري في مصر عام 2013 أو ما بات يطلق عليه "ثورة يونيو"، ففي الوقت الذي أصدر فيه الإنقلابيون العسكريون في تركيا بياناً أكدوا فيه أن الدافع لعملهم العسكري هو المحافظة على الديمقراطيّة وعلمانيّة الدولة، حمل البيان الإنقلابي في مصر نفس الحجّة (الحفاظ على مكتسبات ثورة يناير وتصحيح مسارها والمحافظة على مدنيّة الدولة) ولكن هذا التشابه في السناريو تبعه إختلاف جوهري في النتائج حيث وقف الشعب التركي موقفاً حاسماً ضد العسكر، واختارت أحزاب المعارضة التركيّة الحفاظ على مكتسبات الديمقراطية في البلاد والإنحياز للحكومة الديمقراطية المنتخبة، في حين استطاعت الدولة العميقة للنظام المصري السابق تشكيل جبهة موحدة ضد الثورة المصرية (وأقصد بها ثورة يناير 2011) وما نتج عنها من مؤسسات شرعيّة، وشكّلت إئتلافاً مع أحزاب المعارضة اليساريّة التي أدركت أن السبيل الوحيد للمزاحمة على السلطة هو انضمامها تحت لواء الدولة العميقة ومطالبة العسكر بحسم الموقف بالقوة ضاربة عرض الحائط بكل شعاراتها الحزبية ومبادىء الثورة المصرية التي ركبت موجتها، ليس هذا فحسب بل استطاعت اللعب على وتر لقمة عيش المواطن وهمومه اليوميّة ومشاكل البلاد الإقتصادية لتأليب مشاعره ضد الثورة والربيع العربي وضد النظام الحاكم !

  من المؤسف القول أنه ثبت بما لا يدع مجالاً للشك ضحالة وعي شعوبنا العربية، وعدم امتلاكها قواعد راسخة في العمل السياسي وممارسة الديمقراطيّة والإيمان الكافي بمؤسسات الدولة، وثبت أيضاّ طغيان المصالح الفئوية والحزبية على الأفراد والأحزاب والمؤسسات المدنيّة في عالمنا العربي مما أدى الى فشل مشروع النهضة العربية ووأد ثورات الربيع العربي في مهدها دون أن تحقق مبتغاها، بل وفتح الباب على مصراعيه للصراع العسكري على السلطة والإقتتال الطائفي المُقيت.

الفرق شاسع بين وعي الشعب التركي والتفافه حول مؤسسات الدولة وبين وعي شعوبنا العربية التي تساند العسكر والطغاة وتهلّل للقمع ومصادرة حريات الآخرين. شتّان بين أحزاب تمتلك رؤية استراتيجية راسخة وتؤمن بالعمل السياسي وبين أحزاب تستغل أوجاع الشعوب لتمرير أجندتها الخاصة. شتّان بين قيادة دولة تؤمن بشعوبها وبالديمقراطية وتلتجأ الى قواعدها الشعبية في مواجهة العسكر، وبين قيادات فاشلة تلتجأ الى الدبابات لفرض نفسها على شعوبها. شتّان بين القيادة التي تطالب الشعب بالنزول الى الشوارع للمحافظة على مؤسسات الدولة، وبين قيادات تطالب المواطنين بالنزول الى الشارع لإضفاء الشرعيّة على أعمال القمع والعنف التي تقوم بها ضد فئة أخرى من الشعب.

بين ما حصل في تركيا وما سبق أن حصل في مصر، وما زال يحصل في عالمنا العربي، تحيا تركيا، بإنتظار الموجة القادمة من الربيع العربي لعلّنا نستدرك حظنا بين الأمم قبل فوات الأوان !

أيمن يوسف أبولبن
17-7-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن


للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban