الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015

إغتيال كينيدي، المؤامرة والمُصادفة والقَدَرْ



   في أواخر السبعينات أو أوائل الثمانينات من القرن الماضي، تابعتُ مع والدي برنامجاً وثائقياً عن إغتيال الرئيس الأمريكي الأسبق "جون كينيدي". وما زلتُ أذكر تأثري البالغ بمشهد الإغتيال وبالأخص لحظة إصابته في رأسه بالطلقة الثانية "القاتلة"، وردّة فعل زوجته "جاكلين" التي اندفعت نحو مؤخرة السيارة المكشوفة في حركة تلقائيّة لإلتقاط الأجزاء التي تناثرت من جمجمته، حيث بدت عليها ملامح الصدمة من هول ما حدث.


   كنت صغيراً حينها، ولم أستوعب الهدف من حركتها تلك، لولا تعليق والدي على الحدث، الذي بقي محفوراً في ذاكرتي تاركاً بصمة عميقة. لاحقاً، قمت بتَتبّع سيرة الرئيس الراحل، وكنت أزداد إعجاباً بشخصيته، كلما إزداد وعيي لأمور الحياة والسياسة، راقت لي رسالته في الحياة التي كرّس نفسه لتحقيقها، ومع مرور الزمن وصلت إلى قناعة بأن إغتياله كان مُتوقعاً في أي لحظة، بالنظر إلى رؤيته السابقة لزمانه، والتي تسبّبت بإكتسابه العديد من الأعداء عبر مشواره السياسي القصير نسبياً، ولكنه عميق التأثير في المرحلة التي عاشها.

  تُصادف اليوم الذكرى الثانية والخمسين لإغتيال كينيدي، أصغر رئيس أمريكي على الإطلاق ( ثلاثة وأربعين عاماً حين تولى الرئاسة )، والرئيس الأمريكي الوحيد من الطائفة الكاثوليكية، الذي يعود له الفضل في إلغاء قوانين التمييز العنصري ونيل الأمريكان السود حقوقهم الدستورية والمدنية، رغم الإحتجاجات الشعبيّة وعدم تقبل المجتمع الأمريكي لذلك، وكان أول رئيس أمريكي يعيّن مواطناً من أصول أفريقيّة في منصب رفيع في البيت الأبيض رغم إعتراض طاقمه الإداري، كما شهدت فترة ولايته قفزة كبيرة في مجال حقوق المرأة، واصطبغت سياسته الداخلية بدعم الفئات الفقيرة من الشعب.

من مساهماته أيضاً، دعم مشاريع وكالة الفضاء "ناسا"، وعلى رأسها مشروع " أبولو" بعد أن طرح هدفاً بعيد المدى للعاملين في الوكالة ( يجب علينا وضع إنسان على القمر وارجاعه إلى الأرض سالماً ).

   على الصعيد السياسي، شهدت فترة حكمه توترات كبيرة مع الإتحاد السوفياتي كادت أن تصل إلى حد المواجهة العسكرية المفتوحة، ولكن كيندي نجح في قيادة دفة الصراع بالحكمة والتنويع بين المرونة والشدّة، مخالفاً توصيات القيادات العسكرية والأمنية في كثير من الأحيان، حيث نجح في تحقيق انتصارات سياسية عديدة وإكتساب شعبية جماهيرية كبيرة، إلاّ أن سياسته تلك خلقت له الكثير من الأعداء في دوائر صنع القرار الأمريكي الذين تم تهميش دورهم والتقليل من صلاحياتهم خصوصاً مع وجود أخيه "روبرت كينيدي" في منصب مدير مكتب الإدعاء العام، الذي كان داعماً كبيراً له وسبباً أضافياً لزيادة أعدائه. 



أما على الصعيد الشخصي، فقد تمتع "جون كينيدي" بشخصية جذّابة وكاريزما حيوية واتّسم بروح الفكاهة التي ساهمت في خلق أجواء من المرح في خطاباته ومؤتمراته الصحفيّة. من أشد عيوبه التي تركت نقطة سوداء في تاريخه، علاقاته الغراميّة خارج إطار الزوجية ومن أشهرها علاقته مع نجمة هوليوود الشقراء "مارلين مونرو".



   تعتبر حادثة إغتيال كينيدي من أكثر الإغتيالات السياسية المثيرة للإهتمام، ليس فقط بسبب تراجيديا الحادثة، ولكن بفضل الغموض الذي اكتنفها، ولم يتم فك طلاسمه لغاية اللحظة، حتى أن تصوير مشهد الإغتيال كان مجرد مصادفة يعود الفضل فيها إلى أحد السكان المحليين من هواة التصوير والذي تصادف أن يكون في المكان والزمان المناسبين، ويشاء القدر أن يحصل على عائد مالي ضخم مقابل بيع التسجيل لإحدى القنوات.

  هناك من يتحدث عن مؤامرة داخلية تم الإعداد لها بعناية داخل أروقة الأجهزة الأمنية والمخابراتية الأمريكية، ولا يُستبعد أن يكون لعصابات المافيا يد فيها بعد أن حاربها الأخوين كينيدي بضراوة وساهما في سنّ القوانين التي تحد من نشاط هذه الجماعات، بهدف القضاء على النشاطات الإجراميّة في البلاد، ومما يدعم هذه النظرية أن المتهم الرئيس في إغتيال كينيدي قد تم تصفيته قبل أن يُقدّم للمحاكمة ودون أن يعترف بالجريمة !، يُضاف الى ذلك أن ظروف الإغتيال تشير الى عملية منظمة ودقيقة وليس مجرد عمل فردي.

بعيداً عن المؤامرة المُفترضة، تأتي المُصادفة التي لعب فيها القدر دوراً إضافياً لتعزيز الغموض الذي يحيط بالحدث، فحالة الطقس قبل يوم من الإغتيال كانت تشير الى جو غائم وماطر ولكن الشمس سطعت بشكل غريب صباح يوم الحادثة مما حدا بالرئيس كينيدي الطلب من مرافقيه كشف السقف المتحرك للسيارة كي يتمكن من تبادل التحية مع الجماهير والتلويح لهم. يا لها من مصادفة غريبة أدت إلى انكشافه تماماً أمام قاتله !

لم تقف المصادفة "القدريّة" عند هذا الحد، فبعد أن أصيب الرئيس كينيدي برصاصة من الخلف - لم تكن قاتلة - كان من المُفترض أن تؤدي الى إنحنائه إلى الإمام، ولو تم ذلك لتعذّر على القناص الآخر أن يتمكن من إصابته في رأسه من الأمام، ولكن الرئيس كينيدي بقي في نفس وضعية الجلوس نتيجة إرتدائه مشدّاً للظهر من نوعية قاسية وصلبة كان معتاداً على استخدامه للحد من أعراض الديسك، حيث يعمل هذا المشدّ على تثبيت الجزء الأعلى من الجسم، وهذا ما أعاق حركة الرئيس كينيدي وساهم في إبقاء رأسه مرفوعاً مما تسبب بمقتله !

مأساة جون كيندي هي جزء من مأساة كبيرة عانت منها عائلته بأكملها، فشقيقه الأكبر "جوزيف"  قُتل في سقوط طائرته أثناء مشاركته في الحرب العالمية الثانية، أما شقيقه الأصغر وذراعه اليمنى "روبرت"، فقد تم إغتياله هو أيضاً بعدما ترشّح للإنتخابات الرئاسية عام 1968، في حين توفي نجله الأكبر "جون الإبن" في حادث تحطم طائرة عام 1999 !

الغموض والمؤامرة والمصادفة، عنوان سيرة عائلة كينيدي، والفرد الأبرز فيها، جون كينيدي، ويبقى السؤال هل سيتم في المستقبل القريب نشر معلومات سريّة تساهم في إزالة هذا الغموض ؟!

أيمن أبولبن
20-11-2015
كاتب ومُدوّن من الأردن





للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban

الخميس، 5 نوفمبر 2015

إعادة ضبط سوريا على الإيقاع الروسي


    تقدّمت روسيا بخطة لحل النزاع في سوريا ترتكز على توحيد صفوف المعارضة والنظام ضد التنظيمات الإرهابية، وصولاً إلى مرحلة إنتقالية يقودها النظام السوري وتتضمّن إجراء إنتخابات حرة بمشاركة كافة الأطياف تمهيداً لسوريا جديدة خالية من "بشار الأسد".
  في الظاهر تبدو الخطة الروسية جديرة بالإحترام، وتتضمن المطلب الرئيس للمعارضة السورية والمتمثل برحيل الأسد، ولكن التفاصيل الصغيرة بين السطور تشي بمستقبل أكثر سوداويّة للشعب السوري !

   تشترط روسيا على المعارضة السورية وقف المعارك مع النظام، وإعلانها قبول المبادرة الروسية، وكل من لا يقبل خطة السلام الروسية سواءً من التنظيمات والفصائل على الأرض أو القيادات السياسية المُعارضة، سيتم إقصاؤه وسيخرج من اللعبة السياسية. في المُقابل تتعهد روسيا بعدم ترشح "بشار الأسد" للإنتخابات القادمة، ولكن هذا لا ينطبق على باقي أفراد عائلة الأسد أو رموز النظام الحالي، ناهيك عن وجوب تعهّد المعارضة السورية "السلميّة والحليفة" بعدم ملاحقة الأسد أو أي من رموز النظام قضائياً بدعوى جرائم الحرب التي تم إرتكابها في سوريا على مدار السنوات الأربعة الماضية. أما النقطة المفصلية في المبادرة الروسية فهي ضمان بقاء القوات الروسية على الأرض السورية إلى حين تطبيق خطة السلام وضمان إستقرار البلاد !

  ليس من الصعب في ظل حالة الفوضى التي تعيشها المنطقة وحالة تزييف الحقائق والتلاعب بالتاريخ أن يتم محو أربعة أعوام من معاناة الشعب السوري، والتخلص من ذكرى أكثر من مليوني فقيد وضِعْف هذا العدد من اللاجئين والمُهجّرين في سبيل أن يمُنّ السيد الرئيس على شعبه ويقبل بالتنحّي عن منصبه في سبيل أمن وإستقرار البلاد !!

  كيف تجرؤ القيادة الروسية على إختزال أربعة أعوام من الثورة السورية، بكل ما فيها من تضحيات جمّة قدّمها الشعب السوري في سبيل نيله لحقوقه الأساسية والمتمثلة بالحرية والتعدّدية الفكريّة والمساواة، وحَصْر كل ذلك في مغادرة الأسد فقط ؟! ليت الأمر توقّف عند هذا الحد، بل إنها تشترط إعفاءه من كل التبعات القانونية على جرائمه، ومنحه الحق في العيش الآمن على أرض البلد التي دمّرها وحرم أهلها من الأمن والأمان !!

 المبادرة الروسية في جوهرها تتعارض مع مواقف روسيا من الأزمة السورية في بدايتها، وتتعارض مع موقف القيادة الروسية ودعمها العلني لنظام الأسد ورفضها السابق لأي مبادرة تتضمن رحيل الأسد فقد أجهضت روسيا "مبادرة جنيف" وجهود المبعوث الدولي والعربي "الأخضر الإبراهيمي" واستخدمت حق النقض الفيتو لحماية نظام الأسد، مما زاد من تعنّت النظام السوري تجاه معارضيه، وكانت تردد دوماً أن الشعب السوري هو من يقرر بقاء الأسد أو رحيله.

من المفيد أيضاً إسترجاع حقيقة أن المعارضة كانت قد وافقت على إعطاء الأسد صلاحيات واسعة لنائبه "فاروق الشرع" لقيادة المرحلة الإنتقالية التي كان من المُفترض أن تشهد إنتخابات حرّة ونزيهة تشارك فيها المعارضة من الداخل والخارج ولكن للأسف فإن هذه المبادرة المُعتدلة والعقلانية لم تجد وقتها إلا آذاناً صمّاء من القيادة الروسية ومن النظام السوري على حد سواء، بل إن "فاروق الشرع" بمجرد أن تم طرح إسمه إختفى عن الساحة ولا يُعلم مكان إقامته لغاية هذه اللحظة.

  يقول الأخضر الإبراهيمي في سياق تسجيل شهادته عن تلك المرحلة أنه عندما التقى الرئيس "بشار الأسد" طلب منه أن يلتقي بفاروق الشرع بصفته نائباً للرئيس أولاً وبصفته صديقاً شخصياً ثانياً، ولكن الرئيس رفض ومنذ ذلك الوقت لم يلتق أحد بفاروق الشرع !

لماذا الحديث الآن عن رحيل الأسد ؟! كما سبق أن ذكرنا أن المبادرة الروسية في ظاهرها تبدو أنها تحقيق لرغبات المعارضة ولكن الحقيقة أن روسيا تريد تشكيل "سوريا جديدة"، تكون فيها الحكومة تابعة للكرملين في حين تكون المًعارضة ناعمة ولطيفة ومقبولة للنظام الروسي، كما أنها تسعى من خلال سوريا إلى إعادة صياغة المنطقة من جديد وتعزيز نفوذها السياسي والعسكري فيها، وربما ترغب أيضاً في تشكيل "شرق أوسط جديد" على الطريقة الروسيّة. ألا يستحق هذا كلّه التضحية بورقة الأسد !



لسان حال القومجيون والشبيحة اليوم في سوريا يقول ( مات الملك؛ عاش الملك ! ) ولا ضير عند هؤلاء في إعادة صياغة مبادئهم بين الحين والآخر بل وتعليل كل تناقضاتهم، فهم الآن يهلّلون للمشروع الروسي في المنطقة، في الوقت الذي أجهضوا فيه الثورة السوريّة بحجّة أنها عميلة للمشروع الإمبريالي في المنطقة، ويعلّلون ذلك بأن روسيا دولة صديقة وحليفة لدول العالم الثالث وأنها لم تكن يوماً دولة إستعمارية. يذكّرني هذا برواية جورج أورويل (1984) حين كان "الحزب" يقوم وبشكل دوري بمحو ذكريات الماضي وإعادة صياغة التاريخ بشكل يتناسب مع مقتضيات المرحلة، فيصبح الإنسان بلا ماضي، ويبقى المستقبل مفتوحاً على كل الإحتمالات !

في النهاية، الكرة الآن في ملعب السوريين أنفسهم، هل ستبلع المُعارضة السوريّة الطُعم وتقبل بهذا الحل خصوصاً مع التعنّت الإيراني في مسألة بقاء الأسد، وهل سيتنازل الشعب السوري عن مطالباته بنيل حقوقه الأساسية بعد كل ما عاناه من مآسي، وكل ما قدّمه من تضحيات، ويكتفي بأن تتغير الوجوه ويبقى الحال كما هو عليه ؟!

أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
3-11-2015




للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban