أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
نظرة سريعة لأحوال المنطقة خصوصاً فيما يتعلق بأحوال
سوريا والعراق كفيلة برؤية سرطان الفساد الذي يستشري بالمنطقة مرتدياً عباءة القوميّة
تارة والوطنيّة ومعاداة الإمبريالية تارة أخرى.
روسيا التي يعتبرها معظم القوميين والوطنيين العرب
منارة الحرية وحامية حقوق المظلومين والمسحوقين من شعوب دول العالم الثالث، أمدّت الأسبوع
الماضي النظام السوري بست طائرات ميغ بالإضافة الى صواريخ مضادة للدروع و مدافع
وعتاد عسكري لمساعدته في إخماد الثورة السورية وإعادة سيطرته على البلاد بعد أن
أفلتت زمام الأمور من بين يديه ودانت معظم مناطق البلاد لسيطرة الجيش الحر
والتنظيمات المسلحة الأخرى بما فيهم تنظيم داعش، وقد جاء تأكيد النظام السوري على فهمه مضامين
رسالة النظام الروسي بارتكاب مجزرة في حق المدنيين ذهب ضحيتها ما يزيد عن مئة ضحية
عدا عن سقوط مئات الجرحى إثر قصفها سوقاً شعبياً في بلدة دوما.
السؤال
الذي يتبادر إلى الأذهان فور سماع خبر إمداد النظام السوري بأسلحة وعتاد عسكري، متى
استعمل النظام السوري ترسانته العسكرية ضمن مشروعه للمقاومة والممانعة ؟ أو
بالأحرى متى وجه الجيش السوري فوهة بندقيته صوب الجولان المحتل أو شمال الضفة
الغربية المحتلة ؟! لا يذكر التاريخ أن طلقة واحدة أطلقت من الأراضي السورية
باتجاه الأراضي المحتلة سواءً من الجيش السوري الرسمي أو أي تنظيم آخر بما في ذلك
الفصائل الفلسطينية منذ عام 1973 ومن المعلوم للجميع أن عتاد الجيش السوري لم
يستخدم فعلياً إلاّ من خلال الثورة السورية وما تلاها من إدّعاءات بمحاربة
الإرهاب.
إذاً، فأي مبرر أخلاقي أو وطني أو حتى إنساني يشفع
لروسيا تزويدها هذا النظام بأسلحة حديثة وعتاد لا ينفذ ؟ وأي مبرر يسوقه القوميون
والوطنيون الأحرار لإستمرار هذا النظام على رأس السلطة في سوريا بعد أن فشل في
مشروع المقاومة المزعوم وفشل في إدارة البلاد ثم فشل في الحفاظ على وحدة أراضيه
وتركها مشاعاً لكل من هبّ ودبّ مما تسبّب بقتل و تشريد الملايين من السوريين ؟!
المبررات الحقيقية التي نعرفها جميعاً ويغمض
عينيه عنها كل قومي ويساري متعاطف مع الحلف الايراني الروسي وعملائه في المنطقة، هي
مبررات سياسية وجودية تهدف الى إحداث تغييرات ديمغرافية في المنطقة لا تمت بصلة
للخطاب الحماسي الرسمي والذي يتحدث عن المبادىء الإنسانية وشرعية النظام السوري
والمؤامرات الخارجية لإسقاطه خدمة للكيان الصهيوني، بل إن إستمرار النظام السوري
وشاكلته من الأنظمة هو في الحقيقة أكبر خدمة للمشروع الصهيوني.
على الجانب الآخر برز على السطح هذا الأسبوع الحراك
الشعبي العراقي واسع النطاق ضد الفساد والطائفية وضد سياسات الطبقة الحاكمة ومن لفّ
حولها، وتصاعدت مطالبات الجماهير بمحاكمة المسؤولين الفاسدين وعلى رأسهم رئيس
الوزراء السابق نوري المالكي لا سيما بعد نتائج لجنة التحقيقات حول سقوط الموصل ،
ولكن المدهش في الموضوع كان فجاجة النظام الإيراني في التدخل في شؤون جاره العراق،
وإعلانه عبر أكثر من مناسبة دعمه لرموز الحكم (الفاسد) دون أي مراعاة لهوية هذا
البلد العربي ولغيرة أبنائه وأشقائه العرب من هذا التزاوج غير الشرعي بين قيادة
إيران والقيادات العراقية، بل إن الفجاجة الإيرانية بلغت حدّها بقيام مكتب المرشد الإيراني،
علي خامنئي، باجراء اتصالات مع بعض القيادات والمسؤولين العراقيين - بمن فيهم رئيس
الوزراء الحالي حيدر العبادي - وإبلاغهم رسالة مفادها ( إذا اقتربتم من المالكي سنخرب البلد على رؤوسكم !!
)
وكأن
النظام الإيراني يرغب في أن يصنع من عملائه في المنطقة نسخة محلية من أبطال
هوليوود الخارقين Untouchables ! )) ))
واقع
حال المثقفين العرب في بلادنا العربية وكل المتحمسين للحلف الايراني الروسي في
المنطقة او ما يسمونه بحلف المقاومة والممانعة، هو مثال حي لإنفصام الشخصية أو
الانفصال عن الواقع، ففي ظاهر القول تجدهم يدعون لمناهضة المشروع الصهيوني/الامبريالي
في المنطقة، ودعم الدول المناهضة لهذا المشروع – حسب إعتقادهم هم – ولكن حقيقة ما
تقوم به هذه الأنظمة على أرض الواقع لا يتعدى قتل وتشريد المواطنين الأبرياء بإسم
المقاومة، و تكريس الطائفيّة والعنصريّة في البلاد، ناهيك عن الفساد المالي
والإداري والضائقة الإقتصادية التي تعيشها هذه البلاد، مما يتناقض مع الأهداف التي
يدّعون العمل على تحقيقها، حال هؤلاء المثقفين، كحال الدعايات التجارية في وسائل
إعلامنا، حيث الفارق الشاسع بين حقيقة المنتج وما نراه على الشاشة !
من
المؤسف والمخجل أن تُستغل شعارات الوطنية والتحرّر وشعارات المقاومة والممانعة كما
أستغل (( قميص
عثمان )) من قبل، كلمة حق
أريد بها باطل !
ويبقى السؤال القديم المتجدد برسم الإجابة، ما
الفرق بين المثقف الذي يرتمي في أحضان البيت الأبيض وينادي بالديمقراطية والحريّة
الأمريكية والرأسمالية وحقوق الإنسان، والمثقف الذي يرتمي في أحضان الكرملين
وينادي بالإشتراكيّة وحقوق الشعوب المسحوقة والعدالة الإجتماعية طالما أن كليهما
ينفذ بنود أجندة أجنبية ويحرص على مصالح سيده في المنطقة ؟!
ما
الفرق بين الجرائم التي أرتكبتها القوات الأمريكية في العراق، وبين الجرائم التي
يرتكبها الجيش النظامي السوري والميليشيات الإيرانية وحزب الله بعتاد روسي ودعم
لوجستي مخابراتي روسي ؟! ومن جهة أخرى ما الفرق بين هذه الأنظمة والجماعات
الإرهابية مثل داعش ؟ ما الفرق بين من يبرر جريمته بأنها دفاع عن الوطن ضد الخونة
والعملاء، أو من يبررها بنشر الحرية في العالم، أو من يبررها بالدفاع عن الإسلام
ضد المرتدين والكفّار ؟!
إذا عجزنا عن إيجاد الفروقات، فإننا بالتأكيد لن
نعجز عن رؤية الحقائق المشتركة بين كل هذه الأطراف والتي يمكن اختصارها بجملة
واحدة : قلوبهم معنا في الظاهر، ولكن سيوفهم علينا في واقع الأمر !
أيمن أبولبن
22-8-2015