الاثنين، 24 فبراير 2014

في انتظار السيسي .... لماذا أخفقت الثورة المصرية ؟


   بعد تطورات الأحداث الأخيرة على الساحة المصرية ، والمُنزلق الخطير الذي انزلقت فيه الثورة المصرية ، مما أدى بها للعودة الى مربع رقم 1 ، يجدر بكل المهتمين بالحال المصري ، التريث قليلاً والنظر الى الوراء لاستجماع الدروس المُستفادة ، من أجل المُضي قدماً في مشوار التغيير المنشود .

لماذا فشلت الثورة المصرية ؟

    أعتقد أنه بالامكان الاجماع على ثلاثة أسباب رئيسية أدت في النهاية الى فشل الثورة المصرية، السبب الرئيسي كان تفشي الفساد في أركان الدولة بدءاً من الجهاز الأمني والعسكري مروراً بجهاز القضاء والمحكمة الدستورية ، وصولاً الى أجهزة الاعلام ، ناهيك عن الشراكة المصيرية بين نظام مبارك و رجال الأعمال ، والممتدة الى يومنا هذا .

   هذا الفساد جعل من المستحيل القيام بحملة تطهير كاملة في الدولة لاستئصال النظام القديم ، عدا عن صعوبة تغيير المجتمع ومعالجة آفاته المزمنة في وقت قصير ، فلم يكن أمام الرئيس مرسي الا التعامل مع الأمر الواقع والعمل على تصحيح الأوضاع بسياسة النَفَس الطويل وهذا ما أثبت فشله في النهاية ، وعندما كان يحاول استغلال صلاحيات الرئيس وفرض ارادته ، كانت الثورة المُضادة تستغل هذا بكل ذكاء ، وتُصوّره في الاعلام بصورة "الديكتاتور الجديد".

     يُضاف الى هذا، فشل الأخوان في التعامل مع المتسجدات على الساحة وادارة الصراع والنزاع بما يتناسب مع أهداف الثورة، ومحاولتهم قطف ثمار النجاح مبكراُ ، متناسين أن المرحلة الحالية هي مرحلة انتقالية تهدف الى ترسيخ مبادىء الثورة والديمقراطية ، وليس تنفيذ برنامج سياسي بعينه. أخطاء الاخوان هذه كلفتهم خسارة شركائهم في الثورة ، وسهّلت مهمة الحرس القديم في امتلاك زمام الأمور مجدداً.

   السبب الأخير ، هو افتقاد الثورة المصرية لقائد مُلهم لديه كاريزما مميزة قادرة على جمع الناس وتوجيههم الى الايمان بمجموعة من الأهداف والعمل على تحقيقها، فلم تتوافر هذه الصفات في الرئيس المُنتخب ولا في أي مُرشح رئاسي آخر، وهذا يعود لسياسة مُبارك التي اتبعها خلال ثلاثين سنة من الحكم، حيث عمد الى قمع جميع المُعارضين وتلفيق التهم اليهم لتشويه صورهم، كما أنه لم يكن يسمح بأي مشاركة في الحكم أو ببزوغ نجم أي شخصية عامة ، ويكفي الاشارة الى أن مُبارك لم يعين نائباً له حتى اللحظات الأخيرة، ليس هذا فحسب بل أن نرجسيته لم تسمح له بمنح نجله "جمال" منصب نائب الرئيس طيلة فترة حكمه ، رغم التخطيط "غير المعلن" لتوريثه الحكم ، ولعل هذه المشكلة غير محصورة في مصر تحديداً ، بل هي مشكلة عامة في وطننا العربي ، فنحن نفتقد للقيادات من الصف الثاني ، ومن عدم وجود رموز مُعارضة تحظى بدعم الجماهير ، الا ما ندر !!

ما هي الدروس المستفادة وكيف السبيل في نهوض الثورة المصرية من جديد ؟

  على الثورة المصرية العودة الى نقطة الصفر، والاعتماد على شباب الثورة بعيداً عن أي رموز سياسية موجودة حالياً في الساحة ، والعمل على تكوين جبهة معارضة مدنية قوية ، وزيادة الوعي السياسي لفئة الشباب ، الذي يُعد رأس مال الثورة، ورويداً رويداً سيكون بمقدور هؤلاء الشباب اجادة العمل السياسي ومقارعة خصومهم ، ونشر فكرهم الاصلاحي للنهوض بالمجتمع من جديد.

  وعلى الاخوان اعادة تنظيم أنفسهم والاستفادة من أخطائهم السابقة ، والانضمام الى توليفة الثورة من جديد ، هذه التوليفة التي نجحت من قبل في قلب نظام مبارك،  لأنها جمعت المصريين جميعاً تحت مظلة واحدة ، مرددين شعاراً واحداً بسيطاً يخدم الوطن ويجمع المصريين " عيش ، حرية ، عدالة اجتماعية " .

   ولعل من المُفيد أيضاً ، أخذ العبرة من تحالف قوى شباب الثورة مع الأخوان خلال الثورة المصرية والتشديد على المصير المشترك الذي يجمع بينهما ، فلم يكن بامكان الثورة المصرية من ان ترى النور لولا دعم الاخوان لها، فالاخوان هم اكبر تنظيم مُعارض على الأرض ، وجذورهم ممتدة في الأرض المصرية منذ ثمانين عاماً ، وهم يتمتعون بتنظيم عال ، ولديهم قنوات تواصل مع كافة أبناء الشعب ، ولولا شعبية الاخوان لفاز مرشح الفلول بالرئاسة مبكراً ، ولكان ذلك ايذاناً بوأد الثورة في مهدها.

  ومما يُعزّز مبدأ الشراكة المصيرية هذه، هو فشل الاخوان في الاستمرار في الحكم ، رغم شرعيّة حكم مرسي ، ورغم أحقيتهم في ذلك ، بسبب تفكك أواصر هذه الشراكة ، ومن هنا نقول أنه لا يستطيع أي حزب الانفراد في الحكم حتى لو حظي بأغلبية الصناديق ، لأن الأصل في القيادة هو الشراكة وليس التفرد ، ولعل هذا كان أقسى الدروس التي تعلمتها الثورة المصرية ، ولكنه أفيدها.

في انتظار السيسي ، هل ترمي الثورة المصرية قُفاز التحدي ، أم تستفيد من عثراتها وتُعيد صياغة التاريخ من جديد ؟

أيمن أبولبن
23-2-2014
Ayman_abulaban@yahoo.com


الخميس، 13 فبراير 2014

ثلاث سنوات على تنحي مبارك

ثلاث سنوات على تنحّي مُبارك
(قراءة ما بين السطور)
   
   قبل أن نشرع في الحديث عن الثورة المصرية ومحاولة قراءة ما بين السطور، دعونا أولاً نعترف أن الثورة المصرية التي انطلقت في 25 يناير عام 2011 ووصلت ذروتها بتنحي الرئيس مبارك عن الحُكم يوم 11 فبراير من نفس العام ، قد انطوت صفحتها بالانقلاب على ارادة الشعب والقاء القبض على الرئيس المُنتخب "محمد مرسي" بفعل الثورة المُضادة التي قادها الحرس القديم وفلول النظام السابق بقيادة المجلس العسكري.
   
   الثورة المصرية كانت مُفاجئة للجميع بل وصادمة أيضاً، فلم يكن أحدٌ يتوقع أن تتطور الأحداث بهذه الصورة، وأن تستمر الثورة المصرية الشابة بهذه العزيمة والاصرار والذكاء ، وأن تحظى بدعم كافة القوى الشعبية والمدنية ، وبدعم الأحزاب السياسية بمختلف انتماءاتها ، بعد أن خلعت رداء الخوف ، وتجلّت بأجمل لُحمة وطنية عرفها التاريخ العربي المعاصر. الثورة المصرية كانت واعدة بالكثير ، سواءً للمصريين في الداخل أو للشعوب العربية التي تسمّرت أمام شاشات التلفاز وواصلت ليلها بنهارها وهي تتابع تطور الأحداث باهتمام بالغ وسط ارتفاع حاد في سقف الأمال والتوقعات بمستقبل مُشرق للمنطقة وانتشار للمُطالبات الشعبية المُنادية بالحرية والعدل والمساواة في معظم دول المنطقة ، ولكن للأسف فان هذه التوقعات والآمال سرعان ما خابت بسبب الثورة المُضادة التي قام بها نظام مبارك القديم.
   
   أولى علامات الثورة المُضادة كانت وصول "أحمد شفيق" أحد رجالات النظام السابق الى الجولة النهائية للانتخابات الرئاسية حيث حصل فيها على ما يزيد عن 48% من الأصوات ، وهذا كان بمثابة اعلان عن مدى صلابة وتماسك أركان النظام القديم، رغم الانهيار الدراماتيكي المُفاجىء لرأس النظام.
   
   استمر مسلسل الثورة المُضادة بعد أن تحالفت قوى الحرس القديم مع القوى المدنية والعلمانية المُناوئة للأخوان وتوحّدت أهدافها في اسقاط حكم الأخوان ، رغم تعدد الأجندات واختلاف الأسباب ، وكان لها في النهاية ما أرادت ، وها هي تتوج نجاحها اليوم بترشُّح "السيسي" للرئاسة أو بالأحرى "الاعلان المُبكر عن اسم الرئيس المصري القادم".
   
كيف نجحت الثورة المُضادة؟

   كما أشرنا فان الثورة المُضادة أثبتت فعاليتها سريعاً ، وبرهنت أنها قادرة على اعادة تصنيع رموزها وتجديد نفسها، فمع بدء الحراك الشعبي تصدّر عمر سليمان واجهة الأحداث ، وتم تقديمه على أنه رجل المرحلة، وعندما فشلت محاولة التجديد هذه تصدّر المجلس العسكري الصورة وقام بسحب البساط من تحت أقدام شباب الثورة ، وأستولى على الحكم المؤقت ، وسط فرحة عارمة بسقوط مبارك أنست الشعب أنهم استبدلوه بالمجلس العسكري.
   
   وبعد أن فشل المجلس العسكري في تقديم شخصية توافقية تحظى بدعم الجماهير ، وأصرّت قوى الثورة على الخروج من عباءة الحُكم العسكري ، تصدّر شفيق الأحداث واستطاع بديبلوماسيته وخبرته وحنكته أن يكون فرس الرهان ، ولكنه فشل في الأمتار الأخيرة أمام شعبية الاخوان ودعم شباب الثورة للدكتور مرسي.
   
   وبعد وصول الاخوان الى الحكم بدأت الثورة المُضادة باستغلال كل نفوذها لمحاربة نظام الحكم الجديد ، مُستخدمةً دعم مؤسسات الدولة التي ما زالت وفيّةً لها ، وكذلك دعم قطاع رجال الأعمال ، بالاضافة الى السلاح الأقوى والأكثر فعالية الا وهو (الاعلام) ، وبهذا استطاعت في النهاية أن تُفرّق بين الاخوان وشركاء الثورة ، ساعدهم في ذلك أخطاء الاخوان أنفسهم بالاضافة الى تنامي التيار العلماني في الدولة ، ورويداً رويداً خسرت حركة الاخوان مُناصريها وفقدت الكثير من شعبيتها ، فكان من البديهي أن يتم توجيه الضربة القاضية لها تحت شعار "مطالب الشعب لتجديد الثورة".
  
   ومع كثرة البدائل امام الثورة المُضادة خلال الأحداث الأخيرة وتشكيل ما يسمى ب "جبهة الانقاذ" أخذ السيسي زمام المباردة وأستغل نفوذ الجيش والقوى الأمنية الضاربة ليقدم نفسه بطلاً قومياً ، ويُعيد الهيبة للعسكر ، وللحرس القديم ، ويقدم أوراق اعتماده ، رئيسا قادماً للبلاد بعد حصوله على مباركة أركان النظام القديم.
  
   خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، قام نظام مُبارك بتطوير نفسه ، واستطاع أن يُجاري الأحداث وأن يتفوق في النهاية على الثورة المصرية ، بعد أن خسر الجولة الأولى بشكل سريع ومُفاجىء وها هو يعيد انتاج نفسه من جديد ، ويقدّم لنا نموذجا مُطورا وحديثاً من العهد القديم ، السيسي "آخر اصدارات الثورة المُضادة" ، أهلاً بالعهد الجديد !!

 أيمن أبولبن
11-2-2014




Ayman_abulaban@yahoo.com

السبت، 8 فبراير 2014

مأساة الشعوب العربية ومسلسل "الجريمة المُضاعفة"


   في حرب لبنان عام 82، قامت اسرائيل بجريمة مُضاعفة، الجريمة الأولى كانت استخدامها أسلحة مُحرّمة دولياً ،أما الجريمة الثانية أو المُضاعفة فكانت استخدام الأسلحة التقليدية بالاضافة الى الأسلحة المُحرّمة في قصف المدن الآهلة بالسكان، وبشكل عشوائي.
  
اسرائيل استخدمت القنابل العُنقودية لأول مرة في تاريخ المنطقة، وأستخدمت أيضاً قنابل النابالم، مما أدى الى سقوط ضحايا بأعداد كبيرة من المدنيين، عدا عن الدمار الكبير في البنية التحتيّة. وعند تصاعد الاحتجاجات على الصعيد الدولي من قبل الجهات ذات العلاقة، قالت اسرائيل انها كانت تستهدف الميليشيات الفلسطينية التي تتمترس في المدن وتستخدم المدنيين "دروعاً واقية" ، وتختبىء في المناطق الآهلة بالسكان ، وبالتالي فان المسؤولية تقع على عاتق المقاومة الفلسطينية أو بالأحرى "منظمة التحرير"، في محاولة منها لتحويل الضحية الى جاني، وهذا ما يُسمى في عُرفنا "عُذر أقبح من ذنب" !!

   هذه الأعذار استخدمتها اسرائيل لاحقاً في حربَيْ غزة، وفي حربها ضد حزب الله، كما استخدمتها أيضاً أبان قمعها للانتفاضة الفلسطينية الأخيرة. اللافت أن الادارة الامريكية أستخدمت ذات الأعذار في حروبها في المنطقة بدءاً من حرب الخليج الثانية فالثالثة مروراً بحرب افغانستان، بل انها أستخدمت أعذاراً أكثر وقاحة، عندما كانت تنسب جرائمها ضد المدنيين الى خطأ في توجيه الصواريخ، أو الى عدم دقة المعلومات المخابراتيّة التي تحصّلت عليها، هكذا بكل بساطة، كما حصل في ملجأ العامريّة على سبيل المثال لا الحصر، فالانسان العربي أو بالأحرى أي انسان من دول العالم الثالث لا يساوي عندهم سوى "برقية اعتذار" أو تصريح اعلامي مُقتضب !!

   وبما أن جميع الأنظمة القمعيّة في العالم أجمع،  تشترك بصفة ازدرائها لخصومها، واحتقارها لهم، فأن الأنظمة القمعيّة في منطقتنا أستخدمت نفس الأسلوب ونفس الأعذار، ولكن هذه المرة كان الخصم هو الشعب نفسه وليس أعداء الأمة !! ، فباتت مصيبتنا نحن الشعوب العربية مُضاعفة، لأن الجاني هذه المرة هو راعينا وحامينا والمُتربع على عروشنا.
  مُعمّر القذافي استخدم البطش والقصف والتدمير والحصار ضد شعبه تحت شعار " من أنتم؟!" أما النظام الانقلابي في مصر، فقام بقمع جميع المظاهرات وفض الاعتصامات المُناوئة له باستخدام القوة بل وبالرصاص الحي، تحت شعار "مكافحة الارهاب والحفاظ على نتائج الثورة" !!

   أما النظام السوري فحدّث ولا حرج، فمن استخدام استراتيجية الأرض المحروقة تحت شعار "المؤامرة الكونية" ، الى محاصرة المدن وقصفها بالصواريخ التقليدية ، فالقنابل العنقودية ثم البراميل المتفجرة مؤخراً، تحت شعار  "مكافحة الارهاب" ، واليوم يُحاصر مخيم اليرموك الفلسطيني، ويرميه بالبراميل المتفجرة بل ويستهدف جميع من يحاول الهرب منه ، عبر قنّاصته المرابطين على مداخل ومخارج المخيم ، كما يحاصر مدينة حمص ، ويقصف مدينة حلب بالبراميل المتفجرة يومياً. كل هذا من أجل مكافحة الارهاب !!

   تُهمة الارهاب هذه ، تعيد الى ذاكرتي ما قاله الشاعر السوري الكبير نزار قباني في قصيدته "أنا مع الارهاب":

متهمون نحن بالإرهاب ...
إذا رفعنا صوتنا
ضد كل الشعوبيين من قادتنا ...
وكل من قد غيروا سروجهم ...
وانتقلوا من وحدويين ...
إلى سماسرة !!

   الشعوب العربية ، عانت كثيراً من أعدائها وحُكامها على حد سواء ، وارتُكبت في حقها أبشع الجرائم ، ولكن مسلسل الجرائم المُضاعفة والمُركّبة لم يتوقف عند هذا الحد، بل لعلّه تعمّق وازداد ايلاماً عندما وقفت طائفة كبيرة من المثقفين والشخصيات العامة ورموز المجتمع الى جانب الطغيان ، على حساب الشعوب المسحوقة، بعدما انسلخوا من جلدهم وتنكّروا لكافة مبادئهم.

   كنا نعوّل عليهم الكثير، ونعلّق عليهم آمالاً كبيرة، و نظن أنهم سيكونوا لنا نبراساً مع بدء الحركات الشعبية ، خاصةً أنهم أمضوا السنوات الماضية وهم يتشدقون بالدعوة الى التغيير والثورة على الظلم والديكتاتورية ، واذ بهم ومع أول اختبار حقيقي ينحازون الى جانب الظلم والاستبداد ويساندون الطغاة !!

   هي فرصة اذاً ، للدعوة الى تغيير شامل في مفاهيمنا ، واسقاط كافة الرموز المصطنعة التي صنعناها بأنفسنا ، وكنا السبب في شهرتها ونجوميتها ، فالرمز الحقيقي هو الذي يقف في وجه الظلم في "عالمنا الحقيقي" ، وليس في وسائل الاعلام وخلف الكاميرات ، أو في العوالم الافتراضية ، أما من يقف مع الظلم والطغيان والديكتاتورية في اي مكان على حساب تطلعات الشعوب ومطالبها بنيل حريتها وكرامتها، فهو لا يعاني فقط من خلل في مفاهيمه ومبادئه، بل انه يعاني من مشكلة حقيقية في انسانيته.

أيمن أبولبن
1-2-2014