بعد
تطورات الأحداث الأخيرة على الساحة المصرية ، والمُنزلق الخطير الذي انزلقت فيه
الثورة المصرية ، مما أدى بها للعودة الى مربع رقم 1 ، يجدر بكل المهتمين بالحال
المصري ، التريث قليلاً والنظر الى الوراء لاستجماع الدروس المُستفادة ، من أجل
المُضي قدماً في مشوار التغيير المنشود .
لماذا فشلت الثورة المصرية ؟
أعتقد أنه بالامكان الاجماع على ثلاثة أسباب رئيسية أدت في النهاية الى فشل
الثورة المصرية، السبب الرئيسي كان تفشي الفساد في أركان الدولة بدءاً من الجهاز
الأمني والعسكري مروراً بجهاز القضاء والمحكمة الدستورية ، وصولاً الى أجهزة
الاعلام ، ناهيك عن الشراكة المصيرية بين نظام مبارك و رجال الأعمال ، والممتدة
الى يومنا هذا .
هذا
الفساد جعل من المستحيل القيام بحملة تطهير كاملة في الدولة لاستئصال النظام
القديم ، عدا عن صعوبة تغيير المجتمع ومعالجة آفاته المزمنة في وقت قصير ، فلم يكن
أمام الرئيس مرسي الا التعامل مع الأمر الواقع والعمل على تصحيح الأوضاع بسياسة
النَفَس الطويل وهذا ما أثبت فشله في النهاية ، وعندما كان يحاول استغلال صلاحيات
الرئيس وفرض ارادته ، كانت الثورة المُضادة تستغل هذا بكل ذكاء ، وتُصوّره في
الاعلام بصورة "الديكتاتور الجديد".
يُضاف الى هذا، فشل الأخوان في التعامل مع
المتسجدات على الساحة وادارة الصراع والنزاع بما يتناسب مع أهداف الثورة،
ومحاولتهم قطف ثمار النجاح مبكراُ ، متناسين أن المرحلة الحالية هي مرحلة انتقالية
تهدف الى ترسيخ مبادىء الثورة والديمقراطية ، وليس تنفيذ برنامج سياسي بعينه. أخطاء
الاخوان هذه كلفتهم خسارة شركائهم في الثورة ، وسهّلت مهمة الحرس القديم في امتلاك
زمام الأمور مجدداً.
السبب
الأخير ، هو افتقاد الثورة المصرية لقائد مُلهم لديه كاريزما مميزة قادرة على جمع
الناس وتوجيههم الى الايمان بمجموعة من الأهداف والعمل على تحقيقها، فلم تتوافر
هذه الصفات في الرئيس المُنتخب ولا في أي مُرشح رئاسي آخر، وهذا يعود لسياسة
مُبارك التي اتبعها خلال ثلاثين سنة من الحكم، حيث عمد الى قمع جميع المُعارضين
وتلفيق التهم اليهم لتشويه صورهم، كما أنه لم يكن يسمح بأي مشاركة في الحكم أو ببزوغ
نجم أي شخصية عامة ، ويكفي الاشارة الى أن مُبارك لم يعين نائباً له حتى اللحظات
الأخيرة، ليس هذا فحسب بل أن نرجسيته لم تسمح له بمنح نجله "جمال" منصب نائب الرئيس طيلة فترة حكمه ، رغم
التخطيط "غير المعلن" لتوريثه الحكم ، ولعل هذه المشكلة غير محصورة في
مصر تحديداً ، بل هي مشكلة عامة في وطننا العربي ، فنحن نفتقد للقيادات من الصف
الثاني ، ومن عدم وجود رموز مُعارضة تحظى بدعم الجماهير ، الا ما ندر !!
ما هي الدروس المستفادة وكيف السبيل في نهوض
الثورة المصرية من جديد ؟
على
الثورة المصرية العودة الى نقطة الصفر، والاعتماد على شباب الثورة بعيداً عن أي
رموز سياسية موجودة حالياً في الساحة ، والعمل على تكوين جبهة معارضة مدنية قوية ،
وزيادة الوعي السياسي لفئة الشباب ، الذي يُعد رأس مال الثورة، ورويداً رويداً
سيكون بمقدور هؤلاء الشباب اجادة العمل السياسي ومقارعة خصومهم ، ونشر فكرهم
الاصلاحي للنهوض بالمجتمع من جديد.
وعلى
الاخوان اعادة تنظيم أنفسهم والاستفادة من أخطائهم السابقة ، والانضمام الى توليفة
الثورة من جديد ، هذه التوليفة التي نجحت من قبل في قلب نظام مبارك، لأنها جمعت المصريين جميعاً تحت مظلة واحدة ،
مرددين شعاراً واحداً بسيطاً يخدم الوطن ويجمع المصريين " عيش ، حرية ، عدالة اجتماعية " .
ولعل
من المُفيد أيضاً ، أخذ العبرة من تحالف قوى شباب الثورة مع الأخوان خلال الثورة
المصرية والتشديد على المصير المشترك الذي يجمع بينهما ، فلم يكن بامكان الثورة
المصرية من ان ترى النور لولا دعم الاخوان لها، فالاخوان هم اكبر تنظيم مُعارض على
الأرض ، وجذورهم ممتدة في الأرض المصرية منذ ثمانين عاماً ، وهم يتمتعون بتنظيم
عال ، ولديهم قنوات تواصل مع كافة أبناء الشعب ، ولولا شعبية الاخوان لفاز مرشح
الفلول بالرئاسة مبكراً ، ولكان ذلك ايذاناً بوأد الثورة في مهدها.
ومما يُعزّز مبدأ الشراكة المصيرية هذه، هو فشل
الاخوان في الاستمرار في الحكم ، رغم شرعيّة حكم مرسي ، ورغم أحقيتهم في ذلك ،
بسبب تفكك أواصر هذه الشراكة ، ومن هنا نقول أنه لا يستطيع أي حزب الانفراد في
الحكم حتى لو حظي بأغلبية الصناديق ، لأن الأصل في القيادة هو الشراكة وليس التفرد
، ولعل هذا كان أقسى الدروس التي تعلمتها الثورة المصرية ، ولكنه أفيدها.
في انتظار السيسي ، هل ترمي الثورة المصرية
قُفاز التحدي ، أم تستفيد من عثراتها وتُعيد صياغة التاريخ من جديد ؟
أيمن
أبولبن
23-2-2014
Ayman_abulaban@yahoo.com