الجمعة، 25 نوفمبر 2011

الحب من أول نظرة



   
هذه المقولة القديمة والتي باتت إرثاً من موروثاتنا الشعبية، وأصبحت مثلاً مستخدماً في حياتنا اليومية، تكاد تكون واحدة من أهم النظريات التي تم البناء عليها وتطويرها ليتم إستخدامها في الكثير من المجالات المهمة في حياتنا .

   هل فكرنا يوماً في أبعاد هذه المقولة ومدى صدقها !؟ دعونا نفكر فيها قليلاً وببعض العمومية، بحيث لا نحصرها في حالة " الحب ". أكاد أجزم أننا جميعاً عشنا مثل هذه الحالة ولو لمرة واحدة في حياتنا، ألم يصدف أننا قابلنا شخصاً لأول مرة وشعرنا بالقبول الداخلي لهذا الشخص بغض النظر عن كونه رجلاً أو امرأة، وبغض النظر عن العمر ايضا، ألم يحصل اننا شعرنا بشعور غريب نحو شخص ما، ورغبنا في التعرف عليه أكثر والتقرب منه .

   وعلى الجانب الآخر، ألم نصادف أحياناً أشخاصاً وشعرنا تجاههم بمشاعر سلبية، قبل أن نفتح أي حوارٍ معهم !!؟؟

   هذه الحالة تُعرف بحالة تحليل الشخص المقابل بناءً على شخصيته او الكاريزما التي يتمتع بها، وياستخدام أدوات تحليلنا الشخصية دون أن نشعر، فنحن نقوم بالتقاط اشارات معينة من الاشخاص المحيطين بنا ومن أهمها نظرات العيون، حركات الجسد، تعبيرات الوجه، وحالة الشخص العامة سعيد مبتهج، عبوس … الخ، ونقوم بارسال هذه الاشارات الى الدماغ ليقوم بتحليلها، ومن ثم ارسال النتيجة، وهذه النتيجة اما أن تكون اشارات ايجابية، بأن هذا الشخص مقبول، هذا الشخص متوافق تماماً مع موروثاتك الاجتماعية والشخصية وتستطيع ان تتفاهم معه، أو اشارات سلبية مفادها أن هذا الشخص غير مُرحب به، بمعنى أن هذا الشخص وبناء على تحليل شخصيته لا يتوافق مع سماتك الشخصية، ولن يشكل حالة تجاذب او تناغم معك .

   وبناءً على هذه الرسائل الدماغية، نشعر نحن بهذا الشعور الغريب الذي ذكرته في البداية، وهو ما يؤدي الى تشكيل حالة " الحب من أول نظرة " أو لعلها تكون "الرفض من أول مرة" ، أليس ذلك غريباُ بعض الشيء !؟ وفي الحديث الصحيح : " الأرواح جنود مجندة . فما تعارف منها ائتلف . وما تناكر منها اختلف "
  
 ولكن من أين يأتي الدماغ بالمعايير المستخدمة في عملية التحليل !؟ باعتقادي الشخصي أن جانباُ كبيراُ من هذه العملية ما يزال غامضاً بالنسبة لنا، ولكني أعتقد أننا نلعب دوراُ كبيراُ هنا دون أن نشعر، فكل شخص فينا يقوم بتحديد السمات الشخصية التي ترضيه على مدار تجاربه في الحياة، أي أن عقلنا الباطن يقوم وعلى مدار الساعة بتخزين كافة المعلومات والاشارات ومشاعرنا الايجابية والسلبية تجاه الأشخاص والبيئة المحيطة بنا، ويقوم بتحليلها واستخلاص النتائج، ومن ثم تخزينها، ليقوم باستدعائها حين الحاجة .

   وبناءً عليه فمهارتنا في قراءة وتحليل الشخصيات التي تحيط بنا متفاوتة وتعتمد بشكل كبير على معاييرنا نحن، فالله سبحانه وتعالى قد وهبنا هذه الفطرة، وعلينا نحن أن نطورها ونستخدمها أفضل استخدام سواء في حالة تحليلنا لمن حولنا، أو حتى في حالة ارسال رسائل ايجابية لمن حولنا، وهذا ما بات يعرف حاليا بمهارات الاتصال واستخدام لغة الجسد، فبامكاننا ان نقوم بارسال رسائل "تطمينية" تماماُ كتلك الرسائل السياسية المتبادلة بين الدول، رسائل ايجابية عن شخصيتنا مفادها بأننا متفقون، متفاهمون، منفتحون على بعضنا البعض ولا اختلاف بيننا .

   وتعد مهارات الاتصال من أهم المهارات في فن الادارة الحديثة، ومن أهم مبادئها هو التمكن من ارسال رسائل ايجابية بالايماء، وبالاشارة وبالرموز، مفادها أننا متفهمون لاحتياجاتكم، قادرون على تلبيتها، واثقون من امكانية ارضائكم ، … الخ

  يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " تبسمك في وجه أخيك صدقة "، ولعل هذه من أول وأبسط مهارات الاتصال التي علمنا اياها ديننا الحنيف .
    من المهم على الصعيد الانساني، أن نقوم بدراسة معاييرنا من فترة لاخرى وتنقيحها و"فلترتها " ان صح التعبير، علينا ان نسأل أنفسنا دوماُ، لماذا نشعر بالارتياح مع هذا الشخص او ذاك، ولماذا نتجاهل هذا الشخص او ذاك، هل قمنا باستخدام المعايير الصحيحة !؟ أم اننا قيمنا هذا الشخص بناء على رغباتنا الشخصية او بناء على لونه او عرقه او دينه !؟ هل شعورنا بالفتور ناجم عن عدم رضانا عن مستواه الاجتماعي مثلاُ  !؟ ام انه ناجم فعلاً عن عدم تقبلنا لشخصيته الحقيقية وتنافرنا معه !؟
    فعلى سبيل المثال، لو أن شاباً في رحلة بحثه عن فتاة أحلامه التقى بفتاة شقراء جميلة ممشوقة القوام، فانه لا شعورياً سيشعر بالانجذاب نحوها، لا لشيء، سوى انها تتطابق مع الصورة النمطية الموجودة في خياله عن فتاة المستقبل، دون ان يعطي نفسه الفرصة للبحث عن صفاتها الشخصية ومعتقداتها، وحقيقة فُرصه في النجاح معها .
  
 علينا اولاً ان نكون أذكياء في تعاملنا مع الناس، وعلينا أن لا ننخدع بالمظاهر الزائفة، علينا أن ننظر خارج الاطار، ونعطي أهمية للتفاصيل الصغيرة في صياغة مشاعرنا وردود أفعالنا، وعلينا أن نؤمن بقلوبنا وباشاراتنا الباطنية، بشرط أن نكون واثقين من مكنوناتنا الشخصية وان معاييرنا وأدواتنا التي نستخدمها لا تشوبها شائبة، وان فطرتنا ما زالت سليمة.

  في النهاية أقول أننا ما دمنا في حالة توافق داخلي مع أنفسنا، وفي حالة استقرار نفسي واجتماعي، فإننا لن نواجه اي مشكلة في تفهمنا وتقبلنا للآخرين، ولن نواجه اي مشكلة في قبول الآخرين لنا كذلك، والعكس صحيح . 

أيمن أبو لبن
25-11-2011