الأحد، 12 ديسمبر 2010

جاءَنا يوسُف



   في فجرِ يومٍ كانت سماؤهُ صافية، أنعم الله علينا بقدوم يوسف، وافداً جديداً الى هذه الدنيا، جاءنا يوسفُ الصغير، ليُضفي على أيامنا بهجةً وسروراً، ويُضيف لروتينِ حياتنا اليوميةِ الرتيبة، طعماً مميزاً، وشعوراً جديداً بالأُبوة والحنان، أعاد لنا يوسف نمطاً من الحياةِ كنا قد نسيناه، وأضاف الى قائمةِ مُشترياتنا، أصنافاً جديدة، كنا قد أسقطناها من اهتماماتنا، عادت ماركة "البامبرز"  لتتصدر قائمة المواد الأكثر شراءً، وأنفرد يوسف بإستحواذه على أكبَرِ قدرٍ من الإهتمام والرعاية من قِبَل جميع أفراد العائلة، وأصبح الفرد "الأكثر نفوذاً" صاحب الكلمة المسموعة، والذي يلقى الإهتمام على مدار اليوم ، ليلاً ونهاراً .

   لطالما تساءلتُ عندما كنت صغيراً، عن سِرِّ الرغبةِ الدائمةِ في الإنجاب، تلك الرغبةُ التي تبنّتها مُعظم مسلسلاتنا العربية على مرِّ السنين، ولعلَّ "البِشارة" في قدوم الصبي، وحمل إسم العائلة، وما يعتريها من لحظات فرحٍ جنونية، كانت أكثرَ ما يُثيرُ فُضولي، ودائماً ما كانت تُحيِّرُني، وعندما رزقني الله بالولد، ( قيس ومن بعده شهد ثم يوسف ) أدركت ذلك السر، وعلِمتُ في قَرارةِ نَفسي، معنى ما كنت أسمعه من عباراتٍ، لم أكن أدرك سوى معنى الكلمات منها، ولكني أدرك الآن المعنى الذي يختبىء خلف هذه الكلمات، أدركت أنَّ هذه الدنيا بطولِها وعَرضها، تبقى ضئيلة بالمُقارنة مع حَجم أحلامنا وطُموحاتِنا، حياتنا لا تتَّسع لأحلامِنا وأهدافنا، أدركت أن عُمر الإنسان لا يُقاس بسنينِ عمره، وإنما بإنجازاته وبما يدركه من نجاح، وبما يترُكُه من سيرةٍ طيبةٍ بين معارِفه، أدركت أن الأبناء هُم جُسورنا نحو هذه الحياة، هم استمرارنا وامتدادنا فيها من بعدنا، أدركت أن ما لم أستطع أن أحققهُ أنا، أستطيعُ أن أحقّقه من خلال أبنائي، ومن خلال النجاحاتِ التي يُحققونها، أدركت أن مِشواري في هذه الحياة لا ينتهي، ما دام هناك أحدٌ من أبنائي يحملُ رسالتي في هذه الحياة ويعملُ بها .
  
 أعلمُ أن الانسانَ لا يُحب أحداً بمقدار ما يُحب ذاتَه، الاستثناءُ الوحيدُ هنا هو الأبناء، نحب ان يكونَ ابناؤنا أفضلَ منا وأنجحَ منا لانهم جزءٌ منا، ولأن نجاحَهم هو نجاحٌ لنا، نعم، تيقنت من ذلك، عندما رزقني الله بالأولاد، عاهدتُ نفسي حينها وجدّدت هذا العهد عند قُدوم يوسف، أن أُورثهم كلَّ ما أملك من ثقافةٍ وعلمٍ ومَعرفة، أن أُحدثهم عن نجاحاتي، وإخفاقاتي، أن أعلمهم كلَّ ما تعلمتُ في مشواري في هذه الحياة، وكل ما زرَعَهُ أبي فينا من خصالٍ حسنة، حتى وإن قَسى علينا أحيانا، أن أعلمهم معنى الترابُط الأُسري وحبَّ العائلة والحرص عليها، أن أضَعهم على دربِ الخير، وعلى درب النجاح، وأدعو الله لهم بالتوفيق .   
  
 جاءنا يوسفُ الصغير، وبقدومهِ، أعاد لي الحنينَ لذكرى يوسف الأب، وأطلق شرارةَ الشوقِ لتلك الذكريات، أصبحت أتشوّقُ لإسترجاع ذكرياتي صغيراً، حُلوها ومُرها، تلك اللحظات والمواقف التي أذكرها، وتلك الاحداث التي حدّثوني عنها فيما بعد، وجميعها تشيرُ الى أَني كنتُ عنيداً، صَعبَ المِراس، ولكني كنتُ مدللاً، وكنت محبوباً .
   أحاول أن أسترجع تلك الرابطة وتلك العلاقة التي ربطتني بوالدي، انطلقتُ باحثاً عن صُوَري وأنا طفلٌ صغير، وجدتُ ملاحظات والدي خلفَ بعض الصور، وأحسستُ بفرحته بقدومي، تماماً كما أشعرُ الآن بفرحتي بقدومِ يوسف، دقّقت النظر في صورةٍ لي وانا بعُمر شهورٍ قليلة، يحملُني والدي على كتفه، حاولتُ أن أتخيّل ما كان يحصلُ في تلك الأيام للعائلة، وهي خارجةٌ من قساوةِ حرب النكسة، لا تَملكُ سوى ذكرياتِ وطَن، وأحلامٌ بالعودة، ولكني عجزتُ عن التخيّل !!!



   أُدرك الآن أكثرَ من أي وقتٍ مضى، أننا لن نستطيعَ أن نُحب آباءنا أكثرَ مما أحبونا، ولكننا نستطيعُ أن نُترجم حُبّهم لنا، وحبنا لهم، في حبِّ أولادنا .

   هذه المقالة إهداء لروح والدي العزيز ، يوسف .

 جاءنا يوسفُ الصغير ، يا أبي .


أيمن أبو لبن
12-12-2010