بداية دعونا ننوّه إلى قضيتين رئيسيتين، أولاهما أن الرواية الأصلية للفيلم والنسخة الأصلية "الايطالية" يستحقان الاعجاب والاشادة، وقد نال الفيلم الايطالي عدة جوائز دولية، وتم انتاج 19 نسخة عنه بلغات العالم، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن جميع النسخ وبالأخص النسخة العربية هي نسخٌ ناجحة.
والثانية، ضرورة التفريق بين الجانب الفني
للفيلم العربي من ناحية أداء الممثلين، والتصوير والاخراج...الخ، والذي كان ناجحاً
إلى حد كبير، وبين خيبة الأمل من المحتوى والصورة الفاضحة التي ظهرت به مجتمعاتنا
العربية، او بالأصح الصورة التي أظهرها الفيلم لنا.
ولعلّي استهل حديثي بالقول إن فكرة الفيلم
الايطالي كانت هادفةً وغايةً في الروعة، وقد نجحت بالفعل في إثارة المشاهدين،
وتسليط الضوء على مشكلة التقوقع خلف ستار الخصوصيّة، التي تعاني منها مجتمعاتنا
بشكل عام. ولعل عنوان الفيلم يشير إلى تلك المتلازمة التي بتنا نعاني منها في
عصرنا الحاضر أكثر من أي وقت مضى (Perfect Strangers). ففي الوقت الذي يتناول فيه الفيلم حياة
مجموعة من الأصدقاء القدامى وعلاقاتهم العائلية المُقرّبة، إلا أنه يركّز على
أسرارهم الدفينة التي يحتفظ بها كل فرد لنفسه، بحيث تتداخل الشخصيات داخل الفرد
الواحد، ويصبح الفرد فيهم في المحصلّة غريباً عمّن حوله، لا يدرك خفاياه حتى أقرب
الناس اليه.
وبما أننا نعيش في عصر التكنولوجيا،
والأجهزة الالكترونية وتطبيقات التواصل الاجتماعي، فقد باتت هذه الأجهزة المحمولة
هي صندوقنا الأسود الذي نخفي فيه كل أسرارنا ونواقصنا. ومن هذه النقطة بالتحديد
يصبح للتحدّي الذي تطلقه إحدى شخصيات الفيلم معنىً كبيراً بأن يقبل الفرد فينا
التجرّد من صندوقه الأسود، وأن يمتلك من الشجاعة ما يكفي كي يقف أمام الجميع
"عارياً" دون أي غطاء!
وفي التفاصيل يقبل الأصدقاء التحدي لأن
عدم القبول يعني أنه يُخفي شيئاً ما، وتتسارع الأحداث بعد أن يضع جميع الأصدقاء
أجهزتهم الخلوية على الطاولة، ويبدأوا في تلقّي المكالمات على العلن، وقراءة
الرسائل على الملأ، وتتواصل الحبكة الفنيّة وتتطور الأحداث وصولاً إلى الكشف عن
أسرار هؤلاء الأصدقاء أمام بعضهم البعض، والتي تكون كفيلةً بأن يتحوّل الفرد فيهم
إلى شخص غريب تماماً عمّن كان يُظهر في العلن!. وقد كتبت قبل سنوات عبر هذه
النافذة بالذات مقالاً أشدت فيه بفكرة الفيلم ونجاحه اللافت.
هذه الفكرة المُذهلة والعبقرية كانت
تستدعي اجتهاداً من القائمين على فيلم "أصحاب ولا أعز"، بداية من
العنوان ونهاية بتطورات الأحداث، فقد جاء الفيلم نسخةً طبق الأصل عن الفيلم
الأجنبي، وكأن أسرار العائلات الايطالية هي ذات أسرار العائلات العربية، وأن
المشاكل الزوجية واهتمامات الأفراد هناك هي ذاتها هنا.
مشكلة القائمين على هذا الفيلم، هي ذات
المشكلة التي تواجه كل المُبدعين والمثقفين والاداريين بل والسياسيين في عالمنا
العربي، مشكلة "الإستسهال"، والوقوع في فخ التقليد الأعمى دون إبداع،
دون خصوصية، وبالتأكيد دون هويّة! فإن نجحت التجربة عزوها إلى أنفسهم، وإن فشلت
قالوا إنما هي أفكار أؤلئك!
كنت أتمنى أن يتم طرح مشاكل الأقليّات
العرقية في مجتمعاتنا بدلاً من مشاكل الشواذ، مشاكل الشباب وهمومهم المُعاصرة،
المخدرات، رفاق السوء، بدلاً من مشكلة فتاة مراهقة طلب منها صديقها أن يمارسا
الجنس، كنت أتمنى أن يتم عرض مشاكل الفساد والرشوة والمحسوبية التي نخرت مجتمعاتنا.
كنت أتمنى حين تُطرح مشكلة الخيانة
الزوجية، أو العلاقات الفاضحة في العالم الافتراضي، أن يتم تقديمها أيضاً بشكل هادف
وقريب من مجتمعاتنا.
هناك الكثير من الأزمات والأسرار التي تستحق
أن تُطرح على طاولة مشاكلنا في المجتعات العربية، غير تلك التي عرضها الفيلم، وكان
بالإمكان أن يحقق الفيلم الغاية منه، وأن يُسلّط الضوء على مشاكلنا الحقيقية،
بدلاً من استيرادها من الخارج!
إن هدف كل عمل ثقافي وفنّي هو إحداث تلك
الصدمة والدهشة عند المُتلقّي، أن يضع المشاهد في مواجهة أخطائه وقصوره ومشاكله
الحقيقية، أن يصوّر له كل سلبياته ويضعه في ورطة تفرض عليه تقبّل هذه السلبيات
بدايةً ثم العمل على تفاديها ومعالجة آثارها ثانياً.
برأيي كمُشاهد ومتابع مهتم بالسينما، إن
هذه النسخة العربية لم تحقق تلك الصدمة أو الدهشة، ولم تصنع ذلك التأثير على
المتلقّي، بل إنها لم تستدعِ التأمل فيها أو التفكر فيها ولو للحظات، لأنها لم تكن
صادقة ولا مُقنعة، لم تكن "أصيلة"، وبالتالي لم يصدقها أحد أو يأخذها
بمحمل الجد، ومن هنا فقدت كل مقوّمات النجاح!
في الختام لا بد من القول ببالغ الأسف إن
الشيء الوحيد الذي اجتهد فيه القائمون على العمل وحاولوا تحويله إلى نسخة عربية
حقيقية، كان استخدام الألفاظ النابية والخادشة للحياء في الفيلم، وأعتقد أن هذه
الخاتمة توجز كل شيء!
أيمن
يوسف أبولبن
كاتب
ومُدوّن من الأردن
2-2-2022