الثلاثاء، 18 أغسطس 2020

العالم العربي ينفجر ‏!


لم يكن انفجار مرفأ بيروت سوى انعكاس لانفجار الوضع السياسي والاقتصادي المعيشي في لبنان، بل وفي العالم العربي ككل، إنه استعارة لحظية لعدة انفجارات داخلية لم يُسمع صوتها.

"لقد أصبحت منظومة الفساد أكبر من الدولة!" هكذا قال "حسّان دياب" رئيس الوزراء المغلوب على أمره في خطاب الاستقالة، لقد تجاوز الفساد كل خطوط قوس قزح حتى وصل إلى القاع فارتد على نفسه ثانية فوقع الانفجار!

فهل تستفيد باقي الشعوب والأنظمة في المنطقة من الدرس قبل فوات الأوان؟!


الانفجار كان مفاجئاً في التوقيت، ربما، لكن الحدث العظيم كان قادماً لا محالة، فكل المقدمات والمؤشرات كانت حاضرة، والمسألة كانت مسألة وقت لا أكثر.


عندما انسحبت القوات البريطانية من سوريا الكبرى تاركةً وراءها حليفها الملك فيصل وثوّاره العرب، متيحة المجال للقوات الفرنسية للتقدم، كما فعلت في فلسطين لاحقاً متيحة المجال للعصابات الصهيونية هناك للاستئثار بالأرض، استطاع غورو القائد الفرنسي سحق الثورة العربية وطرد الملك فيصل سريعاً، ولكن ذلك لم يكن الأسوأ، إذ أن الاستعمار الفرنسي قام بتقسيم سوريا الكبرى (ومن ضمنها ما يعرف اليوم بلبنان) إلى مناطق طائفية وعرقية، وجعل لكل منها ما يعرف بمناطق الحكم الذاتي، تنفيذاً عملياً لاستراتيجيّة (فرّق تسدّ).

وكان لهذا التقسيم فعل السحر، إذ لم تقم قائمة للقوميّة العربية الحقيقية بعد ذلك وكل ما جنيناه هو شعارات فارغة أثبتت عقمها وفشلها الذريع على أرض الواقع، نجحنا من خلالها بإخفاء اختلافاتنا وانقساماتنا فقط، ومع أول شعلة للثورة السلمية في سوريا مع انتفاضة الربيع العربي، ظهر الانقسام الحقيقي، وبدا أن الثورة هي ثورة سنيّة في وجه العلويين والشيعة والصفويين، رغم أنها كانت ثورة اجتماعية ضد الطغيان والفساد، وزاد الطين بلّة دخول حزب الله على الخط، وإمعانه في تأكيد الحرب الدينية بترسيخه للطائفية.


أما في لبنان، فالأمر أكثر مرارة، إذا استمر الوضع فيه وكأن الاستعمار الفرنسي ما زال قائماً، وكأنه يحكم عن بعد، وهذا ما تأكد حين وقّع عشرات الآلآف على وثيقة تطالب بعودة "الانتداب الفرنسي" للبلاد مؤخراً، ولسان حالهم يقول لا نريد أن نتوحّد ولا نريد وطناً، ولكن على الأقل نريد حماية الطوائف في البلد، كي لا يمحق بعضنا بعضاً!!


إن الانفجار الذي شهده لبنان ما هو إلا انفجار في وجه الانقسام الطائفي، الذي أدى إلى تحكّم ملوك الطوائف بمصير البلد ومصائر الملايين من سكانه، والمشكلة أن اللبنانيين ما زالوا يتلاومون فيما بينهم إلى اليوم عن مسؤولية الفاسدين، يا أعزائي كلنا مسؤولون أو كلنا لصوص، لا فرق، طالما أننا نؤمن بالتمييز الطائفي والعرقي، ونقدّس الدستور الذي يقسّم المناصب والكراسي على أسس طائفية!!


لن تقوم قائمة للبنان أو لغيره من البلدان، سوى بالايمان بالتعددية وحرية التعبير والعمل على تأسيس دولة مدنية، على أسس وطنية لا على أسس تقسيمات الاستعمار وملوك الطوائف وزعامات الكهنوت والقداسات الفارغة. 


قبل أيام وقع الانفجار الآخر، في إعلان دولة الامارات اتفاقها مع دولة الاحتلال الصهيوني، على التطبيع بين البلدين وترسيخ أسس التعاون فيما بينهما.


في ظل الوضع الراهن وما تشهده الساحة الفلسطينية من خروقات مستمرة للاتفاقيات الدولية، وإمعان في سلب الشعب الفلسطيني من أدنى حقوقه، والإصرار على يهودية الدولة واغلاق الطريق أمام أي حل مستقبلي، لا يمكن وصف الخطوة الإماراتية نحو التطبيع سوى بالطعنة في ظهر الأمة العربية والقضية الفلسطينية.


أما تسويق هذا التطبيع على أنه جاء نتيجة نجاح إماراتي في وقف مشروع ضم الأغوار، فهو مغالطة مفضوحة، فمشروع ضم الأغوار قد توقف بالفعل، وهو مشروع مختلف عليه حتى في داخل أروقة الحكومة الصهيونية، كما ان مسألة تقديم جائزة لدولة الاحتلال مقابل تعهدها بعدم توسيع رقعة الاحتلال، لهو أشبه بمكافأة اللص وقاطع الطريق لإبقائه على حياة الضحية!


التطبيع الاماراتي الاسرائيلي هو جائزة مجانية لترامب ونتنياهو، وإنجاز يتفاخر به كلاهما، في محاولة يائسة لإنقاذ نفسيهما، أما المستفيد الأكبر من ذلك، فهو دولة الاحتلال التي استطاعت خرق الصف العربي وتمكّنت من ترسيخ مبدأ الشرق الأوسط الكبير "مرة أخرى" على نفس المبدأ الاستعماري القديم؛ دولة يهودية تعيش جنباً إلى جنب مع دول سنية وشيعية وعلوية ..الخ تجمعهم مصالح اقتصادية وسياسية، لا تخشى الدول فيه من اليهود الصهاينة "الودودين"، بل يخشون من أنفسهم!!.


مرة أخرى نقول إن التوقيت كان مفاجئاً، ولكن الانفجار لم يكن كذلك، بل هو انعكاس أيضاً لحالة التشرذم الذي يعيشه الوطن العربي، مع ذوبان القيم المشتركة وهموم الوطن العربي الواحد، وانشغال كل دولة أو دويلة بشؤونها الداخلية.

التطبيع كان قادماً لا محالة، وقد سبقته إرهاصات التعايش والتطبيع الثقافي والرياضي والتجاري، وتم التمهيد له من خلال الإعلام، والمسلسلات التي تتحدث عن تاريخ اليهود في المنطقة، وحقهم الانساني في الاستيطان والتعايش مع شعوب المنطقة، والمسألة كانت مسألة وقت لا أكثر، بل إن الخطوة الاماراتية ستكون بادرة تشجيعية لباقي الدول المترددة في إعلان تطبيعها!.


العالم العربي اليوم أصبح يشكّل حالة "لبنان الكبير"، وطنٌ تحكمه ملوك الطوائف، بانتظار الانفجار الكبير، الذي سنندب بعده حظنا ونتلاوم فيما بيننا، متجاهلين ومنكرين أننا جميعاً مسؤولون، أو أننا جميعا فاسدون، أو أننا جميعاً لصوص، لا فرق!!



أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

17-8-2020

الاثنين، 3 أغسطس 2020

التغوّل على الديمقراطية


تصر الحكومة اﻷردنية على تذكير الشعب بين فترة وأخرى بالعلاقة التقليدية بين السلطة والشعب، فرغم التقارب الواضج بين الحكومة والشعب نتيجة التلاحم الذي تحقق في أزمة كورونا والنتائج اﻻيجابية التي حققها التعاون الوثيق والقريب بين فئات الشعب المختلفة ومؤسسات الدولة المدنية منها والحكومية، انقلبت الحكومة على تلك العلاقة الشفافة والحميمة باجراءات تعسفية ضد نقابة المعلمين ﻻ يمكن تفسيرها سوى باﻻستقواء على الشعب ومؤسساته المدنية واستعراضها للقوة.


ولعلنا هنا نسترجع كيفية تعامل وزارة الداخلية مع اعتصامات المعلمين في العام الفائت والتي لم تختلف عن ذات الطريقة اﻷمنية واستعراض القوة، بل والاستخفاف بكرامة المعتصمين، ولولا تصعيد النقابة ﻻجراءات اﻻعتصامات واﻻضراب عن العمل، ولوﻻ التكاتف المؤسساتي، والمناصرة الشعبية لقضية المعلمين العادلة ﻻنتصرت القوة على الحق والسلطة الأمنية على إرادة الشعب.


ولعل السؤال القديم المتجدد ما زال مطروحا: من يقود الحكومة؟ هل هو رئيس الوزراء الواعد بالشفافية واحترام إرادة الشعب ومكافحة الفساد والذي جاء الى رئاسة الوزراء استجابة ﻻنتفاضة الشارع ضد الأحوال المعيشية الصعبة وظروف الفساد العام في البلاد، أم وزارة الداخلية واﻷجهزة اﻷمنية ؟


السؤال منطقي ومشروع في ظل التناقض الواضح بين اﻷجندات والشعارات وبين الأسلوب اﻷمني والتهديد الذي تتصرف فيه الحكومة في الملفات الخاصة.


نقابة المعلمين من أكثر النقابات ديناميكية وتعمقا في المجتمع اﻻردني وتضم نحو مئة وعشرين ألف عضو، ينتخبون أعضاء نقابتهم بالتصويت الديمقراطي الحر، وهي بذلك تمثل إرادة الشعب أمام حكومة غير منتخبة يتم تعيينها بناء على تفاهمات بين مراكز القوى في الدولة وعلى رأسها بالضرورة الأجهزة الأمنية. 


لهذا كان التكاتف والتضامن مع نقابة المعلمين في قضيتها العادلة أمام الحكومة، ليس فقط لكونه مستحقا وعادﻻ بل لأنه كان متوقعا ومعلوما لكل من يحاول قراءة القضية بعيداً عن النظرة الأمنية، ولكن السلطة ترفض على الدوام فهم الشارع وتصر على التعامل مع كل القضايا الشائكة بنظرة أحادية واحدة "القبضة الأمنية وفرض السلطة على الشعب".


هذه النظرة الأمنية لم تتغير للأسف رغم كل الوعود بالتحوّل الديمقراطي واحترام حرية التعبير وإرادة الشعب، 

ومما يزيد الطين بلة، قرار النائب العام منع النشر في قضية نقابة المعلمين، في تجاوزٍ آخر للدستور وتغوّل جديد على حرية التعبير واستقلال إرادة الشعب.


من المؤسف أنه كلما اقترب الشعب من الحكومة ذراعاً ابتعدت عنه باعاً، وكلما قرر الشعب التجاوز عن كل اﻻخفاقات والعديد من اﻻهماﻻت واقناع نفسه أنه يعيش في أجواء ديمقراطية وحرية وأمن وأمان أفضل بكثير من غيره من الشعوب، ويقرر التعامل مع الواقع والقبول به، تصر الجكومة على تذكيره بطبيعة العلاقة التقليدية بين السلطة والشعب، بين السلطة والمثقف، وبين السلطة والمعارضة؛ القمع وفرض الرأي بالقوة تحت ذريعة الحفاظ على هيبة الدولة، أو التجاوزات القانونية والادارية، والتحريض، واتباع أجندات خارجية.


المشكلة أن الحكومة وأبواقها ممعنون في اﻻقتناع بأنهم ومن خلال استخدامهم للقبضة الأمنية هذه، يحرسون الوطن ويحفظونه من كل سوء، تماماً كما يفعل الأب المتسلط حين يقرّع أبناءه ويتنمّر عليهم ويعنّفهم ويعاقبهم ظناً منه أنه يحسن صنعا، ويقوّم من سلوكهم ويحسن تربيتهم!!.


قبل ان تسترسل رئاسة الوزراء ووزارة الاعلام، في وعودها بالحديث عن دولة حريات ودولة مؤسسات وعن دولة المواطنة، على السلطة أوﻻ وقبل كل شيء تغيير الفكر ذاته، تغيير العقلية والذهنية المخابراتية والأمنية، تغيير الشخوص الذين يعتقدون أن امتلاكهم للسلطات والصلاحيات واتخاذ القرارات، يخوّلهم استخدام كل ذلك لفرض آرائهم ومعتقداتهم التي تجاوز عنها الزمن منذ عقود.

إن وجود هؤلاء اﻻشخاص وهذه العقليات في هذه المناصب كفيل لوحده، باشعال فتيل اﻷزمات مع أي مواجهة مع المؤسسات المدنية، مهما كانت بسيطة أو عادلة وواضحة.


نقابة المعلمين ليست منزهة عن اﻻخطاء والتجاوزات أو الخروقات اﻻدارية، وأفرادها أيضا لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ولكن تجاوزات السلطة جعلت من النقابة رمزاً لإرادة الشعب وللمواطن البسيط في مواجهة السلطة والتغوّل على الديمقراطية والحريات، وهذا ما يدفع الشعب للوقوف مع المعلم ومع نقابة المعلمين في مواجهة اﻻجراءات التعسفية وتكميم الأفواه.


اجراءات الاعتقال التي رافقت إغلاق نقابة المعلمين، وتعليق نشاطاتها، مخزية وﻻ تليق بمؤسسة مدنية تمثل كافة أطياف الشعب اﻻردني، عدا عن أنها في المقام الأول ﻻ تليق بالدولة والحكومة التي تمثلها.


وهذا يدفعنا للتساؤل، إذا كان تعامل الحكومة مع نقابة المعلمين بهذا الشكل، فكيف ستتعامل الحكومة لو كانت هناك أحزاب سياسية حقيقية وفاعلة تعارض نهج الحكومة وتقوم بتنظيم الاعتصامات واستخدام الوسائل الديمقراطية للتعبير عن رأيها؟!


وإذا كانت نقابة المعلمين الحالية تنتمي إلى تيار حزبي معين، فهذا ليس عيباً أو سبباً يستدعي التحريض عليها، ألسنا دولة ديمقراطية تدّعي تشجيع العمل الحزبي، والانتخابات الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير؟! فلماذا يضيق صدرنا حين ينجح تنظيم ما من الوصول إلى مناصب القيادة في مؤسسات الدولة، عن طريق صناديق الانتخابات؟!


في النهاية نقول، إذا كان الحفاظ على هيبة الدولة هو السبب المعلن وراء هذه اﻻعتقاﻻت واﻻجراءات كما صرحت الحكومة فإن الحفاظ على هيبة الدولة لا يكون بالاستقواء على الشعب وممثليه ومؤسساته المدنية، بل بالحفاظ على حرية الرأي والتعبير، وتعزيز الوسائل الديمقراطية، والحفاظ على كرامة الوطن والمواطنين، بمحاربة الفساد والفاسدين الذين تغوّلوا على مقدرات الوطن والمواطنين، تكون بالانتصار لحقوق المواطنين البسطاء والضعفاء، ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة، بدلاً من محاربة المواطن في لقمة عيشه، وملاحقة أصحاب البسطات والمشاريع الصغيرة!

للأسف ضاعت هيبة الدولة بأيديكم!



أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

2-8-2020