الاثنين، 23 مايو 2022

الشهيدة التي لا يجوز الترحم عليها!


لم تكن واقعة استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة مريرة بواقع اغتيال الكلمة فقط، بل باغتيال الانسانية ومفاهيم المواطنة والتعايش في مجتمعاتنا العربية، فما كاد الناشطون والمثقفون يبدأون برثاء شيرين وذكر "استشهادها" والدعاء بالرحمة لها، حتى انبرى البعض مُذكراً بعدم جواز الرحمة والدعاء لغير المسلم!
ولعلني أبدأ مقالي هذا بالقول إن كل حراك فكري هو حوار إيجابي حتماً، وإن تحريك المياه الراكدة سيدفع بالرواسب والعوالق إلى السطح مما يسهل من عملية تنظيفها.
ولكن عتبي الأكبر على كل من حاول الدفاع عن موقفه بالترحّم على شيرين من مبدأ "شيرين غير" أو مبدأ الوحدة في وجه العدو الصهيوني، لأن الفكر يُرد عليه بالفكر والأدلة وليس بالعواطف.

بدايةً أود القول أنه حان الأوان لتصحيح عدة مفاهيم خاطئة متوارثة، بل متأصلة في العقيدة التي درسناها وحفظناها، وللأسف فإن ذات العقيدة التراثية ما زالت تُدرّس في جميع بلداننا وتحظى بمباركة وقبول مجتمعاتنا.
إن المسؤولية اليوم تقع على عاتق الأفراد أنفسهم، لأن المؤسسات الدينية هي التي تحرص كل الحرص على تقديس التراث وتحارب كل من يتجرأ على مناقشته وطرح أي رأي مخالف.

من هم المسلمون

في حين يستأثر التراثيون بوصف أتباع سيدنا محمد (ص) بالمسلمين، فإن الله سبحانه وتعالى قال صراحة ودون لبس في كتابه العزيز أن الاسلام هو دين الله وأن كل الموحدين من أتباع الرسالات كافة هم مسلمون من عهد سيدنا آدم إلى سيدنا محمد (ص)، وأن الاسلام هو التوحيد بالله والايمان باليوم الآخر والعمل الصالح (العبادات والمعاملات أو الأخلاق)، في حين وصف أتباع سيدنا محمد بالمؤمنين أو الذين آمنوا، وأتباع الرسالات الأخرى بأهل الكتاب.
وهذا المفهوم الشامل للاسلام من شأنه أن يضع جانباً كل الاختلافات والاتهامات التي يرمي بها أصحاب الرسالات السماوية بعضهم بعضاً بل وأصحاب الرسالة الواحدة!

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة 62

هل طُلب منا إطلاق الأحكام على البشر؟

لقد حرص الله سبحانه وتعالى على توضيح ان الحساب بيده وحده، وأن الثواب والعقاب متروك له وحده، كي لا يتألّه أحد على الله ويدّعي انه يملك مفاتيح الجنة والنار وتوزيع صكوك الغفران، ووضح لنا أن المطلوب منا هو الدعوة الحسنة وترك ما لا يعنينا

(أدْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (

هل الرحمة مختصة برسالة معينة؟

(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ لرَّحِيمُ)

في محاولاتنا لفهم كتاب الله عز وجل علينا أن نستوعب أن هذا الكتاب هو من عند الله سبحانه وتعالى وأن نظمه وتفصيله وتوقيع معانيه ومصطلحاته تستلزم دقة الفهم والوعي من المتلقي، وأن جُلّ مشاكلنا في التفسير صادر عن قناعتنا بوجود المترادفات ونسخ الآيات بعضها لبعض، في حين أنه لا يوجد تعارض بين آية وأخرى إلا في عقول التراثيين.

يقول الله سبحانه وتعالى لعباده وليس لطائفة محددة ولا أتباع رسالة محددة، بأنه يغفر الذنوب جميعا، ويدعوهم إلى عدم اليأس من رحمته، فيما نحن نقسّم رحمة الله فنختص بها أنفسنا ونحرم غيرنا منها!
بل إن الله سبحانه وتعالى قد لام على الأقوام السابقين بأنهم كانوا يقولون أنهم أحباب الله وأن أحدا غيرهم لن يدخل الجنة، وبعد أن منّ الله علينا بالايمان أخذنا منهم تلك الدعيّة وأطلقناها على أنفسنا!

القول بشرك أهل الكتاب وكفرهم

لقد وضح الله سبحانه وتعالى الضلال الذي وقع فيه (بعض) أهل الرسالات السماوية الأخرى وبيّنه لنا كي نستوعب الدين الصحيح على النحو الذي ينبغي ولا نقع في الشرك بأن نشرك سيدنا محمد في الألوهية مثلا أو نقع في شرك تجسيد الله وغيره من الأمور ولكن الله سبحانه وتعالى كان دقيقاً في وصف هذا الشرك والكفر في "بعض" أهل الكتاب ولم يعمّم هذا الأمر عليهم، ومن باب أولى أن لا نحكم على بواطن الأمور وعلى إيمان البشر وما في قلوبهم، والأحرى بنا أن نتحلّى بصفات الاسلام ونلتزم بالقيم الانسانية العظمى، وندعو بالرحمة التي كتبها الله على نفسه (قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء)

وقد وصف الله سبحانه وتعالى أهل الكتاب بما يليق بهم من إنسانية، ووضعهم في مكانهم الصحيح من البشرية، فمنهم المؤمنون ومنهم الكافرون كبقية البشر 

((لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)) آل عمران 

الغريب أن المفسرين الأوائل عندما عجزوا عن تفسير هذه الآيات نتيجة تعارضها مع مفهومهم المتوارث، قالوا إن المقصود بهذه الآيات هم أهل الكتاب الذين آمنوا بمحمد، ولا أعلم كيف تم إقحام الايمان بسيدنا محمد (ص) في هذا النص!
كما يلاحظ من النص استخدام الفعل المضارع (يؤمنون يأمرون يفعلوا) للتأكيد على حضور واستمرار هذا العمل وأنه لا يخص مدة زمنية محددة، وهذا ينفي بعض التفسيرات التي تقول ان المقصود هم أهل الكتاب قبل بعثة سيدنا محمد فحسب.

هل هناك فئة أو طائفة ستدخل الجنة بدون حساب

يقول الله سبحانه وتعالى في نص صريح وواضح: ((لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا (123) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)) سورة النساء

فالقاعدة العامة تقول إن كل فرد سيجازى على ما سيعمل، ولو كان من أتباع سيدنا محمد (ص)، وأن شرط قبول الأعمال الحسنة هو الايمان بالله واليوم الآخر، وهو أمر ليس محصورا في أمّة بذاتها، لاحظوا أن النص تحدث عن الأفراد وليس الأمم (من ذكر أو أنثى).
 
طلب الرحمة والمغفرة

في أواخر سورة المائدة هناك حوار جليل بين الله سبحانه وتعالى وسيدنا عيسى عن النصارى الذين أشركوا السيدة مريم والسيد المسيح في الألوهية، وفي نهاية هذا الحديث يقول سيدنا عيسى (إِن تُعَذِّبۡهُمۡ فَإِنَّهُمۡ عِبَادُكَۖ وَإِن تَغۡفِرۡ لَهُمۡ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ).

وأنهي حديثي بالقول بأننا لا نقول سوى ما قاله عيسى في حضرة الله سبحانه وتعالى (وقول الله الغيب هو قول واقع) وعُلمنا لا يتجاوز علم رسول من الرسل، ولو كان قد حقّ العذاب على هذه الفئة (رغم أنها أشركت في الألوهية) لما تجرأ سيدنا عيسى على جعل المغفرة خياراً مطروحاً ولكان ذلك مخالفة لأوامر الله، ويأتي جواب الله لعيسى مصداقاً لهذا القول) قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ) فبقي باب المغفرة والرحمة مفتوحاً والأمر كله لله.
فما علينا اليوم سوى طلب الرحمة لأخوتنا في الانسانية وإخوتنا في الاسلام دين الله الشامل، و الله رحيم واسع المغفرة، وسيبقى كذلك في أذهاننا ووجداننا، مهما صوره البعض بخلاف ذلك، وهو الذي أباح لنا الزواج من أهل الكتاب، فكيف نتزوج ممّن لا نرجو رحمة الله لها!


أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
22-5-2022

الأربعاء، 2 فبراير 2022

"أصحاب ولا أعز" الإستسهال وفخّ التقليد




 بداية دعونا ننوّه إلى قضيتين رئيسيتين، أولاهما أن الرواية الأصلية للفيلم والنسخة الأصلية "الايطالية" يستحقان الاعجاب والاشادة، وقد نال الفيلم الايطالي عدة جوائز دولية، وتم انتاج 19 نسخة عنه بلغات العالم، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن جميع النسخ وبالأخص النسخة العربية هي نسخٌ ناجحة.

 

والثانية، ضرورة التفريق بين الجانب الفني للفيلم العربي من ناحية أداء الممثلين، والتصوير والاخراج...الخ، والذي كان ناجحاً إلى حد كبير، وبين خيبة الأمل من المحتوى والصورة الفاضحة التي ظهرت به مجتمعاتنا العربية، او بالأصح الصورة التي أظهرها الفيلم لنا.

 

ولعلّي استهل حديثي بالقول إن فكرة الفيلم الايطالي كانت هادفةً وغايةً في الروعة، وقد نجحت بالفعل في إثارة المشاهدين، وتسليط الضوء على مشكلة التقوقع خلف ستار الخصوصيّة، التي تعاني منها مجتمعاتنا بشكل عام. ولعل عنوان الفيلم يشير إلى تلك المتلازمة التي بتنا نعاني منها في عصرنا الحاضر أكثر من أي وقت مضى (Perfect Strangers). ففي الوقت الذي يتناول فيه الفيلم حياة مجموعة من الأصدقاء القدامى وعلاقاتهم العائلية المُقرّبة، إلا أنه يركّز على أسرارهم الدفينة التي يحتفظ بها كل فرد لنفسه، بحيث تتداخل الشخصيات داخل الفرد الواحد، ويصبح الفرد فيهم في المحصلّة غريباً عمّن حوله، لا يدرك خفاياه حتى أقرب الناس اليه.

 

وبما أننا نعيش في عصر التكنولوجيا، والأجهزة الالكترونية وتطبيقات التواصل الاجتماعي، فقد باتت هذه الأجهزة المحمولة هي صندوقنا الأسود الذي نخفي فيه كل أسرارنا ونواقصنا. ومن هذه النقطة بالتحديد يصبح للتحدّي الذي تطلقه إحدى شخصيات الفيلم معنىً كبيراً بأن يقبل الفرد فينا التجرّد من صندوقه الأسود، وأن يمتلك من الشجاعة ما يكفي كي يقف أمام الجميع "عارياً" دون أي غطاء!

 

وفي التفاصيل يقبل الأصدقاء التحدي لأن عدم القبول يعني أنه يُخفي شيئاً ما، وتتسارع الأحداث بعد أن يضع جميع الأصدقاء أجهزتهم الخلوية على الطاولة، ويبدأوا في تلقّي المكالمات على العلن، وقراءة الرسائل على الملأ، وتتواصل الحبكة الفنيّة وتتطور الأحداث وصولاً إلى الكشف عن أسرار هؤلاء الأصدقاء أمام بعضهم البعض، والتي تكون كفيلةً بأن يتحوّل الفرد فيهم إلى شخص غريب تماماً عمّن كان يُظهر في العلن!. وقد كتبت قبل سنوات عبر هذه النافذة بالذات مقالاً أشدت فيه بفكرة الفيلم ونجاحه اللافت.

 

هذه الفكرة المُذهلة والعبقرية كانت تستدعي اجتهاداً من القائمين على فيلم "أصحاب ولا أعز"، بداية من العنوان ونهاية بتطورات الأحداث، فقد جاء الفيلم نسخةً طبق الأصل عن الفيلم الأجنبي، وكأن أسرار العائلات الايطالية هي ذات أسرار العائلات العربية، وأن المشاكل الزوجية واهتمامات الأفراد هناك هي ذاتها هنا.

 

مشكلة القائمين على هذا الفيلم، هي ذات المشكلة التي تواجه كل المُبدعين والمثقفين والاداريين بل والسياسيين في عالمنا العربي، مشكلة "الإستسهال"، والوقوع في فخ التقليد الأعمى دون إبداع، دون خصوصية، وبالتأكيد دون هويّة! فإن نجحت التجربة عزوها إلى أنفسهم، وإن فشلت قالوا إنما هي أفكار أؤلئك!

 

كنت أتمنى أن يتم طرح مشاكل الأقليّات العرقية في مجتمعاتنا بدلاً من مشاكل الشواذ، مشاكل الشباب وهمومهم المُعاصرة، المخدرات، رفاق السوء، بدلاً من مشكلة فتاة مراهقة طلب منها صديقها أن يمارسا الجنس، كنت أتمنى أن يتم عرض مشاكل الفساد والرشوة والمحسوبية التي نخرت مجتمعاتنا.

كنت أتمنى حين تُطرح مشكلة الخيانة الزوجية، أو العلاقات الفاضحة في العالم الافتراضي، أن يتم تقديمها أيضاً بشكل هادف وقريب من مجتمعاتنا.

 

هناك الكثير من الأزمات والأسرار التي تستحق أن تُطرح على طاولة مشاكلنا في المجتعات العربية، غير تلك التي عرضها الفيلم، وكان بالإمكان أن يحقق الفيلم الغاية منه، وأن يُسلّط الضوء على مشاكلنا الحقيقية، بدلاً من استيرادها من الخارج!

 

إن هدف كل عمل ثقافي وفنّي هو إحداث تلك الصدمة والدهشة عند المُتلقّي، أن يضع المشاهد في مواجهة أخطائه وقصوره ومشاكله الحقيقية، أن يصوّر له كل سلبياته ويضعه في ورطة تفرض عليه تقبّل هذه السلبيات بدايةً ثم العمل على تفاديها ومعالجة آثارها ثانياً.

برأيي كمُشاهد ومتابع مهتم بالسينما، إن هذه النسخة العربية لم تحقق تلك الصدمة أو الدهشة، ولم تصنع ذلك التأثير على المتلقّي، بل إنها لم تستدعِ التأمل فيها أو التفكر فيها ولو للحظات، لأنها لم تكن صادقة ولا مُقنعة، لم تكن "أصيلة"، وبالتالي لم يصدقها أحد أو يأخذها بمحمل الجد، ومن هنا فقدت كل مقوّمات النجاح!

 

في الختام لا بد من القول ببالغ الأسف إن الشيء الوحيد الذي اجتهد فيه القائمون على العمل وحاولوا تحويله إلى نسخة عربية حقيقية، كان استخدام الألفاظ النابية والخادشة للحياء في الفيلم، وأعتقد أن هذه الخاتمة توجز كل شيء!

 

 

أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

2-2-2022

الاثنين، 24 يناير 2022

الأردن ليس بخير


منذ عام 2011 ونحن نتحدث عن الاصلاح في الأردن، حديثٌ عن إصلاحات سياسية، حكومة مُنتخبة، ملكيّة دستوريّة، قانون انتخاب مُعاصر، تفعيلُ دور الأحزاب، دعم الشباب والمراة، إلخ القائمة الطويلة من مطالبات لأدنى حقوق الشعوب، ولكنه كلامٌ عابر في زمانٍ عابر!


مع كل هبّة شعبية نستبشر بالخير، وكيف لا وجميع المسؤولين من قمة الهرم إلى قاعدته يتحدثون عن ضرورة الاصلاح، ويبشّرون بمستقبلٍ مُشرق للأردن والأردنيين، ولكننا نسمع جعجعةً ولا نرى طحناً!


نحن في الأردن لسنا بمعزل عن باقي الدول العربية التي تأخر فيها الاصلاح، أو بالأحرى تأخرت فيها مطالب الاصلاح، لأننا كنا مدجّنين "كغيرنا" بالخوف من المشروع الصهيوني والقوى الامبريالية، وتدخلات أطراف خارجية، ولمّا لم يعد لهذه الشعارات تأثيرٌ أو فاعلية تُذكر، بعد أن كسر شباب الربيع العربي حاجز الخوف، تم ابتكار معوّقات معاصرة تناسب الحدث، فتارة يدّعون أن الفساد والفاسدون يعيقون حركة التقدم والاصلاح، وتارة أخرى يحمّلون العشائرية المسؤولية عن تراجع الديمقراطية والمدنيّة، وفي السنوات الأخيرة تحمّلت الحكومات وحدها المسؤولية، حيث حُمّلت حكومة هاني المُلقي "بأشخاصها" مسؤولية تردي الأوضاع في البلاد، وانقلب الشارع عليها، وباركت الدولة ذلك وبالفعل سقطت الحكومة. وها نحن بعد أكثر من ثلاثة أعوام نعيد المشهد مرة أخرى، ما زلنا نعاني من ذات الظروف السياسية والاقتصادية والمعيشية المتردية ولا ندري من نلوم، مجلس النواب أم الحكومة أم أطرافاً خفيّة لا نعلمها!  


إن محاولة حل أي مشكلة دون تحليل المشكلة ذاتها والتعرف على أسبابها هو ضرب من ضروب العبث. لذلك نقول باختصار، إن ما يحصل في الأردن هو منهج صريح وواضح من الدولة الأردنيّة العميقة وأقصد الأجهزة الأمنية والمخابرات والحرس القديم من أركان الدولة، وهذا النهج يهدف إلى المحافظة على شكل الدولة الحالي ومؤسساتها الأمنية والعسكرية في مواجهة أي تغيير ديمقراطي من شأنه سحب البساط من هذه الجهات. 

وهم يؤمنون وبكل إخلاص أن ذلك من مصلحة الأردن والأردنيين.

وهذه الدولة العميقة تتحالف بالتأكيد مع شخصيات متنفذة ورجال أعمال يشكلون فيما بينهم تحالفا مؤثراً وفاعلا على جميع الأصعدة في الأردن، وهم بالتالي يملكون مفاتيح الحل والربط كما يُقال.


هذا التحالف غير المرئي وغير الرسمي يشكل عائقا أساسياً أمام أي اصلاح ديمقراطي حقيقي على الأرض، ناهيك عن بعض المستفيدين من الوضع القائم الذين يركبون موجة "الوطنيّة" ويعارضون الاصلاح بشتى السبل والوسائل.

وهكذا يتم خلق حالة متناقضة من الوعود الجميلة والخطط البرّاقة وورش العمل والأوراق النقاشيّة، واللقاءات التلفزيونية والتصريحات الاعلامية والآمال التي تتجدد عاماً بعد عام، ولكن القطار مُعطّل وقضبان السكّة خرجت عن مسارها، وأني لأخشى أن ينطبق علينا قوله تعالى (وبئرٍ مُعطّلة وقصرٍ مشيد).


كلما تحركت قوى الاصلاح بخطوة إصلاحية أو مشروع قرار، سبقتها الدولة العميقة بتشريع يعيق تلك الاصلاحات ويجعلها هامشية وغير مؤثرة. طالبنا بقانون انتخاب عصري ومجلس نواب يمثّل الشعب، حقيقة الشعب، ويفرز قامات وطنية وحزبية تعبّر عن إرادة الشعب وكلمته، فأنتجوا لنا قانون انتخاب يؤسّس للعشائرية لا للأحزاب، ويجعل من سابع المستحيلات تشكيل كتلة نيابية مؤثرة فضاعت الأصوات وتبعثرت الأجندات السياسية وأصبح المجلس "حارة كل من إيدو إلو" وجلساته البرلمانيّة لا تختلف عن حلقات مقالب غوار وصحّ النوم!


طالبنا بحكومة منتخبة، و ملكيّة دستوريّة، فأصدروا لنا تشريعات تسحب كل السلطات من الحكومة "التي لم تنتخب بعد" وجعلوا السلطة تتركز في مجلس دخيل على الدستور يتمتع بجميع الصلاحيات الأمنية والعلاقات الخارجية، وبذلك أجهضوا كل معنى لأي حكومة مستقبلية حتى ولو كانت مُنتخبة، وهذا كفيل بهدم كل آمال الوصول يوماً ما إلى ملكيّة دستوريّة يحكمها الشعب!.


هذا باختصار هو المشهد الأردني اليوم، ودون فهم هذا التناقض الذي نحن فيه لن نستطيع فهم المعضلة الحقيقية ناهيك عن حل هذه المعضلة!


المطلوب اليوم أكثر من أي يوم مضى، أن يصل صوتنا إلى أصحاب القرار في الدولة، بكل السبل والوسائل وبكل مثابرة وإيمان لنقول إن من يحمي الأردن هو الشعب الأردني الحر الذي يعبر عن إرادته ويواجه كل الأخطار المحدقة به برجالاته وكفاءاته ومؤسساته، لا بالقيّمين عليه أو الأوصياء على خياراته. 

المشكلة ليس في تمكين إرادة الشعب، المشكلة فيمن يعتقد أن الشعب يمارس مراهقة سياسية لا تخوّله ممارسة إي صلاحيّة!


علينا أن نوصل صوتنا بكل قوّة، بأن ما تفعله الدولة من خلق تلك المعوقات لا يراعي مصلحة الأردن المستقبلية ولا مصلحة الأردنيين بل إنه يُقزّم من دورهم، ولا يترك لهم سبيلا إلا مواجهة الدولة ذاتها، وحينها لن يكون الأردن هو الأردن بل سيتحول إلى سوريا أو ليبيا جديدة، وهذا ما لا يريده أحد من الأردنيّين.


قالها الفاروق من قبل (لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها)، ونحن اليوم نقول لكل رجالات الدولة العميقة، إذا كنتم تحبون الأردن فالأولى ان تحبوا الأردنيين وتحرصوا على أن يحققوا مطالبهم الديمقراطية والدستورية وحينها سيعود الأردن بخير!


أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

23-1-2022

الاثنين، 3 يناير 2022

«لا تنظر إلى الأعلى» جهل الشعوب وإرهاصات نظرية المؤامرة


حمل هذا الفيلم "لا تنظر إلى الأعلى" مفاجأة سارة لعشّاق السينما الهادفة، ولمناصري قضايا البيئة والحفاظ على الطبيعة. وعلى عكس المتوقع من شبكة "نت فليكس" وصنّاع السينما بشكل عام، فقد سلّط الفيلم الضوء على تابوهات سياسية واجتماعية وبيئية تم تهميشها عن عمد، وبقيت في طي النسيان لسنوات طويلة.


حبكة الفيلم الظاهرية تدور حول فريق أكاديمي يكتشف نيزكاً عملاقاً متجها إلى الأرض مما يهدد بحدوث تسونامي هائل يهدد وجود البشرية، فيما يكمن محور الفيلم الأساسي في كيفية تعامل البشر على مختلف ثقافاتهم مع هذا التحدي الجديد لوجودهم، وكيفية تعامل "السلطة" مع هذا الأمر ومحاولتها تطويع الرأي العام لخدمة مبتغاها بعيداً عن مصلحة الأرض وأهلها.


يركز الفيلم على السلطات الثلاث الأهم في عصرنا، السلطة السياسية، السلطة الإعلامية، وسلطة التكنولوجيا ورجال الأعمال. ففي حين ترى السلطة السياسية في هذا التحدي فرصة لكسب الأصوات وحشد الجماهير لتقوية مركزها في السلطة عن طريق الاستعراض والتلاعب بالعواطف، يتجه رجال الأعمال إلى تسخير هذه "الفرصة" لزيادة ثرواتها وملكياتها واضعين مصلحة الشعوب والكرة الأرضية في أدنى قائمة اهتماماتهم، فيما تقوم السلطة الإعلامية بخدمة السلطتين الأخريين بما يخدم مصلحتها هي، من خلال التعتيم الإعلامي على القضايا الجوهرية والتركيز على التفاهات الإعلامية وأخبار النجوم، بما يؤدي في النهاية إلى السيطرة على الشعوب من خلال تجهيل البشر وترويج نظريات المؤامرة.


هذه الحالة الفوضوية تنجح في النهاية في إقناع سكان الأرض بعدم وجود أي خطر على حيواتهم أو على الكرة الأرضية، وأن ما يقوله العلماء هو محض هراء نابع من أشخاص مضطربين عقلياً، أو مؤامرة دنيئة تهدف إلى تهديد العيش السلمي.


ويأتي عنوان الفيلم "لا تنظر إلى الأعلى" لتسليط الضوء على المفارقة الكبرى التي يطرحها الفيلم، فحين يطرح العلماء نظريتهم حول وجود المُذنّب، ينقسم البشر بين مشكّك، أولا مبالٍ، أو جاهل غير متابع للتطورات. وعند ظهور المُذنّب واضحاً جلياً في سماء الأرض، يُفترض أن يُحسم الجدل، فكل ما يتطلبه الأمر هو فقط "النظر الى الأعلى" لرؤية الخطر جلياً ووشيكاً، وهذا ما يحاول العلماء قوله للشعوب: بكل بساطة انظروا إلى أعلى، إلا أن السلطات الثلاث تبدأ الترويج لنظرية المؤامرة، وتدعو الشعوب إلى النظر "إلى الأمام" حتى تستمر المسيرة، في حين أن النظر إلى الأعلى سيعيق التقدم البشري!!


على الرغم من أن هذه الصورة الدرامية تحمل من الكوميديا السوداء الشيء الكثير، ورغم أننا نراها مجرد مشهد سينمائي قد يثير الاستغراب أو الضحك، إلا ان الحقيقة المرّة أنها تمثل الواقع بكل تفاصيله، وتعكس حقيقة جهل الشعوب ولا مبالاتها وحالة الإنكار التي تعيشها!


كم منا يتابع أو يهتم بأخبار الكرة الأرضية وما يحدق فيها من أخطار؟ بدءاً من عملية التغيير المناخي وذوبان الجليد وارتفاع منسوب المياه، وحالات التصحّر وانحسار الغابات المطيّرة، وحرائق الغابات؟


كم منّا يكترث لأخبار التسلّح النووي وأسلحة الدمار الشامل؟

كم منّا يكرّس من يومه بعض الوقت لمتابعة أخبار التلوث البيئي واتباع الارشادات للمحافظة على البيئة في المنزل والعمل والسيارة...الخ


من منّا يقوم بتشجيع الصناعات التي تعمل على الطاقة البديلة، أو اقتناء الملابس التي يتم تصنيعها عن طريق إعادة التدوير؟ 

من منّا يشجع الشركات والعلامات التجارية التي تناصر قضايا البيئة وتلتزم بمعايير المحافظة على البيئة؟


من منّا يشجع الصناعات والعلامات التجارية التي تخصص جزءا من ريعها لتشجيع المجتمعات المحلية وتقوم بالخدمات الطوعية والتوعوية للمجتمعات؟


من منّا يحاول ترشيد استهلاك الطاقة والمياه ونشر التوعية حول هذه المواضيع؟


الاجابة بكل اختصار قلة قليلة جداً والأغلبية العظمى إما جاهلة وغير واعية أو غير مبالية البتّة!


نحن بحاجة فقط إلى النظر إلى ما حولنا كي ندرك حجم المعاناة والخطر المحدق فينا وفي الأجيال القادمة، ولكننا كما في شخوص هذا الفيلم لا نكترث!


دعونا لا نذهب بعيداً، انظروا كيف تعاملنا مع جائحة كورونا خلال العامين الماضيين، فرغم كل ما شهدناه من أزمة صحية وانسانية، إلا ان هناك من لا يزال يُشكّك في وجود الوباء أو خطورته، وهناك من يحرّض على عدم أخذ المطعوم والاستجابة للاجراءات الاحترازية!


في هذا العام وصلت الزيادة في درجات الحرارة الى 1.2 درجة مئوية فوق المعدل، وارتفعت درجة الحرارة في المناطق القطبية بأكثر من ثلاث درجات. يعاني نحو 700 مليون شخص حول العالم من نقص الغذاء، وخلال العقد الماضي نزح أكثر من أربعين مليون شخص بسبب الكوارث الطبيعية.


في العراق وحدها تحولت نحو 160 كم من الأراضي الزراعية إلى صحراء جافة في عام 2021.

أما بالنسبة للمياه فإن نسبة المياه الصالحة للشرب لا تتعدى 0.3 بالمئة من نسبة المياه على سطح الكرة الأرضية، وهناك نحو مليار انسان حول العالم يفتقرون لمصادر مياه عذبة. ورغم أن الشرق الأوسط يشكل نحو 5 بالمائة من سكّان العالم إلا أن حصته المائية لا تتجاوز واحد بالمئة من اجمالي المياه العذبة.


هل تعلم عزيزي القارىء أن هناك يوماً عالمياً لدورات المياه، وأن نصف سكان العالم لا يتمتعون بنظام صرف صحي فعّال، وأن نحو 700 مليون شخص لا يمتلكون نظام صرف صحي خاص أو عام ويقضون حاجاتهم في الغابات والمناطق المهجورة؟


كل هذه المعلومات هي حقائق واقعية تعكسها الأرقام ولا تستدعي منّا سوى "النظر إلى أعلى"، فهل نستمر في النظر إلى الأمام؟!


أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

2-1-2022

الاثنين، 13 ديسمبر 2021

لماذا في كانون؟!


 


لماذا في كانون؟!

أفاق آدم صباح يوم من أيام كانون، ومخيّلته عبقة برائحة الشتاء وأطياف الأحباب وذكريات اللقاءات الجميلة والمشي تحت المطر وأنغام موسيقى "زيديني عشقاً".
صنع فنجان قهوة صباحيةٍ وارتشفها على بطىء، كان يحتضن كوب القهوة، وأنفاسهُ تستنشق عبير الكافيين المتصاعد من الكوب.

يتساءل آدمُ، لماذا يرتبط كانون وموسم الشتاء بتلك الذكريات الحميمية؟ لماذا مع نهاية كل عام تتقافز إلى ذهنه كل تلك الذكريات والمواقف، ويسترجع ذكرى أصدقاء ورفقاء درب قدامى، منهم من فارق الحياه ومنهم من تقاطعت مساراتهم وتباعدت أسفارهم في الحياة، ومنهم من هو باقٍ ولكنه يفتقد لشيءٍ ما، شيٌ ما لم يعد كما كان.
وفي لحظات التساؤل تلك، تقتحم مخيّلته أطياف من الذكريات، ويُعرض أمام ناظريه ألبومُ صورٍ كأنه فيلم ارشيفي لحقبة زمنية ماضية.

لماذا في كانون؟ هل هي غريزة إنسانية في إجراء جرد حساب سنوي، أم محاولةً لتجديد الديكور الداخلي وإعادة ترتيب صفوف مكتبة الذاكرة من جديد، والتخلص من الأعباء الزائدة؟ أم هي حنين نوستاليجي بحت، مرتبط بالطبيعة وبدورات السبات الشتوي؟

في هذا اليوم بالذات كانت مخيلته تسترجع من الذاكرة صور والدته الراحلة وما جمعهما من ذكريات. كان هناك نسيج غير متجانس من الصور يجمع بين طفولته وبين شيخوخة أمه، كانت الصور تنهالُ والذكريات تنساب ولكن الفرق بين الصورتين عظيم!
في الصورة الأولى، كان يرى نفسه وهو طفل صغير في كنف أمه. كانت أمّه تلك الأم القوية الصابرة التي لا يصدر عنها شكوى ولا لوم، شحيحة حتى في العتاب، وكان هو، ذلك الطفل الشقي العنيد.
الصور الأخرى كانت تأتيه من اللحظات الأخيرة التي جمعتهما، في المراحل الأخيرة من مرضها وتعبها وهزالة جسدها.
إلا أن الشيء المشترك بين الصورتين كان شخصية الأم، تلك الأم الحنون المحبة، القوية رغم ضعفها، تلك التي لم تشتكِ يوما حتى وهي في أمس الحاجه للشكوى!

تذكّر آدم كيف كان يمسك يدها ويمسّدها، يحتضن كفّها بين يديه كما يحتضن فنجان القهوه هذا الصباح وكأنه يتلمّس الدفء فيهما. كان يجلس على جانب السرير ويتمتم بأدعية الشفاء وهي تسرق النظر اليه بصمت مشفقة على حاله، أو ربما على حالها!.

أفاقت ذات مساء من قيلولة مرضيّة، نظرت اليه وأشارت بيدها، تساءل عن مبتغاها، أشار لها بالماء، بغطاء السرير، كانت تنفي، تنفي، وترسل يدها نحوه باسترخاء، أمسك بيدها، احتضنها، قبّلها، ومرّرها على خدّه وجبينه ورأسه، أومأت برأسها ثم عادت تسترسل في قيلولتها.

عندما حان موعد سفره الاضطراري، استأذن في تلك الليلة من الكادر الطبي أن يقضي أطول وقت ممكن معها، سمحوا له بالبقاء في العناية المركزة خارج الأوقات المحدّدة، جلس بقربها وبصوت خافت ممتقع بالحزن قال أنا مضطر للرحيل صباح الغد، يجب ان أعود الى العمل، كانت تبتسم وتومىء برأسها، محاولة التخفيف عن حمله التي تعلم كم هو ثقيل عليه، أن يغادرها في هذه الحالة، كانت تحاول أن تشدّ من أزره على عكس واقع الحال!
قال لها مُودّعاً أريدك أن تعلمي بأني أحبك كثيراً، نحن جميعاً نحبك كثيراً، قبّل يدها ورأسها وحبس ما استطاع حبسه من الدموع وغادر. 

هذه الصور كانت تتزاحم في ذهن آدم في ومضات خاطفة، دون سابق إنذار، وكان هذا يدفعه للتساؤل، لماذا يشعر في كانونَ من كل عام بأن الزمن قد تسمّر، وأن عقارب الساعة تتباطىء وكأنها دخلت في حقل مغناطيسي، لماذا يراوده شعورٌ بأنه أصبح خارج هذا الزمن، يستعرض أحداث الماضي وذكرياته وكأنه في بعدٍ زمنيٍ آخر، تتراءى أمامه كل الأحداث، كل الصور وكأنها تحدث الآن، تحدث في هذه اللحظات، تحدث أمامه، ولكنه هو، هو خارج هذا الزمن!

كانت تلك الصور وغيرها من الذكريات تتعربش على جدران الذاكرة، تطلّ برأسها، تحدّق في عيني آدم بصمت، كان يتساءل مع نفسه، هل جاءت هذه الصور لتوجه له اللوم والعتاب، أم لتعويضه عن وجع الحاضر!

ولكنه في قرارة نفسه، كان هو من يوجه اللوم والعتاب، لعدم اكتمال الصور تارةً، ولتلك اللحظات الناقصة تارةً أخرى. لحوار ناقصٍ، سقط مع فوضى الحياة، أو لنص مفقود كان يُمنّي النفس أن يُضاف إلى نصوص الحياة. كان كثيراً ما يسرح في مخيلته محاولاً إعاده ترتيب هذه الصور، كانت مخيّلته تتفتق عن لحظات إبداع، تدعو لتغيير الحبكة الدرامية نفسها.
من أجل كل ذلك، كان آدمُ يوجه اللوم والعتاب ولكنه لا يعلم لمن!


أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
13-12-2021

الأربعاء، 24 نوفمبر 2021

الشعور بالوحدة


 


 

سألَتْه هل تشعر بالوحدة؟ قال: أسافر وحيداً وأكثر من الترحال، ولكني لا أشعر بالوحدة. وأنتِ؟ تنهّدت واسترسلت بالنظر بعيداً ثم قالت: أشعر بوحدة قاتلة!

كان هذا مشهداً من فيلم Heat رائعة المخرج مايكل مان، وفيه إسقاط لمفارقة أن تكون وحيداً، وأن تشعر بالوحدة، فالشعور بالوحدة لا يرتبط ضمنياً بان تعيش او تتنقّل وحيداً، بل هو شعور داخلي يتعاظم بفعل عناصر عديدة. قد تكون موظفاً في بورصة طوكيو على سبيل المثال أو أحد المشاهير المُحاطين بالمعجبين والمرافقين، ورغم ذلك تشعر بالوحدة في داخلك!

 

كنتُ ذات يوم في أحد مقاهي عمّان الغربية، ورافقني على الطاولة صاحب المقهى. أشار لي إلى احدى طاولات المقهى المليئة بالروّاد وسألني هل ميّزت احداً منهم، نظرت نحوها ثم أجبته: تقصدُ صاحب نوفوتيه الملابس المشهور وسط البلد؟ هز رأسه مؤكداً، ثم قال يأتي هنا مساء كل يوم مصحوباً بالرفقاء، ويكون هو صاحب الدعوة دائماً فسألته باستغراب وما الذي يدفعه إلى فعل ذلك، تبسّم في وجهي وقال: ليس لديه أصدقاء!

 

الشعور بالوحدة هو شعور بالخواء الداخلي، بالفراغ القاتل، هو شعورٌ بانتفاء الغاية والهدف والرسالة، شعور باللاانتماء!

لدى الانسان غريزة أساسية بالانتماء إلى مجموعة تشترك بمفاهيم وأفكار وقيم وتعمل مع بعضها البعض، وكثيرٌ من الدراسات الانسانية ركّزت على مفهوم الأنسنة والمجتمعات والعمل الجماعي. خذ على سبيل المثال العقل الجمعي، وسيكولوجية الجماهير...الخ جميعها تشير إلى ميل البشر بطبيعتهم إلى تكوين الصداقات والعلاقات المشتركة والتفاعل الايجابي ضمن مجموعات، ومن هنا جاء مفهوم العشيرة وابن البلد والصداقة والزواج وغيرها. وعندما تنتفي تلك العلاقات المشتركة او تتعطّل تلك الروابط ولو مؤقتاً يبرز الشعور بالوحدة والغربة، والاستنزاف العاطفي.

 

ولعل المفارقة تكمن في أن حياتنا المعاصرة المنفتحة على العالم الخارجي بفضل تعدد وسائل التواصل الاجتماعي، وتجلّي مفهوم "القرية الصغيرة" و "السوق العالمية المشتركة" ساعدت بشكل سلبي -على غير المتوقع- على شعور الأفراد بالسلام الداخلي والشعور بالأمان والثقة بالذات.

 

لقد انصهرت مفاهيم الذات في مفاهيم أخرى سائدة وطاغية تدوس على ما عداها ولا تجعل متنفساً للأفراد للتعبير عن ذواتهم او ممارسة تلك الحميمية في المشاعر والأحاسيس الصادقة. لقد أصبحنا مجموعة من الغرباء الغارقين في بحر من الظلمات، لا نعرف عن الآخر سوى المظاهر والأشكال الخارجية التي تطفو على السطح.

 

وما يزيد من الطين بلّة انه بات من المستغرب أن يحاول أحدنا كسر ذلك الجمود والتقرّب من الآخر، وكأن ذلك هو المستغرب والشاذ عن القاعدة لا العكس!

نسكن في مجموعة من المباني جذابة المنظر، ولكنها خاوية على عروشها، لا يعلم أحدنا عن جاره أو قريبه أو صديقه، سوى رسائل الصباح والمساء والجمعة المباركة!

 

نحاول جاهدين كسر الصمت والجمود ولا نجد في المقابل سوى استجابات خجولة بل ومتشكّكة في نوايانا تجاه بعضنا البعض. لقد تلاشت مفاهيم التنزه العائلي وقضاء أوقات التسلية مع العائلة الكبيرة ومجموعات الأصدقاء، بتنا مرهونين بأعباء الحياة، ولا نجد الوقت لأنفسنا، كمن يحاول سرقة الزمن على غفلة منه!

 

ولعل أزمة كورونا قد دقّت ناقوس الخطر فينا جميعا، وأرشدتنا إلى ضرورة التواصل والتكاتف الاجتماعي إلا انها سرعان ما تلاشت أصداؤها وعدنا إلى عاداتنا القديمة وكان شيئاً لم يكن!

 

في عالمنا المادي الذي نعيش، طغت المادة فيه على حياتنا بطريقة لا واعية، فأصبحت أعمالنا أهم بكثير من عائلاتنا وأصدقائنا، وبات الفرد فينا رهينة لهاتفه "الذكي" وبريده الالكتروني الذي يقتحم خلوتنا وخصوصياتنا.

 

في الفترة الأخيرة لاحظت أني وأثناء تناولي الطعام أو في الوقت الذي أسرقه من يومي لأموري الخاصة، أقوم وبشكل لا إرادي بتفقد رسائل الواتس وايميلات العمل، بل وحتى ارسال الرسائل وإنجاز أمور العمل!

 

لقد أصبحت شاشات التلفاز ملاذنا، للهروب من هذه العُزلة بمشاهدة المباريات الحماسية والأفلام الشيّقة. لم نعد وحيدين في هذا العالم، نحن كُثُر ولكننا مكبّلون بالشعور بالوحدة!

 

لست وحيداً، أنا مُحاطٌ بالناس ولدي أصدقاء كثر، ومعارف على وسائل التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي، ولكني أعترف باني لا أستطيع الافتكاك من شعوري بالوحدة، أنا في اشتباك دائم مع الوحدة والارهاق والعزلة. احاول جاهداً ممارسة كل الطقوس الكفيلة بملأ حياتي بكل معاني الحياة، ولكني ما زلت أشعر بتلك الوحدة القاتلة، والحنين، الحنين إلى الماضي، بل الحنين إلى ذاتي!.

جاهداً أحاول الاجابة على أسئلة الطفل الشقيّ في داخلي، فكلما أجبته عن الغاية من مهامي اليومية التي أقوم بها، لاحقني بسؤال تابع عن الغائيّة ذاتها! أسئلة تبدأ ولا تنتهي، ومعها تبدو كل الغايات فوضويّة وعبثيّة!.

 

الوحدة باختصار، هي تلك الفجوة بين حياتنا الواقعيّة، وتصوّراتنا نحن عن تلك الحياة، أو بالأحرى عمّا يجب أن تكون، فالوحدة تبدأ من ذواتنا ولا تنتهي إلا إذا أوجدنا التوازن الداخلي بين تصوراتنا حول "الأنا" وبين الطفل الذي في داخلنا، بين عالمنا الواعي، وذاك الضارب في أعماق اللاوعي.

 

أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

24-11-2021

الاثنين، 18 أكتوبر 2021

"صامويل باتي" ضحية العلمانية اللائكيّة



تُكرّم فرنسا اليوم "صامويل باتي" في ذكرى رحيله الأولى، وتستغل المناسبة للتأكيد على "جمهورية" الدولة ومبادىء الحرية الانسانية.

وصاموئيل باتي مُدرّس في المرحلة الثانوية قام بعرض الصور المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلّم على تلاميذه معللاً ذلك أنه من باب حرية النقد المُصانة بقانون اللائكيّة عام 1905، ثم لقى حتفه على يد شاب من أصول شيشانية.

 

لو عدنا إلى التاريخ، لوجدنا ان فكرة مدنيّة الدولة "اللائكيّة" هي فكرة دينية في الأصل ولا فضل فيها لا لفرنسا ولا لمفكريها إلا بالنقب عنها وتحديثها.

ففي الانجيل قال عيسى "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" وفي القرآن الكريم جاءت عدة نصوص تؤسس لفكرة الكرامة الانسانية المبنية على حرية المعتقد " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍۢ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا "

" وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ "

" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً "

 

مع التشديد على أمرين إثنين الأمر الأول أن لكل فعل عواقب " فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه " وأن الطريقة المثلى للحياة هي باتباع النهج الرباني العام والاجتهاد في أمور الحياة وتفاصيلها " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ "

 

فالتاريخ يقول أن الحضارة الغربية أدركت متأخرة هذه الفضائل والقيم الفلسفية التي جاء بها الاسلام، وقامت بتبنيها وتأسيس مدارس فكرية تدعو لرفع شأن "الفرد" وحقوق الانسان في مواجهة طغمة الدولة الحاكمة وفي مواجهة الكنيسة المتحكمة في أركان الدولة، ولم تنجح الحضارة الغربية بالولوج من نفق الظلم والدمار والدموية والديكتاتورية، إلا بعد إعتناقها هذه المبادىء الانسانية، التي جاء بها الاسلام من قبل.

 

فالانسان خُلق حراً حسب النصوص القرآنية من أجل أداء الرسالة الموكولة له وهي إعمار الأرض، أي أن رسالة الانسان هي "الحياة" بأم عينها، ومن أجل ذلك كان الانسان حرّا في إرادته وفي تصرفاته منذ لحظة خلقه. أضف إلى ذلك أن الانسان كائن متعلّم يتسم بالناحية الأخلاقية وبوسعه أن يتخذ قرارت واعية نابعة من ضميره، ومن هنا اكتسب صفة الكائن الحضاري القادر على بناء المعرفة واكتسابها من الآخرين أو حتى من الطبيعة وقوانينها والبناء عليها لتكوين مجتمع يتسم بالثقافة والفنون ويسعى لسعادة البشر، باختصار "بناء الحضارات". وهذا الفهم توصلت له الحضارة الغربية في القرن الخامس عشر فقط!

 

يقول بيك ديللا ميرندول (توفي عام 1494)  في (مقالة في كرامة الإنسان) إن الكائن البشري هو مخلوق بلا مواهب طبيعية، فهو مخلوق عارٍ ليس له فراء يقيه من البرد، ولا مخالب، لا يستطيع تسلّق الأشجار أو حفر الجحور أو الركض بسرعة مثل باقي المخلوقات ولا يطير مثل باقي الطيور، ولكنه يمتلك المعرفة والقوة والارادة التي تمكّنه من السيادة على الطبيعة وذلك بالتحديد لأنه يمتلك الحرية في صنع مصيره بنفسه.

 

وهذا تفسيرٌ لافت، وإن كان متأخراً لما قاله تعالى في كتابه العزيز " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ "

ومن هنا بدأت حركة الفكر الغربي في إعلاء شأن حرية الفرد في مواجهة نظام الكون والنظام الطبيعي، فالانسان ليس مُلزماً بالامتثال لأي نظام كوني او طبيعي لأنه حر، ولكي ينجح الانسان في بناء الحضارة عليه أن يتخلص من كل الأنظمة التي تقوّض مصير هذا المخلوق.

 

ومن أجل البناء المعرفي السليم، استمرت الحضارة الغربية في نقد الفكر التقليدي، ووضعه موضع الشك حسب نظرية ديكارت، إذ لا يمكن للمعرفة الانسانية التطور إلا بناءً على "اليقين المطلق" من فكر الفرد الخاص، وهنا بدأ الصراع مع السلطة (سلطة الدولة وسلطة الكنيسة) الجاثمة على صدور الأفراد أو الشعب.

 

ثم جاءت حركة الاصلاح البروتستانية في أوروبا لتخليص الدين من الأفكار التقليدية المتوارثة ونسخ كل ما لا يقبله العقل والمنطق، والقائمة على فكرة أن الدين يجب أن يقبله الفرد في قلبه وعقله في آن "اليقين المطلق".  وتوّجت هذه الأفكار من خلال الثورة الفرنسية بإعلان مبادىء حقوق الانسان المبنية على فلسفة جان جاك روسو "العقد الاجتماعي" وكان هذا إعلاناً لفكرة العلمانية أو المجتمع غير الخاضع للكنيسة.

 

وهذه هي المبادىء التي قامت عليها فكرة اللائكية في فرنسا وتوّجت بقانون عام 1905، الذي يشدّد على حق الفرد في الانتماء الى أي مجموعة يختارها في حين تبقى الدولة بلا دين رسمي وليس لها أن تفرض أي انتماء على المجتمع الامر الذي سيقود إلى التعايش السلمي بين مختلف الديانات.

 

ولكن معضلة اللائكيّة الفرنسيّة أنها تحوّلت إلى "إنتماء" بحد ذاتها، أي أنها أصبحت ديناً جديداً غير خاضعٍ للعقل أو للمنطق ولا يقبل النقد، وبالتالي أصبحت فرنسا دولة متدينة تفرض انتماءها على الأفراد، وهذه هي المفارقة الكبرى!!

 

لقد تحوّلت هذه اللائكية الجميلة إلى عقيدة استعمارية تُبرّر الاحتلال والقتل والتدمير بحجة نشر "المعرفة وقيم الحرية"، لقد تحوّلت هذه اللائكيّة إلى سياسات عنصرية تستهدف طائفة بذاتها وتحرمها من التعايش السلمي وأدنى حقوق حرية المعتقد وحرية الأديان!

 

وفي حادثة باتي موضوع مقالنا، تحوّلت اللائكية في أذهان الأفراد بحريتهم وقدرتهم على نقد الأديان والنيل من رموزها الدينية دون أن تخشى العقاب، بل على العكس من ذلك يتم تكريمهم على أنهم أبطال الجمهورية!

 

في الوقت الذي تُكمّم فيه السلطة الحاكمة أفواه المعارضين والمنتقدين للحكومة ولسياسات الرئيس، وتحدّ من حريات الصحافة، تفتح الباب لكل من ينتقد الاسلام ورموزه، بحجة العلمانية التي جاءت في الأساس لحماية حرية المعتقد!!

 

هذه الاشكالية العلمانية لا تخص فرنسا فقط وإن كانت واضحة في أجلى صورها هناك، إلا أن عالمنا العربي لا يخلو أيضاً من هذه المفارقة، فالعلماني ينتقص من دور الأديان ومن رجال الدين، ويدعو إلى نقد التراث وتجديد الفكر، وهي فكرة بالأساس صحيحة ولا غبار عليها، ولكنه في ذات الوقت يرفض التعامل مع المتدينين على أنهم جزء من المجتمع ومُكوّن أساسي في الحياة السياسية والبرلمانية، ويستمر في محاولة شيطنتهم واقصائهم من الحياة السياسية بل ويحاربهم في نشاطاتهم الاجتماعية والفكريّة، وهو بهذا يناقض نفسه ويناقض فكره الذي يدعو في الأساس إلى احترام الآخر، وضمان حرية المعتقد!!

 

صاموئيل باتي لم يكن ضحية الارهاب أو التطرف الديني بقدر ما كان ضحية التطرف اللائكي العلماني، وهذا ما يدعونا إلى إعادة التفكير بما آلت إليه مبادىء اللائكية والحرية الانسانية اليوم، فاستمرارنا في هذا الاتجاه له نتيجة واحدة مؤكدة، هي تعاظم الفردية الانسانوية إلى حد الانفجار على ذاتها!

 

 

 

أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

17-10-2021