الجمعة، 20 أغسطس 2021

مقاهي الفلاسفة والديكتاتوريون الجُدد


 من المعضلات الأخلاقية التي فرضتها علينا الحياة البشرية، منذ عهد قابيل وهابيل، هي الخيار بين المواقف الصداميّة التي تقود إلى العنف، وكل أشكال التطرّف والانقسام، وبين أن تكوّن ليّنا ديبلوماسيّاً، وتختار التعايش والسلام.

وفي خضم صراعات كثيرة ومريرة طويلة مرّت علي في حياتي الشخصية والعمليّة، كنت دائماً ما أجد نفسي بين هذين الخيارين، أن تكون حليماً ليّناً أو أن تثأر لرغباتك الأساسية وتكون صدامياً نزقاً. وباستثناء حالات نادرة ومعدودة كنت أختار ان أكون هابيل.

وهذه المعضلة، عادة ما يتبعها تقييم متأخر بعد شهور أو سنوات، أو لعله يتأخر إلى مرحلة الحكمة الأربعينيّة، إلا أن الملاحظ أنني كلما مارست ذلك التقييم وسألت نفسي إن كنت قد ندمت على ما فعلته من لين وتغاضٍ، أو إن كنت قد ندمت على ما لم أفعله من حسم وتصعيد، كانت النتيجة دوماً ما تميل إلى رضاي التام عن اتخاذي سبيل اللين والسلاسة.

 

ترشدنا الفلسفة أيضاً، إلى ضرورة أن يتحكم الفرد بمشاعره السلبية؛ الخوف والغضب والكره والبغض، والانحياز والتكبّر....الخ. فإذا أفلح في ذلك كان هو هو، وبات المسيطر على تصرفاته وسماته الشخصية، وإن فشل ولو جزئيا فقد السيطرة على ذاته وبات رهينة لتلك المشاعر التي تسوقه دون عناء!

 

أما في علم النفس، فإن الانسان مسؤول عن تصرفاته في الأساس، وعن شخصيته "الواعية"، ولكن الانسان مسؤول أيضاً بشكل أو بآخر، عن أفكاره اللاواعية، أي عن مشاعره السلبية التي يكتمها، فإن فشل في كتمها وظهرت للعلن، فهي مسؤوليته وحده، ولن يُقبل منه أن يلومنّ أحدا!

 

كان لا بد من هذه المقدمة، كي أدخل في صلب الموضوع، وهو ما بات لافتاً في السنوات الأخيرة من سجال وخصام، واستقطاب غير مسبوق، في عالمنا العربي، وعلى كافة الأصعدة، وكأنه داء معدٍ لا سبيل لوقف زحفه، ولا حتى بالمطاعيم المحسنة!

 

في تونس، إنقلابٌ على الديمقراطية، وأجراسٌ تقرع منذرة بانتكاسة أخرى لكل ما اكتسبه الشارع التونسي في ثورته ضد الديكتاتورية، تماهياً مع ما حصل في بلدان أخرى، ومع ذلك ترى النشطاء والمثقفين الذين كانوا يمجدون الديمقراطية واحترام الرأي والرأي الآخر، يرقصون في الشوارع والميادين وعلى أسطح العالم الافتراضي احتفاءّ بالثورة ضد الديمقراطية والحرية!

وما هذا إلا نكايةً بالآخر، واستشفاءّ به!

 

وفي مصر، محاكمات واقصاء وتكفير لجماعة معينة، ذنبها أنها وصلت للحكم من خلال الصناديق، وتلك جريمة لا تغتفر، فباتت هي الشمّاعة لكل فشل، والمعوّق للتقدم والتطور وتحقيق العدالة والديمقراطية!

ومع ذلك ترى الثورجيين والأحرار سعداء، يدقّون الكؤوس على مذبحة التعددية والحوار والوفاق الوطني!

 

أما عن اليسار التائه، فحدّث ولا حرج، فكل ما يمت بصلة للتيار الديني فهو رجعي متخلّف يريد أن يعيدنا إلى عصور الجهل والظلام، وهو تبسيط لا يقع فيه إلا جاهل أو متحامل. وما هذا سوى تعبير عن مواقف بائدة عفا عنها الزمن ما زلنا نلوكها ونستمرىء اجترارها!

 

وفي سوريا، إما أن تؤمّن على بركات الرئيس والصورة المقزّمة للتعددية وتلك المسرحية الساخرة التي تُعرض على شاشات التلفزيون ليل نهار، وإما أن تكون عدوّا للوطنية والقوميّة، مأجوراً أو أفاقاً.

وفي سبيل الوقوف ضد الامبريالية، لا بأس من الخوض في مستنقعات الدم، ودهس جماجم الأطفال، وحرق جثث المعارضين الفائضة عن مساحة السجون، وسط تهليلات المُناصرين الوطنيين!

 

هناك فرق كبير بين الاختلاف والحوار، وبين الاقصاء والصدام. ما يحصل اليوم هو نتيجة لكل مشاعرنا السلبية الدفينة فينا من سنوات خلت، هي نتاج لعقلنا اللاواعي، الذي نرفض مواجهته، ونرفض كذلك تحمّل مسؤولياتنا في السيطرة عليه، أو على الأقل تهذيبه، وبدلاً من ذلك نقوم بتحميل ذنب مشاعرنا السلبية تلك للطرف الأخر، فنتهمه بالاقصاء والتشدّد والنفاق والخداع واستغلال السلطة...الخ المسلسل الطويل، بينما في الحقيقة نحن الذين ننقض كل مفاهيم التعددية والديمقراطية ونرفض الحوار، ونتشدد في أحكامنا، ونطلق التعميمات، ونعقد المقارنات، دون أن نأخذ دقيقة واحدة لمراجعة أفكارنا أو التروّي بالحكم، أو ان نعدّ إلى العشرة قبل أن نطلق الرصاص!

 

لم يعد مقبولاً أن نرى طبقة الناشطين والمؤثرين والمثقفين في مجتمعاتنا يمارسون لغة الردح والمماحكة بدلاُ من الوقوف معاُ ضد الظلم والفساد. ولم يعد من المستساغ تبرير الديكتاتورية والقمع وسوء استغلال السلطة، لأن المتضرر هو خصمنا في السياسة.

 

معركتنا نحو الحرية وتحقيق مبادىء العدالة واحترام حقوق الانسان، هي غاية وليست وسيلة لاظهار الذات وتسجيل الانتصارات. وطريقنا طويلة، بل إنها ستطول إلى الأبد إذا ما بقينا نركّز على معاركنا الجانبية بدلاً من التركيز على الهدف!

 

من أساسيات الحضارة والرقي الفكري أن تُبنى ثقافة الانسان على اكتساب العلم والمعرفة، ثم البحث والتقصّي عن الوقائع والحقائق بالمنطق والجدل الفكري، دون التخلّي عن الأخلاق والمحافظة على المثل العليا والقيم الانسانية، وصولاً إلى الحكمة والفلسفة وامتلاك الفكر النقدي البناء. ولعلّي أقول جازماً أن عصر الثورة الالكترونية التي نعيش، وقفزة "مقاهي الفلاسفة الافتراضية" جعلتنا نبني ثورتنا الفكرية بالمقلوب، فجعلت منا رُعاعاً في زمن غابر، إذ لا يكفي أن نتناقش على طاولة في مقهى كي نصبح فلاسفة!

 

قالها من قبل بنجامين فرانكلين Either we hang together or we will hang alone إما أن نتعايش معاً او نُشنق فرادى!. واليوم لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن تتمخض أحوالنا المُترعة بالشقاق وإعلاء الذات، سوى إلى الغرق في دوامة الأنظمة السلطوية والديكتاتوريين الجدد!

 

 

أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

17-8-2021

الاثنين، 7 يونيو 2021

كيف اقترب حلم التحرير؟

بات حلم التحرير أقرب من أي وقت مضى، وباتت بشائره تلوح في الأفق، حتى أن نشطاء تويتر أطلقوا وسماً (غرّد كأنها حرّة) لوصف مشاعرهم لمرحلة "ما بعد التحرير" في خطوة رمزية عميقة المعنى والتأثير.
والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا كل هذه المشاعر الايجابية وماذا تغيّر؟
لكي نستوعب ما يحصل حالياً علينا أن نعود إلى جذور الأزمة ونفهم أسباب نشوئها بعيداً عن العواطف وإرهاصات نظريات المؤامرة والخيانة.
منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وإطلاق وعد بلفور بدأت الحركة الصهيونية بالعمل على إنشاء وطن قومي لليهود مستفيدة من الصراعات السياسية الدولية، والتحالفات الاقليمية. ليس هذا فحسب بل واستغلال التعاطف الشعبي واللعب على وتر الدين -الكتاب المقدس، والهجرة الأولى للعبرانيين إلى الأرض المقدسة. بل إن الدعاية الصهيونية كانت تتعمد استخدام مصطلح العبرانيين وليس اليهود في حملتها.
وبذلك استطاعوا نشر كل أكاذيبهم وادعاءاتهم من خلال كل الوسائل المتاحة، ومن خلال استغلال المشاهير والنجوم للدعاية لمشروعهم الصهيوني.
أين كنا نحن؟
في تلك المرحلة ووسط إزدهار المشروع الصهيوني، كان الشرق العربي في أدنى مراحل الحضارة الاسلامية ونفوق الدولة العثمانية، وكان العرب قد دخلوا للتو معركتهم نحو الاستقلال، فخرجوا من عباءة الخلافة العثمانية ليستظلوا بظل الانتداب الاستعماري للمنطقة.
تلك اللحظة الفارقة في تاريخ بلادنا العربية شهدت صراعاً سياسياً بين قوتين عظمتين بريطانيا وفرنسا، وللأسف فإننا ولغاية هذه اللحظة لم نستطع أن نقرأ تلك المرحلة التاريخية الفارقة، ونستوعبها على شكلها الصحيح، وبدلاً من ذلك تقوقعنا خلف متاريس نظرية المؤامرة والخيانة كي نبعد عن أنفسنا شُبهة الفشل والهزيمة!
لقد خسرنا المعركة السياسية والعسكرية ولكن الأهم من ذلك أننا خسرنا المعركة الثقافية والحضارية، وهذا ما نخجل من قوله إلى يومنا هذا!
لكم أن تتخيلوا أن الوكالة اليهودية قد أنشأت لها أذرعاً إعلامية ومكاتب ميدانية في معظم العواصم الغربية وبدأت بنشر أفكارها باستخدام رموز ثقافية ومشاهير من الغرب، حيث كان لها من الداعمين والمتعاطفين ما يكفي لهزم كل المثقفين والساسة العرب مجتمعين، حتى أن أحد السياسيين البريطانيين وصف الساسة العرب على خلفية مناقشة قرار التقسيم عام 1947 ب "الدرجة الثانية" مقارنة بالوفد الصهيوني.
ولكم أن تتخيلوا الزخم الثقافي للحركة الصهيونية إذا علمت أن فيلسوفا وأديباً بحجم "سارتر" كان من أشد الداعمين والمدافعين عن ذلك المشروع في فرنسا، ولك أن تستوعب مقدار العجز العربي، حين يخاطب الرئيس ترومان الوفد العربي الذي حاول أن يثنيه عن دعم قرار التقسيم بقوله: (آسف، لستم من صناع القرار في الانتخابات الأمريكية وعلي أن أقلق على مئات الآلاف من الأصوات اليهودية والمتعاطفين معهم!)، ثم أضف إلى ذلك أن مُمّثلاً بحجم مارلون براندو قد تم تسخيره لبطولة مسرحية للتبشير بعودة العبرانيين إلى أرض أجدادهم وجمع التبرعات لدعم الهجرة اليهودية، جمعت من خلالها الوكالة اليهودية ملايين الدولارات في ذلك الوقت.
 عندما نشبت حرب عام 48 كانت البلدان العربية قد استقلت عن الانتدابين البريطاني والفرنسي لتوها، ولم يكن هناك ما يمكن تسميته بالجيوش العربية باستثناء الجيش الأردني (الجيش العربي) الذي حرصت بريطانيا على تسليحه وتدريبه، وهذا ما أهله للحفاظ على أراضي الضفة الغربية عام 1948 في حين تآلفت الوكالة اليهودية مع العصابات الصهيونية وكانت قد بدأت بالفعل حرب عصابات ضد القوات البريطانية بغية إجبارها على الانسحاب من فلسطين في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا "على عكس ما نتداوله" حريصة على استمرار نفوذها في فلسطين بالذات وعدم الانسحاب منها.
وقد عملت الوكالة اليهودية على الائتلاف مع فرنسا الجديدة (فرنسا الحرة بقيادة ديغول) للقضاء على نفوذ بريطانيا في المنطقة وكانت تتمتع بالتنسيق الأمني والدعم اللوجستي والتسليح طوال تلك الفترة واستمرت صفقات الأسلحة الفرنسية لعقد من الزمان بعد نشوء دولة الاحتلال، بالتزامن مع الدعم الأمريكي المستمر لهذه اللحظة، وحين شدّدت بريطانيا من إجراءاتها للحد من الهجرة اليهودية، طرقت الوكالة اليهودية أبواب فرنسا وأمريكا وكان لها ما أرادت.
فمن خلال ما يعرف باللوبي الصهيوني استطاعت الوكالة الضغط على الرئيس الأمريكي ووزارة الخارجية لدعم المشروع الصهيوني في فلسطين، إلى الحد الذي فقد فيه الرئيس ترومان صبره وصرّح للمقربين منه (إذا كان المسيح نفسه قد عجز عن إرضاء اليهود فكيف سأتمكن أنا من إرضائهم!).
باختصار هذه هي الحالة التي كنا عليها وقت احتلال فلسطين وما تلا ذلك من نكسات كان استمراراً لذات النهج الفاشل ولم يكن بأفضل حال على الاطلاق.
ومنذ ذلك الوقت وإلى هذه اللحظة ونحن نعيش في كذبة كبرى من النضال والكفاح المسلح وشعارات قومية كاذبة وإدعاءات بمؤامرة كبرى بدلاً من الاعتراف بفشلنا على كافة الأصعدة السياسية والثقافية والحضارية والعسكرية، وعلى كل المستويات من القيادة إلى المواطن البسيط.
ومن هنا نستطيع القول عملياً وبعيداً عن العاطفة وتضخيم الأمور، إن ما حصل خلال العقد الماضي بدءاً من الربيع العربي الذي حاول نفس التيار الفكري الذي قاد الأمة للفشل بتصويره على أنه ربيع عبري ومؤامرة أخرى، وانتهاءً بأحداث القدس وغزة مؤخراً، نقول إن ما حصل هو تغيير حقيقي لوجه العالم العربي، وإعادة صياغة لمفاهيم الحرية والوطنية والشرف والكرامة وصولاً إلى رسم طريق التحرير على أرض الواقع.
الثورة تبدأ من الفكر وبدون فكر وثقافة داعمة، وحضارة قادرة على رفد المعركة بالأسلحة اللازمة، ستقف الجيوش عاجزة، وستصاب العملية السياسية بالشلل.
لقد بدأ مشروع تحرير فلسطين من ميدان التحرير وميادين تونس والجزائر وحمص وسرت والدوار الرابع، وأخذ بعده الثقافي والحضاري من خلال جيل جديد واع استطاع خلال أيام معدودة وبفضل زخم مقاومة أهل فلسطين في الداخل، من غزو الفضاء الاعلامي وكسب المشاهير في صف القضية الفلسطينية وإعادة تعريف القضية الفلسطينية، وإثبات الحق الذي لا يقف في وجهه كذب أو إدعاء.
لقد كان للمحتوى الفلسطيني فعل السحر ليس فقط في التأثير على الشعوب العالمية والتعاطف مع أهل القدس وغزة، بل وفي تغيير المواقف السياسية الداعمة للكيان الصهيوني، والتأثير على صناع القرار، وهذا ما آلم الكيان الغاشم وقيادته.
إن أصداء الهزيمة المدوية للدعاية اليهودية ولعصبة اللوبي الصهيوني ما زالت تدق أجراسها في أصداء دولة الاحتلال.
وعلى صعيد آخر، لقد أثبتت المقاومة الفلسطينية قدرتها العسكرية على الوقوف في وجه العدو وهزيمته من الداخل، دون جيوش أو خطط كلاسيكية، وكما هزمونا أول مرة نستطيع هزيمتهم وقض مضاجعهم، وسيرحلون كما جاءوا على متن سفنهم البحرية وطائراتهم الجوية.
ما نحتاج إليه اليوم هو المزيد من الايمان بأنفسنا وقدراتنا، والتخلي عن فكر نظرية المؤامرة وعن فكرة المُنقذ الأسطوري، فالأسطورة هو هذا الشعب.
وكما هزمونا في مجال القانون الدولي وأروقة الصالونات السياسية، علينا أن نرتقي بأدواتنا وعلومنا لنهزمهم في ذات المجال.
اما كلمة السر فتكمن في الحرية والديمقراطية ودعمها في كل الدول العربية، فلن ننصر القدس ونهزم العدو، بسلطة أوسلو ولا بالطغاة العرب أو بميليشيات إيران، بل سنهزمها بسواعد عربية حرة.
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
6-6-2021

السبت، 22 مايو 2021

هنا فلسطين - قواعد المقاومة العشر



 

أولاً: هنا فلسطين

 

في هذه الثورة سقطت الكثير من المصطلحات "الدخيلة" والمفاهيم المغلوطة:

لا فتح ولا حماس هناك المقاومة والمقاومة فقط، بكل أشكالها: بصواريخها العابرة للمستوطنات والسياج والحصار، الهادمة للتنسيق الأمني والحواجز، الناقضة لأيدلوجيا الهزيمة والتخلف.

بالمقاومة السلمية والاضراب والعصيان. وبالمظاهرات وزغاريد الحجارة.

 

لم يعد هناك ما يسمى بعرب اسرائيل والداخل والخارج، فكل شبر في أرض فلسطين قد انتفض، وكل رضيع نمى من ثدي فلسطينية شريفة انتفض في وجه عدوه، لم تعد هناك حدود أو تقسيمات أو مناطق أ و ب، هنا فلسطين، فقط فلسطين.

 

ثانياً: القدس عروس عروبتكم

 

من عمّان الى الجزائر ومراكش، من اليمن إلى بغداد مرورا بالدوحة والكويت، وصولاً إلى أمريكا وبحر الكاريبي، من برلين ولندن صعدت الهتافات هنا فلسطين.

لقد شهد العالم ان القدس هي عروس الحرية وأن أهلها هم أيقونة الصمود والكفاح في وجه الاستعمار والامبريالية.

 

من قلب الأقصى والشيخ جراح هتف الجميع نحن صامدون، نحن أهل البيت وأنتم مجرد عابرون في كلام عابر، وغثاء كغثاء السيل.

 

ثالثاً: النصر هو أن تمتلك العزيمة

 

ليس النصر في التوازن الاستراتيجي ولا بناء المفاعل النووية ولا تكنولوجيا الفضاء، ولكن النصر في فرض الارادة وعدم الاستسلام، في الصمود وعدم الانكسار، وأن تعدّوا ما استطعتم من أسباب النصر، وما النصر إلا من عند الله، وإن تكُ فئة صابرة تهزم جمعاً من المتطفلين والدخلاء.

 

رابعاً: الحاجة أُمُّ الاختراع

 

بمخلفات الحروب السابقة وأنابيب المياه وعوادم السيارات وبضع صفائح غرقى في بحر غزة صنعنا القذائف والصواريخ وغلفناها باسم الله والله أكبر لتقض مضاجع أشباه الرجال ولفيف المهزومين المتباكين على محرقة صهيون وسبي بابل.

 

خامساً: الهندسة والتكنولوجيا في خدمة الحرية

 

الشهادة العلمية والرصيد العلمي ليس ما يزين الجدران بل هو ما يفيد القضية والكفاح ضد الظلم، كل ما تعلّمه أهل فلسطين والأحرار الذين ساندوهم كُرّس لخدمة المقاومة وحساب المسافة بين صرخة الله أكبر وتدمير معاقل الحالمين بهيكل سليمان والمتباكين على الحيطان.

احسب معي عدد الصواريخ اللازمة لفك شفرة القبة الحديدية.

ما هي زاوية السقوط اللازمة لتعطيل كعب أخيل، وكم هو الوقت المستغرق لقص شعر شمشون قبل أن تطلق صافرات الانذار عويلها.

 

وبعد أن تجيب على كل ما سبق احسب معي عدد الصفعات اللازمة للعدو قبل أن يرفع راية الاستسلام!

 

 سادساً: جيل التيه الفلسطيني

 

علمتنا المقاومة أن جيل أوسلو واتفاقيات السلام المزعومة لا مكان له على خارطة فلسطين وأن من لوازم تحرير فلسطين التحرّر أولا من كل رموز السلطة والتنسيق الأمني، بل ومن باب أولى الانتفاض في وجه هذا الجيل التائه في صحراء المفاوضات قبل التفرّغ لمواجهة العدو.

 

القطار لا يغير مساره ولا يعود إلى الوراء، فقط يستمر في المسير حتى يتجاوزه الزمن ويتحول إلى قطعة خردة، وهذا هو حال سلطة أوسلو، بل حال جيل بأكمله رضي أن يكون مع الخوالف.

علمتنا المقاومة وجيل الشباب الصاعد، أننا لن نستطيع أن ننتقل إلى مرحلة جديدة من الصراع مع العدو مع هذه الخردة، فلنسقطها عن كاهلنا، حتى تزول الغشاوة.

 

سابعاً: العالم معنا والمؤامرة هي ضعفنا لا أكثر

 

عندما تمتلك الحق عليك أن تدافع عنه لا أن تتقوقع خلف نظريات المؤامرة وتتباكى على تعاستك، فالتاريخ لا يكتب في سجلاته نوائب الدهر بل أسماء الشهداء والأبطال والمنتصرين!

 

ثامناً: الشعوب العربية كالجسد الواحد

 

لا وجود لشعوب خائنة او مدجنة أو مستكينة وضعيفة بطبعها، هذا ما يروّجه لنا أصحاب نظريات المؤامرة والأجندات الخفية ووسائل الاعلام المشبوهة لا أكثر.

لقد أثبتت الشعوب العربية انها يقظة وحرة وشريفة لولا القلة القليلة المتخاذلة والمتساقطة على خريف النسيان، حالها كحال سلطة اوسلو وبقية القيادات التي تناضل في غرف الفنادق الحمراء وصالونات الاستقبال.

نحن لسنا في حالة شقاق وفرقة مع إخوتنا، بل نحن في حالة شقاق مع المفاهيم الخاطئة وسياسات الفرقة والعنصرية والحزبية والطائفية.

 

تاسعاً: نحن الهوية، والهوية نحن

 

كل مشاريع التهويد وسرقة الأوطان والتاريخ المزعوم تقف عاجزة أمام طفل يرفض أن يتنحى جانباً من أمام جندي مدجج بالسلاح، وأمام عجوز تتمسك بشجر البرتقال الحزين، وأمام غلام دخل مرحلة الحلم وبيده مقلاع حجر، وأمام فتاة أدركت نضجها عندما ابتسم لها أحد الشهداء.

 

كل جحافل العدو تقف عاجزة أمام رجل يبتسم في مواجهة حتفه الأخير وأمام أُمٍّ تستقبل ابنها الشهيد بزغرودة انتصار.

 

هذا البحر لي


هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي

واسمي -

وإن أخطأتُ لفظ اسمي على التابوت -

لي .

 

عاشراً: التحرير ليس معجزة بل هو قَدُرنا، وعلينا فقط أن نؤمن بأنفسنا!

 

من كل مكان في العالم الحر الشريف، هنا فلسطين.

 

أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

20-5-2021

 

رابط القدس العربي


الأربعاء، 12 مايو 2021

*آيات استوقفتني 5 (10)* أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ

 

 

* أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين ( 18) الزخرفٍ*

 

(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ۚ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ * أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَٰنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) الزخرف 18

 

للأسف الشديد فقد قام المفسرون الأوائل بتفسير هذه الآية على ان المقصود بها هي المرأة بقولهم ان المرأة تنشأ في الزينة والحلي ويصبح هذا هو جل اهتمامها فتفقد القدرة على المحاججة والمنطق، وهم بهذا يؤكدون فهمهم أن المرأة (ناقصة عقل ودين).

 

دعونا نستعرض الآيات سريعاً، قال العرب إن الله اتخذ بناتاً له (الملائكة) وجعلوا الملائكة من المعبودات، فالله سبحانه وتعالى يرد عليهم باستفهام إنكاري: أتخذ من خلقه جنس البنات وأصفاكم بجنس الذكور؟ ولو بُشّر أحدكم بما وصف الله به (اتخاذ البنات) لظل وجهه مسوّداً ولامتلأ قلبه بالغيظ والغضب وهو يحاول كتم غضبه.

 

إذاً المعضلة هنا ليست في الأنثى كأنثى ولكن المشكلة أن يتخذ الله جزءاً من عباده سواءّ كان ذكراً أم أنثى (لاحظوا الآية الأولى) سبحان الله عن ذلك فالله ليس كالمخلوقات يتخذ أولاداً أو بناتاً، وما الملائكة إلا مخلوق من مخلوقات الله.

 

والمشكلة الثانية أن هؤلاء الكفار يريدون الذكور لهم والبنات لغيرهم، ويتقوّلون على الله بغير علم وبما يكرهون لأنفسهم!

 

وهنا تتضح الآية موضوع النقاش وهي تقريع لمن يتقوّل على الله بغير علم، فالله سبحانه وتعالى يقول موبخاً أبعد أن أنعمنا عليك وأغدقنا عليك من نعمنا وموفور الصحة والخلقة تتقوّل على الله بغير علم ولا تستطيع رد الحجة بالحجة ولا تملك أي دليل عقلي أو منطقي على ما تقول!

(أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين)

فكأن الله تعالى يقول (أمن يقول هذا عني هو عبدي الذي صورته وحسّنت خلقه)

(الحِلْيَة من الرجل: صِفَته وخِلقتُه وصورته) معجم المعاني

 

ولو كان الكلام عن المرأة لوجب التأنيث (أفمن تنشأ، وهي في الخصام) ولكن على العكس تماماً فالكلام هنا للذكوريين الذين يتباهون بذكورتهم ويفضلون الأولاد على البنات وينظرون للبنات على أنهن أدنى من الذكور، وإذا رزقهم الله ببنت إما أن يقبلها على مضض ويكظم غيظه أو أن يدسها في التراب.

 

( يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)

 

وعلى عكس فهم المفسرين الأوائل فهذه الآية هي تقريع للذكوريين ولا تنتقص من قدر المرأة، وهذا الفهم المتجانس مع ترتيب الآيات والمعنى الكلي المستخرج منها والمتوافق مع قواعد اللغة ومعاجمها.

 

 

هذا والله أعلم

 

أيمن يوسف أبولبن

12-5-2021

#آيات_استوقفتني_5

الثلاثاء، 11 مايو 2021

*آيات استوقفتني 5 (9)* سنقرئك فلا تنسى

  

*سنقرئك فلا تنسى*

 

(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى * إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ) الأعلى 6-7

 

تحدثنا سابقاً عن قضية الناسخ والمنسوخ وفندنا ما ورد عن نسخ بعض آيات الذكر الحكيم سواءً بالحكم أو بالنص.

ونستعرض اليوم هذه الآية التي وردت فيها بعض التفسيرات الغريبة التي تقول إن الله سبحانه وتعالى يشاء أن ينسى رسوله بعض الآيات فتسقط من التنزيل. وما عزّز الالتباس لدى القارىء هي الآية (إلا ما شاء الله)

 

أولاً: سنقرئك

 

لاحظوا معي أن الوحي كان ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم بالصيغة اللغوية الصوتيّة المصاحبة للنص المكتوب، ولولا هذا لما أسماها الله سبحانه وتعالى "قراءة" قالقراءة تكون من خلال نص مكتوب. وهذا دليل على ما ذكرناه سابقاً من أن الكتاب العزيز محفوظ من عند الله بالرسم والشكل وبالصيغة اللفظية أي كما قرأه جبريل على سيدنا محمد وكما قرأه سيدنا محمد على المؤمنين، ونقل رسمه وشكله لكتبة الوحي، وهذا ينفي كل ما ورد عن القراءات وتعدد المصاحف.

 

لاحظوا معي:

 

(لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه) سورة القيامة 16-19

 

أي لا تبدأ بترديد الآيات وهي تنزل من الوحي بلسانك حرصاً منك على حفظها، فإن الله سبحانه وتعالى قد تكفّل بجمع هذه الآيات في قلبك وحفظها ثم قراءتها عليك، فإذا تمت القراءة والجمع، فاتبع ذلك النص المقروء والمحفوظ في صدرك.

 

ثانياً: فلا تنسى

 

لا هنا هي لا النافية وليست لا الناهية، ولو كانت لا الناهية لوجب حذف حرف العلة من الفعل فيصبح (لا تنسَ)

 

إذاً هذه الآية تنفي من حيث المبدأ أن ينسى رسول الله أي شيء من التنزيل، فالوحي محفوظ ولا شك في نسيانه أبداً.

ولو كانت لا الناهية لكانت مسألة حفظ القرآن منوطة بالرسول صلى الله وعليه وسلم وليست بالله سبحانه وتعالى وهذا يتعارض مع مجمل النص القرآني عدا عن أنه غير جائز لغوياً.

 

لهذا نقول إن هذه الآية تطمئن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نسيان الوحي هو أمر غير خاضع للقوانين البشرية فيما يتعلق بالنسيان وتشتت الذاكرة وعدم القدرة على استرجاع النص، ولكنه خاضع لارادة الله التي شاءت أن تتجاوز كل القوانين البشرية الموضوعة والتي يحتكم لها البشر، فيما يخص الوحي.

لهذا جاءت الآية التالية مكمّلة لذات المعنى، إلا ما شاء الله ان تنسى من المواضيع الأخرى (عدا الوحي) فهذه طبيعة البشر.

باختصار فإن الله شاء أن لا تنسى من الوحي شيئاً وشاء أن تخضع لقانون النسيان فيما عدا ذلك.

والدليل هو الفصل بين الآيتين، فالآية الآولى جاءت منفصلة وتامة المعنى، والثانية تحمل معنى آخر متمماً للتي سبقتها، والفصل بين الآيات هو وقف من الله تعالى، وعلى المفسر والمتدبر في القرآن مراعاة هذا الفصل لأنه يؤثر مباشرة على المعنى.

 

أما مسألة البيان والتفسير للقرآن فهي ليست من ضمن التكاليف للرسول صلى الله عليه وسلم بل هي عملية مكفولة من عند الله سبحانه للبشرية عموماً وحسب تطور العصور ومرهونة بالمستقبل (ثم إن علينا بيانه).

 

 

هذا والله أعلم

 

أيمن يوسف أبولبن

10-5-2021

#آيات_استوقفتني_5

السبت، 8 مايو 2021

*آيات استوقفتني 5 (8)* واتخذ الله إبراهيم خليلا

 

 

*لماذا كان سيدنا إبراهيم أمّة بذاته وكان خليل الرحمن*

 

(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ) النحل

 

سبق القول في العام الماضي أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بُعث على ملّة سيدنا إبراهيم (الحنيفيّة)

 

(ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) النحل/ 123

 

وذكرنا أن ما كان يعرف بجماعة "الأحناف" كانوا ما يزالون على تعاليم سيدنا إبراهيم قبل مجيء سيدنا محمد وكانوا ينبذون مظاهر الشرك والوثنية الدخيلة على هذا الدين.

 

فلماذا كان سيدنا إبراهيم أمّة بذاته؟

 

لأن سيدنا إبراهيم كان متفردّاً بسلوكه متميزا عن باقي أفراد المجتمع بوحدانيته وحنيفيته. فسيدنا إبراهيم هو من تصدّى لعبادة الأوثان ودعا لعبادة الله وحده، في وقت لم يكن يعبد الله أحد في تلك المجتمعات التي عاصرها. لهذا وصفه الله سبحانه وتعالى بأنه أمّة لأن من صفات الأمة أن تجتمع على سلوك معين ونمط حياة يميزها عن غيرها، فكان إبراهيم قائماً على سلوك الوحدانية وعبادة الله وحده لذلك كان أمّة.

 

وفي الآية المذكورة توضيح لهذا المعنى

1.     (قانتاً لله)

2.     (حنيفاً)

3.     (لم يكن من المشركين)

4.     (شاكراً لأنعمه)

5.     (اجتباه)

6.     (وهداه إلى صراطٍ مستقيم)

 

لماذا اتخذ الله إبراهيم خليلاً؟

 

بالاضافة إلى كل ما ذكر فإن سيدنا إبراهيم بدأ رحلة الايمان بالشك والبحث عن الله سبحانه وتعالى من خلال التفكر في الكون وفي خلق الله، ومن قلب الشك وصل إلى قمة الايمان والتسليم لله وهو فردٌ واحدٌ أحد، ومن هذا الفرد بدأ الاسلام (عبادة الله وحده لا شريك له) بعد إن انتشرت عبادة الأوثان والكواكب وظهر الفساد، ومن نسل إبراهيم جاء الأنبياء (إسماعيل وإسحق ثم يعقوب وصولاُ إلى سيدنا محمد).

 

(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)

 

والخليل ليس المقصود به هنا الحبيب أو الصاحب كما هو دارج، ولكن الخليل في اللغة هو صافي القلب والمحبة أي أن إبراهيم كان ولياً لله ولم يتخلل في قلبه إيمان أو حبٌ لغير الله فكان خليلاً لله وحده.

ولهذا عندما رأى في المنام أنه يذبح إبنه إسماعيل صارح إبنه بما رأى ثم قرر أن ينفذ المهمة التي ظن أنها تكليف من الله رغم كل ما يكنه من حب لولده الوحيد حينها، وهذا برهان على أن قلبه "سليم" من الشك أو من مخالطة حب أي مخلوق مع حب الله.

 

والله سبحانه وتعالى جعل من ملّة إبراهيم مقياساً للايمان والعمل الصالح

 

(وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)

 

(يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم)

 

(وإن من شيعته لإبراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم)

 

ولنتذكر معاً رحلة تطور الايمان عند سيدنا إبراهيم

 

(وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)

لاحظوا قوله تعالى عن الوحي الذي أوحى به إلى سيدنا إبراهيم عن ملكوت السماوات والأرض لكي يزداد إيماناً ويقيناً.

 

(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)

مرة أخرى (وليطمئن قلبي)

 

وصولاً إلى

 

( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ )

إذاً خلاصة القول إن سيدنا إبراهيم بدأ رحلته بالشك فيما حوله من أصنام  وكواكب تُعبد وبدأ بالبحث عن الحقيقة، حقيقة الكون وخالقه.

 وبعد رحلة من التفكّر والبحث اجتباه الله وأرشده إليه، فبدأ هنا رحلة التحقق من هذا الايمان وحقيقة الله، إلى أن وصل إلى درجة اليقين فلما وصلها وتيقن قلبه، تملّك الايمان قلبه ووصل إلى أعظم درجة من الايمان والتوحيد ليواجه بهذا الايمان الكهنة وعبدة الأصنام، ويقف في وجه النمرود، ويقضي على عبادة الأوثان في جزيرة العرب ويؤذن في الناس للحج إلى بيت الله الواحد الأحد، فكان حقاً خلو قلبه من أي حب غير حب الله، لهذا جاء قوله تعالى

 

(وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)

 

هذا والله أعلم

 

أيمن يوسف أبولبن

8-5-2021

#آيات_استوقفتني_5