الأربعاء، 12 مايو 2021

*آيات استوقفتني 5 (10)* أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ

 

 

* أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين ( 18) الزخرفٍ*

 

(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ۚ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ * أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَٰنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) الزخرف 18

 

للأسف الشديد فقد قام المفسرون الأوائل بتفسير هذه الآية على ان المقصود بها هي المرأة بقولهم ان المرأة تنشأ في الزينة والحلي ويصبح هذا هو جل اهتمامها فتفقد القدرة على المحاججة والمنطق، وهم بهذا يؤكدون فهمهم أن المرأة (ناقصة عقل ودين).

 

دعونا نستعرض الآيات سريعاً، قال العرب إن الله اتخذ بناتاً له (الملائكة) وجعلوا الملائكة من المعبودات، فالله سبحانه وتعالى يرد عليهم باستفهام إنكاري: أتخذ من خلقه جنس البنات وأصفاكم بجنس الذكور؟ ولو بُشّر أحدكم بما وصف الله به (اتخاذ البنات) لظل وجهه مسوّداً ولامتلأ قلبه بالغيظ والغضب وهو يحاول كتم غضبه.

 

إذاً المعضلة هنا ليست في الأنثى كأنثى ولكن المشكلة أن يتخذ الله جزءاً من عباده سواءّ كان ذكراً أم أنثى (لاحظوا الآية الأولى) سبحان الله عن ذلك فالله ليس كالمخلوقات يتخذ أولاداً أو بناتاً، وما الملائكة إلا مخلوق من مخلوقات الله.

 

والمشكلة الثانية أن هؤلاء الكفار يريدون الذكور لهم والبنات لغيرهم، ويتقوّلون على الله بغير علم وبما يكرهون لأنفسهم!

 

وهنا تتضح الآية موضوع النقاش وهي تقريع لمن يتقوّل على الله بغير علم، فالله سبحانه وتعالى يقول موبخاً أبعد أن أنعمنا عليك وأغدقنا عليك من نعمنا وموفور الصحة والخلقة تتقوّل على الله بغير علم ولا تستطيع رد الحجة بالحجة ولا تملك أي دليل عقلي أو منطقي على ما تقول!

(أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين)

فكأن الله تعالى يقول (أمن يقول هذا عني هو عبدي الذي صورته وحسّنت خلقه)

(الحِلْيَة من الرجل: صِفَته وخِلقتُه وصورته) معجم المعاني

 

ولو كان الكلام عن المرأة لوجب التأنيث (أفمن تنشأ، وهي في الخصام) ولكن على العكس تماماً فالكلام هنا للذكوريين الذين يتباهون بذكورتهم ويفضلون الأولاد على البنات وينظرون للبنات على أنهن أدنى من الذكور، وإذا رزقهم الله ببنت إما أن يقبلها على مضض ويكظم غيظه أو أن يدسها في التراب.

 

( يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)

 

وعلى عكس فهم المفسرين الأوائل فهذه الآية هي تقريع للذكوريين ولا تنتقص من قدر المرأة، وهذا الفهم المتجانس مع ترتيب الآيات والمعنى الكلي المستخرج منها والمتوافق مع قواعد اللغة ومعاجمها.

 

 

هذا والله أعلم

 

أيمن يوسف أبولبن

12-5-2021

#آيات_استوقفتني_5

الثلاثاء، 11 مايو 2021

*آيات استوقفتني 5 (9)* سنقرئك فلا تنسى

  

*سنقرئك فلا تنسى*

 

(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى * إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ) الأعلى 6-7

 

تحدثنا سابقاً عن قضية الناسخ والمنسوخ وفندنا ما ورد عن نسخ بعض آيات الذكر الحكيم سواءً بالحكم أو بالنص.

ونستعرض اليوم هذه الآية التي وردت فيها بعض التفسيرات الغريبة التي تقول إن الله سبحانه وتعالى يشاء أن ينسى رسوله بعض الآيات فتسقط من التنزيل. وما عزّز الالتباس لدى القارىء هي الآية (إلا ما شاء الله)

 

أولاً: سنقرئك

 

لاحظوا معي أن الوحي كان ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم بالصيغة اللغوية الصوتيّة المصاحبة للنص المكتوب، ولولا هذا لما أسماها الله سبحانه وتعالى "قراءة" قالقراءة تكون من خلال نص مكتوب. وهذا دليل على ما ذكرناه سابقاً من أن الكتاب العزيز محفوظ من عند الله بالرسم والشكل وبالصيغة اللفظية أي كما قرأه جبريل على سيدنا محمد وكما قرأه سيدنا محمد على المؤمنين، ونقل رسمه وشكله لكتبة الوحي، وهذا ينفي كل ما ورد عن القراءات وتعدد المصاحف.

 

لاحظوا معي:

 

(لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه) سورة القيامة 16-19

 

أي لا تبدأ بترديد الآيات وهي تنزل من الوحي بلسانك حرصاً منك على حفظها، فإن الله سبحانه وتعالى قد تكفّل بجمع هذه الآيات في قلبك وحفظها ثم قراءتها عليك، فإذا تمت القراءة والجمع، فاتبع ذلك النص المقروء والمحفوظ في صدرك.

 

ثانياً: فلا تنسى

 

لا هنا هي لا النافية وليست لا الناهية، ولو كانت لا الناهية لوجب حذف حرف العلة من الفعل فيصبح (لا تنسَ)

 

إذاً هذه الآية تنفي من حيث المبدأ أن ينسى رسول الله أي شيء من التنزيل، فالوحي محفوظ ولا شك في نسيانه أبداً.

ولو كانت لا الناهية لكانت مسألة حفظ القرآن منوطة بالرسول صلى الله وعليه وسلم وليست بالله سبحانه وتعالى وهذا يتعارض مع مجمل النص القرآني عدا عن أنه غير جائز لغوياً.

 

لهذا نقول إن هذه الآية تطمئن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نسيان الوحي هو أمر غير خاضع للقوانين البشرية فيما يتعلق بالنسيان وتشتت الذاكرة وعدم القدرة على استرجاع النص، ولكنه خاضع لارادة الله التي شاءت أن تتجاوز كل القوانين البشرية الموضوعة والتي يحتكم لها البشر، فيما يخص الوحي.

لهذا جاءت الآية التالية مكمّلة لذات المعنى، إلا ما شاء الله ان تنسى من المواضيع الأخرى (عدا الوحي) فهذه طبيعة البشر.

باختصار فإن الله شاء أن لا تنسى من الوحي شيئاً وشاء أن تخضع لقانون النسيان فيما عدا ذلك.

والدليل هو الفصل بين الآيتين، فالآية الآولى جاءت منفصلة وتامة المعنى، والثانية تحمل معنى آخر متمماً للتي سبقتها، والفصل بين الآيات هو وقف من الله تعالى، وعلى المفسر والمتدبر في القرآن مراعاة هذا الفصل لأنه يؤثر مباشرة على المعنى.

 

أما مسألة البيان والتفسير للقرآن فهي ليست من ضمن التكاليف للرسول صلى الله عليه وسلم بل هي عملية مكفولة من عند الله سبحانه للبشرية عموماً وحسب تطور العصور ومرهونة بالمستقبل (ثم إن علينا بيانه).

 

 

هذا والله أعلم

 

أيمن يوسف أبولبن

10-5-2021

#آيات_استوقفتني_5

السبت، 8 مايو 2021

*آيات استوقفتني 5 (8)* واتخذ الله إبراهيم خليلا

 

 

*لماذا كان سيدنا إبراهيم أمّة بذاته وكان خليل الرحمن*

 

(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ) النحل

 

سبق القول في العام الماضي أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بُعث على ملّة سيدنا إبراهيم (الحنيفيّة)

 

(ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) النحل/ 123

 

وذكرنا أن ما كان يعرف بجماعة "الأحناف" كانوا ما يزالون على تعاليم سيدنا إبراهيم قبل مجيء سيدنا محمد وكانوا ينبذون مظاهر الشرك والوثنية الدخيلة على هذا الدين.

 

فلماذا كان سيدنا إبراهيم أمّة بذاته؟

 

لأن سيدنا إبراهيم كان متفردّاً بسلوكه متميزا عن باقي أفراد المجتمع بوحدانيته وحنيفيته. فسيدنا إبراهيم هو من تصدّى لعبادة الأوثان ودعا لعبادة الله وحده، في وقت لم يكن يعبد الله أحد في تلك المجتمعات التي عاصرها. لهذا وصفه الله سبحانه وتعالى بأنه أمّة لأن من صفات الأمة أن تجتمع على سلوك معين ونمط حياة يميزها عن غيرها، فكان إبراهيم قائماً على سلوك الوحدانية وعبادة الله وحده لذلك كان أمّة.

 

وفي الآية المذكورة توضيح لهذا المعنى

1.     (قانتاً لله)

2.     (حنيفاً)

3.     (لم يكن من المشركين)

4.     (شاكراً لأنعمه)

5.     (اجتباه)

6.     (وهداه إلى صراطٍ مستقيم)

 

لماذا اتخذ الله إبراهيم خليلاً؟

 

بالاضافة إلى كل ما ذكر فإن سيدنا إبراهيم بدأ رحلة الايمان بالشك والبحث عن الله سبحانه وتعالى من خلال التفكر في الكون وفي خلق الله، ومن قلب الشك وصل إلى قمة الايمان والتسليم لله وهو فردٌ واحدٌ أحد، ومن هذا الفرد بدأ الاسلام (عبادة الله وحده لا شريك له) بعد إن انتشرت عبادة الأوثان والكواكب وظهر الفساد، ومن نسل إبراهيم جاء الأنبياء (إسماعيل وإسحق ثم يعقوب وصولاُ إلى سيدنا محمد).

 

(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)

 

والخليل ليس المقصود به هنا الحبيب أو الصاحب كما هو دارج، ولكن الخليل في اللغة هو صافي القلب والمحبة أي أن إبراهيم كان ولياً لله ولم يتخلل في قلبه إيمان أو حبٌ لغير الله فكان خليلاً لله وحده.

ولهذا عندما رأى في المنام أنه يذبح إبنه إسماعيل صارح إبنه بما رأى ثم قرر أن ينفذ المهمة التي ظن أنها تكليف من الله رغم كل ما يكنه من حب لولده الوحيد حينها، وهذا برهان على أن قلبه "سليم" من الشك أو من مخالطة حب أي مخلوق مع حب الله.

 

والله سبحانه وتعالى جعل من ملّة إبراهيم مقياساً للايمان والعمل الصالح

 

(وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)

 

(يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم)

 

(وإن من شيعته لإبراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم)

 

ولنتذكر معاً رحلة تطور الايمان عند سيدنا إبراهيم

 

(وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)

لاحظوا قوله تعالى عن الوحي الذي أوحى به إلى سيدنا إبراهيم عن ملكوت السماوات والأرض لكي يزداد إيماناً ويقيناً.

 

(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)

مرة أخرى (وليطمئن قلبي)

 

وصولاً إلى

 

( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ )

إذاً خلاصة القول إن سيدنا إبراهيم بدأ رحلته بالشك فيما حوله من أصنام  وكواكب تُعبد وبدأ بالبحث عن الحقيقة، حقيقة الكون وخالقه.

 وبعد رحلة من التفكّر والبحث اجتباه الله وأرشده إليه، فبدأ هنا رحلة التحقق من هذا الايمان وحقيقة الله، إلى أن وصل إلى درجة اليقين فلما وصلها وتيقن قلبه، تملّك الايمان قلبه ووصل إلى أعظم درجة من الايمان والتوحيد ليواجه بهذا الايمان الكهنة وعبدة الأصنام، ويقف في وجه النمرود، ويقضي على عبادة الأوثان في جزيرة العرب ويؤذن في الناس للحج إلى بيت الله الواحد الأحد، فكان حقاً خلو قلبه من أي حب غير حب الله، لهذا جاء قوله تعالى

 

(وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)

 

هذا والله أعلم

 

أيمن يوسف أبولبن

8-5-2021

#آيات_استوقفتني_5

الجمعة، 7 مايو 2021

*آيات استوقفتني 5 (7)* النساء والبنين

 


*النساء والبنين*

 

(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)

 

آل عمران 14

 

قام المفسرون الأوائل بنفسير هذه الآية على النحو التالي: ( زُيِّن للناس محبة ما يشتهون من النساء والبنين وسائر ما عدّ) والمقصود هنا حب المرأة وكثرة الأولاد.

 

وهو بلا شك تفسير يتعارض مع أصول اللغة ومع فحوى الآية، فكيف يمكن القول إن الناس (بكافة أجناسهم وأعمارهم) يحبون النساء (المرأة) والبنين (الأولاد)؟!

 

الله سبحانه وتعالى يتحدث في هذه الآية عن ملذات الحياة الدنيا بكافة أشكالها وانواعها، وكيف أنها وجدت لإسعاد الناس وفي ذات الوقت هي فتنة وامتحان لهم، ثم يقوم بتذكيرنا بأن السعادة النهائية والملذات الحقيقية الدائمة في الحياة الآخرة وليست في الدنيا.

فهذه دعوة للاعتدال والتقنين في استهلاكنا وحسن إدارتنا لهذه الموارد مع دعوتنا إلى العمل الجاد لنيل السعادة الدائمة والحقيقية في الآخرة.

 

هذا الخطاب لا يخص الرجال دون النساء وبالتالي لا يمكن أن تكون مفردة النساء هنا بمعنى جمع للمرأة

كما لا يمكن أن يكون البنون هنا بمعنى الأبناء، إذ لا يجوز مساواة المرأة والأبناء بمتاع الدنيا الزائل مثل الذهب والأنعام !

 

لقد استخدم الله سبحانه وتعالى مفردة النساء للدلالة على جمع المرأة، وعلى جمع (النسيء)، بمعنى المستجد من الأشياء (الموضة) أي حب الناس لمتابعة أحدث الصيحات والصناعات والتجديدات، فالبشر بطبعهم يميلون إلى التجديد (تجديد الأثاث والملابس والسيارات والموبايل ....الخ) رغم أن ما يمتلكونه لا عيب فيه ويمكن الاستفادة منه، ولكنها سنة الله في الكون كي تستمر الحياة وتدور عجلة الصناعة.

والله هنا يدعونا إلى حسن التصرف وتقنين نزعتنا الاستهلاكية وعدم الانجرار وراء شهواتنا بشكل غير مبرر.

 

و "البنين" هنا من البنيان وليس الأولاد، فالانسان بطبعه يميل إلى تشييد البنايات وامتلاك العقارات والتباهي بها.

 

الدليل:

أولاً: لقد استخدم الله سبحانه وتعالى لفظ "الرجال" في كتابه العزيز لجمع "رجل" ولجمع "راجل" أي الذي يمشي على رجلين.

 

(وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر) أي يأتوك راجلين وراكبين.

وعلى نفس المنوال تم استخدام النساء للدلالة على جمع مرأة وعلى جمع نسيء

 

ثانياً:

(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ)


والنسيء المقصود في الآية هو استبدال الأشهر الحرم والتعدي على عدتها، والنسيء في اللغة هو الإطالة والتأخير (استحداث الشيء)

 

ن س أالمِنْسأَةُ بكسر الميم العصا تُهمز وتُليَّن و النَّسِيئَةُ كالفعيلة التَّأخير وكذا النَّسَاءُ بالمد و النَّسِيءُ في الآية فَعِيل بمعنى مفعول من قولك نَسَأَهُ من باب قطع أي أَخره فهو مَنْسُوءٌ فحُوِّل مَنْسوء إلى نَسِيءٌ كما حُوِّل مقتول إلى قتيل والمُراد به تأخيرهم حُرمة المُحرم إلى صفر

 

معجم المعاني الجامع

 

ثالثاً:

البنون من البنيان

 

ابتنَى المنزلَ: بناه، أقام جدارَه ونحوَه

اِبْتَنَاهُ لأِدَبِهِ : أَحْسَنَ إلَيْهِ

اِبْتَنَى الرَّجُلُ : صَارَ لَهُ بَنُونٌ

 

معجم المعاني الجامع

 

ملاحظة أخيرة:

 

سبق القول بأن الله سبحانه وتعالى جعل كتابه قابلاً لاحتواء التطور المعرفي للبشر بحيث يفهمه كل جيل بناء على معطيات عصره ويعمل به، ثم يأتي جيلٌ آخر فيكتشف فيه معانٍ دفينة يسبر أغوارها بما وصلت له معارف عصره ويسنير بهذه المفاهيم الجديدة.

 

وسر إعجاز القرآن هو قدرته على إحتواء المعارف البشرية على مر العصور، ففهم الجيل الأول كان محصوراً بثقافة ذلك العصر وهي ثقافة ذكورية بلا شك، ولكن مع تطور الحياة وتغيير المفاهيم استطاع الباحثون استكشاف معانٍ أخرى تتوافق مع النص ومع الثقافة المعرفية للعصر وهذا لا يسيء إلى الأجيال السابقة ولا إلى من يجتهد ويستخرج معان جديدة من آيات القرآن الكريم.

 

وهذا ينطبق على فهمنا المعاصر للرق والعبودية وملك اليمين والقوامة ومكانة المرأة والكثير من المفاهيم المتوارثة، فالقرآن الكريم وضع الأساسات لتغيير المفاهيم وإصلاح المجتمعات وترك للبشر الاجتهاد حسب معارف عصرهم وارتقاء حضاراتهم، لأن التغيير لا يتم بالفرض بل يأتي مع التطور والارتقاء في الحضارة والعلوم البشرية.

 

 

هذا والله أعلم

 

 

أيمن يوسف أبولبن

7-5-2021

#آيات_استوقفتني_5

الأربعاء، 5 مايو 2021

*آيات استوقفتني 5 (6) الصلوات الخمس*


 

*الصلوات الخمس في التنزيل الحكيم*

 

(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَوةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)

 

 (132) سورة طه

 

من الأسئلة الجدلية التي شغلت تفكيري لفترة طويلة واحتلت مساحة كبيرة من البحث كانت مسألة أحكام الصلاة والزكاة في التنزيل الحكيم، وبالذات حكم الصلوات الخمس.

ونحن كمسلمين نتبع تعاليم سيدنا محمد فيما يخص حكمي الصلاة والزكاة إذ لم ترد تفصيلات هذه الأحكام في الكتاب، فهل هذا صحيح وما هو الدليل عليه؟

 

ثانياً : هل ورد في الكتاب تفصيل الصلوات الخمس وأوقات الصلوات؟

 

السؤال الأول أجاب عليه د. محمد شحرور (رحمة الله عليه) إجابةً شافيةً في كتابه (السنّة الرسوليّة والسنّة النبويّة) وأوجز ما قال بصيغتي كما يلي:

 

السنة الرسولية هي السنة الواجب اتباعها من قبل كل أتباع سيدنا محمد في كل العصور، وهي ما تتعلق بالرسالة. والدليل هو طاعة الرسول الواردة في الكثير من الآيات القرآنية (وأطيعوا الله ورسوله).

 

أما السنة النبوية فهي اجتهادات النبي صلى الله عليه وسلم في عصره من باب النبوّة وهذه واجبة الاتباع على من عاصره، فيما تعتبر بالنسبة لمن لم يعاصره منهجية عامة للاجتهاد، والواجب هو اتباع المنهجية وليس تقليدها. وهذا باب كبير لا أود الخوض فيه هنا.

 

اما بالنسبة لحكم الصلاة والزكاة بالتحديد، فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بطاعة الرسول طاعة مباشرة وكانت تلك الطاعة منفصلة عن طاعة الله حسب النص ومقرونة بالتحديد في حكمي الصلاة والزكاة، لاحظوا معي:

 

(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون)  (56)سورة النور

 

إذاً نفهم من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بإطاعة الرسول في حكمي الصلاة والزكاة طاعة مباشرة ومنفصلة عن طاعة الله (دون الحاجة إلى نصوص تفصيلية)، وهذه هي الآية الوحيدة التي وردت فيها طاعة الرسول منفصلة وقائمة بذاتها لأنها جاءت مرتبطة بأحكام الصلاة والزكاة.

 

ومن هنا نقول إن اتباع الرسول في جميع أحكام الصلاة من ناحية مواقيتها وكيفية أدائها وعدد ركعاتها وكافة ما يخصها من أحكام هو واجب منصوص عليه في الكتاب العزيز وأية محاولة للاجتهاد او التعديل فيها هي عصيان لأوامر الله سبحانه وتعالى.

 

انتهى

 

والآن دعونا نبحث وإياكم عن السؤال الثاني، هل وردت هناك اشارات أو دلائل في الكتاب الحكيم عن أوقات الصلاة وعددها؟

 بسم الله نبدأ وبه نستعين سائلين التوفيق

 

(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ) (114) سورة هود

 

 

من خلال فهمنا لهذه الآية فهي دليل على إقامة صلاتي الفجر والمغرب (طرفي النهار) وأيضاَ صلاة العشاء (زلفاً من الليل) مع ترك تحديد الوقت الفعلي للرسول صلى الله عليه وسلم كما أوحى له جبريل عليه السلام.

 

وأطراف النهار هي بدايته ونهايته فبداية النهار هي الفجر (الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ونهايته هي بداية الليل، وهو وقت الغروب (المغرب).

 

 

(أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (78)سورة الاسراء

 

في هذه الآية تظهر لنا صلاة الظهر بكل وضوح. دلوك الشمس هو وصول الشمس الى كبد السماء وبداية نزولها باتجاه الغرب، وهو وقت الظهيرة.

وفيها أيضاً دليل على صلاة العشاء (غسق الليل) والغسق هو ظلمة الليل

وهذه الآية تفيد عملياً بأن أوقات الصلوات هو من وقت الظهر إلى العشاء مقسمة إلى عدد من الصلوات إضافة إلى صلاة الفجر، التي تم الاشارة لها والحث على قراءة القرآن في وقت الفجر إلى طلوع الشمس.

 

(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (238) سورة البقرة

 

في هذه الآية الأمر المباشر بالمحافظة على الصلوات جميعها، مع ورود معنى جديد وهو الاشارة إلى الصلاة الوسطى، فإذا تبين لنا من الآيات السابقة ورورد أربع صلوات (الفجر والظهر والمغرب والعشاء) إذا كان لا بد أن تكون الصلاة الوسطى بين الظهر والمغرب وهي صلاة العصر.

 

وبهذا يكون الله سبحانه وتعالى قد أرشدنا إلى الصلوات الخمس في كتابه العزيز وترك لرسوله الكريم تفاصيل أحكامها ومواقيتها وعدد ركعاتها (كما أوحى له سيدنا جبريل)، ولكنه أمرنا بطاعة الرسول طاعة تامة في جميع هذه الأحكام حتى لا يكون لنا حجّة ولغلق باب الاجتهاد فيها، فهي أحكام وقفية كما وصلت لنا من الرسول صلى الله عليه وسلم. وكذلك الأمر بالنسبة لأحكام الزكاة.

 

هذا والله أعلم

 

 

أيمن يوسف أبولبن

5-5-2021

#آيات_استوقفتني

الاثنين، 3 مايو 2021

*آيات استوقفتني 5 (5)*

 


*الفتى والفتاة*

 

(وَلۡیَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِینَ لَا یَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ یُغۡنِیَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱلَّذِینَ یَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِیهِمۡ خَیۡرࣰاۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ ءَاتَىٰكُمۡۚ وَلَا تُكۡرِهُوا۟ فَتَیَـٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَاۤءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنࣰا لِّتَبۡتَغُوا۟ عَرَضَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَمَن یُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَ ٰهِهِنَّ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ)

سورة النور 33

 

 

كما ذكرنا سابقا وكما هو موضح في المنهجية التي نتبعها فإن التنزيل الحكيم يستخدم كل مفردة بمعنى خاص ومميز لها بحيث تنفرد كل مفردة في القران الكريم بمعناها الذي لا يتشابه مع غيرها من المفردات.

 واليوم نتحدث عن مفردة الفتى والفتاة وجمعهما الفتيان والفتيات. ونذكر بالأخص الآية موضوع منشورنا هذا اليوم (ولا تُكرهوا فتياتكم على البغاء)

 

للوهلة الأولى قد يظن البعض ان الفتيات هنا بمعنى البنات وبهذا يكون تفسير الآية ولا تكرهوا بناتكم على البغاء. وهو تفسير غريب و شاذ ولا ينسجم مع واقع الايات ولا مع واقع التنزيل الحكيم. وقد ورد في التفاسير القديمة أن المقصود هنا هو الإماء (أنثى العبد).

 

ولو دققنا في مجمل ايات القران الكريم بحثاً عن مفردة فتى وفتاة لوجدنا الاتي:

 

(وإذ قال موسى لفتاه)

(وقالت نسوة في المدينة إمرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه)

 

إذاً هنا وبدلالة النص الفتيان و الفتيات هم العاملون في وظائف خدماتية، حيث يقتضي عملهم أن يكون مقابل أجرة أو مقابل خدمات معيشية (إقامة ومأوى وطعام) ويعني أيضا الالتزام بالصحبة او بالمكان او الرفقه بينهم وبين صاحب العمل اي ان هناك اتصال بين هؤلاء العمال وبين رب العمل. فالمقصود هنا هي العمالة التي تعمل مباشره لخدمتكم، وبمعنى العصر (العمالة الوافدة).

 

لاحظوا معي جمال وتناسق التنزيل الحكيم، في سورة يوسف تبدأ الآية بالقول (ودخل معه السجن فتيان) ويبدو ظاهر القول بأن الفتيان هنا تدل على مرحلة عمرية أي بمعنى شابّان، ولكن انظر عندما أجاب سيدنا يوسف على سؤالهما:

 

(أما أحدكما فيسقي ربّه خمراً) لاحظ معي كيف يتناسق الرد مع كون هذين الشخصين هما من العمالة التي تعمل لدى مرؤوسين وأصحاب أعمال، وهذه الاشاره لم ترد تفصيلاً في سابق الآيات إلا أننا ومن واقع فهمنا لمفردة فتى ومن واقع جواب سيدنا يوسف نفهم أن رفيقيه في السجن هما أجيران يعملان بالأجرة أو بالسُخرة.

 

وفي نفس السورة عندما أصبح يوسف عزيزاً لمصر جاءت الآية (وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) ويقصد هنا بالحديث الخدم أو العمّال الذين يعملون عنده.

وبهذا يستسيغ القول: بما أن طبقة أصحاب العمل تمتلك السلطة على طبقة العمالة التي تعمل لديها فهي تمتلك سلطة الإكراه ومن هنا تأتي فرصة إجبار "العاملات" على ممارسة الفاحشة إما بالمباشرة الجنسية مع صاحب العمل أو على الممارسة مقابل المال (البغاء)، وهو ما لا يتفق مع التعاليم الدينية ولا الفطرة الانسانية، لهذا جاء هذا النهي مفصلاً في هذه الآيات، فهو يدخل في باب الاكراه على الفاحشة ويدخل أيصاً في باب الترويج للمحرمات حتى لو كان دون مشاركة صاحبه.

 

إذاً هذه الآية موجهة للناس الذين ينساقون وراء شهواتهم (إما شهواتهم الجنسيه أو شهوة جني المال من وراء الاستعباد) وتسوّل لهم أنفسهم تسخير هذه العمالة المستضعفه التي لا تملك من امرها شيئاً في أمور غير أخلاقية.

 

ملاحظة: وردت في القرآن الكريم مفردة "فتية" في سورة الكهف للدلالة على الشباب المؤمن الصالح، وتم تمييزها عن (فتيان و فتيات) (إنهم فتيةٌ آمنوا بربهم وزدناهم هدى).

 

 هذا والله أعلم

 

 

أيمن يوسف أبولبن

3-5-2021

#آيات_استوقفتني_5

الجمعة، 30 أبريل 2021

*آيات استوقفتني 5 (4)*

 

*رحمة الله*

 

(مَّا یَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةࣲ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا یُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ) سورة فاطر 2

 

يقول الله سبحانه وتعالى أن ما يفتح به على الناس من رحمة فلا مانع لها. والرحمة هنا واسعة تشمل جميع جوانب الحياة بدءاً من الجوانب المادية من خير ونعيم ورزق ....الخ  والمعنوية منها من فرح وسعادة ورضا وأمن داخلي، وتشمل الجوانب الروحانية والهداية الى الصراط المستقيم كذلك.

 

وما يمنعه الله سبحانه وتعالى ويمسكه من رحمته فلا يسستطيع أحد من المخلوقات تغيير أمر الله ولا أن ينال هذه الرحمة.

 

ما استوقفني في هذه الآية هو الآتي

 

يقول الله سبحانه وتعالى (مَّا یَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةࣲ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ)

 

في حالة العطاء استخدم الله سبحانه وتعالى لفظ "رحمة" الدالة على الكثرة والجمع، وجاء الجواب بصيغة المؤنث الدال على الكثرة والجمع (فلا ممسك لها)

 

ولكن حين أشار الله سبحانه وتعالى إلى قبض الرحمة ومنعها جاءت الصيغة بالمفرد، لاحظوا معي

 

(وما يمسك) أي ما يمسك من رحمته (جزء من كل)

فلا مرسل له (فلا مرسل لهذا الجزء الممنوع من الارسال)

 

(قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)

 

في حين لو أردنا صياغة هذه الآية لغويا لتثبيت معنى أن كل ما يرسله الله من رحمة فلا مانع له وكل ما يمنعه فلا موصل له (وهو المعنى الظاهري للآية) لكان وجب استخدام (لها) في كلتا الحالتين (لا ممسك لها – لا مرسل لها).

 

وهذا ما يؤكد دقة اللفظ واستخدام المفردات في كتاب الله عز وجل، وهو ما يليق بكتاب كتبه وأنزله خالق وناظم هذا الكون.

 

الله سبحانه وتعالى معطاء كريم يفتح على عباده (المؤمن منهم والكافر) بالخيرات والعطايا والرزق والموارد الطبيعية دون تقتير، وهو حريص كل الحرص على حيواتهم وشؤونهم.

 

(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)

(قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)

 

وحين يمسك لحكمة لا يعلمها إلا هو، لا يمنع سوى جزءاً بسيطاً من مجموع عطاياه

 

(وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ)

 

 فإذا صبر المرء واحتسب ذلك عند الله سبحانه وتعالى عوضه الله خيرا من ذلك في الدنيا وفي الآخرة.

 

 

من فطنة المرء المؤمن الايمان المطلق برحمة الله في الكون وأنه هو المدبر وهو من يصرف الأمور، وأن الكون وأحداثه ليست عبثية وإنما جاءت على قدر، والمطلوب في كلتا الحالتين (العطاء او الامساك) هو شكر النعمة وصونها والصبر على فقدها، فالله سبحانه وتعالى هو المعطي وهو المانع.

 

 

 

 أيمن يوسف أبولبن

30-4-2021

 

#آيات_استوقفتني_5