الخميس، 3 فبراير 2011

انتهى الدرس يا غبي




   ظهر علينا الرئيس المصري محمد حسني مبارك -الذي لا هو بمحمود ولا بحَسَن ولا بمُبارك- بخطابٍ نرجسي، وبنبرة حاكمٍ عسكري، يكيل الاتهامات شمالاً و يمينا، ويقدم بعض الوعود " الوهمية "، مستجدياً عواطفَ البسطاء من الشعب، برغبته في الموت في هذا الوطن، ومستعرضاً تاريخه " المُشرف " ووطنيته، ويقول أنه باقٍ في منصبه حتى انتهاء فترته الرئاسية، ضارباً بعرض الحائط، جميع الهتافات الشعبية، وجميع المطالبات من جميع القوى السياسية في مصر-باستثناء زبانيته من الحزب الحاكم- ومتجاهلاً جميع المناشدات الدولية التي تدعوه الى التنحي فوراً ودون إبطاء .
   خطاب مبارك كان خارجاً عن واقع المرحلة، ولا يمت بصلة الى تطلعات شعبه، ولا يلبي مطالب المجتمع الدولي الذي انقلب ضده. مبارك بدى غير مُدرك لما يدور حوله، وللمتغيرات الدراماتيكية لواقع الشارع العربي، ظهر واضحاً وجلياً، مدى التناقض الذي يعاني منه هذا الرئيس، وعدم استيعابه لما يجري من حوله من ثورة واانتفاضة شعبية عارمة، وظهر جلياً مدى تمسكه بالسلطة وبالكرسي رغم ادعائه أنه لم يطمح يوما للسلطة، وظهر مدى حرصه على الابقاء على النظام الحاكم في هذا البلد، برموزه وبمريديه، وبنفس الطبقة المسيطرة عليه والمستفيدة منه من ابناء الحزب الحاكم، وطبقة رجال الأعمال  والمأجورين من عامة الشعب .
   يقول انه سيوعز الى مجلس الشعب " غير المعترف به " مناقشة تعديل مواد الدستور 76 و 77، واللتين كانتا نتاجاً لرغبة مبارك نفسه للخلود في الحكم، بحيث تم صياغة المادة 76 لتكون عائقا أمام أي مرشح "عليه العين" لمنافسة الرئيس في الانتخابات الرئاسية، أما المادة 77 فتمنح الرئيس امكانية البقاء في منصب الرئاسة حتى وفاته -أطال الله في عمره- ولكنه تغاضى عن ذكر المادة 88 التي ألغت الرقابة القضائية على الانتخابات الرئاسية، ليفتح الباب على الغارب امام حزبه للتلاعب بالنتائج كما أعتاد ان يفعل طيلة حكم مبارك الممتد لأكثر من ثلاثين عاما.
   " انتهى الدرس يا غبي " عنوان مسرحية كوميدية مصرية قديمة، تناسب تماماً وواقع حال الرئيس مبارك، الذي سقطت عنه الشرعية المكتسبة من الشعب، وسقط عنه الدعم الدولي، باستثناء الدعم الاسرائيلي المعلن والواضح والصريح،  والذي يؤكد الدور الوطني الكبير الذي قام به مبارك  وتاريخه " المشرف " .
   مبارك ، الذي يُعرف في عالمنا العربي بلقب "البقرة الضاحكة"، نظراً للتشابه الكبير بين ابتسامته العريضة البلهاء، وبين وجه البقرة الضاحكة المرسومة على علبة الجبنة الفرنسية ( لا فاش كيري) المشهورة، مبارك هذا ، استلم الحكم خلفاً للرئيس السادات بعد اغتياله على بعض امتار قليلة منه بسبب ذهابه الى اسرائيل وتوقيع معاهدة سلام مع الكيان الصهيوني، ولكنه مع هذا لم يفهم الدرس، ولم يأخذ العبرة من سلفه، بل إنه تقرّب من اسرائيل وجعل منها دولة صديقة .
   
   مبارك الذي أجهض كل المحاولات للخروج من أزمة (العراق – الكويت) بحل عربي، عبر تبنيه للرغبة الامريكية في إيجاد قَدَم لها في المنطقة، لجلب قواتها الى الاراضي العربية، حيث دعا الى عقد قمة عربية طارئة في القاهرة، وحث جميع الرؤساء والملوك العرب على التصويت لصالح قرار التدخل الأجنبي، ونجح في حشد الأغلبية لهذا القرار، الذي كان أول مسمار في نعش الوحدة العربية، والوطن العربي الكبير .
   ثم لاحقاً قام مبارك بفتح قناة السويس أمام البوارج الحربية، ليسهل وصولها الى مشارف الخليج العربي، بل أنه قام بإرسال قوات من الجيش المصري لتشارك في الحرب ضد العراق .
     مبارك لم يستوعب أن المصالح السياسية تتغير، وأن أمريكا حليف اليوم قد تكون عدو الغد، مبارك لم يفهم الدرس المتمثل في انقلاب أمريكا على صدام حسين ( حليفها السابق ) أبان حرب العراق – ايران. امريكا اليوم تدعو الى رحيل مبارك الذي سقطت ورقته وفقد شرعيته .
   مبارك الذي ناشد صدام حسين في حرب الخليج الأخيرة بأن يرحل، ويترك بلده للغزاة الامريكان بدون حرب كي لا تقع بلاده تحت وطاة الحرب القادمة لا محالة، يُصر اليوم على التمسك بالحكم وبالكرسي وبالسلطة، حتى لو أفنى شعبه كله، بل إنه أوقعه في يد حفنة من البلطجية والقتلة المأجورين، الذين ينشرون الرعب والموت بين صفوف المواطنين .
    مبارك بغبائه وبغباء حاشيته اثبت للجميع، وعلى مرأى من العالم كله أن جميع اعمال العنف التي كانت تدور في البلد، من عمليات إرهابية وعمليات عنف ديني بين المسلمين والمسيحيين، وأعمال ترويع للمواطنين أيام الانتخابات، جميع هذه الأعمال التي كانت تنسب لنظام مبارك، ولم يكن هناك اي دليل مادي عليها، قام هذا النظام "الغبي" بتقديم جميع الأدلة على وجود هذا التنظيم السري، الذي يعمل تحت إمرة النظام بتمويل من قطاع الأعمال، الذي عمل مبارك طوال سنوات حكمه، على  الشراكة معه في الحكم. هذا النظام الغبي قدم لنا اليوم جميع الأدلة على أنه نظام ديكتاتوري، لا يفهم ولا يعترف بحكم الشعوب وبحقهم في التعبير وفي حرية الرأي .
   مبارك الذي وقف مع الدولة الصهيونية في حربها على غزة، بل إنه شارك في حصار غزة ومنع عنها الدواء والغذاء، ناهيك عن الأسلحة الخفيفة التي تُمكنهم من الدفاع عن أنفسهم. مبارك الذي يتبجح بوطنيته وبمشاركته في الحرب ضد اسرائيل، أثبت مرة أخرى أنه غبي ولم يفهم الدرس الذي يقول " بامكانك ان تكذب على بعض الناس بعض الوقت، ولكن ليس بالامكان أن تكذب على كل الناس كل الوقت" .
   مبارك الذي أوعز للبلطجية، مهاجمة المتظاهرين في ميدان التحرير، معتلين ظهور الخيل والجمال، ومزودين بالهراوات والسياط، أعاد للأذهان صور الباشوات وهم يعذبون عامة الشعب المصري، أيام الحكم الملكي في مصر ليشحذ من همة المتظاهرين، ويعيدهم الى ذكريات الثورة المصرية ضد الحكم الغاشم .
  
 كل يوم يثبت لنا التاريخ، مدى غباء أنظمتنا العربية، والفجوة الكبيرة بينهم وبين شعبهم ونبض الشارع، ومدى الانفصام في الشخصية الذي يعانون منه.
  
 انتهى الدرس يا غبي، انتهى الدرس، وآن أوان  حصد نتائج فشلك الذريع، آن أوان الحساب .

أيمن أبو لبن
3-2-2011

الثلاثاء، 1 فبراير 2011

جيل الفيسبوك




   شهدت فترة منتصف التسعينات من القرن الماضي ثورة معلوماتية كبيرة، تمثلت في ظهور خدمتي الانترنت والبث التلفزيوني عبر القنوات الفضائية، تنبأت وقتها بحدوث قفزة هائلة في المعرفة وانتشار الوعي في مجتمعاتنا العربية، والى حدوث ثورة عارمة في مجتمعاتنا العربية تؤتي ثمارها قريباً. ظهور القنوات الفضائية أدى الى وجود مساحة هائلة من الحرية، ووجود منابر تستقبل وجهات النظر على اختلافها، وتتناقل أفكار الشعوب فيما بينها، وتُقارب بين المفاهيم المختلفة.
   كنت مشدوداً جداً للبرامج الحوارية ومعجباً بمدى الجرأة التي اكتسبها العالم العربي في طرح قضاياه وفي تناول المواضيع الحساسة، وتجاوز الخطوط الحمراء، أصبحت المعلومة قريبة جداً من الباحث عنها، وأصبح الانترنت ملاذ الكثيرين من الناس المهتمين بقضايا الشعوب.
   خلال خمسة عشر عاماً، استطعنا اختزال تجربة أجيال سبقتنا، وأعتلينا موجة ثورة المعلومات، ونجحنا بها نجاحاً باهراً.

 كان لتغطية القنوات الفضائية مثل الجزيرة و قناة ابو ظبي على سبيل المثال، الدور الواضح والكبير في نقل الصورة الى العالم أجمع فيما يخص قضايانا العربية، أصبح لنا صوتاً يصل الى آذان الآخرين، وأصبحت وجهة نظرنا واضحة للجميع، في حين انها كانت مغيبة في الماضي، أختلفت الصورة وأصبحت أقرب الى الحقيقة، وان كانت ما تزال ليست مكتملة، وكان لهذا التأثير دورا كبيرا في تعاطف العالم مع قضايانا، خصوصا أبان الانتفاضة الثانية، وحرب الخليج الثالثة، والحرب على لبنان .
   ولعلّ اللحظات التاريخية، التي تابعناها على شاشة التلفزيون في بث حي، ما تزال عالقة في الأذهان، ومن أميزها صورة الطائرة وهي تتحطم على نوافذ برج التجارة العالمي في نيويورك، وأصوات الدفاعات الجوية العراقية التي كانت تحاول أن تفعل ما بوسعها لصد الطائرات الامريكية الغاشمة، وصورة محمد الدرة التي صدمت العالم أجمع، واضطرت الرئيس الامريكي بيل كلينتون الى التعليق عليها، هذه التغطية المباشرة لكافة الأحداث، صنعت لنا جيلاً مختلفاً، ما يميزه هو الجرأة والانفتاح ، وارادته الحرة.
  
 ثم تلا ذلك ، ظهور مواقع التفاعل الاجتماعية، والدردشة على الانترنت، كنت أعيب على مستخدمي هذه المواقع سطحية تعاملهم معها، واقتصار دورهم على الثرثرة، خصوصا مع الجنس الآخر، وانحصار استثمار هذه الطاقة الهائلة في العلاقات الخاصة، السرية منها خصوصاً، وانكبابهم على الالعاب الالكترونية، بل و قضاء الساعات الطويلة في عالم افتراضي من نسج خيالهم، هروباً من واقعهم الحالي، كنت أرى ضوءاً خافتاً، في ظل هذه الصورة المعتمة في تعامل ابناء جيل الشباب مع هذه الثورة المعلوماتية .

ليس بعد الليل إلا بزوغ الفجر
وليس بعد الظلمة الا انبلاج النور

   وما أن بزع فجر العام الحالي، اذا بهذا الضوء الخافت يصبح جلياً، انتهى بنا النفق المظلم الى مدى واسع من الحرية والنور، أشرقت شمس الحرية وبان ضوءها، اشتعلت الثورة وبان بريقها، ظهرت الثورة كالعنقاء من بين الرماد، نفضت التراب من على ظهرها، وحلقت بعيدا في السماء، غطت أطراف السماء بجناحيها، وعانقت السحاب، بدأت بسماء تونس، وأستقرت الآن في سماء مصر .

   جيل الفيسبوك والتويتر واليوتيوب، كان على موعد مع ترجمة جميع هذه الثورات التكنولوجية الى ثورة عارمة على أرض الواقع، بحثاً عن الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة، لم يعد للخوف مكانٌ بيننا، ولم تعد ألسنتنا تنعقد عند مواجهتنا للمسؤولين وللوزراء وللحكام، لم نعد نتعامل مع هؤلاء بصفتهم سادة، ولم نعد نعترف بفضل لهم علينا، لمجرد انهم يشغلون منصبا مهما، وانهم بامكانهم ان "يضرونا" أو "يبعثوا بنا الى ما وراء الشمس"، هذا الجيل صرخ بأعلى صوته " الشعب يريد اسقاط النظام ، الشعب يريد اسقاط الرئيس"، يا الله !! صدقوني انني لم أتمالك نفسي عندما سمعت هذه العبارات وهي تجلجل في شوارع القاهرة، يا الله !! آن الاوان، انه عصر الحرية، انه الزمن الذي انتظرنا ان نعيشه، وحلمنا به طيلة ربع قرن مضى، وأنها لثورة حتى النصر .
   لم يعد بالامكان اخفاء هذا الصوت، ولم يعد بالامكان سحق هذه التظاهرات كما كان يحصل في القرن الماضي، لم يعد بالامكان اخفاء عيوب النظام وديكتاتوريته، وهل يصلح العطار ما أفسده الزمن !!؟؟
  
 قبل عشرين عاماً خرجت الشعوب العربية في معظم البلدان العربية احتجاجا على السماح لقوات اجنبية بمهاجمة العراق من اراضٍ عربية، تظاهرات حاشدة، وغضب جماهيري كبير، ولكن القمع والديكتاتورية كانا أعظم واكبر، وكانت الصورة غائبة، والأحداث لا يتعدى تأثيرها مكان الحدث نفسه، اذ لا صوت يُسمع ولا صورة تُنقل، هي فقط تلك الذكريات التي تبقى عالقة في أذهان المشاركين .

  أيها الطغاة، أيها الحكام، أيها المسؤولين، حان وقت القصاص، لن ينفعكم النار والحديد، ولن ينفعكم أؤلئك المنافقين الذين يحيطون بكم، قريباً ستقفون امام لحظة الحقيقة، انها قادمة لا محالة، فتأهبوا .

اذا الشعب يوما أراد الحياة              فلا بد ان يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي                       ولا بد للقيد ان ينكسر

أيمن أبو لبن
1-2-2011

الأربعاء، 26 يناير 2011

الغناء والموسيقى في الاسلام



 
   أشعر بأن علينا مسؤولية ازالة اللبس واماطة اللثام عن قضايا كثيرة، ما زالت تؤرق الكثيرين منا نحن المسلمين، وبناء عليه، أود اليوم أن أفتح معكم موضوع الغناء والموسيقى في الإسلام .

بداية أود أن أشير الى ان هذا الموضوع الخلافي، ما زال يثير الكثير من التساؤلات، بين المسلمين، ويثير تساؤلات كثيرة عن صورة المسلمين والإسلام امام المجتمعات الأخرى، لذا حاولت البحث عن الاراء المختلفة في هذا الموضوع، مع علمي المسبق بكثير من الآراء المتشددة حول هذا الموضوع والتي أعلمها وأحفظها عن ظهر قلب، وفي الحقيقة اني كنت أحاول أن ابحث عن رأي الدكتور يوسف القرضاوي بهذا الموضوع، نظرا لاقتناعي الشديد برؤيته وحكمه، واعتقد أنكم توافقوني هذا الرأي .

قبل أن أترككم مع رأي الدكتور القرضاوي، أود أن أشير الى أني أهدف من وراء هذا الموضوع، إرسال رسالة مفادها ، أن الإسلام بعيد كل البعد عن التطرف والتعصب والعصبية والتشدد الفكري، وأننا إذا تعمقنا في الدين وفي الرسالة الآلهية، لوجدنا أن الله يعلمنا الإنفتاح والحوار والتطور الفكري والحضاري، ولا يطالبنا بالتقوقع والتراجع والانكفاء على الذات.


  اترككم مع مقابلة الدكتور القرضاوي :

*
ما حكم الغناء و الموسيقي في الإسلام؟ 

سؤال يتردد على ألسنة كثيرين في مجالات مختلفة و أحيان شتى .

سؤال اختلف جمهور المسلمين اليوم في الإجابة عليه ، و اختلف سلوكهم تبعاً لاختلاف أجوبتهم ، فمنهم من يفتح أذنيه لكل نوع من أنواع الغناء ، و لكل لون من ألوان الموسيقي مدعياً أن ذلك حلال طيب من طيبات الحياة التي أباحها الله لعباده . 

و منهم من يغلق الراديو أو يغلق أذنيه عند سماع أية أغنية قائلاً : إن الغناء مزمار الشيطان ، و لهو الحديث و يصد عن ذكر الله و عن الصلاة‌ و خاصة‌ إذا كان المغني امرأة ، فالمرأة – عندهم – صوتها عورة بغير الغناء ، فكيف بالغناء ؟ و يستدلون لذلك بآيات و أحاديث و أقوال . 

و من هؤلاء من يرفض أي نوع من أنواع الموسيقى ، حتى المصاحبة لمقدمات نشرات الأخبار . 

ووقف فريق ثالث متردداً بين الفريقين ؛ ينحاز إلى هؤلاء تارة ،‌ وإلى أولئك طوراً ، ينتظر القول الفصل والجواب الشافي من علماء الإسلام في هذا الموضوع الخطير ، الذي يتعلق بعواطف الناس و حياتهم اليومية ، و خصوصاً بعد أن دخلت الإذاعة  المسموعة والمرئية – على الناس بيوتهم ، بجدها و هزلها ، و جذبت إليها أسماعهم بأغانيها و موسيقاها طوعاً و كرهاً . 

و الغناء‌ بآلة – أي مع الموسيقى – و بغير آلة : مسألة ثار فيها الجدل والكلام بين علماء الإسلام منذ العصور الأولى ، فاتفقوا في مواضع واختلفوا في أخرى . 

اتفقوا على تحريم كل غناء يشتمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية ، إذ الغناء ليس إلا كلاماً فحسنه حسن ، و قبيحه قبيح و كل قول يشتمل على حرام فهو محرم ، فما بالك إذ اجتمع له الوزن والنغم والتأثير ؟ 

و اتفقوا على إباحة ما خلا من ذلك من الغناء الفطري الخالي من الآلات و الإثارة ، و ذلك في مواطن السرور ، كالعرس ، وقدوم الغائب ، و أيام الأعياد . . . 

ونحوها ، بشرط ألا يكون المغني امرأة في حضرة أجانب منها . 

و قد وردت في ذلك نصوص صريحة – سنذكرها فيما بعد . و اختلفوا فيما عدا ذلك اختلافاً بيناً : فمنهم من أجاز كل غناء بآلة و بغير آلة ، ومنهم من منعه منعاً باتاً بآلة و بغير آلة‌ ، و عده حراماً ، بل ريما ارتقي به إلى درجة « الكبيرة » . 

و لأهمية الموضوع نرى لزاماً علينا أن نفصل فيه بعض التفصيل ، و نلقي عليه أضواء كاشفة لجوانبه المختلفة ، حتى يتبين المسلم الحلال فيه من الحرام ، متبعاً للدليل الناصع ، لا مقلداً قول قائل ، و بذلك يكون على بينة من أمره ، و بصيرة من دينه .
الأصل في الأشياء الإباحة 

قرر علماء الإسلام أن الأصل في الأشياء الإباحة لقوله تعالى : ( هوَ الَذِي خَلَقَ لَكم مَا فِي الُأَرُضِ جَمِيعَاَ ) (البقرة (29) ) ، و لا تحريم إلا بنص صحيح صريح من كتاب الله تعالى ، أو سنة رسوله ( صلي الله عليه و آله و سلم ) ، أو إجماع ثابت متيقن ، فإذا لم يرد نص ولا إجماع . أو ورد نص صريح غير صحيح ، أو صحيح غير صريح ، بتحريم شيء من الأشياء ، لم يؤثر ذلك في حله ، و بقي في دائرة العفو الواسعة ، قال تعالى : ( وَقَدُ فَصَلَ لَكم مَا حَرَمَ عَلَيُكمُ إِلَا مَا اضُطرِرُتمُ إِلَيُهِ ) (الأنعام (119)) . و قال رسول الله ( صلي الله عليه و آل و سلم ) : « ما أحل الله في كتابه فهو حلال ، و ما حرم فهو حرام ، و ما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً » ، و تلا : ( وَ مَا كَانَ رَبكَ نَسِيَاَ (رواه الحاكم عن أبي الدر داء و صححه ، و أخرجه البزّار – و الآية من سورة مريم(64) ) . 
و قال : « إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدوداً فلا تعتدوها ، و سكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها » (أخرجه الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشني ، و حسنه الحافظ أبو بكر ا لسمعا ني في أماليه ، والنووي في الأربعين .).
و إذ كانت هذه هي القاعدة ، فما هي النصوص و الأدلة التي استند إليها القائلون بتحريم الغناء ، و ما موقف المجيزين منها ؟
*أدلة المحرمين للغناء و مناقشتها: 

( 
أ ) استدل المحرمون بما روي عن ابن مسعود و ابن عباس و بعض التابعين : أنهم حرموا الغناء محتجين بقول الله تعالى : {وَ مِنَ النَاسِ مَن يَشُتَرِي لَهُوِ الحَدِيثِ لِيضِلَّ عَن سَبِيلِ الَلهِ بِغَيُرِ عِلُمِ وَ يَتَّخِذَهَا هزوًا أولَيكَ لَهمُ عَذَاب مهِين} لقمان (6) ) ؛ و فسروا لهو الحديث بالغناء . 

قال ابن حزم ردا علي الذين يحتجون بهذه الآية: « ولا حجة في هذا لوجوه : 

أحدها : أنه لا حجة لأحد دون رسول الله ( صلي الله عليه و آل و سلم ) . 

و الثاني : أنه قد خالف غيرهم من الصحابة و التابعين . 

والثالث : أن نص الآية يبطل احتجاجهم بها ؛ لأن فيها : {وَ مِنَ النَاسِ مَن يَشُتَرِي لَهُوَ الُحَدِيثِ لِيضِلَّ عَن سَبِيلَ اللَهِ بِغَيُرِ عِلُمِ وَ يَتَّخِذَهَا هزوًا} ، و هذه صفة من فعلها كان كافراً بلا خلاف ، إذا اتخذ سبيل الله هزواً . 

قال : « و لو أن امرءاً اشترى مصحفاً ليضل به عن سبيل الله ، و يتخذه هزواً ، لكان كافراً ! فهذا هو الذي ذم الله تعالى ، و ما ذم قط – عز و جل – من اشترى لهو الحديث ليتلهى به ويروح نفسه ، لا ليضل عن سبيل الله تعالى . فبطل تعلقهم بقول هؤلاء ، و كذلك من اشتغل عامداً عن الصلاة بقراءة القرآن ،أو بقراءة السنن ، أو بحديث يتحدث به ، أو بغناء ، أو بغير ذلك ، فهو فساق عاص لله تعالى ، و من لم يضيع شيئاً من الفرائض اشتغالاً بما ذكرنا فهو محسن » (المحلى لابن حزم : 9/60 ) .

(
ب) و استدلوا بقوله تعالى في مدح المؤمنين : {وَ إِذَا سَمِعواُ اللّغُوَ أَعُرَضواُ عَنُه} القصص(55) ، و الغناء من اللغو فوجب الإعراض عنه .

و يجاب بأن الظاهر من الآية أن اللغو : سفه القول من السب والشتم و نحو ذلك ، و بقية الآية تنطق بذلك . قال تعالى : { وَ إِذَا سَمِعوُاُ اللَغُوَ أَعُرَضواُ عَنُه وَقَالواُ لَنا أَعُمَالنَا وَلَكمُ أَعُمَالَكمُ سَلَم عَلَيُكمُ لَا نَبُتَغِي الُجَاهِلِيُنَ } القصص (55) ، فهي شبيهة بقوله تعالى في وصف عباد الرحمن : { وَ إِذَا خَاطَبَهم الُجَاهِلونَ قَالواُ سَلَمَا} الفرقان (63)

و لو سلمنا أن اللغو في الآية يشمل الغناء لوجدنا الآية تستحب الإعراض عن سماعه و تمدحه ،‌و ليس فيها ما يوجب ذلك.

و كلمة «اللغو » ككلمة « الباطل » تعني ما لا فائدة فيه ، و سماع ما لا فائدة فيه ليس محرماً ما لم يضيع حقاً ، أو يشغل عن واجب . 

روي عن ابن جريج : أنه كان يرخص في السماع فقيل له : أيؤتى به يوم القيمة في جملة حسناتك أو سيئاتك ؟ فقال : لا في الحسنات و لا في السيئات ؛ لأنه شبيه باللغو ، قال تعالى : {لا يؤَخِذ كم اللَه بِالَلغُو ِفِي أَيُمَانَكمُ} (البقرة : 225 ، المائدة : 89 .) .

قال الإمام الغزالي : « إذا كان ذكر اسم الله تعالى على الشيء على طريق القسم من غير عقد عليه و لا تصميم ، و المخالفة فيه – مع أنه لا فائدة فيه – لا يؤاخذ به ، فكيف يؤاخذ بالشعر و الرقص » ؟ ! (- إحياء علوم الدين ، كتاب « السماع » ص 1147 – طبعة دار الشعب بمصر)

على أننا نقول : ليس كل غناءٍ لغواً ؛ إنه يأخذ حكمه و فق نية صاحبه ، فالنية الصالحة تحيل اللهو قربة ، و المزح طاعة ، و النية الخبيثة تحبط العمل الذي ظاهره العبادة . باطنه الرياء : « إن الله لا ينظر إلى صوركم و أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم » (رواه مسلم من حديث أبي هريرة ، كتاب « البر و الصلة و الآداب » ، باب : تحريم ظلم المسلم) .

و ننقل هنا كلمة جيدة قالها ابن حزم في « المحلى » ردا على الذين يمنعون الغناء قال : « احتجوا فقالوا : من الحق الغناء أم من غير الحق ؟ و لا سبيل إلى قسم ثالث ،‌ و قد قال الله تعالى : { فَمَا ذَا بَعُدَ الُحَقِ إلا الضَلال } يونس( 32) ، فجوابنا – و بالله التوفيق - : أن رسول الله ( صلي الله عليه و آل و سلم ) قال : « إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرىء ما نوى » (متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب ، و هو أول حديث في صحيح البخاري . )

فمن نوى باستماع الغناء ، و من نوى به ترويح نفسه ، ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل ، و ينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن ، و فعله هذا من الحق ، ومن لم ينو طالعة و لا معصية فهو لغو معفو عنه ، كخروج الإنسان إلى بستانه ، و قعوده على باب داره متفرجاً و صبغه ثوبه لا زورديّاً أو أخضر أو غير ذلك ، و مد ساقه و قبضها ، و سائر أفعاله » (المحلى : 9/60) . 

( 
ج ) و استدلوا بحديث : « كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة : ملاعبة الرجل أهله ، و تأديبه فرسه ، و رميه عن قوسه » (رواه أصحاب السنن الأربعة ، و فيه اضطراب . قاله الحافظ العراقي في تخريج أحاديث « الإحياء » .) .

و الغناء خارج عن هذه الثلاثة . 

و أجاب المجوزون بضعف الحديث ، ولو صح لما كان فيه حجة ، فإن قوله : « فهو باطل » لا يدل على التحريم ، بل يدل على عدم الفائدة . فقد ورد عن أبي الدر داء قوله : « إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل ليكون أقوى لها على الحق » . على أن الحصر في الثلاثة غير مراد ، فإن التلهي بالنظر إلى الحبشة و هم يرقصون في المسجد النبوي خارج عن تلك الأمور الثلاثة ، و قد ثبت في الصحيح ، و لا شك أن التفرج في البساتين و سماع أصوات الطيور ، و أنواع المداعبات مما يلهو به الرحل ، لا يحرم عليه شيء منها ،و إن جاز و صفه بأنه باطل . 

( 
د ) و استدلوا بالحديث الذي رواه البخاري – معلقاً – عن أبي مالك أو أبي عامر الأشعري – شك من الراوي – عن النبي علنه الصلاة و السلام قال : « ليكو نن قوم من أمتي يستحلون الحر (الحر : بكسر الحاء و تخفيف الراء - : أي الفرج ، و المعنى : يستحلون الزنى . و رواية البخاري : الخزّ.)

والحرير والخمر والمعازف». والمعازف: الملاهي ، أو آلات العزف.

و الحديث و إن كان في صحيح البخاري : إلا أنه من « المعلقات » لا من « المسندات المتصلة »‌ و لذلك رده ابن حزم لانقطاع سنده و مع التعليق فقد قالوا : إن سنده و متنه لم يسلما من الاضطراب . 

و قد اجتهد الحافظ ابن حجر لوصل الحديث ، ووصله بالفعل من تسع طرق ، و لكنها جميعاً تدور على راوٍ تكلم فيه عدد من الأئمة النقاد ، ألا و هو : هشام ابن عمار (النظر : تغليق التعليق – للحافظ ابن حجر : 5/17 – 22 ، تحقيق سعيد القزقي – طبع المكتب الإسلامي و دار عمار . ) . و هو – و إن كان خطيب دمشق و مقرئها و محدثها وعالمها ، ووثقه ابن معين و العجلي – فقد قال عنه أبو داود : حدثبأربعمائة حديث لا أصل لها .

و قال أبو حاتم : صدوق و قد تغير ، فكان كل ما دفع إليه قرأه ،‌ و كل ما لقنه تلقّن . و كذلك قال ابن سيار .

و قال الإمام أحمد : طياش خفيف . 

و قال النسائي : لا بأس به ( و هذا ليس بتوثيق مطلق ) . 

و رغم دفاع الحافظ الذهبي عنه قال : صدوق مكثر له ما ينكر (- انظر ترجمته في ميزان الاعتدال ( 4/302 ) ترجمة ( 9234 ) ، و في « تهذيب التهذيب » ( 51/11 – 54 ) . ) . 

وأنكروا عليه أنه لم يكن يحدّث إلا بأجر ! 

و مثل هذا لا يقبل حديثه في مواطن النزاع ، و خصوصاً في أمر عمت به البلوى . 

و رغم ما في ثبوته من الكلام ،‌فقي دلالة كلام آخر؛ فكلمة «المعازف » لم يتفق على معناها بالتحديد : ما هو ؟ فقد قيل : الملاهي ،وهذه مجملة ، وقيل : آلات العزف . 

ولو سلّمنا بأن معناها : آلات الطرب المعروفة‌ بآلات الموسيقى . فلفظ الحديث المعلّق في البخاري غير صحيح في إفادة حرمة « المعازف » لأن عبارة « يستحلون » - كما ذكر ابن العربي – لها معنيان : أحدهما : يعتقدون أن ذلك حلال ، والثاني : أن تكون مجازاً عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور ؛ إذ لو كان المقصود بالاستحلال : المعني الحقيقي ، لكان كفراً ، فإن استحلال الحرام المقطوع به – مثل الخمر والزنى المعبر عنه ب « الحر » كفر بالإجمال . 

و لو سلمنا بدلالتها على الحرمة ، فهل يستفاد منها تحريم المجموع المذكور من الحر و الحرير و الخمر و المعازف ، أو كل فرد منها على حدة ؟ و الأول هو الراجح . فإن الحديث في الواقع ينعى على أخلاق طائفة من الناس : انغمسوا في الترف و الليالي الحمراء ، و شرب الخمور . فهم بين خمر نساء ، و لهو و غناء ، و خزّ و حرير . و لذا روي ابن ماجه هذا الحديث عن أبي مالك الأشعري بالفظ : « ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ، يعزف على رؤوسهم بالمعازف و المعنيات ، يخسف الله بهم الأرض و يجعل منهم القردة و الخنازير » ،‌ و كذلك رواه ابن حبان في صحيحه ، و البخاري في تاريخه . 

و كل من روي الحديث من طريق غير هشام ابن عمار ، جعل الوعيد على شرب الخمر ، و ما المعازف إلا مكملة و تابعة . 

( 
هـ ) و استدلوا بحديث عائشة : « إن الله تعالى حرم القينة ( أي الجارية ) و بيعها و ثمنها ‌و تعليمها » . 

و الجواب عن ذلك : 

أولاً : أن الحديث ضعيف ، و كل ما جاء في تحريم بيع القيان ضعيف (انظر : تضعيف ابن حزم لهذه الأحاديث و تعليقه عليها في « المحلى » : 9/56 – 59 .) . 

ثانياً : قال الغزالي : « المراد بالقينة الجارية التي تغني للدجال في مجلس الشرب ، و غناء‌ الأجنبية للفسّاق و من يخاف عليهم الفتنة حرام ،‌ و هم لا يقصدون بالفتنة إلا ما محذور . فأما غناء الجارية لمالكها ، فلا يفهم تحريمه من هذا الحديث . بل لغير مالكها سماعها عند عدم الفتنة ، بدليل ما روي في الصحيحين من غناء الجاريتين في بيت عائشة رضي الله تعالى عنها (الإحياء ص 1148 .) 

ثالثاً : كان هؤلاء‌ القيان المغنيات يكون عنصراً هاماً من نظام الرقيق ، الذي جاء الإسلام بتصفيته تدريجياً ، فلم يكن يتفق و هذه الحكومة : إقرار بقاء هذه الطبقة في المجتمع الإسلامي ، فإذا جاء حديث بالنعي على امتلاك « القينة » ، و بيعها ،‌ و المنع منه ، فذلك لهدم ركن من بناء « نظام الرق » العتيد . 

( 
و ) و استدلوا بما روي نافع : أن ابن عمر سمع صوت زمارة‌ راع أصبعيه في أذنية ،‌و عدل راحلته عن الطريق ، و هو يقول : يا نافع أستمع ؟ فأقول : نعم ، فيمضي ، حتى قلت : لا . فرفع يده و عدل راحلته إلى الطريق ،‌ و قال : « رأيت رسول الله ( صلى الله عليه و آل و سلم ) يسمع زمارة راع فصنع مثل هذا » . 

و الحديث قال عنه أبو داود : حديث منكر . 

و لو صح لكان حجة على المحرمين لا لهم ، فلو كان سماع المزمار حراماً ما أباح النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) لا بن عمر سماعه ، و لو كان عند ابن عمر حراماً ما أباح لنافع سماعه ، و لأمر عليه السلام بمنع و تغيير هذا المنكر ، فإقرار النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) لا بن الحلال . 

و إنما تجنب – عليه السلام – سماعه كتجنبه أكثر المباح من أمور الدنيا ، كتجنبه الأكل متكئاً ،‌ و أن يبيت عنده دينار أو درهم . . . إلخ . 

( 
ز ) واستدلوا أيضاً بما روي : « إن الغناء ينبت النفاق في القلب » ولم يثبت هذا حديثاً عن نبي ( صلى الله عليه وآل و سلم ) و إنما ثبت قولاً لبعض الصحابة أو التابعين ، فهو رأي لغير معصوم خالفه فيه غيره . فمن الناس من قال – وبخاصة الصوفية - : إن الغناء يرقق القلب ، ويبعث الحزن والندم علي المعصية ،‌ و يهيج الشوق إلى الله تعالى ، و لهذا اتخذوه وسيلة‌ لتجديد نفوسهم ، و تنشيط عزائمهم ، و إثارة أشوقهم . قالوا : و هذا أمر لا يعرف إلا بالذوق و التجربة و الممارسة ، و من ذاق عرف ، و ليس الخبر كالعيان ! 

على أن الإمام الغزالي جعل حكم هذه الكلمة بالنسبة للمغني لا للسامع ، إذ كان غرض المغني أن يعرض نفسه على غيره ، و يروج صوته عليه ، و لا يزال ينافق ويتودد إلى الناس ليرغبوا في غنائه . و مع هذا قال الغزالي : « و ذلك لا يوجب تحريماً ، فإن لبس الثياب الجميلة ، و ركوب الخيل المهملجة ، و سائر أنواع الزينة ، و لا يطلق القول بتحريم ذلك كله ، فليس السبب في ظهور النفاق في القلب : المعاصي ، بل إن المباحات ، التي هي مواقع نظر الخلق ، أكثر تأثيراً » (الإحياء : كتاب « السماع » ص 1151 . )‌ .

( 
ح ) و استدلوا على تحريم غناء المرأة خاصة‌ ،‌ بما شاع عند بعض الناس من أن صوت المرأة عورة ،‌ و قد كان النساء يسألن رسول الله ( صلي الله عليه و آل و سلم ) في ملاٍ من أصحابه ، و كان الصحابة يذهبون إلى أمهات المؤمنين و يستفتونهن و يفتينهم ويحدثنهم ،‌و لم يقل أحد : إن هذا من عائشة أو غيرها كشف لعورة‌ يجب أن تستر . مع أن نساء النبي عليهن من التغليظ ما ليس على غير هن.

وقال تعالى : {وًقلُنَ قَوُلاَ‌ مَّعُروفَاَ} الأحزاب (‌32 ) .

فإن قالوا : هذا في الحديث العادي لا في الغناء ‌، قلنا : روي في الصحيحين أن النبي ( صلى الله عليه و آل و سلم ) سمع غناء الجاريتين و لم ينكر عليهما ، و قال لأبي بكر : « دعهما » ، و قد سمع ابن جعفر و غيره من الصحابة و التابعين الجواري يغنين . 

( 
ط ) و استدلوا بحديث الترمذي عن علًّى مرفوعاً : « إذا فعلت أمتي خمس عشرة‌ خصلة ، حلّ تها البلاء . . . » ، وذكر منها : « واتخذت القينات و المعازف » ، و الحديث متفق على ضعفه ،‌فلا حجة فيه . 

و الخلاصة 

أن النصوص التي استدل بها القائلون بالتحريم إما صحيح غير صريح ، أو صريح غير صحيح . و لم يسلم حديث واحد مرفوع إلى رسول الله ( صلي الله عليه وآل وسلم ) يصلح دليلاً للتحريم ، و كل أحاديثهم ضعفها جماعة من الظاهرية و المالكية و الحنابلة و الشافعية . 

قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب « الأحكام » : لم يصح في التحريم شيء . 

و كذا قال الغزالي و ابن النحوي في العمدة . 

و قال ابن طاهر في كتابه في « السماع » : لم يصح منها حرف واحد .

و قال ابن حزم : « و لا يصح في هذا الباب شيء ، و كل ما فيه فموضوع . و والله لو أسند جمعية ، أو واحد منه فأكثر ، من طريق الثقات إلى رسول الله ( صلي الله عليه و آل و سلم ) ،‌ لما ترددنا في الأخذ به » (انظر « المحلى » : 9/59 .) .

*
لم شدد المتأخرون في تحريم الغناء ؟ 

يلاحظ أن المتأخرين من أهل الفقه أكثر تشديداً‌ في منع الغناء‌ - و خصوصاً مع الآلات – من الفقهاء المتقدمين . و ذلك لأسباب : 

الأخذ بالأحوط لا الأيسر 

1)
إن المتقدمين كانوا أكثر أخذاً بالأيسر ، و المتأخرين أكثر أخذاً بالأحوط ، و الأحوط يعني : الأثقل و الأشد . و من تتبع الخط البياني للفقه و الفتوى منذ عهد الصحابة فمن بعدهم يجد ذلك واضحاً ، و الأمثلة عليه لا تحصر . 

الاغترار بالأحاديث الضعيفة و الموضوعة : 

2) 
إن كثيراً ك الفقهاء المتأخرين أرهبهم سيل الأحاديث الضعيفة و الموضوعة ، التي امتلأت بها الكتب ، و لم يكونوا من أهل تمحيص الروايات ، و تحقيق الأسانيد ، فراجت لديهم هذه الأحاديث ، و لا سيمامع شيوع القول بأن كثرة الأحاديث الضعيفة التي تؤدي إلي طريق واحد يقوي بعضها البعض

ضغط الواقع الغنائي 

3) 
ضغط الواقع الغنائي بما يلا بسه من انحراف و تجاوز ، كان له أثره في ترجيح المنع و التحريم . و هذا الواقع له صورتان أثرت كل واحدة منهما على جماعة من الفقهاء
 انتهى
  
أرجو ان تكون رسالتي قد وضحت للجميع، فتحريم الغناء على مطلقه، او الموسيقى على مطلقها، بناء على رأي الدكتور يوسف القرضاوي، وجميعكم تعلمون المراكز التي يشغلها، وأهميته على خريطة العلماء المعاصرين، هذا التحريم لا أصل له ، والغريب ان العلماء الذين سبقونا، لم يختلفوا في هذا الموضوع بمقدار اختلافنا الآن!!

  اما ما يصاحب الغناء من حرمات، مثل السهرات الماجنة، وشرب الخمر، فتحريمها ياتي بناء على الأفعال المصاحبة لها، وليس لتحريمها ابتداء، واما ما نراه من مجون واثارات جنسية وعري ورقص من خلال التلفاز وتصوير الفيديو كليب، فهو خارج عن اطار موضوعنا هذا ، وتحريمه واضح، ولكننا نتحدث عن الموسيقى التي خلقها الله في كونه قبل أن نصنع نحن البشر الالات لعزفها، من منكم لا يطرب لتغريد العصافير، او لصوت الشلالات وانسيابها، من منكم لا يهوى الطبيعة، والموسيقى جزء من هذه الطبيعة. من منكم من لم يردد اغاني فيروز في الصباح، ومن منكم من لم يردد الاغاني الوطنية التي تلهب القلوب !!؟؟

أيمن أبو لبن
26-1-2011