الخميس، 15 يوليو 2010

ما رأيك ب " السيستيم " ؟!



   قبل عدة أيام من عودتي الى الوطن، لقضاء إجازتي الصيفية، حاولت كسرَ حالة الملل التي أعانيها، بمشاهدة أحد أفلام هوليوود الحديثة -وما أكثرها-  ووجدت ضالتي في فيلم للمثل الأسمر (صامويل جاكسون) يحمل عنوان Unthinkable ، ولكم أن تختاروا الترجمة المناسبة لعنوان الفيلم، هم أحد أفلام "الأكشن" المثيرة ،وبالفعل كان الفيلم مشيقاً ومثيراً ونجح في كسر حالة الملل التي أعيشها، بل أنه قضّ مضاجعي في تلك الليلة !!!!
 
 تبيّن أن الفيلم الذي وقع عليه اختياري، هو فيلمٌ مُوجّهٌ سياسياً، ويحملُ فكرةً غايةً في الخطورة، لا أريد أن أتعمق في التفاصيل حتى لا (أحرق) الفيلم ،تاركاً لكم فرصة متابعته، ولكنه بإختصار يتناول قضية التعذيب في المعتقلات و السجون، ويطرح وجهتي نظر، متناقضتين تماماً، وجهة النظر الأولى، والتي تتبناها الممثلةُ المساعدة في دور محققة في المباحث الفيدرالية  وهي محققة نزيهة ومتزنة وملتزمة بالقوانين، وتتبنّى مبدأ إحترام حقوق الإنسان، وعدم إستخدام التعذيب في التحقيقات.

   أما وجهة النظر الأخرى فيُجسّدها البطل الريئسي في دور المحقق ذو المهمات الصعبة، وهو أحد المحققين التي تلجأ إليهم المخابرات الأمريكية في القضايا المعقدة، للحصول على المعلومات اللازمة من المعتقلين، بغض النظر عن الوسيلة المتّبعة، بحيث لا تتحمل مؤسسة المخابرات المركزية أية مسؤولية في حالة خرق القوانين، لسببٍ بسيط، يكمن في أن هذا المحقق لا ينتمي بأي حالٍ من الأحوال إلى هذه المؤسسة ولا تربطه أية صلة قانونية بها، فهو محقق مستقل، ويعمل في الخفاء !!

   لا قيود، لا محظور، ولا حدود للتعامل مع هؤلاء المجرمين الإرهابيين (المسلمين)، المهم هو الحصول على المعلومات وبأية طريقةٍ كانت، سواءً بتقطيع الأصابع، أو قلع العيون، أو بإستخدام الكهرباء، أو بقلع الأسنان، أو حتى بتعذيب زوجة و أطفال المتهمين امام أعينهم!! كلُّ شيءٍ مُباح، ما دام ذلك يصب في مصلحة الوطن، وحماية أبناء الوطن !! والمثير للدهشة هو تعايش هذا المحقق مع وظيفته، وتقبّله لها بكل أريحية، بل وإيمانه المطلق بما يفعل !!!

   ونظراً للإبداع الذي يحتويه الفيلم من ناحية الإتقان والحبكة، وهو ما تتميز به السينما الأمريكية عادةً عن غيرها، فإن الفيلم يترك المشاهد حائراً بين وجهتي النظر، ولا يُزيل الغمامةَ سوى في اللحظات الأخيرة من الفيلم، ونظراً لمتابعتي وشغفي بالأفلام الأجنبية، فقد تنبأت بالسيناريو المحتمل للفيلم بعد مشاهدتي للمشاهد الأولى منه، ورأيت أنه سيكون سيناريو رائعاً إن صدق حدسي السينمائي، ويتلخص هذا السيناريو –المفترض- بأن المشتبه به، وهو مسلم أمريكي الجنسية، قد قرر أن يخوض هذه التجربة موهماً السلطات أنه مصدرُ تهديد لأمن أمريكا، دون أن يكون هناك أي تهديد، أو أي عمل ارهابي، مدركاً أنه سيتعرض لكمٍّ هائل من التعذيب والإهانة، وقد يصل به الأمر الى الموت تحت التعذيب، بغرض إيصال رسالة للسلطات الأمنية في البلاد، ولوسائل الإعلام، مفادها أن إحترام القوانين، وإحترام كرامة الإنسان، هو أحد أركان هذا البلد، وهذا الحلم الأمريكي، يجب الإلتزام به، مهما كانت الظروف، ومهما كانت الشكوك والتي قد تصل الى درجة اليقين، وأن الإنسانية يجب أن تبقى هي السمة الغالبة في المجتمع.

   ولكن صانعو الفيلم خذلوني في النهاية، وكرّسوا هذا  للفيلم، لإيصال رسالة غاية في الخطورة، رسالة موجهة للشعب الأمريكي، ولوسائل الإعلام التي ضغطت على الحكومة والمخابرات، ونشرت غسيلهم "الوسخ"، أبان قضية سجن أبو غريب، وأبان فضائح سجن غوانتانامو، ونادت وما تزال تنادي بمحاكمة المتسببين، وبإغلاق سجن غوانتانامو. الرسالة مفادها :
   نحن لا نختار أن نقوم بهذه الأفعال، ولا نحبذ أن نقوم بها، ولكننا نزاولها عند الحاجة فقط، بل ومُرغمين، ولولا هذه الأفعال القذرة التي نقوم بها من أجلكم، لما كنتم تعيشون في أمن وسلام الآن، مستمتعين بأشعة الشمس على شواطىء البحر، وما كان أولادكم يلهون في أمان . لا تدعوا عواطفكم تتحكم بأفعالكم، ولا تصدقوا دموع التماسيح !!!!، فمهما بلغت قساوتنا ووحشيتنا، فأنها لن تصل أبداً الى وحشية هؤلاء الإرهابيين.

   هي محاولة لتبرير الجرائم والوحشية بإسم الوطن، محاولة لتقنين التعذيب، وإستخدام ما لا يخطر بالبال تحت مسمّى " الأمن القومي" .
   الحلم الأمريكي القائم على اساس الحرية والديمقراطية، العدالة و المساواة، القانون الذي لا يتجاوزه أحد، وصيانة الدستور، أثبت خلال السنوات الماضية أنه لا يتعدى مرحلة "الحلم" بل هو وَهمٌ صدقناه، وأقنعنا أنفسنا به، فالحرية يتم إختراقها من أجل الوطن، لا عدالة ولا مساواة، سوى ما تحتويه الكتب والقوانين من كلام موضوع على الرف، والقانون يتم إعادة صياغته لمصلحة الساسة والمتنفذين، والمبررات لكل الأخطاء جاهزة دوماً، والديمقراطية أصبحت وجهة نظر !!!  أما الدعاية الأمريكية، فهي ماكياج زائف، تضعه الإدارة الأمريكية على وجهها كي تخفي قباحتها، تماماً كما تفعل الفنانات في زماننا هذا !!.

   يذكرني هذا بقصةٍ رمزيةٍ وطريفةٍ للغاية، حيث تقوم إحدى كبرى الشركات بإفتتاح مول تجاري ضخم، مختص ببيع الدجاج، وتخصص له ميزانيات ضخمة، ودعاية كبيرة جداً بحيث يصبح حديث الشارع، مما يدفع أحد المواطنين العاديين للذهاب الى المول، وعند دخوله يتفاجأ بروعة المكان ومدى الحرص على النظافة، وأناقة الموظفين، يندفع هذا المواطن نحو أحد الموظفين قائلاً له : أريد شراء دجاجة لو سمحت، فيجيبه الموظف : عفواً سيدي، عندنا هنا نظام لكل شيء، هل تريد دجاجة كاملة أم دجاجة منظّفة ومقطّعة ؟ أبدى المواطن سروره وأجاب : بل دجاجة منظفة ومقطعة، فما كان من الموظف إلا أن ابتسم ابتسامة عريضة وقال : تفضل سيدي الى الطابق العلوي، فنحن هنا نبيع الدجاج الكامل فقط، صعد المواطن الى الطابق الأعلى سعيداً بهذا التنظيم وبهذه الخيارات المتاحة، وتوجه نحو أحد الموظفين قائلاً له : أريد شراء دجاجة منظفة ومقطعة لو سمحت، فأجابه الموظف : عفواً سيدي، عندنا هنا نظام لكل شيء، هل تريد صدر دجاج أم فخذ دجاج ؟ ففرح المواطن وأجاب : بل صدر دجاج، فما كان من الموظف إلا أن ابتسم ابتسامة عريضة وقال : تفضل سيدي الى الطابق العلوي، فنحن هنا نبيع فخذ الدجاج فقط، صعد المواطن الى الطابق الأعلى سعيداً بهذا التنظيم وبهذه الخيارات المتاحة، ظاناً منه أن كل مشاكله مع الدجاج قد ولّت إلى الأبد، وتوجه نحو أحد الموظفين جازما هذه المرة  : أريد 4 قطع صدر دجاج لو سمحت، فيجيبه الموظف : عفواً سيدي ، نحن هنا لا يوجد لدينا صدر دجاج، في الواقع نحن لا نقدم الدجاج إطلاقاً ، ولكن أود أن أسألك : هل أعجبك النظام المتبع لدينا ؟ ما هو رأيك ب " السيستم " ؟؟؟؟!!!!

أيمن أبو لبن
2010-07-15


  

الثلاثاء، 13 يوليو 2010

ذكريات من وحي المونديال



   لمونديال كأس العالم ، طعمٌ خاص، حيث تجتمع أقوى المنتخبات من كافة القارات، لتتنافس على لقب ( بطل العالم )، ورفع الكأس الذهبية الجميلة الخاصة بهذه البطولة، وهي فرصة رائعة  لعشاق كرة القدم لا تتكرر سوى مرة واحدة كل اربع سنوات، للتجمع حول شاشة التلفاز، وممارسة طقوس المشاهدة الجماعية اليومية للمباريات مع الأحباء والمقربين ومتابعة العديد من المباريات الممتعة التي لا تخلو من الإثارة والتشويق وحبس الأنفاس، وهي فرصة أيضاً لتذوق نشوة الانتصار ، ومناكفة الأصدقاء المهزومين !! .

   سأحاول من خلال هذه السطور، المرور سريعا وبشكل موجز، على أهم المحطات، واللحظات المميزة و المواقف الطريفة والنادرة، التي اختزنتها في ذاكرتي، لبطولات كأس العالم التي شاهدتها وتابعتها.

   بدأت معرفتي بكأس العالم مع انطلاقة مونديال عام 1982 في اسبانيا ، كان ذلك اول حفل كروي أتابعه عبر شاشة تلفازنا الملوّن الجديد، حيث استطاع هذا المونديال ان يجذبني اليه بشكل غير مسبوق، وأذكر اني تابعت معظم المباريات حينها، وخصوصا مباريات فريقي المفضل البرازيل، ومباريات الفرق العربية الجزائر و الكويت،  لتصبح متابعة مونديال كأس العالم عادة لصيقة بي منذ ذلك اليوم وحتى الآن، حيث أصبحت مباريات كأس العالم أحد أهم الأحداث الرياضية في حياتي.

  • قبل انطلاقة هذا المونديال شاهدت تقريراً عن مهاجم المنتخب الايطالي باولو روسي، ولم أكن قد سمعت عن هذا اللاعب من قبل، كان التقريرغريباً بعض الشيء، لأن التقرير أشار الى أن اللاعب الايطالي روسي كان عائداً حديثاً من فترة ايقاف لمدة سنتين بسبب ضلوعه في فضيحة تلاعب بنتائج إحدى المباريات في الدوري المحلي، وتم ضمه الى المنتخب الايطالي نظراً للموهبة التي يتمتع بها وبغض النظر عن ماضيه، وتساءل مُعدّ التقرير عما اذا كان نجم هذا اللاعب سيسطع في المونديال ام انه سيكون نقمة على المنتخب؟  وكان باولو روسي نجم المونديال بلا منازع، وكان السبب الرئيسي في فوز ايطاليا بكأس العالم ( برغم جميع سوابقه) ونال لقب هداف البطولة ايضا ليتحول من مُدان الى بطلٍ قومي.
  • قام المنتخب البرازيلي بجولة في قارة اوروبا تحضيراً لمباريات كأس العالم، والتقى فيها بأقوى الفرق الاوروبية وأذكر منها المنتخب الانجليزي، وفاز المنتخب البرازيلي في جميع المباريات وبفارق كبير من الأهداف، وكان هو الفريق المرشح من قبل جميع النقاد للفوز بالبطولة، وكان يضم في صفوفه أفضل النجوم على الإطلاق أمثال زيكو وفالكاو وسقراط وجونيور وايدر.
  • تزامنت البطولة مع شهر رمضان الكريم، ومع الغزو الاسرائيلي للبنان، وكان النهار مقسوما بين نشرات الأخبار الإذاعية، وبين متابعة المونديال، والإعداد لوجبة الإفطار، وكانت السهرات الرمضانية عامرة بالحديث عن السياسة والحرب، وأخبار المونديال، وارتفاع درجة الحرارة، ومعاناة الصائمين.
  • شارك في هذا المونديال 24 فريقا لأول مرة في تاريخ كأس العالم بدلا من 16 فريقا، مما أضفى جمالاً للبطولة والتي تعد من أفضل بطولات كأس العالم على الأطلاق.
  • كنا نتابع المباريات عبر محطات التلفزيون الارضية، التلفزيون الأردني والسوري، وكان نقل المباريات مجانياً مما سهل عملية انتشار اللعبة، وارتفاع شعبيتها ووصولها الى بيت كل مواطن بيسر وسهولة، لا أذكر ان كان هناك تعليقاً عربياً مباشراً من أرض الملعب، ولكني أذكر صوت المعلق السوري الراحل عدنان بوظو الذي كان مميزا للغاية ، وكان من عشاق السامبا البرازيلية.
  • المباراة الاولى للفريق البرازيلي كانت ضد الاتحاد السوفياتي، وأذكر أن والدي رحمه الله، كان متحمساً جداً للفريق السوفياتي، برغم انه من المناصرين للفريق البرازيلي ( بالفطرة )، ويعود السبب في ذلك الى أن الاتحاد السوفياتي كان متعاطفا مع قضية فلسطين والعرب وخصوصا في حرب لبنان، وكان قد طالب اسرائيل بوقف الحرب على لبنان والانسحاب منها، بل أنه هدد اسرائيل بأنه سيستخدم القوة ان لزم الأمر لإجبار اسرائيل على انهاء الحرب، وكان لهذا الأمر مفعول السحر على عواطف الناس حينها، لينعكس ذلك على تشجيع الفريق السوفياتي بحرارة، ولكن البرازيل فازت في النهاية 1 – 2.
  • الفريق البرازيلي لعب بدون حارس مرمى، بمعنى أن وجوده وعدم وجوده سيّان، حيث كان مستوى حارس المرمى لا يتعدى مستوى لاعب هاوي في حارات أي بلد ( هاوٍ )، وكانت الكرات المسددة على المرمى البرازيلي جميعها خطيرة، ان لم تترجم الى هدف، بسبب أخطاء حارس المرمى، وكان مركز حارس المرمى غير مرغوب فيه من قبل اللاعبين البرازيليين آنذاك، حيث كانوا يفضلون اللعب في مركز خط الهجوم او الوسط، وكان سوء مستوى حارس المرمى هو السبب الحقيقي لخروج البرازيل من المونديال بدون تتويج، بالاضافة الى تواضع الأداء الدفاعي، رغم التفوق الهجومي الواضح للبرازيل وقتها.
  • الفريق الجزائري قدم مستويات رائعة وفاز في الافتتاح على الفريق الألماني، ولكنه تعرض لمؤامرة من قبل الجارتين (المانيا والنمسا)، أدت الى خروجه من الدور الأول، لتقوم الفيفا لاحقاً بتعديل توقيت المباريات الأخيرة في الدور الأول لتقام في نفس الوقت، في محاولة لمنع التلاعب بالنتائج، وكانت هذه واحدة من أكبر فضائح بطولات كأس العالم.
  • فوز الجزائر في المباراة الاولى أمام المانيا كان مفاجأة البطولة وحديث الشارع، وتحول نجوم المنتخب الجزائري الى أبطال حقيقيين في الشارع العربي، ومنهم رابح مادجر والأخضر بللومي، والحارس سرباح. عموماً الجزائر قدمت أداءاً مشرفاً ، فازت في مباراتين وخسرت واحدة امام النمسا.
  • فريق الكويت كان اداؤه سيئاً في البطولة، وتعرض لخسارتين امام انجلترا وفرنسا، وحقق تعادلا وحيدا مع تشيكوسلوفاكيا، ومن المواقف الطريفة في مباراة الكويت وفرنسا، التي كان حاضراً فيها وزير الرياضة الكويتي الشيخ فهد الأحمد الصباح، حيث كانت النتيجة تشير الى تقدم فرنسا 1 – 3، وما لبثت ان سجلت فرنسا هدفاً رابعاً، احتج اللاعبون الكويتيون على هذا الهدف بحجة أنهم سمعوا صافرة من المدرجات قبل انطلاقة اللاعب الفرنسي بالكرة وتسجيله للهدف، حيث اعتقدوا انها صافرة الحكم، وتوقفوا عن اللعب معتقدين ان اللاعب الفرنسي في موقف تسلل، الا انه تابع الكرة وسجل هدفا، وقام الحكم باحتسابه، وتوقفت المباراة نتيجة الإعتراض، وانسحب اللاعبون من أرض الملعب، ونزل الشيخ فهد الى أرض الملعب في حادثة فريدة من نوعها، وأعترض على الهدف بشدة، وبعد التشاور، قرر الحكم الغاء الهدف مُسجلاً سابقة فريدة في تاريخ كأس العالم لتنتهي المباراة 3 – 1 !!!، الا أن الفيفا بعد ذلك ثبّت الهدف في نتائجه الرسمية وغرّم الاتحاد الكويتي، وطرد الحكم من المونديال ....... لا تعليق !!!.
  • كان الجميع يترقب مارادونا، وماذا سيفعل في هذه البطولة، الا أن الارجنتين "بطلة النسخة السابقة" خسرت في الافتتاح امام بلجيكا، وتأهلت الى الدور الثاني بصعوبة، وخرجت دون ان تقدم شيئاً يُذكر، وكذلك فعل نجمها مارادونا، الذي ودّع المونديال بالكرت الأحمر في مباراة البرازيل و الارجنتين لتعمده الخشونة، والطريف في الأمر أن مدرب البرازيل ( تيلي سانتانا ) وهو أحد أفضل المدربين على مستوى العالم في القرن الماضي، عندما سأله أحد الصحفيين قبل المباراة عن اسم اللاعب الذي سيوكل له مهمة مراقبة مارادونا، اجاب انه لن يخسر مجهود لاعب برازيلي من أجل مراقبة مارادونا، وأضاف أن مارادونا لن يخضع لمراقبة استثنائية، واذا كان مارادونا لديه ما يقدمه فليقدمه، فنحن لدينا ما نقدمه ايضاً، وبالفعل كان ذلك، حيث سحقت البرازيل غريمتها الارجنتين بالثلاثة في واحدة من أجمل مباريات البطولة.
  • مباراة البرازيل وايطاليا ، والتي فاز فيها الطليان 2 – 3 وأدت الى خروج البرازيل بفضل ثلاثية باولو روسي، لم تُبث على شاشات التلفزيون العربية، سواءً على تلفزيوننا الأردني، او تلفزيون جارتنا سوريا، لأن حكم المباراة يحمل الجنسية الاسرائيلية، واضطررنا حينها أن نتابع المباراة على شاشة التلفزيون الاسرائيلي، كان ذلك أبان المقاطعة العربية لاسرائيل ، قبل ان نتحول الى التطبيع !!!!
  • مباراة ايطاليا والبرازيل بدأت بدايةً نارية، تقدمت ايطاليا سريعاً بهدف لروسي من خطأ مشترك بين الدفاع والحارس في الدقائق الأولى للمباراة، وبعد عشرة دقائق حقق سقراط ( الطبيب ) هدف التعادل من كرة زاحفة وضعها على يسار زوف من زاوية صعبة، ثم ما لبث الدفاع البرازيلي أن أهدى ايطاليا هدفاً ثانياً لينتهي الشوط الاول بتقدم ايطاليا 1 – 2. بدأ الشوط الثاني بهجوم كاسح من الفريق البرازيلي لتحقيق التعادل الذي يكفيه للانتقال الى المباراة نصف النهائية، قابله دفاع مستميت من ايطاليا وتألق كبير لحارسها زوف الذي تصدى لأكثر من هدف محقق للبرازيل، ناهيك عن مساعدة القائم والعارضة، وكان هذا الشوط أشبه بلعبة ( الجول الانجليزي ) التي كنا نلعبها في الحارات الشعبية، والتي يكون فيها مرمى واحد فقط، وبالفعل كانت الكرة لا تغادر ملعب الطليان، ولم يكن الطليان قادرين على الاحتفاظ بالكرة، وكل كراتهم كانت مشتتة. استطاع فالكاو أن يسجل هدفاً رائعاً من تسديدة بعيدة ليضع البرازيل على بعد لحظات من التأهل، وفي الدقائق العشر الأخيرة ومن ضربة ركنية ، أخطأ حارس المرمى البرازيلي في التقاط الكرة لتصل سهلة الى باولو روسي غير المراقب ليضعها في الشباك هدف الفوز لايطاليا.
  • دينو زوف الايطالي كان أفضل حارس في البطولة، وكان قد بلغ الأربعين من العمر، وكان ينافسه الحارس الألماني شوماخر.
  • حصان البطولة كان الفريق الفرنسي، برغم خسارته في مباراته الاولى مع انجلترا، الا انه انتفض وقدم مستويات رائعة، ولمع نجم ميشيل بلاتيني، وجيريس وتيجانا، وكانت هذه البطولة بمثابة مولد مُنافس جديد على مستوى الكرة العالمية، منتخب اوروبي أنيق للغاية في أدائه، واستطاع الفرنسيون الوصول الى نصف النهائي حيث التقوا مع المانشافت الألماني الذي كان يضم رومينجه و روبيش وليتبارسكي، في واحدة من امتع مباريات البطولة، وبعد انتهاء الوقت الأصلي بالتعادل بهدف، تقدم الفرنسيون بثلاثة أهداف لهدف في الوقت الإضافي، وعندما شعر الجميع أن المباراة انتهت لصالح فرنسا، عاد الألمان من بعيد وحققوا التعادل، ليقف الحظ الى جانبهم في ركلات الترجيح ويتمكنوا من بلوغ الدور النهائي، وشهدت هذه المباراة حادثة مؤسفة تمثلت في التحام الحارس الآلماني ( شوماخر ) مع أحد المهاجمين الفرنسيين بطريقة عنيفة جداً ومتعمدة أدت الى غياب اللاعب الفرنسي عن الوعي وكادت أن تودي بحياته، ولم يتخد الحكم أي إجراء بحق الحارس برغم اعتراضات اللاعبين الفرنسيين وأعضاء الجهاز الفني، واستهجان الجمهور، وأحتلت صور هذه الحادثة مساحات كبيرة في وسائل الإعلام بعد المباراة .
  • الفريق الفرنسي المشارك في هذه البطولة واصل تألقه بحصوله على بطولة اوروبا بعد عامين، بفضل تألق لاعبه ميشيل بلاتيني، اللاعب الأنيق، رئيس الاتحاد الاوروبي لكرة القدم حاليا.
  • البطولة شهدت أسرع هدف في مباريات كأس العالم، وكان هدف انجلترا الأول في مرمى فرنسا في الدقيقة الاولى من المباراة، والتي انتهت بفوز انجلترا 1 – 3.
  • الفريق الانجليزي الذي ضم العديد من النجوم على رأسهم النجم كيفن كيجان خرج من البطولة برغم أنه لم يتعرض الى أي هزيمة، هل تصدقون !!! الدور الثاني كان يقام على نظام المجموعات، حيث تضم كل مجموعة ثلاثة فرق، وقعت انجلترا في مجموعة واحدة مع المانيا واسبانيا، وانتهت مباراتي انجلترا بالتعادل، الا أن الفريق الألماني تأهل بسبب فوزه على الفريق الاسباني المضيف.
  • الغائب الأكبر عن هذه البطولة كان الفريق الهولندي صاحب الكرة الشاملة، الذي أبدع في البطولتين السابقتين وأبهر العالم بادائه الجميل، حيث وصل الى المباراة النهائية في البطولتين وخسر مرتين متتاليتين أمام مسضيف البطولة، واحتاج الفريق الهولندي الى عشرة سنوات كاملة لإعادة بناء فريقه من جديد بعد انجاب جيل جديد من اللاعبين المبدعين أمثال فان باستن، خوليت، رايكارد، وكويمان الذين استطاعوا تحقيق اول بطولة كبرى لبلادهم عام 1988 الا وهي بطولة اوروبا.
  • برغم الأداء الباهت لايطاليا في الدور الأول وتأهلها بفارق الأهداف عن الكاميرون في أضعف مجموعات البطولة فنياً، والتي انتهت جميع مبارياتها بالتعادل ، تخيلوا !!! الا أن ايطاليا فجرت مفاجأة بفوزها على الارجنتين في الدور الثاني، واكملت المفاجأة بالفوز على البرازيل، لتصل الى المباراة النهائية بعد تفوقها على بولندا الضعيفة، وتحرز اللقب على حساب الألمان، وضم المنتخب الايطالي نجوماً عدة أبرزهم تاراديللي، وبيرغومي، وجنتيللي، وانطونيوني، والتوبيللي.
  • المباراة النهائية شهدت تفوقاً واضحاً للطليان على حساب الألمان، وأنتهت بفوز الطليان 1 – 3، والمُفرح في الموضوع، أن المنتخب الإيطالي أهدى كأس العالم للشعب الفلسطيني بسبب العدوان الاسرائيلي عليه والذي تزامن مع اقامة بطولة كأس العالم ، شكراً لايطاليا.
  • فرحة اللاعب تاراديللي بتسجيله هدفاً جميلاً في المباراة النهائية، كانت شيئاً مميزاً للغاية، حيث انطلق في أرجاء الملعب صارخاً فاتحاً ذراعيه، وتعابير الفرح والبكاء على وجهه، كانت هذه بالفعل لقطة المونديال.
  • كانت البرازيل الأفضل أداءاً والأمتع والأحلى، وكانت فاكهة البطولة بالفعل، سجلت خمسة عشر هدفاً من أجمل أهداف كأس العالم على الإطلاق، في خمسة مباريات لعبتها، وحققت معدلاً تهديفياً وصل الى ثلاثة اهداف في المباراة الواحدة، وما زالت هذه الأهداف عالقة في ذهني، كما هو الحال مع جميع من تابع هذه البطولة الرائعة بالفعل.

أيمن أبو لبن
13-7-2010

الجمعة، 30 أبريل 2010

ماذا تعني خسارة "البارشا"



   عندما يخسر فريقك المفضل احدى المباريات المهمة ، فإنك بالتأكيد ستكون عرضة للهجوم من أصدقائك " المتشمتين " والمتعصبين لفرق أخرى ، وهذا يعني أنك ستعاني طويلاً من "المسجات" المزعجة ، وامتلاء موبايلك بها ليلة المباراة ، وحتى صبيحة اليوم التالي ، وعندما تجلس أمام كمبيوترك الشخصي ، فإنك ستجد بالتأكيد عددا من الايميلات ، التي "تبارك" لك الخسارة ، وعندما تدخل على صفحتك على موقع الفيسبوك ، فستجدها مليئة بالمداخلات ، وبالتعليقات المستفزة.

  يقول هتلر : "لا تُقدّم التبريرات ، فعندما تكون منتصراً ، لن يطلب احد منك تبريرات للنجاح ، وعندما تكون مهزوماً ، فالأفضل لك أن لا تكون موجوداً ، كي لا تبرر هزيمتك ".  ولذلك لن اخوض في سرد تبريرات الهزيمة ، الموجودة بالفعل ، لأن ذلك لن يغير شيئاً من الواقع ، ولن يخفف من آثار  الهزيمة النفسية ، فبعد انتظار انطلاقة المباراة قبل أيام من انطلاقتها ، وانحباس الأنفاس طيلة تسعين دقيقة واكثر بعد انطلاقتها ، وما يتخللها من قفزات وتأوهات على كل فرصة ضائعة ، وما يجتاحك من عصبية على أداء سيء لأحد اللاعبين ، أو على قرار مجحف من حكم المباراة ، وما تشعر به من انقباضات في القلب مع مضي كل دقيقة ، وترقب مصحوب بجلسة القرفصاء في اللحظات الحرجة ، مع الدعاء بالتوفيق ، تأتي صافرة النهاية ، لتدق ساعة الحقيقة ، وتكتشف ان فريقك المفضل خرج خاسراً ، وفقد أحد أهم الألقاب لهذا الموسم .

   شعور بالإحباط ، وفقدان الرغبة بالكلام ، وشعور عارم بالهزيمة ، وفقدان الرغبة في التواصل مع الآخرين ، وميول جارف للوحدة ، هذا ما يسيطر عليك ، بعد سماعك لصافرة النهاية، وتستمر هذه الحالة لأجل ليس بقريب .

   وعندما يكون فريقك المفضل هو "البارشا" ، فإن هذه الخسارة ، ليست كأي خسارة ، وآثارها ستمتد لأيام ، وليس لمجرد ساعات .

   تقول لي زوجتي مُحاولةً اخراجي من هذه الحالة "انها مجرد مباراة !!"  ولكنها في الحقيقة أكثر من ذلك ، بالنسبة لي هي إدمان كروي جارف ، بدأ منذ زمن بعيد ، منذ الصغر ، ومنذ بدء عشقي لهذه الكرة ، ما زلت أذكر أول مباراة أتابعها لهذا الفريق ، كانت في بداية الثمانينات ، ضمن بطولة اوروبا (دوري ابطال اوروبا حالياً)، كنت صغيراً ، وكانت تلك الايام هي بدايات متابعتي لهذه اللعبة ، كان التلفزيون الأردني وقتها ينقل مباريات الدوري الألماني ، وبعض المباريات الاوروبية ، ما شدني في هذه المبارة ، هو اعلان التلفزيون الاردني ، انه سيقوم باعادة بث مباراة برشلونة ( ولا أذكر الفريق الآخر الآن ) بناءً على رغبة الجمهور في اعادة هذه المباراة المميزة ، شدّني هذا الاعلان ، وقررت متابعة المباراة ، وما زلت أذكر دهشتي ، وانبهاري بهذه المباراة ، وبأداء هذا الفريق الذي لم أكن أعلم عنه شيئا ، ولا اعرف أحدا من لاعبيه ، كان أداؤهم مبهراً بمعنى الكلمة ، كانوا يتمتعون بمهارات فردية خارقة ، ولكن الأجمل من ذلك ، أن هذه المهارات يتم تسخيرها لمصلحة الفريق ، وهذا ما لم يكن مألوفاً في عالم كرة القدم أنذاك ، أذكر أن المباراة كانت باللونين الابيض والاسود ، رغم ان التلفزيون الذي نملكه كان ملوناً حينها ، ولكن التلفزيون الاردني قام ببثها بالابيض والاسود ، ولم اعرف وقتها ما هو لون فانيلة هذا الفريق ، الذي اصبح الفريق رقم واحد في قلبي بعدها، لا يشاركه هذه المنزلة سوى المنتخب البرازيلي ، الذي أبهر العالم في عام 82 ، وما زال حتى الآن .

   ومن المفارقات أن برشلونة عندما أراد أن يحتفل بالذكرى المئوية على تأسيسه في عام 1999 ، قام بدعوة المنتخب الأول على العالم وقتها ، المنتخب البرازيلي ، وكانت فرصة نادرة ولم تتكرر حتى الآن ، لمشاهدة فريقي المفضل ، ضد المنتخب المفضل لدي ، وانتهت وقتها المباراة بالتعادل بهدفين .

 فريق برشلونة هو عبارة عن مدرسة كروية ، استطاعت ان تحافظ على ارثها ، منذ فترة السبعينات وحتى الان ، تقوم على اساس انجاب وتأهيل الناشئين من ابناء النادي ليصبحوا لاعبين مميزين ليس على مستوى النادي وحسب ، بل وعلى مستوى العالم ، واصبح هذا النادي يُقدم لنا جيلاً كروياً يتلوه جيلٌ كروي آخر ، يحمل نفس الرسالة ، اللعب الجميل الأخاذ والمحافظة على المتعة الكروية ، متبنياً مبدأ اللعب الهجومي المفتوح .
   على مدى السنوات الماضية لعب لهذا الفريق افضل اللاعبين على مستوى العالم ، امثال كرويف ، مارادونا ، روماريو ، رونالدو ، ريفالدو ، رونالدينهو ، وآخرين ، والشيء المميز ، ان هؤلاء اللاعبين عندما لعبوا للبارشا ، تطور اداؤهم للافضل ، وقدموا افضل ما لديهم ، وهذا دليل على قوة هذه المدرسة الكروية ، ولعل الظاهرة ميسي ، الذي نشأ وترعرع في مدرسة برشلونة منذ كان عمره ثلاثة عشر عاما ، ليصبح افضل لاعب في العالم ، هو اقوى دليل على نجاح هذه المدرسة . 

      قبل يومين ، خسر البارشا مباراة النصف النهائي لدوري ابطال اوروبا (في مجموع المباراتين) ، امام انتر ميلان الايطالي ،و قبل عام واحد وفي نفس الدور (النصف النهائي) ، تأهل برشلونة على حساب تشلسي في مباراة عصيبة ، ومثيرة للجدل وقتها ، في عدم احتساب الحكم لضربة جزاء لصالح تشلسي ، وكلنا نذكر كيف قام لاعبو تشلسي بالاحتجاج على الحكم ، بل وحاولوا الاعتداء عليه في الملعب وخارجه .

    قبل يومين ، تغاضى الحكم عن احتساب ضربة جزاء لبرشلونة ، وكلنا شاهدنا قميص ابراهيموفيتس الممزق نتيجة الشد من لاعبي الخصم ، وفي الدقائق القاتلة ، سجل برشلونة هدفاً ثانياً كان كفيلاً بنقله الى المباراة النهائية ، ولكن الحكم قام بالغاء الهدف ، وبعد الاعادة والتحليل (التحكيمي) على قناة الجزيرة الرياضية ، تأكدت صحة الهدف وصحة ضربتي جزاء لمصلحة البارشا ، وتأكد أن برشلونة حُرم من تأهل مستحق للمباراة النهائية .

  الفارق بين هاتين الحادثتين ، أننا لم نشاهد اي اعتراض من لاعبي برشلونة على الحكم ، لم يصرخوا في وجهه ، ولم يعتدوا عليه ، ولم يلاحقوه في جنبات الملعب ، ولم يهددوه ، لانهم يدركون انهم يمثلون ناديا ، هو اكثر من مجرد نادي ، انه برشلونة .

   عندما يخسر برشلونة امام فريق الانتر الايطالي ، والذي بالمناسبة لم يلعب له اي لاعب ايطالي في هذه المباراة ، ولكنه ما زال يحمل اسم " الايطالي " ، في احدى مفارقات الكرة العالمية الحالية ، التي اصبحت تعتمد على المادة والتسويق واصبحت صناعة وتجارة مقاولات . اقول عندما يخسر برشلونة ، فان هذه الخسارة ، هي خسارة للكرة الهجومية امام الكرة الدفاعية ، خسارة للمتعة ، امام القوة البدنية ، خسارة لجمال الكرة امام سلبية الفريق الآخر ، هي خسارة ليس لبرشلونة فقط ، انها خسارة لعشاق كرة القدم الحقيقية.

   عندما يتأهل فريق الى اهم مباراة نهائية في الموسم ، ولا يستحوذ على الكرة لاكثر من 30% ، ولا يقوم  بتمرير اكثر من 70 كرة خلال 90 دقيقة ، مقابل 555 تمريرة ، و 70% نسبة استحواذ على الكرة للفريق الآخر ، عندما يتأهل هذا الفريق دون ان يكون له اي هجمة على المرمى ، ولا يقوم بتسديد اي كرة على المرمى ، فهذا يعني ان أكبر خاسر في هذه المباراة هي لعبة كرة القدم نفسها ، وعشاق هذه الكرة .

   واذا خسر برشلونة بطولة الدوري الاسباني هذا العام لملصلحة مدريد ، فهذا يعني ايضا ، خسارة كرة القدم ، وانتصار التجارة والصناعة ، والمقاولات الرياضية ، التي يعتمدها النادي المدريدي ، والذي يعتمد على جلب اللاعبين القادرين على رفد خزينة النادي ، على حساب اللاعبين الذين يقدمون كرة قدم جميلة ، هذا ما تعنيه خسارة البارشا ، ولهذا ما زلت اشعر بالحزن العميق على هذه الخسارة .

   في النهاية ، أبارك لجميع من شعر بالسعادة الغامرة بخروج البارشا ، اقول لهم هنيئاً لكم خروج الكرة الجميلة ، اهنئكم بفوز فريق الانتر الايطالي الذي لا يلعب له اي لاعب ايطالي ، ابارك لكم اللعب السلبي ، واللعب الدفاعي ، وابارك لكم عنجهية المدرب مورينهو ، الذي لم يصدق نفسه عقب الانتصار ، لانه فاز على  الفريق الافضل والاجمل والاحلى ، فريق البارشا .

    وأخيرا أبارك لكم قدرتكم على البقاء متسمرين امام التلفاز طيلة 90 دقيقة دون ان يصل فريقكم المفضل الى المرمى ، ودون ان يُسيطرعلى الكرة ، ودون ان يمرر اكثر من تمريرتين او ثلاثة في المرة الواحدة ، ودون ان يسدد اي كرة على المرمى ، وأن تكونوا مستمتعين برغم كل ذلك ، فعلا أهنئكم على هذه المقدرة التي يفتقدها الكثيرون ، وافتقدها انا شخصيا.

 أيمن أبو لبن
30-4-2010

الأحد، 18 أبريل 2010

إحذروا الفتنة في الدين فإنها قد وصلت الى بيوتنا



   يتعرض الإسلام حالياً الى عدة هجمات ، تستهدف زلزلة الإيمان بهذا الدين ، وزحزحته عن مكانة الأديان السماوية الاخرى ، ويأتي هذا الهجوم على عدة أصعدة في وقت واحد ، بدءاً بمحاولة تشويه القرآن ووصفه بأنه ليس كلام الله ، مروراً بلصق صفة الإرهاب والدموية الى الإسلام ، وانتهاءً بالهجوم على شخص نبينا محمد ، وقد تم تخصيص قنوات فضائية ( عربية ) تتكلم بلغتنا من أجل تحقيق هذه الأهداف والتي تتلخص بالآتي :
  • محاولة تشويه القرآن ، بهدف زعزعة الايمان بأن القرآن هو كلام الله ، والمس بقدسية هذا الكتاب .
  • وضع الاسلام في قفص الاتهام ، والإدعاء بأن هذا الدين هو دين دموي قائم على القتل والإرهاب ، ليكون ذلك حاجزاً لكل من يريد أن يتعرف على الإسلام .
  • ثم تأتي الهجمة الأخيرة على شخص سيدنا محمد ، لمحاولة هدم القدسية عن شخصيته ، ومحاولة اثبات أن هذا الشخص ليس نبياً.
القرآن الكريم ، هل هو كلام الله ؟
    يدّعون أن القرآن هو مجموعة قصصٍ موجودةٍ في التوراة والإنجيل تم إدخال بعض التعديلات عليها ، من حيث الزيادة أو النقصان ، حيث أن محمداً تعلم التوراة والإنجيل وقام بتأليف القرآن بناءً عليهما ، وضمّنه الكثير من العنف والدعوة الى القتال والإرهاب .
 (1)
  لو أردنا أن نبحث عن كتاب سماوي يدعو الى توحيد الذات الآلهية ، دون شريك ، فما هو هذا الكتاب ؟ لا اله الا الله وحده لا شريك له ، لا تجدها في أي كتاب سوى قرآننا الكريم. التوحيد هو أصل الديانات ، التي جاءت من أجل تعريف البشر بربهم ، ودعوتهم الى عبادته والالتزام بأوامره ، وتجنب نواهيه ، هذا هو ببساطة ، هدف كل دعوة سماوية ، فهل يُعقل ان يُرسل الله لنا نبياً لنعبده دونه ، أو نُشركه في عبادته ؟!
   أصل الدين هو التوحيد ، وهذا لن نجده الا في كتابنا الكريم ، بكل وضوح وتجلٍ ، على عكس الكتب السماوية الاخرى التي تدّعي وجود شراكة في الالوهية ، كما يعتقد المسيحيون في أن المسيح هو الله ، او هو إبن الله ، وكما يعتقد اليهود بأن عزير هو إبن الله ، فمن يبحث عن الله ، وحده لا شريك له لن يجده الا في القرآن ، الذي يربط العلاقة بين العبد وربه مباشرة ، دون الحاجة لاي وسيلة توصله الى الله ، العبد ليس بحاجة الى رجل دين ، او ولي من الاولياء ، ليخاطب الله ، نحن نكلم الله كل يوم خمس مرات ، نخاطبه وندعوه بما نشاء ، لسنا بحاجة الى صكوك غفران ، ولا الى الاعتراف لرجل دين كي يغفر لنا الله من خلاله ، ذنوبنا التي اقترفنا ، علاقتنا بالله علاقة خاصة ، تربطنا به وحده.
(2)
   لو أردنا أن نقرأ قصص الأنبياء ، ونشعر بعظمهم ، وإجلالهم ، فأي كتاب سنختار؟ ، لن نجد سوى القرآن ، يحدثنا عن جميع الأنبياء بمستوى يليق بهم ، دون الإساءة الى أحد منهم ، ودون إنقاصٍ لدورهم ، قد تتشابه قصص القرآن مع قصص الأنبياء في الكتب الأخرى ، لأن المصدر واحد ، وهو مُنزل الكتب السماوية جميعها ، ولكن الإختلاف يكمن في أن الكتب السماوية الأخرى لم تحتفظ بما أنزله الله على انبيائه ، بل احتوت على إضافات وتعديلات من رجال الدين ، فهي تحتوي على أساطير ، وقصص خيالية مستفيضة ، بل وتتعدى ذلك الى الاساءة الى الانبياء والهجوم عليهم ، في كتبهم ، وهذا لا يصدقه عقل أو منطق ، أن يقوم الله سبحانه وتعالى بتقريع انبيائه ، والهجوم عليهم في كتاب سماوي ، أو أن ينقل لنا الله أفعالا وأحداثا غير لائقة عن أنبيائه .
(3)
   الحديث عن بداية الخلق ، وعن أحوال الدنيا ، عن الكون والكواكب والظواهر الطبيعية ، عن الحياة والموت ، عن الروح ، عن حياة البرزخ ، والحياة بعد الموت ، عن يوم القيامة بوصف دقيق اعجازي ، تكاد تتخيله حاضراً أمامك ، الحديث عن الحساب ، عن الجنة والنار ، والغيبيات ، مفصلاً وشاملاً وواضحاً دون لبس ، أين تجد كل هذا سوى في القرآن الكريم ، الذي يزودك بمفهومٍ شاملٍ للحياة ، منذ بدئها وحتى زوالها ، عن هدفك في الحياة وعن هدف البشرية في هذه الحياة ، لا تجد هذا الحديث سوى في القرآن الكريم ، ولهذا تجد أن أصحاب الديانات الأخرى لا يؤمنون بالغيبيات يقيناً ، ولا يمتلكون المعرفة اللازمة لها ، بل ان الشك يعتريهم في مسألة الجنة والنار ، والحياة الآخرة ، ولا يملكون أي مرجعية شاملة ومنطقية في هذا المجال .
 (4)
  لم يحصل أي كتاب سماوي على صفة "كلام الله" سوى قرآننا ، الذي أوحاه الله الى نبينا محمد بلفظه كما هو ، وكتبه كتبة الوحي ، وتم جمعه في زمن أبو بكر ، وما تزال النسخة الآصلية للقرآن الكريم محفوظة في متاحف تركيا ، عدا عن تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظ هذا الكتاب من أي تحريف ، أين نجد هذا في غير القرآن !!، كم نسخة إنجيل توجد حالياً ، وكم توراة ، وبأي لغة نزلت التوراة والانجيل ، والى أي لغة تم ترجمتها حتى وصلت الآن الى اللغة الانجليزية ؟! كفانا فخراً بأن قرآننا عربي ، نزل بلغتنا الأم ، المحفوظة في قلوبنا ، وأن كتابنا محفوظ من قبل الله تعالى ، لا يساوره شك .
 (5)
   منظومة الاقتصاد المتكامل ، لا تجدها سوى في قرآننا الكريم ، فهناك ما يسمى بالاقتصاد الاسلامي ، ولن تجد اقتصاداً آخراً ينتمي الى دين ، لأنه وبكل بساطة لا يوجد سوى قرآننا الكريم الذي يحتوي على منظومة اقتصادية متكاملة ، لو اتبعناها لما وصلنا الى ما وصلنا اليه الآن من أزمات اقتصادية . جميع الاقتصاديون الآن مهتمون بالاطلاع على الاقتصاد الإسلامي ، وعلى قوانين الميراث ، حتى أن فرنسا تدرس إدخال بعض التعديلات على قوانين الميراث المدني لديها بناء على دراسة قوانين الإرث الإسلامية .
 (6)
 القرآن الكريم الذي يساوي بين العباد ، ويدعو الى الرحمة في التعامل مع الآخرين ، والى حفظ الأنفس والأموال ، وأن لكل امرء نصيب من الجزاء والعقاب ، بما يفعله هو ، القرآن الكريم الذي لا يفضل أحداً على أحدٍ الا بدرجة ايمانه ، لا فضل لابيض على اسود ، ولا لشعب على بقية الشعوب ، القرآن الذي أنصف المرأة ، ونادى بحقوق الإنسان ، هو أحق كتاب يُتّبع .
(7)
 سيدنا محمد لم يعرف القراءة ولا الكتابة ، وهذا تدبير رباني مقصود ، لإثبات أن هذا النبي لا يتكلم على هواه وإنما هو وحيُ يوحى ، بل أن تحدي الله للبشر في الإتيان بمثل هذا القرآن ، هو أكبر إثبات أنه كلام الله ، وأضف الى ذلك نبوءة سيدنا محمد في التوراة ، (أن آخر الانبياء يبعثه الله ويضع كلامه في فمه ، ليعلمكم إياه)  وهذه النبوءة موجودة في الكتب لغاية الآن ، فلماذا نصم آذاننا عنها ؟! ها قد أتاكم نبينا محمد بكلام الله ، الا وهو قرآننا الكريم ، أنزله الله بترتيب رباني ، وجمع الآيات في سورها المحددة عن طريق الوحي ، ثم وضع ترتيب السور في القرآن ، ليكون بذلك كتاب الله الوحيد في الأرض ، الذي لا يأتيه الباطل ، بما يحتويه من معجزات لفظية ومعنوية وحسية ، وإعجاز علمي ، وعددي ورقمي ، من حيث تعداد الحروف والكلمات وتكرارها ، لا يدع مجالاً للشك ، في أن هذا الكتاب لا يمكن أن يصدر عن بشر ، ناهيك عن أن يصدر من رجل لا يعرف القراءة والكتابة .
 (8)
  الحديث عن الجنين وتطوره في بطن أمه ، والتحدث عن كل مرحلة من مراحل النمو ، لم يأتِ على ذكره أي كتاب سماوي آخر ، بل أن العلم لم يستطع معرفة هذه الآطوار ، الا حديثاً باستخدام التقنيات الحديثة ، فمن أخبرنا بهذا قبل 1400 عام ؟!
   أنا لست برجل دين ، ولم أحصل على شهادة في الأديان ، تخولني أن أتصدى أو أقوم بحملات معاكسة ممنهجة ، توضح طبيعة الاسلام وحقيقته ، ولكن من جهة أخرى ، أشعر كما يشعر كلُ مسلمٍ واعٍ بضرورة إظهار الحقيقة وعدم الوقوف مكتوف اليدين ، وأنا أؤمن بأن هناك واجبٌ على كل مسلمٍ بالتصدي لهذه الإدعاءات ، وإظهار حقيقة هذا الدين بما يستطيع وبما يملك من علم ولو كان قليلاً ، كما أن نشر هذا الدين ، ومناصرته ، هو واجبٌ أيضاً ، ليس من باب إثبات أن ديننا صحيح وأن دين الآخرين خطأ ، ولكن من باب حبنا لله ودين الله ، ومن باب محبتنا للناس الآخرين الذين لا يعرفون حقيقة الإسلام ، وفوق كل هذا ، من أجل المسلمين الذين يرتابون حيال هذا الهجوم الجارح ، ولا يدركون حقيقة ديننا الصحيح ، وتجدهم يتأثرون بما يقرأون ويتابعون ، ولا يجدون ما يقولون ، وأكرر مجدداً أن هذا المجهود هو مجهود شخصي ، قد يعتريه بعض النقص ، ولكني أحببت أن أقوم بالإجتهاد ، وهذه دعوة للآخرين للإدلاء برأيهم حول هذه المواضيع ، والله الموفق.

أيمن أبولبن
18-4-2010

الأحد، 11 أبريل 2010

كلُّ الأشياءِ كانت.... مُوَدِّعة



      كانت النظراتُ كلُّها  مُودِّعة ، والعيونُ التي رافقتني ، وهي تستجمعُ آخر الصور لي لتُبقيها في ذاكرتها الحيّة ، كانت أيضاً مُودِّعة ، كلُّ الأيادي التي صافحتني كانت مُودِّعة ، تمدُّ يدايَ بدفىءِ الوداع ، و تذيبُ بعضاً من المشاعرِ المتجمّدة.
   كلُّ الأحضانِ التي غمرتني كانت مُودِّعة ، كلُّ الأيادي التي لوّحت لي كانت مُودِّعة ، كلُّ النسماتِ التي داعبت شعري ، كلُّ الاشجارِ التي اصطفّت على جانبِ الطريقِ ، كلُّ الابتساماتِ التي ارتسمت على الوجوه ، كلُّ الكلماتِ ، كلُّ الاشياء ، كانت مُودِّعة.

    مضى عامانِ  على الطائرة التي أقلّت جُروحي ، وحملت همّيَ المزروعَ في حقيبتي ، مضى عامانِ  على مرورِ شريط ذكرياتي كومضاتِ نورٍ متلاحقةٍ أمامي ، تتراءى لي عبر نافذةِ الطائرة ، هناك في المدى البعيدِ .

 مضى عامانِ على رجفةِ قلبي في إنتظار ساعةِ الرحيل ، مضى عامانِ على كلماتِ الوداع ، سنشتاق لك ، لا تنسى أن تُطمأننا عنك ، لا تقلق على شيءٍ وراءكَ .

 مضى عامانِ على التنهّداتِ والحسراتِ ، مضى عامانِ ، على إنفطار القلب ، على البُعد ، على فُراق الأهل والأصدقاء ، مضى عامانِ على أُمسية الوداعِ ، مضى عامانِ على رحيلي عن أخوتي ، وأصدقائي ، مضى عامانِ عليّ هنا.

 مضى عامانِ على بُكاء ولدي الصغير ، متسائلاً لماذا تودّ السفر يا أبي !؟ ، غيرَ مقتنعٍ بكل الأسبابِ التي ذكرتها له ، مضى عامانِ على دمعات أمي ، وبكائها ، وصوتها المتقطِّع حُزناً ، مضى عامانِ على وداع زوجتي لي ، غير مصدقةٍ أن ساعةَ الوداع قد حانت .

 مضى عامانِ على وداع ابنتي شهد ، كانت قد جاوزت الرابعة من عُمرها بقليل ، ولم تكن تعي ما يحصل ، لا معنى للسفر عندها ، طلبت مني ان أحملها ، وأرفعها لتلمِسَ السقف ، حملتها وقبّلتها ، ثم سألتني متى ستأتي الطائرة الى بيتنا لتأخذنا عندك ؟

 هل ما زالت العصافيرُ تزرو شباّك غرفتي ، هل ما زالت تذكُرني ؟ هل ما زالت أشعة الشمس تخترق الشبابيك وتزعج النائمين كل صباح ، ماذا حلّ بالحمامة التي وضعت بيضها على شباّك حمّامنا ؟ هل خرج صغارها الى النور ؟ كيف هو حيُّنا ؟  هل ما زالت رائحةُ المناقيشِ اللذيذة تفوحُ منه صباح كل يوم جمعة ؟ هل ما زالت الاشياءُ الجميلةُ التي تركناها ، جميلةً كما كانت ؟ هل يفتقدني احبائي كما أفتقدهم ، أم أن عجلة الحياة لم تُفسح لهم المجال للشعور بالفقدان ، هل يذكرني أصدقائي كما أذكرهم ، هل يحتفظون بصورتي في قلوبهم  كما أفعل أنا ؟ أم أن البُعد يُغيُّر ما في القلوب ؟

غريبةٌ هي الدنيا ، عندما تتحكّم في مشاعرنا وفي أحاسيسنا ، غريبةٌ هي !!

  كان الطريقُ الى المطارِ موحشاً ، الوقت يمضي مُسرعاً ، وسيارة أخي هي الأخرى تنطلقُ مسرعةً ، تخترق الأزمان نحو نقطة اللا عودة ، كلّ شيء مضى بسرعة ، وها أنذا أقف على مدخل المسافرين ، نظرتُ الى ورائي ، نظرة الوداع الأخيرة ، تلك النظرة التي كنت أشاهدها في الأفلام السينمائية ، وأكتشفت عندها ، في تلك اللحظة ، أنها شيءٌ مُختلفٌ عما نراه على الشاشة ، لا أكادُ أجد لها وصفاً.

  شققتُ طريقي بسرعة وجلستُ في الطائرة ، مقعدي كان بجوار النافذة ، لحظاتٌ قليلة وأصبحت النافذةُ سوداءَ مُظلمة ، منظرٌ يُضيفُ الى الحُزن ، كآبةً اضافيةً ، كانت الساعةُ قد جاوزت التاسعة والنصف مساءً ، رويداً رويداً اقتربنا من هدفنا ، مدينة الرياض ليلة 12 ابريل عام 2008 .

  عندما اقتربت الطائرة من الأرض هالَني منظرُ المدينة ، كان منظراً رائعاً ، أزال بعض ما في نفسي من التعاسة ، كانت الساعة تقترب من منتصف الليل ، الاّ أن المدينةَ بدت مُشعّةً ، كانت الأنوارُ تشكّلُ لوحة فنّان مرسومةٍ بدقة ، مربعات كبيرة ، وداخلها مربعات أصغر ، رويداً رويداً أصبحت الأنوار أوضح وأصبحت المباني والشوارع باديةً للعيان ، كانت الشوارع ممتدّة ، وتتقاطع بدقة لافتة ، نحن في الرياض ، بلاد الذهب الأسود ، والجبال السوداء ، بلاد السماء الضبابية ، بلاد الخير والحرّ ، بلاد الصحراء والعُمران ، تركتُ ورائيَ الفصول الأربعة ، وذهبت الى بلاد اللا فصول ، ففصول العام هنا ليست كما نعرفها ، نحن هنا نفتقد للربيع ، كما نفتقد للخريف ، ولدينا ما يشبه الشتاء ، والصيف هنا ليس كأي صيف ، انه صيف حار الى درجة الغليان، انها بلاد .......... بلاد الخليج .

  والان وبعد عامين ، ما الذي حصل ؟ قد يكون الشيء الوحيد الذي واساني في غربتي ، قدوم عائلتي الصغيرة لتشاركني شعوري بالغربة ، أصبحنا نتبادل المواساة ، والهموم فيما بيننا ، وعندما يغرق أحدنا في بحور الوحدة والاضطراب ، نمد له يدنا ونحثه على الاستمرار في السباحة ضد التيار، ونذكر أنفسنا دوماً أننا سنعود يوماً الى أهلنا . ومع إشراقة كل يوم ، يزداد الحنين في قلوبنا ،  و يزداد حبّنا لأحبائنا ، وحبنا للوطن ، أصبحنا ندرك قيمة جميع المقرّبين منّا ، لانهم لم يعودوا قريبين كما تعودنا .

  في هذين العامين ، فقدنا أحباءً لنا ، ولم يُسعِفُنا القدرُ أن نُلقيَ عليهم نظرةَ الوداع الأخيرة ، أو أن نواكبهم الى مثواهم الأخير . في هذين العامين فقدنا تلك الحميميةَ في علاقاتنا ، وأبدلناها بقوالب من الجُمود ، فقدنا القُرب من أحبائنا ، وشعورنا أن مكالمةً هاتفيةً واحدة ستخوّلنا رؤيتهم ، زيارتنا لهم او زيارتهم لنا ، أصبحت المسافةُ اكثر بكثيرٍ من هذا ، إنهم على بُعد إجازةٍ صيفيةٍ قادمة .

    في هذين العامين فقدنا الكثير من التواصل الإنساني ، وانشغلنا بأمور الحياة الأخرى ، في هذين العامين ، لم نعد نحسب أعمارنا ، فأعمارنا توقفت هناك ، لحظة أن فارقنا الوطن .

   أيمن أبو لبن
11-4-2010
   مضى عامانِ  يا أمّي
على الولدِ الذي أبحر
برحلتهِ الخرافيّه
وخبّأَ في حقائبهِ
صباحَ بلادهِ الأخضر
وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسهِ
طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر
وليلكةً دمشقية..
نزار قباني

الأحد، 21 مارس 2010

لا تظن أنها أمّك وحدك .......إنها أمّنا جميعاً



الى أجمل الأمهات ، الى أجملِ إمرأةٍ في حياتي ، الى أُمي الحبيبة

   في هذا اليوم يتذكرُ العالمُ ، وأنّى له أن ينسى ، دورَ الأم في حياته ، وبغض النظر عن بعض الآراء التي نسمعها من هنا وهناك ، حول هذا اليوم ، والإعتراض على شرعيته ، ولكني يا أمي ، سأحتفل بك في هذا اليوم ، لأضيفه الى باقي أيام العام ، التي تمر عليَّ ، دون أن تغيبي عن بالي ، سأحتفل هذا العام ، بشكل خاص ، سأحتفل بك وأنا بعيدٌ عنك ، بعيدٌ عن العائلة ، أحتفل معك وأنا أشعر بالتقصير في حقّك ، أشعر أني ما أوفيتك حقّك ، رغم حرصي على الوفاء لك ، إلا اني قصّرت ، مُقيماً معك ، وأقصّر الآن مغترباً عنك.
 مضى عامان يا أمي على غربتي ، كَبِرتُ يا أمي ، وبدا شعريَ الأبيض أكثر وضوحاً و انتشاراً من ذي قبل ، كَبِرتُ ، وأخذتني الحياة في آتونها ، تغرّبت ، وتجرّعت مآسي الوحدةِ والإغتراب ، وكبُر همّي بكِبَر عُمري ، في كل دقيقةٍ يدقُّ القلبُ بالحنين ، ينبضُ بالشوق لك ، ولتلك الذكريات التي عشتها معك صغيراً ، إشتقت الى طفولتي ، الى يديك تسرُّح شعري ، وتضبط لي ملابسي ، إشتقتُ الى حضنك الدافىء ، والى خبزك البيتي ، إشتقتُ لطعامك ، إشتقتُ لدلالك ، ولعطفك ، إشتقتُ لقِصَصك ، والى صوتك الذي يلهج بالدعاء مودعاً لي وانا متوجّه لإمتحاناتي المدرسية ، إشتقت لتأنيبك لي عندما أتمادى في السهر ليلاً ، أو عندما أحترق حزناً ، على خسارة  فريقي المفضل في إحدى المباريات .
  هل ما زلتُ المفضّل عندك ، وهل ما زلتُ أحتفظ في قلبك بذلك الحب الخاص ، هل ما زلتِ تذكريني عندما تأكلين "المقلوبة" ، وهل ما زلتِ تحتفظي لي بقطعتي المفضلة .
  
إزددتُ لك حباً ، عندما أنجبتُ ، وعايشتُ مشاعرَ الأبوّة ، ومصاعب التربية ، أدركت كم كان حبّك لنا عظيماً ، وأدركت كم كان قلبك كبيراً ، عندما احتوانا ، وعكف على تربيتنا ، إزددت حباً لوالدي ، وأدركت كم كان عظيماً ، و كم قصّرنا في حقه جميعاً ، أدركت أننا عجزنا أن نفهمه يوماً ، كان بعيدَ النظر ، وكنّا قصيري النظر .
   هل حقاً يكفي أن أشتريَ لك الهدايا ، وأرسل لك كلمات محبتي ، كي أحتفل بك، هل هذا يكفي؟ ، ليجعلك تشعري بالسعادة ، وترضي عنّي ، هل هناك ما يكفي في هذه الحياة ، كي أقدمه لك ، لقاءَ كل ما قدمته لي ، لقاءَ كلِّ هذا الحب والعطاء ، لقاء كلِّ التضحيات ، وسهرَ الليالي ، وتلك الصلواتِ التي صلّيتها لي في ساعات السحر ، هل هناك ما يمكن أن أقدمه لك بالمقابل.
   
أُدرك الآن أنّ كل ما يُمكن أن أفعله لك كي ترضي عني ، هو أن أكون ناجحاً ، وأن أكون متفوقاً ، كما علمتني دوماً ، وكما أحببتِ ان أكون دوماً ، أُدرك أني عندما أُحسنُ تربيتي لأولادي أكون وفيّا لك ، عندما أزرع فيهم كلَّ المعانيَ الجميلة التي حرصتِ على زرعها فينا ، أكون وفيّا لك ، عندما أنقل لهم حبّك للحياة ، وحبّك لكلِّ مَن حولكِ ، بما فيهم مَن أساءَ لكِ ، أكون وفيّا لكِ ، وأستحق رِضاك .

  في يومك يا أمي ، أهنىء كلّ الأمهاتِ ، أقرأُ الفاتحةَ على أرواحِ اؤلئك اللواتي رحلنَ عنا ، و أُرسل باقةَ وردٍ لكلّ الأمهات اللواتي ما زلنَ يُضِئن حياتنا ، وأقبّل يدَ كل أم مُحِبّة فقدت إبنها او بنتها ، وأطبع قُبلةً على جبين كلّ أم ولو لم يكتب لها القدرُ أن تُنجب ابناءً. من أجلك يا أمي أحببتُهنّ جميعاً ، لأنك أول من أحبني  ، و أول من علّمني الحب ، لأنك  نبعُ الحنان الذي يفيضُ ، ويطرح عطاءً يصل مداه الى الجميع.

    من فرط حنانك يا أمي لم تكتفِ بتربيتنا فحسب ، بل امتد حبّك ليشمل أبناءنا ، وكان حنانك يغمرهم ، ويجعلهم  يرتبطوا بك ، أكثر مما يرتبطوا بنا ، امتد حبّك ليشمل تربية العصافير التي ملأت بيتنا ،  كنتِ تعتني بهم كأبناءك ، وأصبحتُ أنا من بعدك عاشقاً لتربية العصافير ، علّمتنا تربيةَ القِطَط ، والعطفَ عليهم ، ما زلتُ أذكر أجيالاً من القِطَط ، خرجوا الى النور من بيتنا ، كنّا نبدأ برعاية القطة وهي رضيعة ، الى أن تكبر ، وتبدأ بالإنجاب ، ثم ننتقل الى الإعتناء بالأبناء ، وأبناء الأبناء ، أنت من علمتنا ذلك .
    
كان حنانك يشمل أصدقاءنا ، ومعارفنا ، أصدقائي ما زالوا يذكُرونكِ ويسألوني عنكِ ، برغم البُعد ، وبرغم الزمن الذي مرّ ، يقولون لك كل عام وانت بخير ، وما زالوا يذكِّروني بطعم " المقلوبة " التي أعددتها لنا في رحلتنا المدرسية ، و بالطعام الشهي الذي كنتِ تقدميه لنا حين أستضيفهم في بيتنا ، أحدهم قال لي ذات مرة ، " لا تظن أنها أمّك وحدك ، إنها أمّنا جميعاً "  كان شعوراً جميلاً ، ولم أستطع أن أجد من الكلمات ما أرد عليه ، كانت الابتسامةُ ، ودمعةٌ حبستها في عيوني ، أجملَ ردٍ .

   كل عام وأنت بخير ، كل عام وأنت أمي ، كل عام وانت حبيبتي .

أيمن أبو لبن
 21-3-2010