الأحد، 26 نوفمبر 2017

الإبادة الجماعية والتطهير السياسي


تم تعريف الإبادة الجماعية في الأمم المتحدة على أنها (الأفعال المرتكبة بقصد تدمير مجموعة قومية او إثنيّة أو عرقية أو دينيّة جزئياً أو كلياً)
 ولكن في الواقع أنه في الحادي عشر من تشرين اول عام 1946 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في رد فعل مباشر على المحرقة النازية قرارا بالإجماع يقضي بحظر أعمال الإبادة عند القضاء جزئيا أو كليا على فئة دينية أو سياسية وفكرية.

 ولكن كلمة سياسية (فكرية) قد حذفت بسبب اعتراض تقدم به (ستالين) الذي كان يخشى أنه في حال أعتبر القضاء على خصوم السياسة من أعمال الإبادة فإن عمليات سفك الدماء والاعتقالات الجماعية التي مارسها للتخلص من الخصوم كانت ستندرج ضمن اللائحة.
 وقد كان لستالين مناصرون كثر من قادة الدول الأخرى الذين أرادوا أيضا الاحتفاظ بحق القضاء على أعدائهم. مما أدى في النهاية إلى اسقاط الكلمة.

إذا ما نظرنا الى الابادة من منظار المحاكم التي عرّفتها على أنها محاوله اقصاء متعمد لفئة من الناس تشكل حواجز أمام مشروع سياسي معين فهذا التعريف يشمل الفئات السياسية أو الاجتماعية والثقافية، وهو أكثر واقعية وقانونيةّ من حصره في دين أو قومية.

تخيّل معي عزيزي القارئ أنه قد تم إقرار النص الأصلي لتعريف الإبادة الجماعيّة، تُرى هل كان ذلك سيحدّ من الجرائم التي ارتكبتها الأنظمة الاستبدادية في منطقتنا للتخلص من المعارضة والقضاء على خصومهم؟ بلاد الربيع العربي مثالاً؟

يُذكر أن هذا التعريف الأخير تم إقراره في محاكم بلدان أخرى مثل البرتغال، البيرو وكوستاريكا.


أيمن أبولبن
26-11-2017

#التطهير_الفكري #الإبادة_الجماعية #الربيع_العربي 

الأحد، 19 نوفمبر 2017

مستر عادي!


 وُلِد السيد عادي في أسرة عادية
ونشأ نشأة عادية
دخل مدرسة عادية وكان أداؤه فيه عادياً

انتقل إلى ثانوية عادية ذات مدرسين عاديين ومناهج عادية وكان أداؤه عادياً
تم قبوله في كلية عادية في تخصص عادي ومناهجها عادية وأساتذتها عاديين وتخرج بمعدل عادي

حصل السيد عادي على وظيفة عادية في جهة عادية وكان أداؤه عادياً
تزوج السيد عادي من فتاة عادية ورزق منها بأولاد عاديين وتربيتهم كانت عادية
ترقّى السيد عادي بالأقدمية العادية حتى وصل الى التقاعد بطريقة عادية
عاش السيد عادي بقية عمره حياة عادية وأخيراً مات السيد عادي ميتة عادية !!!!



التقديرات تشير إلى أن ٩٨٪ من البشر حياتهم تشابه قصة السيد عادي
وأن ٢٪ فقط هم السيد متميز والسيدة متميزة !!

فهل تعتبر نفسك من النوع العادي أم من النوع المتميز؟! وهل وضعت لنفسك معايير وأهداف محددة كي لا تكون "مستر عادي


أيمن أبو لبن
18-11-2017
منقول بتصرف عن صفحة د طارق سويدان


الاثنين، 13 نوفمبر 2017

(عقيدة الصدمة) الوجه الآخر للنظام العالمي الجديد





تتناول الكاتبة والصحفية الكندية "نعومي كلاين" في كتابها القيّم "عقيدة الصدمة" فكرة "النظام العالمي الجديد" أو "الاقتصاد الحر" التي تبنّاها بروفيسور الاقتصاد في جامعة شيكاغو "ميلتون فريدمان" في خمسينيات القرن الماضي، وتُبيّن كيف ترسّخت هذه المبادئ أيدلوجياً وأصبحت فيما بعد "عقيدة" لدى الإدارة الأمريكية بشقيها السياسي–الاقتصادي، والعسكري-الاستخباراتي، وكانت تستهدف في الأساس البلاد الشيوعية والاشتراكية.
 وهذه العقيدة مبنية في الأساس على مبدأ استغلال الصدمة الجماعية للمجتمعات أو البلدان، والناشئة إما نتيجة ظواهر طبيعية غير مألوفة (أعاصير، فيضانات، أو زلازل مدمرة) أو نتيجة ظروف الحروب والنزاعات العسكرية، وذلك لإعادة بناء وتشكيل هذه المجتمعات من جديد على أسس الخصخصة وتحرير الأسواق التي تؤدي في النهاية الى انسياب المال العام من عامة الشعب ومؤسسات الدولة، الى أيدي قلة قليلة من رجال الأعمال والشركات الخاصة المتآلفين بدورهم مع مجموعة من الطغمة الحاكمة.

اللافت أن عملية التحوّل الاقتصادي أو السياسي، تكون مصحوبة بوعود النهضة الاقتصادية وجلب الاستثمارات الأجنبية، ولكن المحصلة النهائية تكون في الغالب على العكس تماماً: زيادة في الدين العام، مع ازدياد في معدلات الفقر والبطالة، وذوبان في الطبقات الوسطى للمجتمع، مقابل فوائد هائلة لفئات محدودة!

 وقد تم تطبيق استراتيجية "عقيدة الصدمة" في الولايات المتحدة بعد أحداث سبتمبر، حيث استغلت إدارة بوش حالة الهلع والصدمة، لتمرير أكثر من مشروع استراتيجي، على رأسها غزو العراق وسرقة موارده لصالح شركات الطاقة الأمريكية، مع ضمان عقود إعمار وخصخصة طويلة الأجل، ثم استغلال الحدث داخلياً وعالمياً للترويج لما يُسمّى "الحرب على الإرهاب" لضمان استمرار ازدهار صناعة الأسلحة الأمريكية.
 ولكن الأهم من ذلك كله، هو خلق "فوبيا الأمن والأمان " التي انتشرت من أمريكا الى العالم كالنار في الهشيم، وكان لها الدور الرئيس في نشوء صناعة أمنية جديدة تُعنى بأنظمة حماية المباني والمنشآت، ووسائل التنقل، وأنظمة التفتيش والكشف عن المواد المحظورة، الى أن وصلت الى تكنولوجيا المعلومات والقرصنة، وما زالت في طور النمو الى يومنا هذا!

وقد أدت إرهاصات الحماية الأمنية، الى رفد الشركات الخاصة الأمريكية بأرباح هائلة، مع تضاعف معدل إنفاق القطاعات الحكومية والخاصة بل والفردية على متطلبات الأمن والأمان عدة مرات في السنوات القليلة الماضية.

وقد تم تطبيق ذات العقيدة، في العراق أثناء حربي الخليج الثانية والثالثة، ولعلكم تذكرون معي أن القيادة الأمريكية أطلقت على الضربة الجوية الأولى التي قامت بها عام 1990 عن طريق الجو والبحر والبر، اسم "الصدمة والرعب" وكان الهدف منها شل حركة "العدو" وإفقاده القدرة على الرد.

وخلال فترة الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية على العراق، تحدثت الإدارة الأمريكية عبر أكثر من مسؤول، عن إعادة العراق الى العصور الحجرية!
ولكي نستوعب المقصود بهذا المصطلح، علينا أن ندرك جانباً آخر لعقيدة الصدمة لا يقل فظاعة عما ذكرناه آنفاً، وهو المبدأ القائم على غسل الأدمغة ووضعها تحت تأثير الصدمة بحيث تفقد رشدها وإدراكها وتنهار، وقد تم تطبيق هذا التكتيك في عمليات التعذيب المُمنهجة في معتقل غوانتنامو وسجن أبوغريب، والعديد من مراكز الاعتقال الآمنة”Safe House” المنتشرة في جميع الدول الحليفة لأمريكا ومن ضمنها دولنا العربية (حتى من يزعم منها المقاومة والممانعة)، من أجل سحب الاعترافات وجمع المعلومات الاستخباراتيّة من جهة، ولإرهاب كل من يفكر في الوقوف ضد سياسات العالم الجديد!
وما يُضاعف المأساة، أن معظم المعلومات المنتزعة تحت التعذيب كانت خاطئة ومضلّلة، إما نتيجة الخوف والهلع الذي يصيب المعتقل أو حالة التشتت الذهني التي تؤدي الى الهذيان وفقدان الذاكرة.

أساليب التعذيب هذه، اعتمدت في الأساس على فكرة إعادة العقل البشري الى مراحل الطفولة "غسل الدماغ" بحيث يصبح العقل صفحة بيضاء يمكن تلوينها وتشكيلها حسب رغبة من يتحكم بها، ثم انتقلت هذه الفكرة من مستوى البشر الى الدول، بحيث أصبح الهدف هو إعادة مجتمعات بأكملها الى "العصر الحجري" مجازياً، بحيث تفقد أخلاقياتها وحضارتها بل وقيمها الإنسانية، بما يكفل تشكيل هذه المجتمعات أو البلدان على أفكار النظام العالمي الجديد، وقيم السوق الحرة.

المفارقة أو المأساة الحقيقية، أن ما حصل في معظم تطبيقات عقيدة الصدمة، كان فشلاً ذريعاً في إعادة تأهيل البشر الذين خضعوا الى عمليات غسل الدماغ، وفشل أكبر في إعادة تأهيل المجتمعات التي تعرضت لصدمات الحروب، بل إنها غرقت في ظلمات العصور الحجرية، والرابح الوحيد كان كما ذكرنا هو الشركات الخاصة ورجال الأعمال.

خلال قراءتي لهذا الكتاب الصادم، مثل العنوان الذي يحمله، أدركت أن الحركة الصهيونية قد سبقت الأمريكان بتبنّي هذه العقيدة جوهراً ومضموناً، حيث نجحت في نشر الرعب بين صفوف الفلسطينيين عن طريق ارتكاب سلسلة من المجازر الوحشية (دير ياسين، الطنطورة، صفد، بيت درّاس، اللد ومعظم المناطق المحتلة عام 1948) لإحداث تأثير الصدمة على السكّان (التي أفقدتهم القدرة على التفكير العقلاني) ومن ثم تطويعهم لا إرادياً لفكرة الهجرة والبحث عن ملاذ آمن، من أجل حماية أعراضهم وأرواحهم، وصولاً الى قمع رغباتهم بالمقاومة.
وفي خضم تلك الحالة من الصدمة تم البدء فوراً في تغيير ملامح الجغرافيا والتاريخ على أرض الواقع، قبل أن يتمكن السكان الأصليون من امتصاص أثر الصدمة والمطالبة بإعادة أراضيهم المسلوبة أو حتى السماح لهم بالعودة!

ومن هنا اعتبرت الدولة الصهيونية كل من غادر البلاد خلال فترة الهجرة الأولى أجنبياً عن الدولة وتم حرمانه من كافة حقوق المواطنة، أما الذين بقوا فقد استمر العمل على طمس هويتهم ومحاولة خلعهم من جذورهم، وقطع أي تواصل بينهم وبين ذويهم في الخارج.

هذه كانت النسخة الأولى لعقيدة الصدمة في اعتقادي، والتي يعزى لها إعادة تشكيل خارطة فلسطين، جغرافياً وديموغرافياً بل وتاريخيا!

ما زالت عقيدة الصدمة تلعب دوراً كبيراً في تهيئة الأجواء والظروف الملائمة كي ينقض مصاصو الدماء على ضحاياهم، ولكنهم على عكس أفلام الفانتازيا لا يتشحون بالسواد ولا نرى لهم انياباً بارزة، فهم يرتدون ملابس أنيقة وربطات عنق فاخرة، يتحدثون عن الخصخصة والازدهار الاقتصادي، وحماية أمننا من جيراننا واعدائنا على حد سواء، ويعرضون علينا المساعدة في القضاء على الإرهاب والفكر المتشدد والمتطرف، وكل الفزّاعات التي تثير خوفنا!

أختتم مقالي باقتباس النص التالي من الكتاب ((إن النظام الديني المتشدد والمتعصب للعرق، هو الذي يطالب عادة بإبادة جماعات وحضارات كاملة بهدف تحقيق رؤيته إلى عالم طاهر)).

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
13-11-2017


الثلاثاء، 7 نوفمبر 2017

تأثير الهالة Halo Effect

تأثير الهالة  Halo Effect




هناك العديد من النظريات المهمة والعملية في علم الإدارة، والتي يمكن الاعتماد عليها والاستفادة منها من أجل المساعدة في نجاح الأعمال والمشاريع، والنجاح في إدارة شؤون حياتنا كذلك.
من هذه النظريات، محاولة تجنّب ما يُعرف بتأثير الهالة Halo Effect والتي تعد واحدة من السلبيات أو "المتلازمة السلوكية" التي يجب على أي مدير ناجح أن يتجنبها.


وهي باختصار: اعتمادنا على أشخاص مثيرين للاهتمام في مواقع لا تتناسب مع مؤهلاتهم، وافتراضنا نجاحهم في هذه المواقع بناء على امتلاكهم بعض الصفات الجيدة التي قد لا تكون ذات تأثير في هذا الموقع، أو نتيجة ثقتنا فيهم المتأتية من تجارب سابقة قد ﻻ تكون لها اي علاقة بالواقع الجديد.

ومثال ذلك أن نقوم بإسناد مهمة إدارية لأحد الموظفين المثابرين في العمل دون الالتفات إلى انعدام مؤهلاته الإدارية والقيادية، أو تعيين أحد المهندسين مديراً لأحد المشاريع لمجرد كونه مهندساً جيداً، أو الطلب من أحد الطلاب المجتهدين الاشراف على مجموعة من الطلبة رغم انه يفتقر لمهارات الاشراف والقيادة، او إسناد مهمة تدريب فريق رياضي للاعب مميز رغم عدم خبرته في مجال التدريب، أو تعيين احدى الموظفات نتيجة حسن مظهرها بالرغم من عدم أهليتها ....... وهكذا.

 ويعود السبب الى تصرفنا هذا بسبب انخداعنا بصفة مميزة وانجذابنا لها (قد تكون المظهر الخارجي، الوسامة، الارتياح الشخصي، النجاح في حقول أخرى) على حساب التحليل العقلاني والمنطقي، وفي هذه الحالة فإن الهالة التي تحيط بهذا الشخص نتيجة هذه الصفة المميزة، تشتت الانتباه عن باقي الصفات غير الحميدة فيه، أو عن انعدام بعص الصفات الأساسية الأخرى، لهذا سُمّيت بتأثير الهالة.

Halo كلمة اغريقية يقابلها في اللغة العربية كلمة هالة، وهي الهالة التي تحيط بالأشخاص المهمين أو الناجحين وأصحاب الشخصيات الجذابة، وغالباً ما تخدع من يحيط بهم فيضعوا فيهم ثقتهم المطلقة ودون حدود.

ما ينطبق على إدارة الأعمال ينطبق كذلك على إدارة حياتنا الخاصة وإدارة شؤون مجتمعاتنا، وعلى السياسة كذلك، فكم من السياسيين والقادة استفادوا من خطبهم الحماسية ومحاكاة هموم المواطن البسيط، للوصول الى مراكز عليا رغم افتقادهم لأي برنامج سياسي أو اجتماعي حقيقي. وهذا ما يجعل علم الإدارة من أحد أكثر العلوم الرافدة لتنمية القدرات والمهارات الشخصية والسلوكية، وتطوير الذات.

تُرى لو نظرنا حولنا، كم سنجد من الأشخاص الذين يشغلون مناصب أو مراكز حساسة لمجرد أنهم أثاروا انتباه أصحاب القرار، أو لنجاحهم في التأثير على المواطن البسيط، رغم افتقارهم لمؤهلات النجاح!



وفي حياتنا الشخصية والاجتماعية كثيراً ما نحكم على الأشخاص بحكم علاقتنا بهم واعجابنا ببعض صفاتهم دون التأني في اعطائهم ثقتنا، فعلى سبيل المثال قد تُعجب طالبة بأستاذها في الجامعة وتظن انه سيكون زوجاً مثالياً دون أن تفكر في النواحي الشخصية له، وقد يُعجب أحد الشبان بفتاة شديدة الجمال ويرغب بالارتباط بها، ظناً منه أن الجمال الداخلي ينعكس على مظهر صاحبه الخارجي، ولكن الحقيقة أن (ليس كل ما يلمع ذهباً!) وأن الجمال الداخلي هو أهم وأكثر قيمة بكثير من المظاهر!

أيمن أبولبن

5-11-2017

الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

مئوية وعد بلفور، هل تكفي قصاصة ورق لقيام دولة؟!



  رداً على مطالبات حقوقية، ووطنية فلسطينية باعتذار بريطانيا عن وعد بلفور بمناسبة مرور 100 عام عليه، ردّت "تيريزا ماي" رئيسة الوزراء البريطانية بكل صلافة وبرود انجليزيين بالقول "إننا نشعر بالفخر من الدور الذي لعبناه في إقامة دولة إسرائيل، وسنحتفل بهذه الذكرى المئوية بالتأكيد".



تاريخياً، لا يمكن فهم واستيعاب الحماسة البريطانية لإنشاء دولة قومية لليهود، وتبنّيها تعهداً دولياً بالمساعدة على تشكيل هذه الدولة ومدّها بكافة سبل قيامها واستمراريتها، فاليهود في بداية القرن العشرين (وعد بلفور صدر عام 1917) لم يكونوا سوى كيانات معزولة، سيئة السمعة ومضطهدة في أوروبا، ولم تكن لهم أي قوى قوميّة أو ثقل دولي ضاغط. ويمكن الاستدلال هنا بكتاب "اليهود في تاريخ الحضارات الأولى" لغوستاف لوبون (توفي عام 1931).
ولكن التفسير الوحيد الممكن برأيي، هو الدور الفاعل للّوبي اليهودي المكوّن من أفراد مميزين ومؤثرين في حقول التجارة والبنوك والصناعة وخصوصاً الصناعات الحربية المتطورة، بمعنى آخر أصحاب القرار في مجالات السياسة والاقتصاد والصناعة على حد سواء، وهو ما يُطلق عليه البعض (اللوبي الصهيوني – الماسوني) المتغلغل في دوائر صناعة القرار العالمي.

إضافةً الى ذلك، علينا ان نضع في اعتبارنا العقيدة المسيحية الأصوليّة في الغرب، التي تؤمن بأنها استمرارية للديانة اليهودية (العهد الجديد والعهد القديم) وتؤمن أيضاً بحق اليهود في الأرض الموعودة، وبأنهم شعب الله المختار. وترى بأن معجزة نجاة موسى وقومه من فرعون وشقّ البحر لهم، هي معجزة مستمرة وقابلة للاستنساخ، أي أنها وعد إلهي مفتوح. والمثال المتجسّد لهذا الاعتقاد، هو رحلة القراصنة وقطاع الطرق وتجار الحروب البريطانيين عبر بحر الظلمات لاستيطان أمريكا (العالم الجديد) الذي وهبه الله لهم في استنساخ تاريخي لعبور اليهود مع موسى الى أرض الميعاد (حسب اعتقادهم)، وتعتقد أيضاً أن مساعدة اليهود على عبور بحار العالم وصولاً الى فلسطين التاريخيّة لإنشاء دولتهم المزعومة، هو تحقيقٌ لذات النبوءة الإلهية والتي تعطيهم الحق في إبادة وتشريد سكانها الأصليين!
 وبالامكان الرجوع الى كتاب "أميركا والابادات الجماعية" لمنيرالعكش لمزيد من التفاصيل عن اكتشاف قارة امريكا، وما تلاه من إبادة للسكان الأصليين. 
حين نضع الأمور في نصابها الصحيح، تبدو الصورة قاتمة السواد، وهي بالفعل كذلك، وهذا يتطلب منا نشر الوعي في مجتمعاتنا، تسليط الضوء على القضايا الوطنية، التعريف بقضية فلسطين واعادتها الى مركز الاهتمام العربي والكشف عن الوجه الحقيقي للدولة الصهيونية والأعمال الاجرامية في حق شعبنا، والأهم من ذلك هو نشر هذا الوعي ونقل الحقيقة الى شعوب العالم الغربي، عن طريق التحاور مع المعارف والزملاء (الحقيقيين والافتراضيين) باستغلال شبكات التواصل الاجتماعي، البريد الالكتروني، المدونات، وغيرها من وسائل التواصل.
 لا تستصغروا أي عبارة او صورة تشاركونها لنقل الحقيقة، ولا تستصغروا أي نقاش تعبّروا فيه عن رأيكم قد يكون سببا في تغيير قناعات الكثيرين. اتركوا أثراً بسيطاً، ربما يكون له أثر مستقبلي عظيم، تماماً مثل أثر الفراشة!
الحقيقة أن بيدنا الكثير كي نفعله، بعيداً عن لوم السياسيين والقادة، والحديث عن الخيانات والمؤامرات العالمية، الذي لا يفيد في شيء، وأجزم أنه لو كان هناك اعتبارٌ لإمكانية قيامنا بعمل جماعي مؤثر عن طريق جماعات الضغط العربية، أو الحكومات العربية، وقياداتنا الوطنية، لما تجرأت تيريزا ماي على التفوّه بكلماتها المُقيتة، ولكن ثقتها الكاملة في عجزنا، سمح لها أن تأخذها العزة في الإثم!

في الصيف الماضي، التقيت مع بريطانيين اثنين في إطار عملي، وشاءت الصدفة ان نتطرق الى الحديث عن الأردن وفلسطين، وتاريخ المنطقة، تحدثت بما استطعت وبما ورد على ذاكرتي في تلك اللحظة لإيجاز فترة الانتداب البريطاني، لافتاً الانتباه الى دور بريطانيا في المأساة الفلسطينية، حتى اني استعنت برسم خريطة المنطقة يدوياً للتوضيح، وكانت المفاجأة أنهما يعلمان الكثير عن تاريخ المنطقة ومدى تورط حكومتهم، حتى أنهما لم يحاولا الدفاع عن سياستها الخارجية، وكان لافتاً أيضاً أسئلتهم المُلحّة عن أطر التعايش السلمي وفرصة ولادة كيان فلسطيني، وكانت صدمتهم واضحة عندما حدثتهم عن إجراءات دولة الاحتلال (بناء المستوطنات، ومصادرة الأراضي، وتهجير الفلسطينيين) والتي تجعل حلم الدولة الفلسطينية مستحيلاً.

لا أحد ينكر أن الطبقات السياسية الحاكمة في الدول العظمى بما فيهم روسيا (التي كانت أول دولة تعترف "رسمياً" بالكيان الصهيوني عام 1948) يتعاطفون مع المشروع الصهيوني ويؤمنون بحق اليهود في أرض فلسطين التاريخية، بل ويؤمنون أيضا وهذا هو الأهم، أن دولة إسرائيل هي امتداد لهذه الدول العظمى في منطقتنا وأنها أقرب اليهم منّا سواءً عقائديا أو حضاريا، ولكن هذا لا ينفي وجود العديد من المثقفين والسياسيين والحقوقيين الذين يؤمنون بصدق قضيتنا وبمشروعيتها، بل إن العديد من الشعوب الواعية تناصر قضيتنا، لهذا أقول إن المطلوب منا، هو ضمان وصول الرواية الحقيقية بلسان صاحب الحق، لشعوب تلك الدول ودفعها للتعاون معنا في سبيل تغيير السياسات الدولية المجحفة في حق شعوب منطقتنا.

وأخيراً، كيف نجعل من هذه المئوية فرصةً للتغيير، بدلاً من أن نندب حظّنا؟!



في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل نحو شهر، قال نتنياهو بكل فخر (إن إسرائيل هي دولة الابتكار، هي المكان للتكنولوجيا المتقدمة: علوم الفضاء، الزراعة، التقنيات الحديثة، الطب، ...... سَمِّ ما شئت تجده عندنا!).
 هذا في الوقت الذي عبّر فيه الزعيم الفلسطيني عن أمله في قبول إسرائيل بالجلوس معه الى طاولة المفاوضات، في حين عبّر باقي زعماء المنطقة، عن مشاكلهم مع جيرانهم، وقضاياهم الداخلية (دون ذكر لقضية فلسطين).
أقول هذا وقلبي يعتصر ألماً، ولكن الحقيقة أن إسرائيل هي الأولى في المنطقة من ناحية جودة التعليم وتصنيف الجامعات، الأولى في الانفاق على البحث العلمي، في تصدير التكنولوجيا، وفي علوم الفضاء والزراعة وغيرها وغيرها.
تاريخياً، علينا أن ندرك أن الحركة الصهيونية نجحت في انشاء الجامعة العبرية في القدس بعد ثماني سنوات فقط من وعد بلفور، وأن إسرائيل بدأت ببناء مفاعل نووي بعد عشرة أعوام فقط على احتلالها فلسطين عام 1948، وفي نفس التوقيت تقريباً بدأت مشروعها الاستراتيجي لغزو الفضاء!

هل أدركتم الآن كيف استطاع اليهود تحويل "حبرٍ على ورق" الى دولة متكاملة الأركان خلال خمسين عاماً، وفوق هذا الوصول بهذه الدولة الى مصاف الدول المتقدمة خلال الخمسين عاماً الأخرى؟!

فهل نقبل التحدي، كشعوب عربية (بما فينا من مثقفين ومؤثرين وعلماء وباحثين)، بأن نحوّل غضبنا من هذه المئوية، الى عمل بنّاء، ونتعهد أمام أنفسنا بأن نعمل من أجل استعادة تاريخنا وجغرافيتنا، وبناء دولنا الحديثة والارتقاء بها الى مصاف الدول المتقدمة (كلٌ في مجاله) خلال خمسين عاماً ونبدأ بوضع "مانيفستو" على الورق خاص بنا على غرار قصاصة ورق وعد بلفور؟! 


 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

1-11-2017

الخميس، 19 أكتوبر 2017

عصر التنوير في أوروبا


كان هدف فلاسفة التنوير هو "تنوير" طبقات الشعب الدنيا لبناء مجتمع أفضل حيث لم يكن البؤس والاضطهاد بنظرهم إلا نتيجة الجهل والشعوذة المنتشرة بكثرة بين الناس
ولقد علّق فلاسفة هذه الفترة أملا كبيرا على تعليم الأطفال وتربية الشعب. إذ تعود أصول علم التربية إلى عصر التنوير

من أهم ما ميز عصر التنوير هو تأليف موسوعة كبيرة تم البدء بتأليفها عام 1751 واكتملت عام 1772، وذلك بتعاون جميع فلاسفة العصر وضمت 28 جزءا.

من أهم فلاسفة عصر التنوير فولتير وجان جاك روسو 

كنت قد طرحت في أحد مقالاتي السابقة تساؤلاً: ((هل بتنا بحاجة إلى حركة تنوير عربية؟))




أيمن يوسف أبولبن
19-10-2016

الاثنين، 16 أكتوبر 2017

دراما الثمانينيات وسرقة الكهرباء...(يا عزيزي كلنا لصوص!)



  تصادفت بداية متابعتي "الواعية" للدراما العربية (المصرية والسورية على وجه الخصوص)، في منتصف الثمانينات وبداية التسعينات، مع اهتمام الدراما اللافت بانعكاس الفساد السياسي-الاقتصادي على المجتمع، والذي أنتج فساداً اجتماعياً بالضرورة، فكان أن طفت على السطح التغييرات الاجتماعية المرافقة للفساد، مثل قضايا الرشوة، بيع الذمم، المخدرات، ارتفاع نسبة الجرائم، التجارة بالأغذية الفاسدة...الخ، بحيث أصبحت الدراما آنذاك منصبّة على عرض وتجسيد تلك القضايا وآثارها على المجتمع.

وقد شهدت مصر في تلك الفترة انعكاسات "عهد الانفتاح" إبان عصر الرئيس السادات، والذي استمرت نتائجه الى عهد مبارك، مع استمرار الزواج غير الشرعي بين المال والسلطة، وتعاظم انخراط العسكر في إدارة شؤون البلاد.
بينما كانت سوريا تعاني من سلطة الحزب الواحد التي كانت تُطبق على البلاد بقبضتها الأمنية القمعيّة وتفرض رؤيتها الأحاديّة، فيما يستأثر أتباع الحزب بالحصة الأكبر من الكعكة، مما أغرق البلاد في ظلماتِ بحرٍ واسعٍ من الفساد، كان زَبَدُه الملوّث بادياً للعيان لكل من زار البلاد ولو حتى مرور الكرام.

لا أدري ما الذي جعلني أسترجع تلك الحقبة، بل وأستعيد أسماء الأعمال الدراميّة سواء السينمائية أو المسرحيّة او التلفزيونية، التي عرّت تلك الحقبة وعرضت غسيلها الوسخ، الذي طال المجتمعات رغماً عنها، وأنا أتابع مجموعة من الأخبار المحليّة المتواترة خلال الأيام الماضية في العاصمة الأردنيّة عمّان : الكشف عن أكبر سرقة كهرباء في البلاد، إطلاق نار على موظفي سلطة المياه خلال محاولتهم منع تجاوزات في خطوط المياه، تمرّد في سجن "سواقة" واكتظاظ في الزنازين نظراً لارتفاع أعداد المحكومين، مع تورط أفراد من الأمن العام في أعمال الشغب، انتشار تعاطي المخدرات بين فئة الشباب بشكل غير مسبوق، اعتداء البحث الجنائي على دكتور جامعي في مكان عام واقتياده الى الحجز دون تهمة...الخ الأخبار المُحبطة والمثيرة للعديد من التساؤلات.

كنّا في السابق نتناول موضوع الفساد، وكأنه موضوع معزول عن فئات الشعب، وكنّا نظن "لسذاجتنا" أن فئة الفاسدين هي فئة متنفذة تستغل صلاحياتها وسلطتها، لتمرير صفقات مشبوهة كي تحصل على بعض الامتيازات هنا وهناك، وتكتسب أموالا غير مشروعة. ولكن يبدو أننا كنا نحسن الظن، وما ذلك الا قمّة جبل الجليد الذي يُخفي تحته ما هو أسوأ وأبشع!

من الواضح أننا لم نعد نتحدث عن فاسدين معزولين، وإنما عن فساد مؤسساتي ناخر في العظم، نحن نتحدث عن فساد مستشري في المجتمع في كافة قطاعاته ومستوياته!

وما نراه حالياً من مشاهد متكررة من العنف الجامعي والمجتمعي بشكل عام، وارتفاع معدل الجرائم بشكل كبير، وانتشار تعاطي وتجارة المخدرات، وظاهرة سرقة السيارات ثم المطالبة بفدية (إن جاز التعبير)، إلا ظواهر ونتائج هذا الفساد، بل إن هذا العام شهد أكثر من 500 محاولة إنتحار فردية!

إذا كانت سرقة الكهرباء التي تم اكتشافها مؤخراً في مزرعة خاصة ضخمة تحتوي على مصنع، هي أضخم سرقة كهرباء في تاريخ المملكة، فماذا عن باقي السرقات التي لم يتم الإعلان عنها؟ وكيف يمكن تركيب مولّدات كهرباء ضخمة دون التنسيق الفني مع أخصائيين داخل شركة الكهرباء، وما هي الكيفية التي بقيت فيها هذه السرقة بعيدة عن أعين المراقبين لسنوات عديدة، وكم بلغ حجم الطاقم الفني لمشروع السرقة من مهندسين وفنيين وإداريين واستشاريين وعمّال، ولسان حالهم (يا عزيزي كلّنا لصوص!)، أضف الى ذلك أن المولدات مسروقة أصلا من ميناء العقبة من عدّة سنوات!

كيف يمكن لفريق من البحث الجنائي التهجم على مواطن واحتجازه دون إذن وتصريح أمني مُسبق من مسؤول مفوّض، وما هو حجم تورّط أفراد الأمن في تجاوز القانون، وارتباط ذلك بأعمال فساد؟

ما هو حجم التعديّات على ممتلكات الدولة تحت غطاء العشائرية والمحسوبيّة والمصالح الشخصية؟! وما هو حجم الفساد الذي ستسفر عنه التحقيقات وأعداد المتورطين، وما هي أحجام قضايا السرقات المشابهة التي بقيت حبيسة الأدراج؟!

تقول إحدى شخصيات الرواية المُبهرة "عدّاء الطائرة الورقيّة" للكاتب الأمريكي من أصل أفغاني "خالد حسيني" ((هناك إثمٌ واحدٌ فقط، هو السرقة، كل إثمٍ آخر هو سرقة من نوع ما. عندما تقتل رجلاً فأنت تسرق حياة، تسرق حق زوجته في أن يكون لها زوج، تسرق من أطفاله أباهم. عندما تكذب، تسرق حق شخص في معرفة الحقيقة. عندما تغش، تسرق الحق في المنافسة الشريفة))

آن لنا ان ندق ناقوس الخطر ونعترف أن السرطان الخبيث قد انتشر بين ظهرانينا، مما يحتم علينا أن نتوقف عن التستّر وراء شعارات مكافحة الفساد، وممارسة النزاهة والشفافية، والاستمرار في الاعتقاد بأننا معزولين عن هذا الفساد. لن يفيدنا أن ندفن رؤوسنا في الرمل، ونخدع أنفسنا بالقول إن الحياة ما زالت"بمبي"!

قال لي أحد زملاء العمل ذات مرّة، إن كل صاحب قرار له "مفتاح"، وتمّة أشخاص يبرعون في اكتشاف ماهية هذا المفتاح، ويبرعون أيضاً في كيفية استخدامه، مما يضمن لهم الوصول الآمن الى منطقة التأثير في تلك القرارات!
قد يكون المفتاح الذي تحدث عنه زميلي، هو ببساطة مكالمة من أحد المعارف، أو اسم عشيرة، هدية بسيطة، أو مصلحة متبادلة، ولكنها رغم بساطتها، إلا أنها تمثّلُ الخطوة الأولى في رحلة الفساد الممتدة لألف ميل!
لكم أن تتخيلوا الى أي درجة يمكن أن ينطبق هذا الكلام على كل صاحب قرار في مؤسسات البلد، صغيراً كان أم كبيراً، دون أن نستثني حتى أنفسنا، حينها سندرك حجم المعاناة التي نعيش!

 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
13-10-2017

رابط المقال على القدس العربي