الاثنين، 15 مايو 2017

متلازمة "فرق في التوقيت"!

متلازمة "فرق في التوقيت"!

يقول أحمد لصديقه سعيد وهما يرتشفان القهوة في أحد المقاهي الشعبية وسط البلد: هناك في علم النفس ما يسمى "اللحظة الفارقة" وهي تلك اللحظة التي تمر على الإنسان بمحض الصدفة أو بمعنى أدق دون تخطيط أو وعي مسبق، ولكنها تُشكّل علامة فارقة في حياته بل تكاد تُعيد تشكيل حياته من جديد، نحو الأفضل غالباً أو نحو الأسوأ إذا لم يُحسن استغلالها، أو إذا ما فوّت تلك الفرصة. لطالما شعرت أني ولدت بفارق توقيت زمني، لازمني عمري كله، بحيث بتّ أشعر أني دائماً ما أفشل في اقتناص تلك اللحظة الفارقة، وغالباً ما تفوتني في غفلة مني، كمن يفوّت موعد طائرته!
 يمكنك القول إني وجدت في الزمان الخاطئ، أو كما يحلو لي وصف حالتي، أنا أعاني من متلازمة (فرق في التوقيت!)

بدايةً، ولدت "عام النكسة"، وانضممت الى جيلٍ نُكس بمجرد ولوجه الى هذه الحياة، ولم تسمح له الظروف بشرف الولادة على أرض الوطن فولد في المهجر، وحُرم من الإشارة الى وطنه السليب على صفحته في التاريخ بالقول (مسقط رأسه!).
سافر أبي الى الكويت ليعمل سائقاً في احدى الشركات ويعيل عائلته التي تضم بالإضافة الى زوجته وأبنائه، والدته وإخوته، وكان دائم الغياب بحيث أني لم أتعرف عليه فعلياً الا بعد ان أُنهيت خدماته وأصبح عجوزاً عاطلاً عن العمل، أي في الوقت الضائع!

أحببت زميلتي في الجامعة وتعاهدنا على الزواج بعد التخرّج، وبعد حصولي على وظيفة محترمة وما أن قبضت راتب أول شهر، ذهبت الى بيت الفتاة مزهواً بسرعة تنفيذ التزامي لها، وكانت المفاجأة أن الفتاة قد خُطبت قبل أسبوع لابن عمها! طبعاً لم أقتنع وطلبت فرصة التحدث مع الفتاة على انفراد، ولكنها أكّدت الخبر وطلبت مني أن نفترق بهدوء وأن أراعي ظروفها العائلية، ثم أشارت من حيث لا تدري الى تلك المتلازمة التي لا تفارقني حين قالت (يبدو أننا التقينا في الزمان الخاطئ!)

أخبرتني جارتنا "أم حسن" المولعة في قراءة الطالع ومتابعة الأبراج والحظ، أنني تأخرت في القدوم الى هذه الحياة بضعة أيام كانت كفيلة في تغيير بُرج حظي، وأضافت أن برجي الحالي لا يتفق مع برج تلك الفتاة، فأنا هوائي وهي مائية! في حين لو أني "بكّرت" قليلاً لتطابقت معها!
تؤيدها أمي وهي تمازحني بالقول إني تأخرت أسبوعاً عن موعد الإنجاب، لأني كنت عنيداً "راسي يابس" ولو أنى التزمت بموعد ولادتي لربما تحسنت فرصي في زواجي من تلك الفتاة!

يقول سعيد في محاولة فك النحس عن صديقه: ولكن هذا لا يستدعي أن تشعر بتلك العقدة، ربما أنها مسألة قسمة ونصيب وربما حظ لا أكثر، يقاطعه أحمد: ولكن الأمور لا تقف عند هذا الحد، فثمّة وظيفةٍ أو شاغرٍ دائماً ما "يُصادف" أن يُغلق قبل أن أحصل على فرصة التقدم له، أو أن يتم تعديل قانون ما أو تعليمات خاصة بالوظيفة بحيث "يُصادف" أن لا يشملني ذلك القانون المُحسّن تبعاً لعمري او تاريخ التحاقي بالوظيفة، وعلى العكس تماماً اذا صدر تعديل ضريبي أو تعليمات يترتب عليها التزامات معينة، فإني وبقدرة قادر أكون أول من تنطبق عليه تلك الشروط الخاصة !

يسترسل أحمد في الحديث قائلاً، تخيّل أني عندما قرّرت الانضمام الى الحركات الثوريّة وذهبت للتطوّع للمشاركة في حرب لبنان عام 1982 تم رفضي بسبب صغر سني، وبعد تخرجي من الجامعة قررت الانضمام الى المنظمة لخوض النضال السياسي في الحركة، ولكن "الختيار" اختار حينها اغلاق القضية بتوقيع تفاهم مدريد تلاه اتفاقية أوسلو التي كانت بمثابة اعلان الطلاق بيني وبين كل ما يتعلق بالمنظمة والفصائل الثورية!

يتساءل سعيد: أنت لم تتزوج الى الآن، هل هو وفاء أم... ؟! يبتسم أحمد ويقول ألم أقل لك! في الحقيقة تعرضت لصدمة بعد تلك العلاقة الفاشلة، ولكني لم أحرم نفسي من خوض غمار تجارب أخرى، لقد أحببت زميلة لي في العمل تعمل معي في نفس الدائرة، وبعد علاقة حب معقدة وطويلة تبيّن لي أنها عاشت قصة حب سابقة مع أحد الناشطين الفلسطينيين الذين وقعوا في أيدي جنود الاحتلال وأستشهد تحت التعذيب. اعترفت لي أنها رغم حبها لي وتعلّقها بي إلا أنها لا ترى نفسها زوجة أحد غيره!
 تدمع عينا احمد ويقول، آخر كلامها كان (يبدو أننا التقينا في الزمان الخاطئ، ربما لو التقينا قبل عشرة أعوام لكنت أحببتك وارتبطنا، بالتأكيد كنت سأحبك!)

أُسقط في يدي سعيد، وبات حائراً فيما يقول، بل أنه هو شخصياً أصبح يميل الى الاعتقاد بصدق تلك المتلازمة التي يتحدث عنها صديقه!

وفي لحظة صمتٍ شاردة، سمعا أصواتاً قادمةً من تحت شُرفة المقهى، ورأيا تجمّعاً لافتاً للمارة ثم لاحظا انتشار قوات مكافحة الإرهاب في المكان، وفي وسط ذلك الازدحام، علا الصراخ وشاهدا أحد الأشخاص المشبوهين وهو يرتدي حزاماً ناسفاً على ما يبدو ويهدد بتفجيره محاولاً الهروب من الأمن، وفجأة ووسط كل تلك الأحداث المتسارعة انطلق ذلك الشخص هارباً وسرعان ما ارتقى درجات المقهى وأصبح على بعد طاولةٍ واحدةٍ منهما!

هرب جميع من في المقهى بمن فيهم سعيد، وحده أحمد وقف جافلاً حائراً متسمراً مكانه غير قادرٍ على الحركة، قفز المُطارَد ذو الحزام الناسف فوق الطاولة التي يشغلها أحمد، ثم صرخ ببعض الكلمات التي لا يُفهم منها سوى نيّته تفجير نفسه ويده تقبض على زر المُفجّر، وفي تلك اللحظة وقف أحمد ودون وعي أمسك بتلابيبه وقال: أضاقت عليك الدنيا وتركت كل هؤلاء البشر كي تأتي وتفجّر نفسك عند هذا العبد الغلبان؟! ووسط دهشة الإرهابي ما كان من أحمد سوى ان مدّ يده وقبض على أداة التفجير بكل تصميمٍ وصلابةٍ قائلاً (بيدي لا بيد عمرو!)؛ سقط الإرهابي على الأرض من هول المفاجأة وانقلبت الطاولة عليه، ثم أطلق ساقيه للريح وفر هارباً الى خارج المقهى وهو يصرخ ويقول مجنون! مجنون!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

15-5-2017

الأحد، 30 أبريل 2017

14 يوما على إضراب الحرية والكرامة




يواصل أكثر من 1600 أسير فلسطيني معركة الأمعاء الخاوية ضد سجانيهم في غياهب الجب الإسرائيلي بإضرابهم المفتوح عن الطعام لليوم الرابع عشر على التوالي.
احصائيات:
عدد الأسرى في سجون الاحتلال بلغ 7 آلاف أسير:
·       منهم 500 أسير محكوم عليهم بالمؤبدات
·       600 اسير يقبعون في الاعتقال الإداري دون محاكمات
·        1200 أسير يعانون من أمراض مختلفة (سرطان، أمراض قلب، حالات إعاقة)
·       58 اسيرة، من بينهم 15 فتاة دون 18 عاما، فيما يبلغ اجمالي عدد الأسرى القاصرين دون سن 18 عاما 320 أسيرا
·       استشهد في سجون الاحتلال 210 أسير منذ العام 1967 من بينهم 72 اسيرا تحت التعذيب و57 اسيراً نتيجة الاهمال الطبي. و74 اسيراً استشهدوا نتيجة القتل العمد بعد الاعتقال مباشرة.
·       21 أسيرا مضى على أسرهم أكثر من 25 عاما (منهم 9 أسرى مضى على أسرهم أكثر من 30 عاما)



#إضراب_الكرامة

الثلاثاء، 25 أبريل 2017

اعترافات قاتل اقتصادي


المؤلف جون بيركنز
طبعة عام 2012

 ترجمه بسام ابو غزاله

واحد من أهم وأخطر الكتب التي قرأتها ليس فقط لأنه يكشف الوجه الحقيقي للسياسات الاقتصادية الأمريكية (والغرب عموماً) في دول العالم الثالث بل لأنه يقدّم تفصيلات مهمة عن كيفية تشكيل الأوضاع السياسية والاقتصادية لدول عديدة منها دول في منطقة الشرق الأوسط.
مأخذي الوحيد هو تعميم نظرية المؤامرة (الواردة في الكتاب) من قبل بعض القراء والمثقفين على أحوال عالمنا العربي اليوم رغم اختلاف الظروف الموضوعية بين الأحداث التاريخية الواردة في الكتاب والواقع اليوم ورغم اختلال ميزان القوى العالمي ورجحان كفة القرن الأمريكي. برأيي أن هناك دائماً نسبة من الحقيقة لكل وجهة نظر، ومن الخطأ بمكان تعميم وجهة نظر واحدة على كل الأحداث لمجرد أنها تطابقت مع حدث تاريخي أو سياسة قديمة لبعض الدول.
ولكن هذا لا يقلل من شأن الكتاب الذي يحتوي على العديد من المعلومات والملفات الساخنة والمثيرة والتي تستحق التفكير والبحث فيها.
بعض المقتطفات من الكتاب:

يُقدّم القتلة الاقتصاديون صنيع الخدمات، وهذه تتخذ شكل قروض لتطوير البنية التحتية، وشرط هذه القروض أن تتولى بناء هذه المشاريع شركات الهندسة والبناء من بلدنا نحن. إن معظم المال لا يغادر الولايات المتحدة مطلقاً، إنه بكل بساطة ينتقل من مكاتب البنوك في واشنطن الى مكاتب الشركات.

نحن القتلة الاقتصاديون بارعون في صنعتنا فلقد تعلمنا من التاريخ؛ إننا اليوم لا نحمل السيوف ولا نلبس الدروع، ولكن إذا فشلنا فإن سلالة أشد شراً تدخل الساحة نسميهم الواويات "أولاد آوى" الذين يكمنون في الظل وحين يظهرون يُطاح برؤساء الدول أو يموتون في حوادث غامضة، فإن لم تفلح أولاد آوى في مهمتها كما لم تفلح في أفغانستان والعراق، تظهر على السطح الأساليب القديمة، عندها يُرسل الشباب الأمريكيون ليُقتلوا وليموتوا.

الطبيعة الحقيقية للاقتصاد الكلي: إن مساعدة الاقتصاد على النمو غالبا ما تجعل تلك القلة من الناس المتربعين على أعلى قمة الهرم تزداد ثراء، بينما لا تفعل شيئا لمن هم في القاع سوى أن تدفعهم أكثر الى الأسفل، حقاً إن تعزيز الرأسمالية غالباً ما ينتج نظاماً شبيهاً بالمجتمعات الإقطاعية في القرون الوسطى

الاثنين، 17 أبريل 2017

أليس منكم رجل رشيد!


شهدت الأيام الماضية سجالاً بين النشطاء والمثقفين والمهتمين في القضايا العامة في عالمنا العربي، نتيجة الأحداث الدموية المتعاقبة والتي أرخت بظلالها على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وأكّدت بما لا يدع مجالاً للشك حالة الاختلاف والشد والجذب بين تيارات فكرية متقاطعة ومتضادة، وصلت إلى حالة من القطيعة وفقدان البوصلة الإنسانية!

عندما يتعرّض المدنيون في أي بلد لمجازر وحشيّة أو هجوم بأسلحة مُحرّمة من أي طرف، يفرض المنطق أن يكون المحرك لأي نقاش أو نشاط سياسي هو التضامن مع هؤلاء المدنيين ومحاولة رفع الأذى عنهم بالاحتجاج وجذب الانتباه لمعاناتهم والتركيز على رفع شأن القيم الانسانيّة، أما تجاوز هذه المعاناة الانسانيّة والتعامل مع الحدث وكأن هؤلاء الضحايا هم قرابين بشرية يتم استغلالهم في إذكاء التطرّف وتكريس الفرقة فهو ما لا يقبله أي عقل أو منطق!

خان شيخون
عندما تصدر التصريحات الرسميّة من النظام السوري بإنكار واقعة "خان شيخون"، وعدم الإشارة من قريب أو بعيد الى معاناة الشعب السوري ليس من هذا الحدث فقط، وإنما جرّاء الحرب التي يخوضها النظام للمحافظة على السلطة لست سنوات خلت فهذا شيء مثير للاستهجان ويستحق الوقوف عنده، عندما ينكر النظام السوري دوره في المجازر التي حصلت في سوريا في الفترة الأخيرة، (مع تسليمنا بدور داعش وبعض الفصائل المتطرفة أيضاً) ويتنصّل من دوره الأساسي في تخريب البلد بالقصف العشوائي وتهجير الملايين نتيجة انعدام الأمن، وقتل مئات الألوف من شعبه بالصواريخ والأسلحة المحرمة دولياً بحجة مكافحة الإرهاب، وعندما يكرّر رواية المؤامرة وتلفيق الأحداث دون تقديم أي دليل ملموس، فهذا يوضح حالة "الشيزوفرانيا" التي يعانيها هذا النظام، ويؤكد على حالة الموت السريري التي يعيشها.

الأنكى من كل ذلك انتشار حملة من الممانعين للتذكير بالكذبة الأمريكية الكبرى لاحتلال العراق (أسلحة الدمار الشامل)، ومحاولة إسقاط هذه الكذبة على حال سوريا اليوم بالقول إن أمريكا كذبت في العراق وتكذب الآن في سوريا حول الأسلحة الكيماوية، ولكنهم يتناسون عن عمد أو جهل، أن النظام السوري الذي يدافعون عنه الآن كان جزءاً من حملة التزييف والكذب في العراق، ألا تذكرون ؟! لقد شارك نظام الأسد في المؤامرة على العراق عندما ارتبطت مصالحه مع مصالح أمريكا وإيران في المنطقة، فلماذا تذكروننا الآن بهذه الواقعة المُخزية!


اللافت أنه بعد ماراثون من النفي وفبركة سيناريوهات عديدة حول عدم مسؤولية النظام عن مجزرة شيخون، استخدمت روسيا "الفيتو" ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يطالب بالتعاون مع تحقيق دولي حول استخدام السلاح الكيماوي، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تخشى روسيا من نتائج التحقيق؟ لا يمكن تفسير الفيتو الروسي والارتياح الذي قوبل فيهه لدى النظام ومؤيديه، سوى ازدراءً واحتقاراً لكل الدماء التي تراق على الأرض السورية!


الضربة الأمريكية والسيادة
تركيز الحديث عن سيادة البلد بعد الضربة الأمريكية وتشتيت الانتباه عن كل ما يحصل من تقتيل وتهجير للمواطنين الأبرياء في الوقت الذي يقوم فيه النظام نفسه بتدنيس كل معالم الوطنيّة والسيادة بتقديم كل مقدرات البلد عربوناً لدعم الميليشيات الإيرانية والحليف الروسي، والرضوخ لكل الإملاءات ومصادرة قراره السيادي، فهذا تناقض فاضح في المواقف، ناهيك عن انفراج أسارير الممانعين عندما كانوا يشاهدون الضربات الأمريكية تدك داعش وجبهة النصرة وحينها لم نسمع أي شكوى أو تذمر من خرق السيادة أو الاعتداء على سوريا والسوريين!.

إن الشراكة الإيرانية السورية اليوم هي أقرب ما تكون في رأيي إلى شركة الهند الشرقية التي كانت تستخدم كواجهة تجارية لإدارة المستعمرات البريطانية ولكنها في الحقيقة كانت تقدم الخدمات للتاج البريطاني بما في ذلك الاتجار بالبشر ثم أصبحت كياناً سرطانيا يقتات على نفسه، وهذا هو بالضبط حال سوريا اليوم التي قدّمها النظام قرباناً لحلفائه للبقاء في السلطة دون أي حس وطني أو قومي أو حتى ديني، لقد أصبحت السفارة الإيرانية في سوريا مركزا متوهجا لإدارة الخدمات من داخل سوريا لصالح الطغمة السياسية الإيرانية!

لا مكان للسيادة الوطنية عندما يقوم أي نظام في العالم بارتكاب مجازر وحشية في حق شعبه، أو عندما يعجز عن توفير الأمان لشعبه، فالأمر سيّان عندها إذ لا حق للسيادة دون ضمان حق العيش الكريم والآمن للمواطنين. إن أي عقد للسلطة مع الشعب يقوم على مبدأ الشراكة والالتزام بالحقوق والواجبات وأهم واجب للسلطة هو الحماية من المخاطر وتمكين الشعوب من ممارسة حقوقها، وهذا ما فشل فيه النظام السوري فشلاً ذريعاً، ولكنه رغم ذلك ما يزال مصراً على التمسك بالسلطة وتكرير الأسطوانة المشروخة عن السيادة الوطنية والممانعة والمؤامرة الكونية!
في المقابل عندما تطالب المعارضة السورية بضربات أمريكية أكثر صرامة، او عندما يهلّل بعض المثقفين المحسوبين على تيار المعارضة للضربات الأمريكية، ويطالب بالمزيد ألا يثير هذا كله شعوراً بالإحباط ويؤشر على مستوى الحضيض الذي وصلنا له، هل يُشرّفكم أن تقوم أمريكا بقلب النظام في سوريا على غرار العراق مثلا؟!

أستطيع أن أتفهّم حال السوريين المدنيين الضعفاء الذين تقطعت بهم السبل ووصلوا الى مرحلة يشعرون فيها بعدم الحرج من التحالف مع الشيطان نفسه للخروج مما يتعرضون له من قصف واعتداءات وحشية، ولكني لا أستطيع في أي من حال من الأحوال تفهم موقف المثقفين والمفكرين الذين يطالبون بدعم أمريكي!

وهذا يقودنا إلى التساؤل عن سر الغياب التام لدور الأشقاء العرب والأصدقاء بل ومؤسسات المجتمع الدولي، أين القادة العرب الذين اجتمعوا في قمة عربية مؤخراً وما هو موقفهم من الأزمة السورية ا!


تفجير الكنائس في مصر
 
ما حدث في مصر من أحداث دموية مؤسفة تحوّل مرة أخرى إلى "إخوان فوبيا!" فهذا حقوقي يتقدم بدعوى ضد الرئيس مرسي لدوره في التحريض على الكنيسة، وإعلامي آخر يحمّل الرئيس مرسي المسؤولية بسبب حملة التضامن مع الشعب السوري التي دشّنها أثناء فترة حكمه، ويقول إنها هيأت الإرهابيين ودفعتهم للقتال في سوريا، ضاربين بعرض الحائط كل التقصير الأمني والفشل الذريع للنظام المصري الحالي في إدارة البلاد اقتصاديا وسياسيا والحفاظ على أمن البلد، ثم يتطور الموضوع للهجوم على مؤسسة الأزهر، تلك المؤسسة الوسطية المعتدلة، بالقول (إن مناهج الأزهر بحاجة الى نسف!)
من سخرية القدر أن السيسي ابتدع مفهوم "مكافحة الإرهاب" ليسوّق نفسه ويروّج للانقلاب على الشرعيّة ويمهّد الطريق للقفز على السلطة، فيتحوّل هذا الإرهاب "المُفترض" إلى لعنة حقيقية تطارد مبتدعها في كل أرجاء الوطن ويقف صاحبها عاجزاً أمامها!  

 يُحكى أن عجوزاً قبيحة أمسكت مرآة ذات يوم ونظرت فيها فرأت قبحها الفاضح، فقذفت بالمرآة وحطّمتها قائلةً ما أقبح هذه المرآة! هذا هو حال الأنظمة الاستبدادية في كل مكان وزمان وحال مريديهم والمنتفعين بهم، يرون عيوبهم وقبحهم واضحاً ثم يلبسونه بخصومهم!
إن حالي اليوم وحال الكثيرين على ما أعتقد، بعد فقدان كل معاني الإنسانية وتدنّي قيمة الإنسان في وطننا العربي، هو حال سيدنا لوط حين خاطب قومه قائلاً ((أليس منكم رجل رشيد)) !! ثم أردف شاكياً ضعفه ((لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ)) !!

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
17-4-2017  

الكتابة بين الواقع والخيال



لا تصدق كل ما تقرأه على أنه من الواقع، فلا يوجد شيء "عملياً" ينطبق عليه الوصف المجرّد "قصة حقيقية" أو "قصة من الواقع" فحتى هذه القصص تعتمد على بعض من المبالغة والمحاباة الشخصية ونسبة معقولة من الخيال.

ولا تصدّق كل شيء تقرأه على انه تخيّلي أو افتراضي، فلا يوجد شيء "عملياً" محض خيال، إن كل أنواع الأدب مرتبطة نوعاً ما بالواقع و رغبات وأفكار الكاتب أو بتجارب عايشها أو عاشها شخصياً.

إن موهبة الكاتب (أي كاتب) تعتمد على مقدار تطويعه للخيال لخدمة أفكاره الخاصة، ومدى قدرته على ترجمة الواقع الى كلمات، يضاف إلى ذلك استغلاله الجيد مخزونه الثقافي والمعرفي لإضفاء بصمته على العمل، ثم صهر كل ما ذكر في بوتقة واحدة منسجمة وجذابة ومشوّقة للقارئ.

قرأت في أحد الكتب ذات مرة (ساذج من يصدق كل ما في الكتب، بما في ذلك هذا الكتاب!)

أيمن أبولبن

16-4-2017

الثلاثاء، 11 أبريل 2017

البحث عن السعادة

البحث عن السعادة



منذ بدء الخليقة كان البحث عن السعادة هو الغاية المنشودة للبشر، على اختلاف مفهوم السعادة لديهم، وتطور هذا المفهوم وفقاً للمتغيرات والظروف المحيطة، ففي قصة أبينا آدم، كان "البحث عن السعادة" السبب في ارتكاب الخطيئة الأولى، والسعادة هنا الحياة الأبدية (الخلود) واشباع رغبة التملّك، (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ). ومع انطلاق دورة الحياة مع الجيل الأول بعد آدم، ظهر مفهوم التنافس الذي يُذكي السعادة في النفس، وبدأ تطور مفهوم السعادة ليشمل الرغبة في البقاء والتميّز عن الآخرين، واستمر تطور واختلاف مفهوم السعادة مع تطور البشرية، ولكن الذي لم يتغير ولم يفتر هو الرغبة الملحّة في "البحث عن السعادة"، والتي لا أبالغ إن قلت إنها الرغبة المحرّكة للكون.

   في الفيلم الشهير الذي يحمل عنوان (السعي وراء السعادة) The Pursuit of Happynessمن بطولة الممثل القدير "ويل سميث" يطرح العمل رؤيةً في غاية الأهمية، يتلخص مضمونها بالقول: إن الانسان يقضي عمره وهو يلهث للحصول على أسباب السعادة (المال، الحب، الشهرة، امتلاك منزل الأحلام، تحقيق انجاز وظيفي...) الخ القائمة الطويلة، ولكنه يدرك في نهاية المطاف أن السعادة ليست محطةً يصل اليها ليعيش حياته سعيداً، ولكن السعادة هي في الحقيقة، رحلة الحياة التي يعيشها الانسان في سعيه وراء السعادة!

  من وجهة نظري الشخصية أرى أن أهم شرط لتحقيق السعادة في الحياة، تبنّي مجموعةً من القيم الإنسانية والمبادئ التي يلتزم بها الشخص (عن قناعة) ويعمل على ارسائها وتطبيقها في حياته، مما يولد شعوراً بالراحة النفسيّة وقوة الإيمان في داخله، ويضفي عليه صفة الأمان الداخلي والطمأنينة النفسيّة، وهذا كفيل بأن يحقق السعادة، مهما تفاوتت نسبة تحقيق مُسبّبات السعادة المتعارف عليها، وهو ما يفسر التناقض الكبير بين حياة البذخ والرفاهية التي يعيشها معظم الأثرياء والمشاهير وأصحاب السلطة، ونقص شعورهم بالسعادة الداخلية، حيث يظن بعضنا أن هؤلاء قد حققوا أسباب السعادة، ولكنهم في الحقيقة قد أخلّوا في النظام التكويني لإنتاج وتحقيق السعادة  الا وهو، الرضا عن النفس والتوافق مع الذات.

الشيء الآخر الذي يساعدنا على الشعور بالسعادة برأيي، هو التخطيط للحياة ووضع الأهداف، والعمل الدؤوب على تحقيقها، وهذه الأهداف يجب أن تكون متنوعة من ناحية الموضوع (مهنية، عائلية، شخصية واجتماعية) وذات مدة زمنية متفاوتة (بعيدة المدى، ومتوسطة وقريبة الأجل) على أن يتم إعادة صياغة الأهداف وتعديلها مع الوقت، لاستيعاب التطور الطبيعي للحياة، وشخصيتنا المتغيرة بواقع التجربة.

وانطلاقاً من تحديد الأهداف، ينصح الطب النفسي الحديث، تحديد عشرة أشياء ترغب في تجربتها في حياتك من أجل المتعة، ووضعها في قائمة صغيرة تحتفظ بها، مع وضع خطة لتحقيق هذه الأشياء، وكلما نجحت في ممارسة تجربة من هذه القائمة، تقوم بالتأشير عليها بما يفيد اتمامها، مما يشعرك بالسعادة مهما كان هذا العمل صغيراً أو بسيطاً.

ونظراً لحاجتنا للانتماء الاجتماعي، وسعينا الدائم للتواصل مع الغير، يعتبر العامل البشري عنصراً مهماً في منظومة السعادة، فكلما ارتبطنا بالآخرين وتوافقنا معهم، وقمنا ببناء أواصر وروابط متينة، مبنيّة على علاقات اجتماعية صحية ومفيدة، كلما تعاظم شعور السعادة والرضا لدينا، والعكس صحيح، وباعتقادي أن العلاقات العائلية المستقرة وغير المضطربة هي مفتاح العلاقات الاجتماعية، وكلما كانت التنشئة البيتيّة متوازنة وصحيّة، كلما زادت فرص نجاح العلاقات الاجتماعية الأخرى.

وفي النهاية يبقى العامل الأهم للسعادة هو أنت ذاتك، فاذا لم تهتم لحاجاتك ورغباتك وأخطأت في الموازنة بين حقوقك وواجباتك فستكون مثل حصان السباق الذي يمضي عمره وهو يركض ويلهث لتحقيق الفوز لصاحبه وعندما يتعثر ويفقد القدرة على مواصلة الركض يُطلق عليه رصاصة الرحمة، وصاحب الرهان هنا هو أية شخصية (مادية أو معنوية) تضعها على قمة أولوياتك متجاهلاً نفسك وسعادتك الشخصية، قد تكون وظيفتك التي تفني عمرك في خدمتها ثم تجد نفسك في يوم وليلة متقاعدا إن لم يتم الاستغناء عنك قبل ذلك، وقد يكون أقرب الناس اليك الذي تفني عمرك في تحقيق أهدافه في الحياة متناسياً سعادتك وقائمة أهدافك. هذه ليست دعوة الى الأنانية بقدر ما هي دعوة لإعادة النظر في ترتيب أولوياتنا ووضع ذواتنا في المكان الصحيح.

علينا برأيي المتواضع، أن نتذكّر دوماً أن مهمتنا في الحياة ليست محصورة في إسعاد الآخرين، صحيح أن إسعاد من نهتم لأمرهم ومن نحرص عليهم، هو واحد من الأهداف النبيلة التي نعيش من أجلها ويجب علينا أن نحرص على الوفاء بها، ولكن بشرط عدم تجاهل سعادتنا الشخصية وتحقيق أهدافنا في الحياة، كما أن إدراك سعادة الآخرين لا يجب أن يكون الهدف بقدر الحرص على توفير سبل السعادة لهم (ما أمكننا ذلك)، وتهيئة المناخ المناسب لإسعادهم، بدلا من تحمّلنا مسؤولية شعورهم بعدم الرضا.

  لا تناقض في هذا الكلام فالسعادة نفسها هي قرار داخلي، ليس بإمكاننا نحن أن نتخذ هذا القرار عنهم، عليهم هم أن يتخذوا هذا القرار، وعلينا نحن أن نساعدهم ليس إلا، يقول الله تعالى: " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " والمشيئة هنا تعود للشخص وليس للذات الإلهية، أي إن الله يوفر سبل الهداية ويوفق من توفرت لديه الرغبة الداخلية في أن يهتدي (الله يهدي من يشاء أن يهتدي). وكذا هي السعادة الدنيوية، كل واحد فينا قادر على اتخاذ قرار سعادته، وعلينا توفير السبل الكافية والمحفزة لسعادة من نهتم لأمرهم ليس الا.

رُبّ جلسة متواضعة مع بعض الأصدقاء القريبين من القلب، تدخل على النفس سعادة لا تُقدّر بثمن، ورُبّ ابتسامة رضا من شريك الحياة تزيل هموم يوم طويل مرهق في العمل، ورُبّ قبلة تطبعها في المساء على جبين طفلك قبل النوم، تعادل الدنيا وما فيها. السعادة موجودة في كل يوم في حياتنا، ومتاحة لنا في كل لحظة، السعادة أسهل مما نعتقد، ولكنها السهل الممتنع! فلنعش بسعادة بدلاً من اللهث وراء أسباب السعادة.
  
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

11-4-2017  

السبت، 8 أبريل 2017

ضع نفسك مكاني ثم أحكم علي

عند تناولنا لأي حدث تاريخي أو دراستنا لأي شخصية تاريخية علينا أولاً أن نحيط علماً بالعوامل الإجتماعية والإنسانية المحيطة وأن نكون مطلعين على علوم الألسنة أو اللغة الدارجة في تلك الفترة

   معظمنا يقع في المحظور عندما يحاول أن ينتقد أو يقوم بدراسة وتحليل حقبة تاريخيّة معينة، بحيث يقوم بتناولها من منطلق فكره ومعرفته الحاضرة والتي هي بعيدة كل البعد عن تلك الحقبة
وهذا يندرج أيضاً على علماء الدين السابقين، فحين نقوم بإنتقاد رأي عالم ما في قضية من القضايا أو حكم من الأحكام، نحكم عليه بالرجعيّة والتخلّف ولا نتحرّج من التفوّه بإنتقادات قاسية على العلن وكل هذا مبنيٌ على فهمنا وعلمنا وثقافتنا التي تجاوزته بعشرات أو مئات السنين، ولكننا لو قارنا علمه بالنسبة لزمانه لوجدناه سابقاً لزمانه، وفي نفس الوقت لو قسنا علمنا نسبة لزماننا لوجدنا أنفسنا متأخرين عن الركب، فمن هو المتخلّف والرجعي ؟!

ما زلت أذكر قصة قديمة ذكرها لنا مُدرّس اللغة العربية في الصفوف الإبتدائيّة، تقول أن بدوياً دخل على الخليفة العباسي المتوكل، فأنشد قصيدة، منها :

أنت كالكلب في حفاظك للود
وكالتَيْس في قِراع الخُطـوب

فقامت حاشية المتوكل تريد أن تسكته أو تضربه لتطاوله على الخليفة، ولكن المتوكل عرف مقصده وأنه ما رأى سوى ما شبّهه به فأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلة ، فيها بستان حسن ثم استدعاه بعد مدة، فحضر وأنشد :

عيـون المهـا بيـن الرصافـة والجـسـر
جلبنَ الهوى من حيث أدري ولا أدري

الشاهد في الموضوع : الجهل بظروف الآخرين يؤدي الى إصدارنا أحكاماً خاطئة قد تكون قاتلة أحياناً !!