الأربعاء، 18 يناير 2017

الثورة السورية -البدايات والحقيقة المطموسة (6)



 حمزة الخطيب (أيقونة الثورة)

في التاسع والعشرين من شهر نيسان عام 2011 أُعتقل الطفل حمزة الخطيب (13 عاماً) من أبناء درعا، على أحد حواجز قوات النظام على خلفية احداث درعا التي أشعلت شرارة الثورة السورية، وبتاريخ 25-6-2011 تم تسليم جثته الى ذويه وعليها آثار تعذيب وأعيرة نارية وحرق بأعقاب السجائر، وتمثيل في جثته )قطع عضوه التناسلي(.

المفارقة أن السلطات السورية نفت واقعة تعذيب وقتل حمزة الخطيب (وغيره من أطفال درعا) واتهمت قناة الجزيرة التي بثت شريطاً مصوراً وثّقه ناشطون سوريون لجثة حمزة الخطيب قبل دفنه، بفبركة الشريط والتآمر على النظام (جزء من نظرية المؤامرة إياها). الطفل حمزة الخطيب أُعتبر أيقونة الثورة السورية، وبعد نشر صور وفيديوهات تظهر آثار التعذيب والحروق في جسده، والتمثيل فيه، التفت العالم للمأساة الحاصلة في درعا، وعمّت المظاهرات معظم المناطق السورية، ولم يبتلع أحد كذب النظام بفبركة الشهادات والتسجيلات.

تسريبات " قيصر" جاءت ضربة موجعة لكذب النظام، ولخدعة نظرية المؤامرة.


   تسريبات العسكري المنشق " قيصر" عام 2015 (التي سأتحدث عنها بالتفصيل في بوست قادم) تضمّنت صوراً لجثث أطفال درعا داخل المعتقلات السورية قبل تسليمها لذويها، وهي تحمل أرقاماً متسلسلة وهو ما يشير الى احتفاظ النظام بسجلات لضحايا الثورة، وقد حملت صورة حمزة الخطيب رقم 23. (لم أرفق الصور لبشاعتها، ولكن من يرغب بالحصول عليها يمكنه مراسلتي على الخاص).

نظرية المؤامرة التي نسجها النظام السوري لا تكمن أهميتها في تقديم الدليل القاطع على وجود مؤامرة او نفي الجرائم البشعة التي اقترفها النظام للقضاء على الثورة، فهي فشلت حتى الآن في تقديم أية بينة أو دليل مادي قادر على الصمود امام تحقيق قانوني منهجي وعقلاني، كما ان نظرية المؤامرة لم تستطع تجميل الوجه القبيح للنظام السوري وتاريخه المُقيت المعلوم للجميع، ولكن أهميتها الحقيقية تكمن في التشكيك في حكاية الثورة، وزرع الشك في نفوس المتعاطفين مع الثورة لإفقادها الزخم الشعبي، ومحاولة إيهام الجمهور العربي أن النظام السوري هو أفضل الأسوأ وعليهم القبول به بدلاً من المجهول!

هذه حملة تذكير بقصة الثورة التي نجح النظام السوري وزبانيته وشبيحته بطمس معالمها واستبدالها بخدعة نظرية المؤامرة والمشروع الأمريكي الاستعماري في المنطقة.

وللحديث بقية

أيمن أبولبن
17-1-2017




"بكفي يا حكومة" شكوى مواطن آيل للسقوط!




ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن بالتعبير عن الغضب والاحتقان نتيجة تسريبات عن إجراءات تقشفية "جديدة" تنوي الحكومة اتخاذها في الفترة القريبة القادمة، وتتلخص برفع ضريبة المبيعات على بعض السلع وتوحيدها لتصل الى 16%، ورفع بعض الرسوم الأخرى، وفرض ضريبة على أسعار بعض المحروقات، وإلغاء العديد من الإعفاءات الضريبية والصحية وحديث متضارب عن إلغاء الدعم عن أسطوانة الغاز، مما يشير الى تضرر كبير يطال الفئات المتوسطة (أو ما بقي منها) والفئات الفقيرة والبسيطة في المجتمع، وهو ما يشكل أغلبية طبقات المجتمع، اللهم سوى فئة قليلة تتربع على قمة الهرم ولا يبدو أنها تأبه بالأعباء الاقتصادية التي ترزح على كاهل عامة الشعب.

ليس هناك ما هو أدق تعبيراً عن حال المواطن الأردني من الهاشتاغ الذي تصدّر منصات التواصل الاجتماعي (بكفي يا حكومة الملقي!) نعم يكفي، يكفي حملاتُ تقشفٍ قاسية يدفع ضريبتها المواطن الأردني الغلبان، الذي يتحمل مسؤولية أخطاء تراكمية لحكومات متعاقبة ومسؤولين غادروا مناصبهم على اختلاف مواقعها بعد أن أضرّوا باقتصاد البلد ورفعوا مديونيته، في حين أنهم ازدادوا غنىً ورفعة إجتماعية وهيبة وسلطة!  

في الحقيقة إن الأرقام مخيفة ومرعبة، فمع نهاية عام 2016 بلغ الدين العام 26 مليار دينار بنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 94.9% مقارنة مع 23.8 مليار مع نهاية عام 2010 وبنسبة 60% من الناتج الإجمالي المحلي، في حين كان معدل البطالة 12.5 عام 2010 ليصل الآن الى حوالي 15.8 % مع عجز فعلي أولي في الموازنة بلغ 856 مليون دينار.

هذه الأرقام وغيرها لمن تتاح له فرصة متابعة الدراسات الاقتصادية والتدقيق في محتوياتها تشير بما لا يدع مجالا للشك بالوضع البائس الذي وصل له حال المواطن الأردني، والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها، والأهم من كل هذا هو المؤشر القاطع على فشل المخططات الحكومية وعدم نجاحها في وقف هذا النزف الهائل، والتراجع الكبير في الاقتصاد. ومن حق المواطن أن يعلو صوته ويجهر بالقول إن الحل لا ينبغي أن يكون دوما جيب المواطن، فمن الواضح للعيان أن الحكومة الحالية تتبع نهج سابقاتها، بالبحث عن أقصر الحلول وأسهلها، دون تجشم عناء البحث عن حلول حقيقية فعالة يكون أثرها بعيد المدى، وهي باختصار ما تعلمناه في الدروس الأولى للاقتصاد (خفض المصاريف الحكومية، والعمل على زيادة الإيرادات)، البحث عن مصادر دخل جديدة، وتشجيع الاستثمار "المحلي"، يضاف اليه إعادة النظر في قانون ضريبة الدخل، المفترض أن يكون هو الأساس وليس ضريبة المبيعات التي يدفعها المواطنون بالتساوي بغض النظر عن التفاوت في الدخل، ومعالجة التهرب الضريبي، معالجة الفساد وأسبابه وتحصيل الأموال المنهوبة، وتفعيل دور المؤسسات والهيئات الرقابية واعطائها كافة الصلاحيات.

وفي باب خفض الإنفاق الحكومي، لماذا لا يتم تخفيض رواتب وعلاوات وبَدَلات الوزراء وكبار المسؤولين الحكوميين بل ومجلس الأمة أيضاً، لماذا لا يتم إعادة النظر في أعداد النواب والأعيان، والرواتب التقاعدية للوزراء ورؤساء الحكومات؟ لماذا لا يتم إعادة هيكلة للدوائر والهيئات الحكومية والاستغناء عن السُمنة الزائدة، واعتماد الكفاءة بدلاً من المحسوبية؟!

للأسف فإن الحكومة الحالية كسابقاتها ليس لديها القدرة ولا الرغبة (على ما يبدو) في التفكير خارج الصندوق (جيب المواطن) وبذل الجهد لتحسين حال الوطن والمواطن، وهي تذكرني بالطالب الكسول المُهمل لواجباته المنزلية، والذي يكون جُلّ اهتمامه هو "نسخ" أو "لَطْش" الحل بدلاً من المذاكرة، وهذا ما يفسّر الإجابة عن السؤال الجدلي (لماذا يزداد الغني غنىً والفقير فقراً في بلدي مع كل حزمة إصلاحات جديدة!)

يشعر المواطن أنه أصبح مصدراً لتحصيل الرسوم والضرائب، في الوقت الذي لا يُمارس فيه أية مشاركة فعلية في صُنع القرار، ويخطر على البال سؤال قد لا يبدو ذا أهمية بالنظر الى دور مجلس النواب في الحياة السياسية الأردنية بشكل عام، ولكن ولم لا، أليس من المفترض عرض حزمة الإصلاحات الاقتصادية هذه على مجلس الأمة لإقرارها؟ ولكن السؤال الأهم والأكثر إحراجاً برأيي ما هي الحياة الديمقراطية "الفعليّة" التي يتمتع بها المواطن الأردني حالياً ؟! هل هي التصويت واختيار نواب الشعب ؟! دعونا نعترف أن قانون الانتخاب الأخير لم يختلف عن سابقه قانون الصوت الواحد على الأقل في النتائج، ولم يؤسس لحياة حزبية مؤسساتية، بل اكّد على تقسيمة العشائر والمناطق والوجاهة، مما دفع بالعمل النيابي باتجاه العمل "الخدماتي" بعيداً عن الهدف المرجو منه ( على الأقل من قبل الشعب) وأن المواطن الأردني بات يشعر أن الحياة الديمقراطية التي كان يأمل أن تزدهر وتستمر بعد عام 1989 اضمحلت وتلاشت وباتت أقرب الى الشكليّات، فمجلس النواب المؤمل منه أن يكون ممثلاً للشعب ومصدراً للسلطات، ومراقباً لأداء الحكومة، قد أُفرغ من غرضه الأساسي بل وأصبح عبئاً إضافياً على الشعب (سياسياً واقتصادياً)، وانعدم دوره تماماً سواءً في تشكيل الحكومات أو مساءلتها أو رد التشريعات التي تُثقل على كاهل المواطن ولا تُعبّر عن إرادته السياسية وخصوصاً فيما يتعلق بالعلاقة مع العدو الصهيوني والانفتاح الاقتصادي على الشركات الصهيونية كما حصل مؤخراً في اتفاقية الغاز الإسرائيلي، ناهيك عن خصخصة أهم موارد البلاد (البوتاس والفوسفات) وشركات الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه. بكفي يا حكومة!

كنت من جيل الشباب الذي عاصر نهضة الديمقراطية عام 1989 وامتلأ فخراً وأملاً بتلك الحياة الديمقراطية التي كانت تفتقدها معظم الدول العربية، كان هذا الجيل ينظر الى المستقبل بعين متفائلة وكله أمل أن تزدهر الأحوال ونصل الى الديمقراطية الكاملة فماذا بقي لنا الآن من أمل؟ أقول وكلي يقين إن هذه الصرخة التي أطلقها النشطاء الأردنيون هي رسائل الى كافة أركان النظام في البلد وكل المسؤولين وأصحاب القرار، ارحموا جيوب المواطنين وابحثوا عن حلول جذرية بدلاً من سياسة الجباية، وهذه الشكوى تشمل الإصلاحات السياسية والاقتصادية على حد سواء لأنها جزء متكامل الأركان، نريد مشاركة فعلية في صنع القرار، ونريد حرية وعدالة ومساواة وشفافية، نريد محاربة الفساد فعلاً لا قولاً، بكفي يا حكومة!

أيمن يوسف أبولبن
17-1-2017
كاتب ومُدوّن من الأردن


الأربعاء، 11 يناير 2017

الثورة السورية -البدايات والحقيقة المطموسة (5)

الثورة السورية -البدايات والحقيقة المطموسة (5)

 حكاية درعا (شرارة الثورة السورية)


في بداية شهر آذار عام 2011 اعتقلت المخابرات والأجهزة الأمنية في درعا مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 8 -11 عاماً على خلفية شعارات وكتابات على جدران مدارسهم المتأثرة بأحداث الربيع العربي والتي اعتبرت مسيئة للنظام وللرئيس الأسد.

وتشير التقارير الى تعرض هؤلاء الأطفال لأقسى أنواع التعذيب مما أدى الى مقتل بعضهم، وحسب بيانات الشهود من أهالي درعا، أن مسؤولي الأمن والمخابرات السورية قالوا لهم (انسوا اولادكم واذهبوا وأنجبوا غيرهم، أو ابعثوا لنا بنسائكم ونحن سنعيدهم لكم حبالى!) مما أدى الى اعتصامات ومظاهرات للأهالي غلبت عليها شعارات الموت ولا المذلة وردّ العار، تبعها حملة من الاعتقالات والمداهمات على البيوت والمساجد واستخدام العنف المفرط من الأمن.

وكان الشيخ ناصر الحريري شيخ منطقة حوران قد حمّل الأمن السوري مسؤولية أحداث درعا ودعا الرئيس بشار الأسد للتدخل شخصياً لوقف حمام الدم في رسالة مفتوحة عبر إذاعة BBC العربية، ولكن قوة امنية طوقت منزله وفرضت عليه الإقامة الجبرية.

توسعت الاعتقالات وبدأ الأمن باستخدام المروحيات وإطلاق الرصاص الحي، وانسحب على أثر ذلك ممثلو منطقة حوران ومحافظة درعا من مجلس الشعب احتجاجاً على التجاوزات الأمنية، ثم ما لبثت أن انطلقت المظاهرات في باقي المحافظات السورية تضامنا مع درعا وهتفت بإسقاط النظام لأول مرة في ابريل 2011 وتم تشكيل (المجلس الأعلى للثورة السورية) بتاريخ 24 نيسان 2011

وحسب شهادات مسؤولي النظام المنشقين أن التيار المتشدد في النظام السوري (الحرس القديم) قد أخذ على عاتقه إخماد الثورة بالحديد والنار، واستغلال تلك الأحداث للانتفاض على التيار الإصلاحي "الخجول" الذي كان يدعمه بشار الأسد قبل أحداث درعا.

هذه حملة تذكير بقصة الثورة التي نجح النظام السوري وزبانيته وشبيحته بطمس معالمها واستبدالها بخدعة نظرية المؤامرة والمشروع الأمريكي الاستعماري في المنطقة.

وللحديث بقية

أيمن أبولبن
11-1-2017


#بشار_الأسد #الثورة_السورية #النظام_السوري #الشبيحة #نظرية_المؤامرة #أحداث_درعا 

الاثنين، 9 يناير 2017

فيلم "سنودن" لأوليفر ستون يُعرّي الوجه القبيح للإدارة الأمريكيّة



   يعود المخرج أوليفر ستون الى السينما من جديد بفيلم يحكي القصة الدرامية لانشقاق موظف المخابرات المركزية "إدوارد سنودن" وتسريبه ملفات سريّة غاية في الأهمية لوسائل الإعلام عن طريق مراسل صحيفة الغارديان البريطانية الشهير "جلين جرينوالد".

 أوليفر ستون معروف بمواقفه السياسية الداعمة لمبادىء الديمقراطية والحرية والعدالة والشفافية، ومعاداته للحروب والعنف وللسياسة الأمريكية المتغطرسة، وقد جسّد هذا في العديد من أفلامه السينمائية والوثائقية والمسلسلات التلفزيونية أيضاً، مخرجاً ومنتجاً، ومن أشهر أعماله فيلم "نيكسون" "جي اف كينيدي" "وُلِدَ في الرابع من تموز" "بلاتون" و "جورج بوش".

فيلم "سنودن" يجمع بين الإتقان الفني والحبكة الدراميّة "الواقعية" والمضمون الفكري الراقي والداعي الى الإلتزام بالمبادئ التي قامت عليها أمريكا والمتمثلة بالديمقراطية والشفافية، وصون حريات المواطنين تحت كل الظروف، وهو يعرض بشكل رائع التناقضات التي يُجسدها الموظفون الرسميون في الحكومات الأمريكية وأجهزة الأمن والمخابرات مع هذه المبادئ بذريعة الحرب على الإرهاب أو حماية أمن أمريكا، ويجسّد تطور الصراع الداخلي لدى سنودن بين الذرائع والمُسوّغات التي يمليها مسؤولوه عليه مُرفقةً مع الحياة الباذخة التي يعيشها، والامتيازات التي يحصل عليها من وظيفته، وضميره الداخلي الرافض لهذه الممارسات، وصولاً الى قراره الانفصال عن هذا الواقع والانحياز الى ضميره، واضعاً سلامته الشخصية على المحك في سبيل كشف هذا الكم الهائل من الخداع للعلن، راجياً ان يكون في هذا العمل إشعال شرارةٍ تدفع الناس للتحرك في سبيل حماية حرياتهم ومبادئهم، وإعلان رفضهم لهذه التجاوزات والسياسات الخاطئة.

  لا يوجد عملٌ إنساني يستحق التقدير أكثر من التضحية بالسمعة الشخصية بل والسلامة الشخصية في مقابل إراحة الضمير وعمل ما تُمليه علينا مبادئنا وقيمنا الإنسانية، هذه هي باختصار رسالة الفيلم، والتي تضمّنها حوار بين "سنودن" وبعض زملائه في العمل في حفل عائلي، حيث يتحدث أحدهم عن نشاطه في ذلك اليوم والأوامر التي أصدرتها القيادة العسكرية باستهداف مدنيين في أفغانستان، ثم استهداف مجلس عزاء أقيم لهؤلاء الضحايا، وكيفية تنفيذه لتلك الأوامر بطاعة عمياء، ويُعلّق سنودن بالإشارة الى محاكمات "نورمبيرغ" الشهيرة التي عُقدت بعد الحرب العالمية الثانية للنظر في جرائم النازية، ثم انبثق عنها ما يُعرف بمبادئ "نورمبيرغ" التي تبنتها الأمم المتحدة، والتي تشير بشكل واضح لا لبس فيه، أن كل من ينفذ أوامر تنطوي على مخالفة حقوق الانسان، أو جرائم في حق الإنسانية، هو شريكٌ في هذه الجريمة وأن ذريعة تنفيذ أوامر عليا لن تكون مقبولة في المحاكمات ذات الإختصاص.

   في الكتاب ذائع الصيت "إعترافات قاتل إقتصادي" لعميل آخر للمخابرات المركزية "جون بيركنز" والذي عمل ضمن فريق يُعنى بالشؤون الاقتصادية للشركات الأمريكية ويُمهّد غزوها الاقتصادي لدول العالم الثالث، يتحدث بيركنز أيضاً عن المسؤولية التي يتحملها الشعب الأمريكي بأكمله جراء سياسات بلاده الخارجية، ويقول (هل هناك في الولايات المتحدة من هو بريء! ... الملايين منا يعتمدون في معيشتهم مباشرة على استغلال الدول الأقل تطوراً؛ ذلك أن الموارد والعمالة الرخيصة التي تُغذّي جميع اعمالنا تقريبا تأتي من أماكن مثل اندونيسيا ... كذلك تؤكد ديون المساعدات الخارجية أن أطفال اليوم في تلك الدول وأحفادهم سيكونون رهائن، سيكون عليهم أن يسمحوا لشركاتنا بنهب مواردهم الطبيعية، وأن يتخلوا عن التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية الأخرى، كل هذا لكي يسددوا ما عليهم من ديون لنا ... فهل يُعتبر براءةً، عُذْر معظم الأمريكيين أن لا علم لهم بهذا؟!)

فيلم "سنودن" يرتكز في حكايته على الفيلم الوثائقي المواطن 4 Citizen four الذي يوثّق اعترافات إد سنودن نفسه في احدى غرف فنادق هونغ كونغ، قبل أن يهرب الى روسيا ويستقر هناك بعد حصوله على اللجوء السياسي، ويُذكر أن المواطن 4 Citizen four هو الرمز السري الذي استخدمه سنودن للتعريف بنفسه لمراسلي صحيفة الغارديان، موضحاً أن ثلاثة زملاء سابقين له حاولوا كشف الممارسات غير القانونية وخداع أجهزة المخابرات الأمريكية ولكنهم فشلوا، ويُعلّق سنودن قائلاً (لست أول شخص وأرجو ان لا أكون الأخير).

من شاهد فيلم المواطن 4 Citizen four يستطيع أن يقدّر العمل الرائع لطاقم فيلم سنودن ومدى الحرفيّة التي استخدمت لتحويل هذه الوقائع الى عمل درامي سينمائي أخاذ، يشد المشاهد ويوصل رسائله الإنسانية، ويُشدّد على القيم الإنسانية العليا التي ينبغي ان يتحلى بها جميع البشر (مواطنين ومسؤولين)، ومدى خطورة الانزلاقات التي نقع فريسة لها أثناء ممارستنا لعملنا، ونحن نظن اننا نحسن صنعاً وأننا بهذا العمل نقوم بحماية امن بلادنا ومواطنينا؛ وهذه الرسالة لا تنحصر في المخابرات الأمريكية بل تتعداها الى أجهزة المخابرات والأجهزة الأمنية لكل الدول التي تتعرض لشدائد وظروف أمنية صعبة، وما أكثرها حاليا في منطقتنا.

من أشد الأمور وأكثرها صعوبة في التصديق التي كشفها سنودن، كانت استخدام المخابرات الأمريكية أجهزة الكمبيوتر المحمول الشخصية وأجهزة الاتصالات الفردية للتجسس على الأفراد في جميع انحاء العالم واستخدام الكاميرات الخاصة بهذه الأجهزة لتسجيل فيديوهات للعلاقات الخاصة والمحادثات الشخصية والحصول على المعلومات التي يمكن استخدامها فيما بعد للإيقاع بالضحايا، ناهيك عن تعاون شركات الاتصالات ومزودي خدمة البريد الالكتروني العالمية مع المخابرات في تجسّسهم، وهذه كارثة حقيقية وانتهاك صريح لحقوق الفرد وخصوصياته، في عالم تكنولوجي بتنا جزءاً لا يتجزأ منه.

  فيلم سنودن وبعيداً عن التدخلات السياسية في هوليود يصلح أن يكون مرشحاً لجائزة أفضل فيلم وأفضل ممثل لهذا العام مع الأداء المتميز لطاقم العمل وللمثل الشاب "جوزيف غوردون ليفيت" في دور سنودن، الذي علّق الجرس وأعلنها مدويّة أن حقوق المواطنين والحفاظ على مبادئ الحرية والديمقراطية يجب ان تبقى الشغل الشاغل لكل الرؤساء والحكومات وأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال، المجازفة بها في سبيل الضرورات الوطنية، فهل وصلت هذه الرسالة؟

أيمن يوسف أبولبن
8-1-2017

كاتب ومُدوّن من الأردن

الخميس، 5 يناير 2017

الثورة السورية -البدايات و الحقيقة المطموسة (4)

الثورة السورية -البدايات و الحقيقة المطموسة (4)

(ميشيل كيلو) مُعارض سوري من مواليد اللاذقية لعائلة مسيحية يشغل منصب رئيس مركز حريات الدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية وهو عضو سابق في الحزب الشيوعي ومفكر وكاتب ومحلل سياسي.

أُعتقل كيلو في السبعينات وقضى عدة أشهر في السجن، واعتقل مرة أخرى عام 2006 وحكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن 3 أعوام.

يتحدث كيلو في مقطع الفيديو عن حادثة أليمة حدثت معه أثناء سجنه، جمعت بينه وبين فتاة معتقلة وابنها الذي ولد في السجن من اغتصاب السجّانين لها. استمعوا




هذه حملة تذكير بقصة الثورة التي نجح النظام السوري وزبانيته وشبيحته بطمس معالمها واستبدالها بخدعة نظرية المؤامرة والمشروع الأمريكي الاستعماري في المنطقة.

وللحديث بقية

أيمن أبولبن
5-1-2017

#بشار_الأسد #الثورة_السورية #النظام_السوري #الشبيحة #نظرية_المؤامرة #ميشيل_كيلو


الاثنين، 2 يناير 2017

المعرفة

المعرفة

(كلما ازدادت معرفتي، ازدادت مساحة علمي بجهلي)
مقولة منسوبة إلى أينشتاين، وهي تشير إلى التطوّر الذي يطرأ على الإنسان في رحلته المعرفية عبر الزمن، وتؤكد على العلاقة
الطردية بين تطور المعرفة وإدراك حجم النقص المعرفي.

ترجمة هذا على أرض الواقع تكون بتطور المعرفة وإعادة النظر فيما يحمله الإنسان من أفكار وقضايا وأهداف يسعى لتحقيقها، ومراجعته المستمرة لمعلوماته ومعتقداته ومن ثم تعديلها وتحسينها بما يتوافق مع المعرفة المكتسبة.

وهذا بالضرورة يقودنا الى استنتاج ان من يعتقد أن علمه قد أحاط بكل جوانب المعرفة دون نقص، فهو ما يزال في المراتب الأولى على سلم المعرفة 

وأن من يحمل نفس الاعتقادات ويردد نفس العبارات والأفكار ويدافع عن ذات وجهات النظر، فهو انسان ثابت وجامد لم يتحرك على سلّم المعرفة الإنسانية

 الرسم البياني التالي يوضح أن الإنسان "الخبير" والعارف، يكون قد وصل الى مرحلة يكون فيها مقدار معرفته "الذي يظن" يساوي أو قريبا من مقدار معرفته "الحقيقية" على أرض الواقع، فيما يكون إدراكه بالنقص المعرفي لديه هو أضعاف ما يملك من معرفة!

أيمن أبولبن
2-1-2017

#المعرفة #الخبرة #تطور_المعرفة  #العلم #الجهل



الأحد، 1 يناير 2017

بين أحداث حلب وأحداث الكرك، مُقاربة غير بريئة!



مع كل أزمة أمنية تحدث في الأردن، تنبري مجموعة من مؤيدي النظام السوري والمتعاطفين مع ما يسمى حلف المقاومة والممانعة (سوريا-إيران-حزب الله) بالربط بين ما يحدث في سوريا وبين تلك الأزمة الأمنية. حدث ذلك في أعقاب أزمة خلية إربد، وتكرّر مؤخراً إثر عملية الكرك.
قد تبدو المُقاربة هذه منطقية من وجهة نظرهم، ولكن الحقيقة أنهم موهومون تماماً.

   عندما يُبدي الأردنيون تعاطفهم مع مأساة حلب ومأساة سوريا عموماً، فهم معنيون أولاً وأخيراً بالإنسان وقيمة الانسان العربي السوري التي داستها ميليشيات الحقد وعصابات الأسد، و قصفتها الطائرات الروسية والسورية وحوّلت مساكنهم أطلالاً، لو رآها امرؤ القيس لأعاد كتابة معلقته الشهيرة.
 وهم معنيون أيضاً بالجرائم التي ترتكبها الجماعات المتطرفة في حق المدنيين، ولكنهم يستطيعون ان يميزوا بين التطرّف والثورة الشعبية، وهذه هي "النقطة العمياء" عند مؤيدي النظام، والتي لا تتسع لها مدى رؤيتهم فتسقط بالتالي من حساباتهم، ويتورطون في تعميم التطرف والإرهاب على كل مؤيدي الثورة السورية، بل ويلقون عليهم تُهَم العمالة والخيانة أيضاً.

   من المعلوم للجميع ان العمليات التي وقعت في الأردن هي عمليات إرهابية تبنّاها تنظيم داعش الذي ينبذه غالبية الأردنيين بل ويعتبرون أن ثمّة عِداءٍ شخصيٍ مع هذا التنظيم بعد مقتل الطيار الكساسبة، وهم بالتالي ينبذون عمليات هذا التنظيم، سواء تلك التي تقع في بلادهم او في سوريا والعراق.
لذا فإن محاولة الخلط بين نبذ الأردنيين لعمليات داعش على أرضهم وتعاطفهم مع مأساة حلب لا تبدو منطقية وتفتقد لأدنى شروط المقارنة العلمية.

يضاف الى ذلك، ان محاولة تجميل الوجه "القبيح" للجيش السوري بمقارنته بالأمن الأردني هي محاولة "خبيثة" تحمل في طياتها رسائل خفيّة يرفضها المواطن الأردني. الأمن الأردني يقوم بدور واضح وهو حماية الوطن والمدنيين من التطرف والإرهاب، في حين ان الجرائم والفظائع التي يقوم بها جيش الأسد، لا تمت بصلة الى حب الوطن او حماية المدنيين، بل على النقيض من ذلك هي مُكرّسة فقط لحماية النظام والمصالح الفئوية في الغالب، وفي بعض الأحيان نتيجة الإكراه والجبرية من القيادة.
 في النهاية ومن وجهة نظر قيادة الجيش السوري، فإن كل مُعارض للنظام سواءً كان سياسياً أو أديباً أو فناناً أو صحفياً أو ناشطاً حقوقياً هو عدو للدولة السورية وللجيش، وهو إرهابي او عميل او خائن بالضرورة.

  من المعلوم للجميع، أن الأمن الأردني لم يُحاصر المدن بحجّة القضاء على الإرهابيين، ولم يفرض حصاراً من الجوع والعطش على السكان المدنيين، مطالباً إياهم بالموت أو التخلص من المقاتلين.
لم يقصف المدن قصفاً عشوائياً، باستخدام القنابل العنقودية والبراميل المتفجرة (المُحرّمة دولياً) ويقول إنه يخوض حرباً ضد الإرهاب والتطرف.

إن محاولة تشبيه المُعتدين في أحداث الكرك، بالمقاتلين والمدنيين الذين قضوا في مدينة حلب او تم تهجيرهم قسراً هي محاولة تنم عن العقيدة الشمولية التي يؤمن بها من يساند النظام السوري، والتي تعتمد على التعميم في الحكم، والخلط بين الحقائق، وعدم التفريق بين الحقيقة والوهم، والحق والباطل.
     كمواطن أردني، أقول إني أقف في وجه الإرهاب في كل مكان، وأُدين كل الجرائم التي تُرتكب باسم الدين، وفي ذات الوقت أقف مع الثورات العربية وحق كل الشعوب العربية بتقرير مصيرها واختيار من يحكمها، والعيش ضمن نظام سياسي يؤمن بالتعددية واحترام حرية الفكر والاعتقاد، ويحقق العدالة والحرية والكرامة.
 لا أؤمن بالتقوقع وراء نظرية المؤامرة وإرهاصات سايكس بيكو 2، بل أؤمن بحتميّة التغيير من الداخل، حتى يخرج العالم العربي من شرنقته ويبصر نور التقدم والحضارة، ولا آبه بكل الكلام الذي يحاول تثبيط العزيمة، وترسيخ الايمان بقَدَرِ الشعوب العربية بالقبول بحُكم الديكتاتورية أملاً في الحصول على الأمن والأمان، فهل ستكفّون عن تصنيف البشر بناءً على وجهة نظركم الضيقة، وتكفّوا أيضاً عن إطلاق الأحكام والتهم على من يحيد عمّا ترونه أنتم ؟!  

 
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

1-1-2017