الاثنين، 26 سبتمبر 2016

عن اغتيال ناهض حتر



إلقاء اللوم على الفكر الداعشي "لوحده" بالتسبّب بالعنف والوقوف وراء التصفية الجسدية (ناهض حتر مثالاً) ليس دقيقاً

·        التطرّف اليساري والتحريض على قتل المدنيين في سوريا والعراق وباقي الدول بحجة مكافحة الإرهاب، هو جزء من المشكلة
·        كل من يهاجم أو يسخر من رموز الإسلام ومعتقداته، من اليساريين والعلمانيين بحجة مكافحة التطرف أو الحريّة الشخصية، هو سبب في المشكلة (الفرق شاسع بين النقد الإيجابي وبين التهجم والسخرية)، وهو لا يقل عن خطورة مهاجمة المتشددين الإسلاميين للأديان الأخرى
·        كل من يجمع المعارضين للنظام السوري في سلّة واحدة ويدمغها بالإرهاب والتطرّف والعمالة ويحرّض على القضاء عليها وسحقها هو سبب رئيسي في إذكاء العنف والتطرّف 
·        كل من يعتقد بداخله أن الإسلام هو داعش ويتعامل مع المسلمين على هذا الأساس فهو جزء من المشكلة
·        كل من يفرّق بين الأردنيين (أو أي شعب آخر) بناءً على دينهم أو انتمائهم السياسي أو أصولهم، فهو شريك في العنف
·        كل من يجاهر بدعمه للطغاة العرب ووقوفه ضد المطالبات الشعبية "الشرعية" بنيل الحرية والعدالة والمساواة هو سبب رئيسي في العنف
·        وكل من يقوم بإقصاء الآخر ويمنعه من المشاركة في الحياة السياسية، هو مشارك بشكل أو بآخر في تحوّل هؤلاء الى دواعش ( من اليمين واليسار)

باختصار: كل من يعتقد أن فكره ومبادئه هي المبادئ الصحيحة المطلقة وأنه على حق والبقية على ضلال، فهو داعشي بامتياز وإن اختلفت الضفة التي يقف عليها  !


أيمن يوسف أبولبن

26-9-2016

الاثنين، 5 سبتمبر 2016

ولنا في البرازيل عِبْرة


في البلاد التي تحتكم لنظام ديمقراطي، وتمتلك مؤسسات دولة مستقلة، تعمل جنباً إلى جنب لخدمة المجتمع والمواطن وتحقيق مصلحة الوطن على حد سواء، تكون الكلمة العليا للقانون والأنظمة والتشريعات، التي تنظم العلاقة بين مؤسسات الدولة بعضها ببعض وبين تنظيمات المجتمع المختلفة وتخضع لها مؤسسات الدولة ومسؤوليها وأفرادها، فتنعدم بالتالي سُبُل خرق هذه القوانين والأنظمة لأيٍ كان، بما في ذلك "أكبر راس في البلد".

   تمثّل لنا هذا النموذج قبل يومين في "البرازيل" حيث تم إقالة رئيسة البلاد "ديلما روسيف" من منصبها بطريقة قانونية وعن طريق تفعيل دَوْر مؤسسات الدولة، دون تشنّجات ولا ردّات فعل غاضبة، رغم إنقسام البلاد بين مؤيد ومعارض، علماً بأن الجُرْم الذي اقترفته لا يتعدى إخفاء معلومات عن قروض دولية وعدم الإفصاح عن موازنة الدولة الحقيقية (عدم الشفافيّة فيما يتعلق بالمصاريف والمديونيّة). وكانت روسيف قد تعرّضت لإنتقادات شديدة بالرغم من إعادة انتخابها عام 2014 وذلك بسبب فشلها في إنهاء الأزمة الإقتصادية في البلاد مع أنها حقّقت نجاحات قياسية في هذا المجال خلال فترة حكمها.

التيار المؤيد لروسيف يقول أن ثمّة مؤامرة سياسيّة تقف خلفها المُعارضة وتؤيدها بعض الدوائر الفاسدة في مؤسسات الدولة نجحت في "الإنقلاب السلمي" على رئيسة البلاد، ولكن الشاهد في الموضوع أن ثمّ نظام سياسي قانوني يخضع له الجميع ويلتزم بقوانينه، وأن هذا القانون يعلو ولا يُعلى عليه.

 في هذه الدول، يأتي رئيس البلاد لخدمة البلد والمواطن لفترة مُحدّدة ومعلومة يلتزم خلالها بالقانون دون أن يحصل على استثناءات أو معاملة خاصة، ويكون عُرضةً للمُساءلة والمُحاججة بل والمُثول أمام القضاء إذا إقتضت الحاجة، ثم يغادر منصبه بعد أن تنتهي ولايته ليعود إلى صفوف المواطنين العاديين، متساوياً في الحقوق والواجبات مع باقي فئات الشعب، في حين يتم تسخير كل مؤسسات الدولة في عالمنا العربي لخدمة السلطة وحاشيتها وتنفيذ مشاريعها الخاصة على حساب مُقدّرات البلاد، وتصبح الدولة بما فيها مُلكاً لشخص ما أو جماعة تتحكم في مصائر البشر عملاً بالقول المأثور "أنت ومالِكَ لأبيك" ويتم تفصيل القوانين والدساتير بشكلٍ مرن وقابل لاستيعاب كل الخروقات والتجاوزات "الشرعيّة" وهو ما يُعرف اصطلاحاً في شارعنا العربي بالقوانين "المطّاطة". المُضحك المُبكي أن الطبقة الحاكمة هذه تتمتع بحصانة ضد النقد والإختلاف في الرأي وكأنها معصومة عن الخطأ !. 


المُفارقة فيما جرى في البرازيل مؤخراً، أن هذه التهم التي تسببت بإقالة رئيسة البلاد بعد أن تم عزلها ومنعها من ممارسة صلاحياتها في أيار الماضي، لا تصلح لمجرد النقاش في المؤسسات القضائية واللجان المُختصّة في دولنا العربية، ولو حاولنا تخيّل هذا المشهد البرازيلي في أحد بلداننا العربية لكان أشبه بالكوميديا السوداء، فالذين وصلوا الى سدّة الحكم على ظهور الدبابات يعيشون في بلادنا آمنين سالمين وتلهج ألسنة الإعلام لهم بالتلبية والفداء ليلاً نهاراً، ناهيك عمّن يذبح أبناء شعبه قرباناً لكرسي الحكم، ومن نهب خيرات البلاد بحُجّة الخصخصة وجلب الإستثمارات..... الخ القائمة الطويلة من خطايا حكامنا ومسؤولينا، فيما تبدو هذه التهم من أنواع الترف السياسي المُبالغ فيه والذي لا يليق بنا !

البرازيل تلك الدولة القابعة في أمريكا الجنوبية التي تعاني الفقر وما زالت تُصنّف من ضمن الدول النامية رغم انها من البلاد الصناعيّة الصاعدة، استطاعت رغم كل الظروف الإقتصادية والسياسية الصعبة، المحافظة على التعددية الفكرية والحزبيّة، وارساء قواعد للعيش المشترك رغم تعدّد العقائد والأعراق لأكثر من 200 مليون نسمة يقطنون البلاد ويعيشون ضمن 27 ولاية مختلفة، فيما ضاقت بنا بلادنا، وعجزنا عن استيعاب إختلافاتنا البسيطة وتناسينا القواسم المشتركة العُظمى التي تجمعنا، فهنيئاً للشعب البرازيلي.

عندما نقول أننا نحلمُ بوطنٍ يقوم على التعدّدية الفكرية ويحقق الحرية لمواطنيه ويضمن المساواة والعدالة لكافة فئات الشعب؛ عندما نقول أننا نحلمُ بدولة مؤسّساتيّة تُعنى بتعزيز النظام الديمقراطي وضمان عدم تجاوز أي مؤسسة لصلاحياتها المنصوص عليها في الدستور، حتى لو كانت هذه المؤسسة هي أعلى هرم في السلطة، وضمان عدم تجاوز أي فرد للقانون حتى لو كان هذا الفرد هو الحاكم ذاته، فنحن لا نطمح في الحقيقة بأكثر مما حققته شعوب دول العالم الثالث خارج منطقتنا الإقليمية، وليس أكثر مما ورد في الأديان السماوية وما وصّى به الأنبياء وبشّر به الفلاسفة وعظماء التاريخ. هذا الحُلم ليس خارجاً عن المألوف وما هو ببدعة، ولا يتطلب منا سوى الإيمان به وبأنفسنا وقدرتنا على تحقيقه.

مارتن لوثر كينج قال ذات يوم ( لدي حُلْم( I have a dream ! ، أحلم أن أرى أبناء هذا البلد من سودٍ وبيض يتشاركون العيش بحرية ومساواة وتجانس. إغتيل مارتن لوثر كينج ولكن حُلْمه لم يُغتال، بل عاش وتحقّق وأصبح واقعاً ملموساً.
شعوبنا العربية قالت ذات يوم أن لديها حُلْماً، ( حرية عدالة ومساواة ) شكّك البعض في الحُلْم وشكّك البعض الآخر في الشعوب نفسها ولم تؤمن سوى فئة قليلة بنفسها وبالحُلْم، وشعارها (إذا أردت أن تأخذ شيئاً فعليك أن تأخذه بذراعيك وكفّيك وأصابعك).

 هذا الحلم سيعيش وسيتحقق، رُغم تشكيك المُشكّكين ورغم تآمر المتآمرين، ورُغم أنف الفاسدين، ولو بعد حين، كونوا واثقين. 

أيمن يوسف أبولبن
4-9-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن


للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban

الاثنين، 8 أغسطس 2016

خرائط جوجل وجدليّة الدولة الفلسطينيّة


انتشر خبر حذف إسم "فلسطين" من خرائط "جوجل" في مواقع شبكات التواصل الإجتماعيّة في عالمنا العربي كالنار في الهشيم وأثار استياءً واسعاً، بعد أن تم وضع اسم "اسرائيل" على كامل خريطة فلسطين دون أي إشارة إلى الوطن المحتل أو الضفة الغربيّة أو على الأقل أراضي السلطة الفلسطينيّة.
وتم تداول هاشتاج بعنوان "القدس عاصمة فلسطين" للتنديد بما حصل، ومحاولة الضغط على الشركة لإعادة الإسم والإشارة الى دولة فلسطين، وكان من الطبيعي إنطلاق شرارة الحديث عن المؤامرة الصهيونيّة العالميّة وتواطؤ "جوجل" معها.
  وصلني الخبر قبل عدّة أيام على إيميلي الشخصي مع دعوة للمشاركة في نشر الهاشتاج وتعميم الخبر، وكي أكون صادقاً معكم فقد عزمت على مشاركة الخبر ثم تردّدت لوهلة، ثم لم ألبث أن تراجعت، ولم أبدِ أي رغبة في مشاركة الهاشتاج ونقل الخبر، رغم كل الإخلاص الذي أحمله في داخلي لوطني الأصلي الذي حُرمت منه، وهاجرت عائلتي منه قسراً، إلاّ أن الموضوع بالنسبة لي قد أخذ بعداً آخر قد يكون أقرب إلى النظرة الفلسفية للأمور، سأطلعكم عليه عبر السطور القادمة. وبعد عدّة أيام تردّد الخبر في وسائل الإعلام وأخذ بعداً إضافياً، تمثل في الدعوة لمقاطعة شركة "جوجل" عبر هاشتاج "مقاطعة جوجل". قمت بالدخول على موقع الخرائط الخاص بمحرّك البحث "جوجل" وبحثت عن "فلسطين" بالعربية ثم Palestine وظهرت لي صورة خريطة فلسطين تحمل اسم "Israel" مع وصف مختصر لدولة فلسطين ورئيسها الحالي محمود عبّاس ورئيس وزرائها رامي الحمدلله مع صورة للمسجد الأقصى، أي أن الشيء الوحيد الذي تغير هو عدم ظهور اسم فلسطين على الخارطة.

بعيداً عن الغصّة التي أحدثها هذا الخبر وعن الوجع العاطفي للفلسطينيين والعرب عموماً، فإني لا أرى أيّة حجة منطقيّة أو قانونيّة تفرض على شركة "جوجل" وضع اسم فلسطين على خرائطها. إذا كانت الأمم المتحدة نفسها لم تصبغ على السلطة الفلسطينية صفة الدولة المستقلة ولا توجد الى الآن أي أتفاقية دولية تشير الى الدولة الفلسطينية وحدودها، باستثناء الشكل الهزلي لسلطة الحكم الذاتي الحاليّة، فيما تحظى دولة الإحتلال بإعتراف دولي بل وعربي عبر اتفاقيات دولية موثقة في الأمم المتحدة مع خلاف بسيط حول حدودها التي تنكمش وتتوسع تبعاً للمزاج الصهيوني والضعف العربي. فبأي حق نطالب بوضع اسم فلسطين على خريطة سُلبت منا كما سُلب منا الوطن نفسه ؟!

في الحقيقة مشكلتنا ليست مع "جوجل" بل مع الكيان السرطاني الذي طفح على السطح فجأة وصبغ وطننا الأخضر بلونه الأزرق الشاحب. مشكلتنا مع أنظمتنا العربية التي سمحت لهذا الكيان بالتمدّد ثم هادنته وصالحته. مشكلتنا الحقيقية هي عجزنا عن الدفاع عن قضيتنا الأساسيّة وعن حقنا الواضح وضوح الشمس. "جوجل" لم تفعل شيئاً سوى أن عكست عجزنا في مرايانا وكشفت عن سوءاتنا.

في روايته القصيرة " عائد إلى حيفا" يتحدث غسان كنفاني الأديب الفلسطيني المعروف عبر احدى الشخصيات عن أحد الفلسطينيين الذين أُجبروا على مغادرة وطنهم وتم مصادرة كافة ممتلكاتهم لصالح الوكالة الصهيونيّة ومن ثم إلى المهاجرين اليهود الذين جاؤوا لتحقيق "نبوءة الرب" في نيل الأرض الموعودة، إلا أن الحنين يقود هذا الفلسطيني للعودة إلى قريته كي يتفقّد بيت العائلة، زائراً أقرب ما يكون الى السائح الذي يدفع المال كي يشاهد ماضيه ثم لا يلبث الماضي أن يلفظ صاحبه، يدق باب البيت متوقعاً أن يخوض حرباً جداليّةً طويلةً مع المالك اليهودي الجديد ولكنه يتفاجأ أن الذي يسكن بيته هو فلسطيني آخر غلبانٌ مثله، استأجر البيت من مالكه اليهودي ولكنه أبقى البيت على ما هو عليه، بأثاثه وطلاء جدرانه حتى أنه أبقى الصور المعلقة على جدرانه، فكان أن طلب صاحب البيت الأصلي أن يأخذ معه صورةٌ معلّقةً على الحائط تعود لأخيه الشهيد، ويأخذها بالفعل ولكنه لا يجد لها مكاناً ملائماً في بيته الجديد ولا يستطيع النوم تلك الليلة لشعوره أن الصورة ما كان لها أن تغادر بيت العائلة، وما ان تشق خيوط الشمس طريقها نحو العيون الناعسة حتى يسارع بالعودة الى منزله القديم ويقول للمستأجر لقد أخطأتُ بسؤالك اللوحة، فمكانها هنا، يرد عليه وانا أخطأتُ بإعطائك إياها، هذه الصورة ثمنها بندقية ! والوسيلة الوحيدة لإستعادتها هي الحرب والمقاومة وليس السؤال !

إذا أردنا وضع إسم فلسطين على خرائط "جوجل" فلنصنع هذا الإسم ونحفره على أرض الوطن أولاً، فلندع خلافاتنا الحزبيّة جانباً ونحقق الشعارات التي تربينا عليها (فلسطين من البحر الى النهر)، (الخط الأحمر الوحيد أنه ليس من حق أكبر راس أن يوقع وثيقة استسلام وتنازل لاسرائيل). لماذا رضينا بكانتونات ممزقة ووطناً مبعثراً لا يشبه الوطن بشيء، ثم أخذتنا العزّة لأننا نسينا أن نمحو اسم اسرائيل عنه !

أيمن يوسف أبولبن
7-8-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن


للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban

الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

نحن لا ننسى أحزاننا !



نحن لا ننسى أحزاننا، بل نحاول أن نُخفيها ونُبقيها بعيداً عن رادارات إحساسنا. نُغطّي عيوننا كي نحجبها عنّا، وندور في فلك حياتنا اليوميّة كمن يُدير حجر الرحى كي يُبقي لحياته معنىً، ولكننا نفشل في المحافظة على إيقاعنا، ثم ما نلبث أن نفقد التوازن ونترنح فينكشف الغطاء عن عيوننا؛ نسترجع الذكريات ونجد أنفسنا في مواجهة الحقيقة التي نحاول الهروب منها !

نحن لا ننسى الحزن، ولكنّا نحاول إلتقاط الفرح، متى إستطعنا إليه سبيلاً.


أيمن أبولبن
2-8-2016

الاثنين، 18 يوليو 2016

تحيا تركيا !


   فشلت محاولة الإنقلاب العسكري في تركيا بفضل وعي الشعب التركي وبفضل ديمقراطية الدولة المؤسساتية، فبعد أن تفاجأ العالم بتحركات بعض فصائل العسكر لبسط سيطرتهم على البلاد تحت غطاء إعلامي حاول إيهام الأتراك بسقوط الحكومة التركية ومغادرة المسؤولين البلاد، سحب الرئيس "أردوغان" البساط من تحت أقدام الإنقلابيين باحتكامه الى الشعب "مصدر السلطات" ومطالبته الجماهير بالنزول الى الميادين العامة للمحافظة على مكتسباتهم الديمقراطية وعلى مؤسسات الدولة، فكان له ما أراد حيث أكّد الشعب التركي على عمق إيمانه بالديمقراطيّة وعلى تمسكّه بحقّه في تقرير مصيره بالطرق السلمية الديمقراطية ورفض مصادرة حريته أو المتاجرة بها من قبل العسكر في سبيل الوصول الى الحكم.

  أشد ما لفت إنتباهي هو موقف أحزاب المعارضة التركيّة التي استنكرت محاولة الإنقلاب العسكري ودعت الى إحترام مؤسسات الدولة الديمقراطيّة ولم تحاول الصيد في الماء العكر أو استغلال الظروف لمصالحها الحزبيّة الضيّقة بل آثرت مصلحة الوطن والحفاظ على مكتسبات الدولة المدنيّة العلمانيّة، ورفضت تبرير استخدام القوة العسكرية لفرض وجهة نظرها السياسيّة.

  السيناريو التركي الليلة الماضية أعاد الى الأذهان الإنقلاب العسكري في مصر عام 2013 أو ما بات يطلق عليه "ثورة يونيو"، ففي الوقت الذي أصدر فيه الإنقلابيون العسكريون في تركيا بياناً أكدوا فيه أن الدافع لعملهم العسكري هو المحافظة على الديمقراطيّة وعلمانيّة الدولة، حمل البيان الإنقلابي في مصر نفس الحجّة (الحفاظ على مكتسبات ثورة يناير وتصحيح مسارها والمحافظة على مدنيّة الدولة) ولكن هذا التشابه في السناريو تبعه إختلاف جوهري في النتائج حيث وقف الشعب التركي موقفاً حاسماً ضد العسكر، واختارت أحزاب المعارضة التركيّة الحفاظ على مكتسبات الديمقراطية في البلاد والإنحياز للحكومة الديمقراطية المنتخبة، في حين استطاعت الدولة العميقة للنظام المصري السابق تشكيل جبهة موحدة ضد الثورة المصرية (وأقصد بها ثورة يناير 2011) وما نتج عنها من مؤسسات شرعيّة، وشكّلت إئتلافاً مع أحزاب المعارضة اليساريّة التي أدركت أن السبيل الوحيد للمزاحمة على السلطة هو انضمامها تحت لواء الدولة العميقة ومطالبة العسكر بحسم الموقف بالقوة ضاربة عرض الحائط بكل شعاراتها الحزبية ومبادىء الثورة المصرية التي ركبت موجتها، ليس هذا فحسب بل استطاعت اللعب على وتر لقمة عيش المواطن وهمومه اليوميّة ومشاكل البلاد الإقتصادية لتأليب مشاعره ضد الثورة والربيع العربي وضد النظام الحاكم !

  من المؤسف القول أنه ثبت بما لا يدع مجالاً للشك ضحالة وعي شعوبنا العربية، وعدم امتلاكها قواعد راسخة في العمل السياسي وممارسة الديمقراطيّة والإيمان الكافي بمؤسسات الدولة، وثبت أيضاّ طغيان المصالح الفئوية والحزبية على الأفراد والأحزاب والمؤسسات المدنيّة في عالمنا العربي مما أدى الى فشل مشروع النهضة العربية ووأد ثورات الربيع العربي في مهدها دون أن تحقق مبتغاها، بل وفتح الباب على مصراعيه للصراع العسكري على السلطة والإقتتال الطائفي المُقيت.

الفرق شاسع بين وعي الشعب التركي والتفافه حول مؤسسات الدولة وبين وعي شعوبنا العربية التي تساند العسكر والطغاة وتهلّل للقمع ومصادرة حريات الآخرين. شتّان بين أحزاب تمتلك رؤية استراتيجية راسخة وتؤمن بالعمل السياسي وبين أحزاب تستغل أوجاع الشعوب لتمرير أجندتها الخاصة. شتّان بين قيادة دولة تؤمن بشعوبها وبالديمقراطية وتلتجأ الى قواعدها الشعبية في مواجهة العسكر، وبين قيادات فاشلة تلتجأ الى الدبابات لفرض نفسها على شعوبها. شتّان بين القيادة التي تطالب الشعب بالنزول الى الشوارع للمحافظة على مؤسسات الدولة، وبين قيادات تطالب المواطنين بالنزول الى الشارع لإضفاء الشرعيّة على أعمال القمع والعنف التي تقوم بها ضد فئة أخرى من الشعب.

بين ما حصل في تركيا وما سبق أن حصل في مصر، وما زال يحصل في عالمنا العربي، تحيا تركيا، بإنتظار الموجة القادمة من الربيع العربي لعلّنا نستدرك حظنا بين الأمم قبل فوات الأوان !

أيمن يوسف أبولبن
17-7-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن


للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban

الاثنين، 20 يونيو 2016

إعتقال قورشه بين الشماتة والدفاع عن حرية الرأي


   تم إعتقال الداعية الإسلامي الأردني، الدكتور أمجد قورشه وحجزه تحت ذمة التحقيق، حيث سيمثل أمام محكمة أمن الدولة على خلفية إنتقاده للأجهزة العسكرية والمخابراتية لإنضمامها للتحالف الدولي ضد داعش في سوريا، حيث قال د. قورشه أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية أن نسبة كبيرة من الأردنيين يعتقدون أن الشأن الداخلي ومكافحة المخدرات وسرقة السيارات وتهريب السلاح، هو أولى من محاربة الإرهاب في الخارج، كما أضاف أن الولايات المتحدة خدعت الأجهزة الأمنية الأردنية وكذبت عليها بشأن أهدافها في سوريا حيث تبيّن أن التحالف الدولي يستهدف الجيش الحر وجبهة النصرة مما يؤدي إلى ترجيح كفّة النظام السوري في الصراع، عدا عن سقوط ضحايا مدنيين جرّاء قصف التحالف الدولي.

لست هنا بصدد مناقشة وجهة نظر د. قورشه في التحالف الدولي وتفنيدها أو تأييدها، لا سيما أن الفيديو موضوع القضية نشر عام 2014، وقد يكون د. قورشه نفسه قد غيّر من بعض قناعاته الآن ! ولكن ما يهمني هو القاء الضوء على ردة الفعل الشعبية حول إعتقاله والإنقسام الواضح في ردود الأفعال بين مؤيد ومُعارض.

   ندّد الإسلاميون بإعتقال د. قورشه بالإضافة الى العديد من الناشطين المعنيين بحرية الرأي في حين أبدى التيار اليساري بشكل عام بالإضافة الى مؤيدي العلمانية إرتياحهم لهذا الإجراء مُعتبرين أن خطاب قورشه بشكل عام هو خطاب ديني متشدّد يُحرّض على التطرّف ويسيء للطوائف الأخرى ويضر بالتالي بالوحدة الوطنيّة، ولعلّ أشد الناس بهجةً وسعادةً بإعتقال قورشه هم مؤيدو النظام السوري ومجموعة مُثقّفي "الشبيحة"، الذين أبدوا شماتتهم لإعتقال أحد أشد الدُعاة عداءً للنظام السوري وحلفائه في المنطقة.

  قد تبدو هذه المواقف للوهلة الأولى واقعية ومتوقعة الى حدٍ ما، ولكننا لو ابتعدنا عن السطحيّة وناقشنا جوهر القضية لأكتشفنا أننا أمام حالة إنفصام في الشخصية الفكرية للمجتمع، وتناقض هائل بين ما نؤمن به (أو ندّعي أننا نؤمن به) وبين ما نمارسه فعلياً على أرض الواقع، فالتيار العلماني الذي يتحدث ليلاً نهاراً عن الحُقوق المدنية وضرورة إقامة مجتمع يحترم الرأي والرأي الآخر وتوفير سقفٍ عالٍ من حرية التعبير، يسقط في إختبارٍ بسيطٍ للغاية ويكشف أن كل هذه الشعارات والكلام "المزيون" الذي تخطّه يداه لا يمكن تطبيقه الا على ما يوافق هواه ورغباته، ولا ينطبق أبداً على فرقاء الفكر والسياسة، وهذه بلا شك إشكاليّة خطيرة جداً.

كيف يُعقل أن نشمت في إعتقال أحد المدنيين (بغض النظر عن توجهاته الفكرية والسياسية) ومثوله أمام محكمة أمن الدولة بناءً على رأيه السياسي أو إنتقاده للسلطات في البلاد ؟! سواءً إتفقنا أو إختلفنا مع مضمون رأيه، يجب علينا جميعاً أن نحترم هذا الفِكْر وهذه الجرأة في الطرح وأن نعمل على صيانة حرية التعبير وضمان حوار عقلاني حقيقي بين مؤيد لوجهة نظره ومُعارض لها، بما يخدم مصلحة المجتمع والوطن، أمّا خلط هذه القضية برأينا الشخصي حول خطاب قورشه الديني او اختلافنا معه حول موضوع سوريا، وابداء تأييدنا لإعتقاله بناءً على ذلك، فهو منطق أعوج لا يستقيم مع الأفكار التحرّرية التي يدعو لها كل من أيّد إعتقاله.

وفي ذات الوقت نقول، إذا كان هناك تجاوزات في الخطاب العام لقورشه أو إساءته للديانات والطوائف الأخرى (كما يقول البعض) فقنوات المحاكم المدنية مفتوحة للجميع، والقوانين المسنونة تعاقب على الإساءة للأديان والتعرض للوحدة الوطنية. لماذا لم يقم أحدٌ من مؤيدي إعتقاله بالتقدم بشكوى ضده خلال السنوات الماضية بدلاً من الشماتة لإعتقاله الآن ؟ لماذا لم يتم تنظيم حملة لإغلاق صفحته او مقاطعة برامجه ... الخ القائمة الطويلة من الأعمال التي يمكن القيام بها لإيصال صوت كل من يود الإعتراض على خطابه ؟!

وهذا يقودنا بالتالي الى التساؤل حول مدى نجاح السياسة الإعلامية للسلطات الرسميّة، وتقديرها لردود فعل الشارع؛ إذا كان الهدف هو التخفيض من حدّة إنتقادات قورشه والتقليل من "الشوشرة" التي تصدر عنه، ألم يكن من باب أولى البحث عن مُسوّغات معقولة قد تُرضي شريحة كبيرة من المجتمع وتبدو أنها منطقية بدلاً من إعتقاله على خلفية فيديو قديم تم نشره قبل عامين ؟!

حرية التعبير تُقاس بمقدار هامش الحرية الذي نمنحه للرأي الآخر، هذا هو المقياس الحقيقي لحرية التعبير سواءً لنا كأشخاص أو كمؤسسات وأجهزة رسمية. لا تعنيني شعاراتك وخطاباتك الحماسيّة التي تُلقي بها، ظنّاً منك أنك نبي هذا الزمان الذي بُعث لينادي بالحرية والعدل والمساواة طالما أنك تؤيد الحدّ من الحريات وتكميم الأفواه إذا كان المتضرر هو خصمك في ميدان الفكر والسياسة.

في كتابه الشهير (الذكاء العاطفي) يقول عالم النفس الأمريكي "دانيال جولمان" أن 80% من تصرفاتنا هي ردّات أفعال ناجمة عن العقل اللاواعي، وأن 20% فقط هي تصرفات عقلانية نابعة عن تفكير منطقي محسوب، وأن أي إنسان ناجح عليه أن يُعنى برعاية وتطوير "العقل العاطفي" المسؤول عن 80% من تصرفاته. لو تأملنا في هذه المعلومة وهي مُختصر هذا الكتاب القيّم، لأدركنا حجم الكارثة التي نتسبب بها لمجتمعاتنا جرّاء إنجرارنا العاطفي غير المحسوب في تشكيل مواقف وإتخاذ قرارات متسرعة لا تلبث أن تصبح جزءاً من شخصيتنا وفكرنا، تسيطر علينا وتقودنا الى الهاوية.   

  دعوة للتعقل وإعادة الحسابات في مواقفنا بدلاً من العصبيّة والأهواء الشخصيّة التي تتحكم في أفعالنا وتصرفاتنا.

أيمن يوسف أبولبن
20-6-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن


للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban

الأربعاء، 1 يونيو 2016

أفضل موسوعة أفلام وثائقية عن القضية الفلسطينية‏



أفضل موسوعة أفلام وثائقية عن القضية الفلسطينية للمخرجة الفلسطينية روان الضامن
تضم 4 أفلام وثائقية بمدة 60 دقيقة لكل فيلم، تحكي قصة فلسطين منذ عام 1799وصولاً الى وقتنا الحاضر.

انشروها على قدر المستطاع