الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

عُقدة الفلسطيني !




عندما يُذكر إسم "الفلسطيني" تقفزُ الى الأذهان صورةُ طفلِ الحجارة وهو يتصدّى لمُدرّعة مُصفحة بصدره العاري، أو صورة عجوز تعانق شجرةً في فناء بيتها وترفض أن تتزحزح من مكانها، أو صورة فتاة ملثومة الوجه وفي يدها مقلاع.  صورة الفلسطيني المُقاوم رسخت في أذهان العالم واقترنت بالصمود والثبات على الحق، والمقاومة، وأزاحت جانباً البُعد الإنساني لهذا الشعب، وبالتالي غابت معاناته الإنسانية في حياته اليوميّة عن عيون العالم.





   القليلون من سبروا أغوار هذا المجهول، واخترقوا أعماق الصورة، ليعاينوا عن قُرب المأساة الفلسطينيّة بشقّها الإنساني.

  لو نحّينا جانباً الصورة النمطيّة عن الفلسطيني – مع الإقرار بصعوبة ذلك - وتعمّقنا في نظرتنا لمكنوناته الإنسانيّة، لرأينا أن الفلسطيني عندما يولدُ يرث كل مآسي آبائه وأجداده، فطبقاً لنظرية الموروثات النفسيّة في علم الإجتماع فإننا نأتي الى الحياة ومعنا خزّانٌ مليءٌ بمخاوف وتجارب آبائنا، أفكارهم وسلوكياتهم، الإيجابيّة منها والسلبيّة، وسرعان ما ننصهر معها لنكتسب سلوكيّاتنا الخاصة والتي تُصبح جزءاً من شخصيتنا، تماماً كما نرث الصفات الخلقية، وينطبق علينا المثل القائل ( من شابهَ أباهُ ما ظلم ) والمثل يُطلق على تشابه الأفعال والتصرفات والسلوك أكثر منهُ الشَبَه في الخِلقة. تخيّلوا معي ما يرثه المولود الفلسطيني من مآسي ونكبات، تؤدي إلى إختزال مرحلة الطفولة والدفع به نحو النضوج المُبكّر، ولا عجب أن يتشبّه بشعر عمرو بن كلثوم
 ( إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ ... تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا )



  يولدُ الفلسطيني وقلبه موجوع بنكبة 48 و نكسة 67 ثم أيلول الأسود وحرب المخيمات، حصار بيروت وتنكيل حزب الكتائب، ثم ما يلبث أن يعرُكَ الحياة ويتعرّف على قسوة الإحتلال فتتولد لديه عقدة " أنت عربي ! " والعربي في دولة الإحتلال مواطنٌ من الدرجة الثالثة أو الرابعة وتحت خط الحيوانات الأليفة بقليل!.

أما إذا كان من فلسطينيي الشتات، فستتولّد لديه عُقدة " أنت فلسطيني ! " والفلسطيني بالطبع ليس من أهل البلد، فالوطن مُستعار، والسماء التي تُظلّه غريبة، والأرض التي تحمله تستعصي عليه، قد تسمح له الظروف بالحصول على جواز سفر وقد لا تسمح، قد يحصل على وثيقة سفر وقد لا يحصل، سيدخل بعض البلدان ويُحرم من دخول البعض الآخر، سيُسمح له بإستئجار منزل او بناء بيت وقد لا يُسمح له، من الممكن أن يعيش حياته في مُخيّم محصور لا يجرؤُ فيه على دقِّ مسمارٍ في جدار لتعليق خارطة وطنه المسلوب، وقد يكون الزمن به رحيماً فيعيش حياة مواطن درجة ثانية، في النهاية لن يطمع بأكثر من ذلك.


عندما يعود الفلسطيني الى التاريخ ويُطالع ما كتبه المؤرخون عن قضيتّه، سيصاب بعُقَدٍ نفسيّةٍ كافية أن تقصم ظهر أحكم الفلاسفة وأكثرهم رُشدا، وسيعيش بقيّة حياته وهو يعاني من فكر نظرية المؤامرة، المتمثل في التآمر الدولي لترسيخ الإحتلال ودعم المشروع الصهيوني. لا بد أنه سيقرأ "بروتوكولات حكماء صهيون" و "أحجار على رقعة الشطرنج" وغيرها من الكتب ويربط كل ذلك بالمؤامرة البريطانية-الدوليّة لتسليم فلسطين لليهود، وما تلاه من تبنّي الإدارة الأمريكيّة للمشروع الصهيوني ومباركته.

   أما على الصعيد العربي، فلا شك أن الفلسطيني سيتماهى مع عقدة يوسف، يوسفُ الذي طَرَحه إخوتهُ أرضاً وأدّعوا موته كي يُعيدوا ترتيبَ أقدارهم على أطلاله، ويستريحوا من عناء التنافس معه على حُب أبيهم.

   ستبقى عقدة تقصير العرب في حل القضية الفلسطينة وفشلهم الذريع في مواجهة العدو الصهيوني سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ستبقى هذه العقدة في العقل الباطن لكل فلسطيني مهما إدّعى غير ذلك، ومهما حاول أن يتفهّم أو يَعْذُرَ، وستبقى جملة الضابط العراقي المغلوب على أمره (( ماكو أوامر ! )) محفورةً في ذاكرة كل فلسطيني مهما تنقّل في مدن العالم ومهما ازدهرت ظروف معيشته، ولو اختلى بنفسه ذات ليلة لهتف في أعماق ذاته (( القدسُ عروس عروبتكم )).

    ستبقى رسالة المجاهد عبدالقادر الحسيني الى أمين عام جامعة الدول العربية والتي حمّل فيها الدول العربيّة، مسؤولية ضياع البلاد والعباد، محفوظة في ارشيف كل فلسطيني، بين وثائقه المُصفرّة اللون من تأثير أوجاع الزمن، أمّا مفتاح البيت العتيق، فسيبقى معلقاً في سلسلة تُزيّن صدور الأمهات ثم ينقلنه الى صدور بناتهم فيتأرجح بصحبة قلادة تحمل أول حرف من إسم شهيد.


تزداد معاناة الفلسطيني ويشعر بمرارة وغُصّة في الحلق عندما يشاهد رجال الثورة الذين تحوّلوا بقدرة قادر الى نواطير لصالح الإحتلال ومارسوا دورهُ في سرقة الحلم الفلسطيني، بعد أن انتقلوا من مكانهم خلف البنادق الى مقاعدهم الوثيرة خلف المكاتب، وتحت مكيفات الهواء، وأحاطوا أنفسهم ببطانة تفصل بينهم وبين أوجاع المواطنين الغلابة، ثم انقسموا فيما بينهم وتنازعوا على الوطن المسلوب الإرادة !

أنا يوسف العربي، مواطنٌ من الدرجة الثالثة في بلدي المحتل، ومواطنٌ من الدرجة الثانية في بلادٍ شقيقة، يُقلقنني سؤال ( الأخ من وين ؟). في جعبتي خارطةٌ صغيرةٌ عليها علامة تُميّز موقع قريتي التي ضاعت في غياهب التاريخ وحلّ محلّها مُستعمرة برتقال، ورثتُ عن أُمّي ما ورثتهُ هي عن جدّتي، ثوباً فلسطينياً مُطرّزاً ومِفتاحاً عتيقا، وورثت عن أبي عُكّازهُ وحكايا قريتنا، وأصوات خُطب جمال عبدالناصر من مذياع دار المُختار، وورثتُ ما ورثهُ هو عن أبيه، تنكيلَ جنود الإحتلال له بأعقاب البنادق، وخوفه على حياة وعِرْض شقيقاته ورائحة الأرض، تلك التي أفتقدها في مساءاتي ولحظات عشقي.

  أنا بعضُ إنسان، وبعضُ ثائر، أنا عاشقُ الحريّة وسجينُ الفكرة، أنا الباحثُ عن الحقيقة، والتائهُ في صحراء العرب، يهرب ظلّي مني فأستعيضُ عنه بظلّ حنظلة العلي، وأعجز عن الكلام فأستعير أشعار محمود درويش، تحرقني غُربة المُبْعدين وأشارك الأسرى ظُلمة سجنهم، أعشقُ الحياة ولكني لا أجيدُ الرقصَ بين الشهداء، أنا يوسف الفلسطيني المُنقسم على نفسه !


أيمن أبولبن
13-10-2015
كاتب ومُدوّن من الأردن




للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban


الاثنين، 5 أكتوبر 2015

الأقصى ليس في خطر !

الأقصى ليس في خطر !




تأتينا الفتاوى الغريبة والمُفصّلة على المقاس من " أم الدنيا "، فبعد أن بشّرنا الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ جامعة الأزهر ببعث رسولين للشعب المصري العظيم، على غرار موسى وهارون، هُما الرئيس السيسي ووزير الداخلية محمد إبراهيم، يُنبّهنا الهلالي هذه المرّة إلى ضرورة عدم الإنجرار وراء العواطف والدعوة إلى نصرة الأقصى كي لا تدخل المنطقة في حرب دينية لا تُحمد عقباها.
   ويضيف الهلالي قدّس الله سرّه، أن دم المسلم أعز عند الله من أي بناء على الأرض بما في ذلك المسجد الأقصى أو حتى الكعبة المُشرّفة، بل إن النبي محمد تُوفّي والمسجد الأقصى في يد النصارى ولم يطالب أحداً بنُصرة الأقصى حينها، وأن المساجد للّه هو يحميها كما قال عبد المطلب ( للبيت ربٌ يحميه ).
  من المؤسف أن تسيطر هذه الطائفة من وعّاظ السلاطين على المشهد الحالي وتدس السمّ في الدسم وتعمل على تغييب العقول ودغدغة العواطف وبيع الأوهام للناس. لقد لعب رجال الدين الذين باعوا أنفسهم للسلطة دوراً أساسياً في تخريب عقول الشعوب وتسببوا بأزمة كبيرة في الفقه الإسلامي وساهموا في تخلّف العقل العربي، وصدق المثل الانجليزي القائل ( إذا أردت أن تعرف حقيقة إنسان فأعطه مالاً أو سلطة ).
   ناموا ولا تستيقظوا أيها العرب والمسلمين فالأقصى ليس في خطر، حتى لو تقاسمناه مع اليهود أو في أسوأ الأحوال لو هدموه وبنوا مكانه هيكلهم المزعوم، فالأقصى لا يعدو كونه بناءً مثل باقي المباني نستطيع نقله أو بناء أقصى آخر في مقاطعة رام الله، فلم التوجّس وهذه النعرات الدينيّة التي تطلقونها لنصرته !
وتأتي هذه التصريحات ضمن منظومة متكاملة يتبنّاها النظام المصري، هدفها الأساسي كسر شوكة الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية وتركيع هذا الشعب لقبول الرؤية الصهيونيّة في الحل "السلمي"، فمن شَيْطنة غزة والمقاومة الفلسطينيّة وإلباسهم لباس المتآمرين على مصر والمتسببين بكل أزمات الشعب المصري، ونعتهم بأقذر الصفات، مروراً بهدم الأنفاق والمشاركة مع العدو الصهيوني في حصار غزة، وصولاً إلى إغراق المعابر الحدودية بماء البحر لفصل غزة تماماً عن العالم الخارجي في محاولة لتحفيز أهل غزة للخروج من عباءة حماس والمقاومة الفلسطينية والإنضمام تحت لواء الإستسلام والتسليم.
   ومن ناحية أخرى يستغرب بعض المثقفين، الحماسة التي دبّت في عروق بعض النشطاء لنصرة الأقصى في ظل حالة الإنهيار الفلسطيني التام والشلل الكامل الذي أصاب منظومة الثورة الفلسطينيّة، ولسان حالهم يقول (( لا يَضُرُّ الشاةَ سَلخُها بَعدَ ذَبحِها ! )) خصوصاً مع حالة التدهور العربي العامّة، وإستفراد العدو الصهيوني بالمقاومة والمقاومين "الحقيقيين". 
   يبدو أننا في الحقيقة قد نسينا في خضم مشاكلنا السياسيّة والطائفيّة وأزمة المهاجرين والمُهجّرين، نسينا قضيتنا الأساسية المتمثلة في إغتصاب الدولة للصهيونيّة لفلسطين وتجاهلنا معاناة أهلنا في الأراضي المحتلة، لقد عشنا لحظات ثوريّة فيما مضى من الزمن الجميل، وكان الأمل يحدونا مع كل عملية فدائيّة ومع كل خطاب ثوري هنا وهناك، ثم انتفضنا فتراءى لنا الوطن غير بعيد، إلاً أننا سلّمنا البندقيّة في أوسلو وهتفنا للسلام ولوّحنا بالكوفيّة وغصن الزيتون، ثم اكتفينا بفتات الوطن الذي تركه الغاصب لنا.
   لقد كان الربيع العربي هو بداية الضوء في نفقٍ طويل مُظلم، تعلّقنا به وكلنا أمل أن يقودنا الى طريق القدس، ولكن طيور الظلام وتلامذة الهزيمة المُحترفين، حوّلوا الطريق إلى الهاوية من جديد، ولكننا لم نفقد البوصلة، ولم ننسَ حيفا ويافا وعكا وجبال الجليل، ونعلم جيداً أن الأقصى هو نقطة اللا عودة، فإن قبلنا بالتخلّي عنه أو بتقسيمه فلنقرأ على وطننا العربي السلام.
   لقد عرّانا الإحتلال الاسرائيلي أمام التاريخ وأمام أنفسنا، ولم نجد ما نواري به سوءاتنا سوى محافظتنا على المسجد الأقصى من الإنتهاكات الصهيونية ومحاولات تدميره أو تدنيسه أو ضمّه الى معابدهم اليهوديّة، وأصبح المسجد الأقصى الرمز الذي يؤلّف قلوب المسلمين والعرب ويوخز ضميرهم، وأخشى ما أخشاه، أن نكون في طريقنا للتخلّي عن الخط الأحمر الساتر لنا !!
  من سخرية القدر، ومفارقات التاريخ التي تستحق دخول كتاب جينيس لحمقى التاريخ، أن العرب رفضوا مبدأ حل الدولتين عام 47 ثم أعلنوا الحرب عام 67 بهدف إستعادة الضفة الغربية فخسروا كامل الأراض الفلسطينية، ليعودوا ويستَجْدوا العالم لتنفيذ قرارات التقسيم والعودة الى حدود عام 67 !!
وتستمر المأساة بعد أن قبلت القيادة الفلسطينية بدولة "كانتونات" منزوعة الإرادة يعتمد دخلها على عطايا دولة العدو، وتتلقّى أجهزتها الأمنية أوامرها من قادة عمليات العدو، ثم تتباهى برفع علم "الدولة" في مبنى الأمم المتحدة، وتنام ملء جفونها عن مقدّساتها التي تُنتهك من قطعان المستوطنين، ولا تجد من يذود عنها سوى المرابطين العُزّل المتسلّحين ببعض الكرامة والنخوة، وبعد كل هذا يخرج علينا من ينتقد فورة الغضب التي تجتاحنا، ويلوم جهلنا أو تعصّبنا !
 عندما يذكُرُنا التاريخ في كتاب الحمقى سيكتب على رأس الصفحة (( ومن يهُن يسهُل الهوانُ عليه )) !!

  أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
3-10-2015


للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban


الأحد، 20 سبتمبر 2015

من قتل إيلان ؟!



فجّرت صورة الطفل السوري الغريق "إيلان" موجةً عارمة من التعاطف الإنساني مع أزمة اللاجئين السوريين وقفزت بهذه الأزمة الى قمّة أولويات الإتحاد الأوروبي والدول المحيطة بسوريا، وقد حرّكت صورة الطفل الصغير وهو ملقىً على شاطىء البحر جثةً هامدة مشاعر النشطاء على شبكات التواصل الإجتماعي وأشعلت سجالاً مُحتدماً بين شبيحة النظام من جهة والمتعاطفين مع الثورة السورية من جهة أخرى. وهذا يثبت أهمية الصورة في عصرنا الحالي والذي يعتمد بشكل كبير على الإعلام والصورة والمؤثرات البصريّة والقدرة على إيصال الفكرة بإستخدام لغة العصر، وكم من حرب اشتعل فتيلها بسبب صورة !

  مما لا شك فيه أن الحزن العميق الذي أحاط بكل من عاين هذه الصورة وغيرها من صور مأساة اللاجئين السوريين لا يقل بشكل من الأشكال عن الغصّة التي تولّدت من تناول شبيحة النظام ومثقفيه المأجورين لهذا الحدث بطريقة فاشيّة مُستفزّة، محاولين إلقاء اللوم على الثورة السوريّة ومن تسبّب بها، بل إنهم اعتبروا هؤلاء اللاجئين عبئاً إضافياً يمكن الإستغناء عنه، فلا وزن لهم ولا تأثير لغيابهم أو لموتهم. كتب أحد الشبيحة (( بدهم حريّة فليذوقوا طعم الحريّة )) وكتب أحد المناضلين والمدافعين عن النظام السوري إن خسارة هؤلاء المهاجرين لا تعد نزفاً ديموغرافياً لسوريا، وهذا يتّفق مع تصريحات النظام الرسميّة التي يعتبر فيها سوريا لمن يدافع عنها وليس لمن عارض النظام وطالب بالإصلاح.

ولم تكن المعارضة السورية أفضل حالاً عندما أبدت توجّسها من استيعاب الدول الأوروبية للمهاجرين السوريين بشكل يسمح بتفريغ سوريا من شعبها ليحل محلهم "مستوطنين" جدد من الموالين لإيران وسوريا، لقد تم القفز عن مشكلة المهاجرين السوريين الإنسانية للأسف وأصبحت المسألة مسألة خلاف ديموغرافي ونزاع سياسي بين فئتين، أما السوريين أنفسهم فلا بواكي لهم !

ومما يُذكر أن صحيفة شارلي ايبدو الفرنسية شاركت شبيحة النظام الاستهزاء بمأساة اللاجئين السوريين وغرق الطفل إيلان، حيث نشرت رسوماً كاريكاتورية تسخر من غرق إيلان، لتوجه بذلك صفعةً مؤلمةً لكل من تعاطف مع هذه الصحيفة تحت شعار حريّة التعبير وهو ما أسميته في مقالٍ سابقٍ لي (العهر الحضاري) ولا شيء يدعو للإستغراب في سخرية الصحيفة، على الأقل بالنسبة لي، لأن من يسمح لنفسه الاستهزاء بالنبي محمد وبمعتقدات الغير ويجد الدعم والمساندة من حكام ومثقفي وشعوب العالم أجمع بمن فيهم أتباع هذا النبي، يسهل عليه الاستهزاء بعد ذلك بدمنا وضحايانا وإنسانيتنا !!   

 أكثر ما يؤلم وينغّص القلب هو محاولة بعض المثقفين لوم السوريين أنفسهم على مأساتهم وعلى ما جلبوه لأنفسهم من انقسام وتشتّت جرّاء مطالبتهم بأدنى حقوقهم الإنسانية من عدل ومساواة وتعددية وحرية رأي، هل يُعقل أن تتداول الصالونات الثقافية وصفحات التواصل الإجتماعي محاولات إظهار الشعب السوري والشعب العربي بشكل عام بالجاهل الذي لا يعرف مصلحته وأنه قد فتح أبواب جهنم على نفسه بثوراته الشعبيّة !

التحليل المنطقي يفرض علينا أن نربط المقدمات بالنتائج وأن نستنتج المجهول من المعلوم، وبأدنى جهد من التحليل المنطقي سنجد أن الثورة السورية لم تكن سبباً لمآسي الشعب السوري بقدر ما كانت هي نفسها نتيجة لإضطهاد النظام السوري على مدى قرون من الزمان، فمن الذي يتحمل مسؤولية ما جرى ؟!

انه لمنطق عجيب وغريب أن نُحمّل الحركات الثورية التي قادت العالم نحو الأفضل، مآسي الديكتاتوريين الطغاة الذين وقفوا في مواجهة هذه الحركات، هل يتحمل تشي غيفارا مثلاً معاناة الشعوب المقهورة التي انتتفضت وثارت على حكامها المستبدين؟ هل يتحمل لوثر كينغ معاناة السود في نضالهم ضد العبودية والعنصرية وهل يتحمل نيلسون مانديلا ذنب الضحايا الذين قضوا في الحرب الأهلية في جنوب افريقيا؟ لقد قادت الثورات الشعبيّة وحركات التحرّر هذا العالم نحو الأفضل وما الأنبياء الا ثوّار ضد الجهل والعبودية والظلم، فهل يتحمل الأنبياء مسؤولية من قضى من المؤمنين في سبيل الإيمان بالرسالة ؟

 ولنا في التاريخ عبرة، لقد أمر سيدنا محمد أنصاره باللجوء الى الحبشة هرباً من استبداد قريش، وذهبوا لها عن طريق البحر، ولا نعلم حقيقةً هل ذهبوا وعادوا جميعهم بسلام ؟! ومن يتحمل ذنب معاناتهم ؟! من السهل بمكان خلط الأوراق وقلب الوقائع ومحاولة تجريم الضحية في زمن قلّت فيه الأمانة وندر فيه قول الحق.
 

لقد سبق وأن تنبأ أدباؤنا في الماضي بمأساة شعوبنا العربية الحاليّة والتي كانت في نظرهم حاصلة لا محالة، لأنهم كما سبق وأن أشرنا ربطوا المُقدّمات بالنتائج، فكتب نزار قبّاني تحديداً عن البحر الذي سيحمل على ظهره أفواج الثائرين العرب لأن بلادهم لن تتسع لهم، ورسم ناجي العلي ايقونته ( حنظلة ) وهو غريق على شاطىء البحر، في صورة تتشابه الى حد كبير بصورة الطفل الغريق إيلان، وحملت كتابات الماغوط الكثير عن غربة المثقف في وطنه وتنبأ بهجرتهم. هذا فيضٌ من غيض، ولكنه كافٍ للرد على مثقفي نظرية المؤامرة "السفسطائيين" الذين يحاولون قراءة التاريخ بالمقلوب وإلباس حركات التحرّر والتقدّم لباس التخلّف والعمالة.
  


  الى كل من يُبشّر بالصمود الوهمي وانتصار حلف المقاومة والممانعة، وهزيمة المؤامرة الامبريالية الصهيونية، ويا من تلومون الثورة ومسانديها على خراب البلاد وتهجير أهلها، لوموا أنفسكم ولا تلوموا الضحية وكفاكم تدنيساً للتاريخ !

  في النهاية، علينا جميعاً أن نتكاتف لتقديم يد العون والمساعدة لهؤلاء اللاجئين في أزمتهم الإنسانيّة، وعلينا الضغط على حكومات البلاد التي نقيم فيها والمؤسسات الإنسانية للمساعدة على احتواء هذه الأزمة والتخفيف من معاناة هؤلاء اللاجئين على قدر الاستطاعة، وأننا لنرجو الله أن ينتصر لهم قريباً مصداقاً لقوله تعالى (( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ*  الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ )) يا الله ما النا غيرك يا الله !


أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
18-9-2015



للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban

الخميس، 17 سبتمبر 2015

أفلاطون والعالم الآخر

أفلاطون الفيلسوف اليوناني المعروف وتلميذ سقراط


أنشأ مدرسته الخاصة في حديقة، خارج أثينا تحمل اسم البطل الإغريقي أكاديموس، ومن هنا نشأت تسمية الأكاديمية المعروفة حاليا
عالم الأفكار
اعتقد أفلاطون أن هناك عالما للأفكار وراء كل ما يحيط بنا، فوراء البشر هناك فكرة البشر، ووراء الجياد هناك فكرة الحصان وهكذا.
 أي أن هناك عالما آخر وراء عالم الحواس حيث توجد المثل العليا الأبدية وهو ما سمي ب #نظرية_الأفكار
وانطلاقا من هذه النظرية، قال أفلاطون أن الإنسان مُركّب من جزئين، جسد يخضع للتحولات الفسيولوجية ويرتبط بعالم الحواس وهو زائل، أما الجزء الآخر فهو النفس والتي هي مقر العقل وتستطيع أن ترى عالم الأفكار لأنها عاشت هناك قبل أن ترتبط بالجسد.
يقول أفلاطون : ( إن الناس تكتفي بالعيش بين الظلال غير مدركين أنها ليست إلا صورا، وأن النفس خالدة في عالم الأفكار )
وبهذا يكون أفلاطون قد وضع أقرب النظريات ل #العالم_الآخر وعلاقة الجسد بالنفس، وذلك في القرن الرابع قبل الميلاد ! !

 أيمن أبولبن
17-9-2015

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

البحث عن الحقيقة الناقصة

البحث عن الحقيقة الناقصة




   أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

خلال الأسبوع الماضي قام تنظيم داعش بإعدام عالم الآثار السوري الدكتور "خالد الأسعد" بقطع رأسه ثم تعليق جثته في أحد الميادين العامة في مدينة تدمر الأثرية.

  اختلفت طرق تعاطي مستخدمي الشبكات الإجتماعية أو ما يطلق عليهم (النشطاء) مع هذه الحادثة كما اختلفت تغطية وسائل الإعلام لتفاصيل الحدث.

   بعض النشطاء نقل الخبر وركّز على تهمتين فقط من أصل خمسة تهم نشرتها داعش في حيثيات الحكم، وهاتان التهمتان هما: (( العمل في مجال الأصنام وحضور المؤتمرات التكفيرية )).
هذا الطرح بالذات وإبراز هاتين التهمتين دون غيرهما هو تسطيح للأمور لا يخلو من الجهل المبطن، هذا لا يعني بأي حالٍ من الأحوال أن داعش ليست تنظيماً ظلامياً يحارب الحضارة والثقافة، ولكن التركيز على هذه التهم دون غيرها سواءً بقصد أو بدون قصد يدل على تحيّز ومحاولة تسليط الأضواء على جزء معين من الحدث، بهدف اظهار التنظيمات الإسلامية عموماً والتنظيمات المتطرفة على وجه الخصوص بالتنظيمات الجاهلة المعادية للحضارة والعلم والمعرفة.


قسم آخر ركّز على تهمة التعامل أو التخابر مع شخصيات رسمية في المخابرات السورية بهدف التلميح الى ان الرجل قد لقي العقاب الذي يستحقه متناسين او متغافلين عن أن تنظيم داعش لا يملك صلاحية محاكمة افراد الشعب السوري على انتماءاتهم ولا يملك القدرة على التقصي واثبات التهم الموجهة لهم او اعطائهم حق الدفاع عن انفسهم.

بأي حق ينصب هذا التنظيم نفسه حاكماً بأمر الله ؟! ومن جهة أخرى من أباح لهذا التنظيم أو لغيره قطع رؤوس الناس وتعليق جثثهم أو صلبهم بإسم الله وفي سبيل إعلاء كلمته ؟! 

  الحقيقة التي لم يبحث عنها أيٌ من هؤلاء النشطاء، لأن الحقيقة في الغالب لا تعني لهم الكثير وجُلُّ اهتمامهم يقع على قطف بعض التفاصيل هنا وهناك لتعزيز رؤيتهم وأفكارهم المتأصلة عندهم، أقول ان الحقيقة تكمن بين السطور وفي التفاصيل التي وردت من بعض المصادر الإعلامية الموثوقة وبناءً على أنباء من مصادر مُقرّبة من الحدث، تتحدث عن اختطاف عالم الآثار واحتجازه لمدة يومين او ثلاثة قبل قتله وتعرّضه للتعذيب الوحشي بهدف الحصول على معلومات حول قطع أثرية مهمة جداً كان قد أخفاها حتى لا تقع في أيدي التنظيم، ولمّا فشل التنظيم في انتزاع اي معلومة تفيده تخلّص من الرجل ثم فبرك مجموعة من التهم وأطلقها كي يلتقطها الإعلام وبعض الناشطين ويملأوا بها فضاءاتهم الإفتراضية. أي أن ماكينة الإعلام الداعشية ان صح التعبير عرفت ما هي الرسائل التي ستتلقفها وسائل الإعلام ونشطاء الشبكات الإجتماعيّة وقذفتها لهم !

  أغلب الظن، وما أرجحه شخصياً أن الأسعد قد توفي تحت التعذيب (وهو رجل ثمانيني) مما أضطر قادة التنظيم إلى فبركة الموضوع بقطع رأسه ثم تعليق جثته.

   من السذاجة بمكان الإعتقاد أن تنظيم داعش هو مجموعة من الجهلة والمتخلفين حضارياً، هدفهم الوحيد هو إقامة كيان مستقل لهم عن طريق القتل والنهب والسلب وسبي النساء، في الحقيقة أن هذا التنظيم يضم في صفوفه العديد من الخبراء في مجال التسويق الإعلامي وعلم الإجتماع والعمليات الميدانية والبترول والآثار وغيرها من الميادين، ولديه قائمة طويلة من الأهداف قصيرة المدى وبعيدة المدى ومما يؤسف عليه أنه ماضٍ في طريقه بنجاح حتى الآن، وأحد أهم أهدافه هو السيطرة على الموارد الإقتصادية واستغلالها، ومن هذه الموارد (تجارة الآثار).

   تناول الإعلام ونشطاء الشبكات الإجتماعية للأخبار بات قريباً من برامج الفوتوشوب (القطع واللصق) ليس كيفما اتفق بل بناءً على رغبات شخصية في إيجاد ما يستسيغه الشخص أو ما يرغب أن يسمعه، فهو لا يهدف الى البحث عن الحقيقة أو المعرفة الكاملة بل هو يتعمد البحث عن المعرفة الناقصة والتركيز على جزء من الصورة وإغفال الباقي لتعميق أفكاره وتعزيز روايته الشخصية للأحداث الجارية حوله.

قبل أيام انتشر خبر تغيير حكومة حماس في غزة اسم مدرسة تحمل اسم الشهيد "غسان كنفاني" الى اسم "مرمرة"  (السفينة التركية التي حاولت فك حصار غزة عام 2010) تلقف هذا الخبر كل من يحمل ضغينة لحماس من الفصائل المختلفة وكل من تتقاطع رؤيته مع الإسلاميين عموماً وبدأت حملة نشر الغسيل الوسخ لتظهر من خلالها ما تكنه صدور هؤلاء، لقد تناسوا جميعاً في لحظة غضب أن حماس وجناحها العسكري يمثلون آخر ما تبقى من أمل للمقاومة الحقيقية في فلسطين المحتلة، لقد نسي هؤلاء أدوار البطولة التي لعبها الجناح المسلح لحماس في حرب غزة الأخيرة، والدور الصمودي في وجه الإحتلال الاسرائيلي رغم كل الحصار والتجويع والحروب المتتالية.

  لم تعط هذه الفئة من النشطاء نفسها فرصة ساعة واحدة للتأكد من صحة الخبر أو التحقق منه أو التريث قليلاً لفهم أبعاد الموضوع على أقل تقدير، ما هي سوى دقائق بمجرد ان مرّوا على الخبر مروراً سريعاً أو لمحوا احدى التغريدات أو البوستات حتى بدأوا بكتابة صفحات عريضة وتغريدات لا تنفد من انتقاد لحماس وللظلاميين الذين يريدون أن يمحوا تاريخ شهداء الأدب .... الخ القائمة !.

  ما لبث أن إتضح عدم صحة الخبر، وأن اسم " مرمرة" قد أطلق على مدرسة للإناث بمحاذاة مدرسة "غسان كنفاني".

لو أخطأت حماس أو غيرها في حق شاعر أو أديب أو شهيد أو أي مواطن فلتلعلو أصواتنا بالحق ولنوصل رسالتنا قوية واضحة وصريحة ولكن دون شتم وردح وقذف واتهام بالعمالة والخيانة، وذلك بعد التأكد من المعلومة وصحة الخبر وفهم أبعاد القضية.

الى متى سنبقى غوغائين بهذه الطريقة، نفتقد لأدنى شروط المصداقية في الكتابة أو نقل الخبر ؟! والى متى سنبقى انتقائيين في تعاطينا مع الأحداث الجارية حولنا. لا عجب أن يفشل الربيع العربي وتفشل كل محاولات النهضة طالما أننا نتعامل مع الأحداث بهذه السطحية والعبثية، وطالما أننا نصر على البحث عن الحقيقة الناقصة التي ترضي غرورنا !!

  

أيمن أبولبن
28-8-2015




للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban

الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

قلوبهم معنا وسيوفهم علينا !


أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن


نظرة سريعة لأحوال المنطقة خصوصاً فيما يتعلق بأحوال سوريا والعراق كفيلة برؤية سرطان الفساد الذي يستشري بالمنطقة مرتدياً عباءة القوميّة تارة والوطنيّة ومعاداة الإمبريالية تارة أخرى.

   روسيا التي يعتبرها معظم القوميين والوطنيين العرب منارة الحرية وحامية حقوق المظلومين والمسحوقين من شعوب دول العالم الثالث، أمدّت الأسبوع الماضي النظام السوري بست طائرات ميغ بالإضافة الى صواريخ مضادة للدروع و مدافع وعتاد عسكري لمساعدته في إخماد الثورة السورية وإعادة سيطرته على البلاد بعد أن أفلتت زمام الأمور من بين يديه ودانت معظم مناطق البلاد لسيطرة الجيش الحر والتنظيمات المسلحة الأخرى بما فيهم تنظيم داعش، وقد جاء تأكيد النظام السوري على فهمه مضامين رسالة النظام الروسي بارتكاب مجزرة في حق المدنيين ذهب ضحيتها ما يزيد عن مئة ضحية عدا عن سقوط مئات الجرحى إثر قصفها سوقاً شعبياً في بلدة دوما.

   السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان فور سماع خبر إمداد النظام السوري بأسلحة وعتاد عسكري، متى استعمل النظام السوري ترسانته العسكرية ضمن مشروعه للمقاومة والممانعة ؟ أو بالأحرى متى وجه الجيش السوري فوهة بندقيته صوب الجولان المحتل أو شمال الضفة الغربية المحتلة ؟! لا يذكر التاريخ أن طلقة واحدة أطلقت من الأراضي السورية باتجاه الأراضي المحتلة سواءً من الجيش السوري الرسمي أو أي تنظيم آخر بما في ذلك الفصائل الفلسطينية منذ عام 1973 ومن المعلوم للجميع أن عتاد الجيش السوري لم يستخدم فعلياً إلاّ من خلال الثورة السورية وما تلاها من إدّعاءات بمحاربة الإرهاب.

إذاً، فأي مبرر أخلاقي أو وطني أو حتى إنساني يشفع لروسيا تزويدها هذا النظام بأسلحة حديثة وعتاد لا ينفذ ؟ وأي مبرر يسوقه القوميون والوطنيون الأحرار لإستمرار هذا النظام على رأس السلطة في سوريا بعد أن فشل في مشروع المقاومة المزعوم وفشل في إدارة البلاد ثم فشل في الحفاظ على وحدة أراضيه وتركها مشاعاً لكل من هبّ ودبّ مما تسبّب بقتل و تشريد الملايين من السوريين ؟!

المبررات الحقيقية التي نعرفها جميعاً ويغمض عينيه عنها كل قومي ويساري متعاطف مع الحلف الايراني الروسي وعملائه في المنطقة، هي مبررات سياسية وجودية تهدف الى إحداث تغييرات ديمغرافية في المنطقة لا تمت بصلة للخطاب الحماسي الرسمي والذي يتحدث عن المبادىء الإنسانية وشرعية النظام السوري والمؤامرات الخارجية لإسقاطه خدمة للكيان الصهيوني، بل إن إستمرار النظام السوري وشاكلته من الأنظمة هو في الحقيقة أكبر خدمة للمشروع الصهيوني.

على الجانب الآخر برز على السطح هذا الأسبوع الحراك الشعبي العراقي واسع النطاق ضد الفساد والطائفية وضد سياسات الطبقة الحاكمة ومن لفّ حولها، وتصاعدت مطالبات الجماهير بمحاكمة المسؤولين الفاسدين وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لا سيما بعد نتائج لجنة التحقيقات حول سقوط الموصل ، ولكن المدهش في الموضوع كان فجاجة النظام الإيراني في التدخل في شؤون جاره العراق، وإعلانه عبر أكثر من مناسبة دعمه لرموز الحكم (الفاسد) دون أي مراعاة لهوية هذا البلد العربي ولغيرة أبنائه وأشقائه العرب من هذا التزاوج غير الشرعي بين قيادة إيران والقيادات العراقية، بل إن الفجاجة الإيرانية بلغت حدّها بقيام مكتب المرشد الإيراني، علي خامنئي، باجراء اتصالات مع بعض القيادات والمسؤولين العراقيين - بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي - وإبلاغهم رسالة مفادها ( إذا اقتربتم من المالكي سنخرب البلد على رؤوسكم !! )

  وكأن النظام الإيراني يرغب في أن يصنع من عملائه في المنطقة نسخة محلية من أبطال هوليوود الخارقين Untouchables ! )) ))



  واقع حال المثقفين العرب في بلادنا العربية وكل المتحمسين للحلف الايراني الروسي في المنطقة او ما يسمونه بحلف المقاومة والممانعة، هو مثال حي لإنفصام الشخصية أو الانفصال عن الواقع، ففي ظاهر القول تجدهم يدعون لمناهضة المشروع الصهيوني/الامبريالي في المنطقة، ودعم الدول المناهضة لهذا المشروع – حسب إعتقادهم هم – ولكن حقيقة ما تقوم به هذه الأنظمة على أرض الواقع لا يتعدى قتل وتشريد المواطنين الأبرياء بإسم المقاومة، و تكريس الطائفيّة والعنصريّة في البلاد، ناهيك عن الفساد المالي والإداري والضائقة الإقتصادية التي تعيشها هذه البلاد، مما يتناقض مع الأهداف التي يدّعون العمل على تحقيقها، حال هؤلاء المثقفين، كحال الدعايات التجارية في وسائل إعلامنا، حيث الفارق الشاسع بين حقيقة المنتج وما نراه على الشاشة !

  من المؤسف والمخجل أن تُستغل شعارات الوطنية والتحرّر وشعارات المقاومة والممانعة كما أستغل (( قميص عثمان )) من قبل، كلمة حق أريد بها باطل !

ويبقى السؤال القديم المتجدد برسم الإجابة، ما الفرق بين المثقف الذي يرتمي في أحضان البيت الأبيض وينادي بالديمقراطية والحريّة الأمريكية والرأسمالية وحقوق الإنسان، والمثقف الذي يرتمي في أحضان الكرملين وينادي بالإشتراكيّة وحقوق الشعوب المسحوقة والعدالة الإجتماعية طالما أن كليهما ينفذ بنود أجندة أجنبية ويحرص على مصالح سيده في المنطقة ؟!

 ما الفرق بين الجرائم التي أرتكبتها القوات الأمريكية في العراق، وبين الجرائم التي يرتكبها الجيش النظامي السوري والميليشيات الإيرانية وحزب الله بعتاد روسي ودعم لوجستي مخابراتي روسي ؟! ومن جهة أخرى ما الفرق بين هذه الأنظمة والجماعات الإرهابية مثل داعش ؟ ما الفرق بين من يبرر جريمته بأنها دفاع عن الوطن ضد الخونة والعملاء، أو من يبررها بنشر الحرية في العالم، أو من يبررها بالدفاع عن الإسلام ضد المرتدين والكفّار ؟!

إذا عجزنا عن إيجاد الفروقات، فإننا بالتأكيد لن نعجز عن رؤية الحقائق المشتركة بين كل هذه الأطراف والتي يمكن اختصارها بجملة واحدة : قلوبهم معنا في الظاهر، ولكن سيوفهم علينا في واقع الأمر !

أيمن أبولبن
22-8-2015