في
حرب لبنان عام 82، قامت اسرائيل بجريمة مُضاعفة، الجريمة الأولى كانت استخدامها
أسلحة مُحرّمة دولياً ،أما الجريمة الثانية أو المُضاعفة فكانت استخدام الأسلحة
التقليدية بالاضافة الى الأسلحة المُحرّمة في قصف المدن الآهلة بالسكان، وبشكل
عشوائي.
اسرائيل استخدمت القنابل العُنقودية لأول مرة في تاريخ المنطقة، وأستخدمت
أيضاً قنابل النابالم، مما أدى الى سقوط ضحايا بأعداد كبيرة من المدنيين، عدا عن
الدمار الكبير في البنية التحتيّة. وعند تصاعد الاحتجاجات على الصعيد الدولي من
قبل الجهات ذات العلاقة، قالت اسرائيل انها كانت تستهدف الميليشيات الفلسطينية
التي تتمترس في المدن وتستخدم المدنيين "دروعاً واقية" ، وتختبىء في المناطق الآهلة بالسكان ،
وبالتالي فان المسؤولية تقع على عاتق المقاومة الفلسطينية أو بالأحرى "منظمة التحرير"، في محاولة منها لتحويل الضحية الى جاني،
وهذا ما يُسمى في عُرفنا "عُذر أقبح من ذنب" !!
هذه
الأعذار استخدمتها اسرائيل لاحقاً في حربَيْ غزة، وفي حربها ضد حزب الله، كما
استخدمتها أيضاً أبان قمعها للانتفاضة الفلسطينية الأخيرة. اللافت أن الادارة
الامريكية أستخدمت ذات الأعذار في حروبها في المنطقة بدءاً من حرب الخليج الثانية
فالثالثة مروراً بحرب افغانستان، بل انها أستخدمت أعذاراً أكثر وقاحة، عندما كانت
تنسب جرائمها ضد المدنيين الى خطأ في توجيه الصواريخ، أو الى عدم دقة المعلومات المخابراتيّة
التي تحصّلت عليها، هكذا بكل بساطة، كما حصل في ملجأ العامريّة على سبيل المثال لا
الحصر، فالانسان العربي أو بالأحرى أي انسان من دول العالم الثالث لا يساوي عندهم
سوى "برقية
اعتذار"
أو تصريح اعلامي مُقتضب !!
وبما
أن جميع الأنظمة القمعيّة في العالم أجمع، تشترك بصفة ازدرائها لخصومها، واحتقارها لهم،
فأن الأنظمة القمعيّة في منطقتنا أستخدمت نفس الأسلوب ونفس الأعذار، ولكن هذه
المرة كان الخصم هو الشعب نفسه وليس أعداء الأمة !! ، فباتت مصيبتنا نحن الشعوب
العربية مُضاعفة، لأن الجاني هذه المرة هو راعينا وحامينا والمُتربع على عروشنا.
مُعمّر
القذافي استخدم البطش والقصف والتدمير والحصار ضد شعبه تحت شعار " من أنتم؟!" أما النظام الانقلابي في مصر، فقام بقمع جميع
المظاهرات وفض الاعتصامات المُناوئة له باستخدام القوة بل وبالرصاص الحي، تحت شعار
"مكافحة الارهاب
والحفاظ على نتائج الثورة" !!
أما النظام
السوري فحدّث ولا حرج، فمن استخدام استراتيجية الأرض المحروقة تحت شعار "المؤامرة الكونية" ، الى محاصرة المدن وقصفها بالصواريخ
التقليدية ، فالقنابل العنقودية ثم البراميل المتفجرة مؤخراً، تحت شعار "مكافحة الارهاب" ، واليوم يُحاصر مخيم اليرموك الفلسطيني،
ويرميه بالبراميل المتفجرة بل ويستهدف جميع من يحاول الهرب منه ، عبر قنّاصته
المرابطين على مداخل ومخارج المخيم ، كما يحاصر مدينة حمص ، ويقصف مدينة حلب
بالبراميل المتفجرة يومياً. كل هذا من أجل مكافحة الارهاب !!
تُهمة الارهاب هذه ، تعيد الى ذاكرتي ما قاله
الشاعر السوري الكبير نزار قباني في قصيدته "أنا مع الارهاب":
متهمون نحن بالإرهاب ...
|
إذا رفعنا صوتنا
|
ضد كل الشعوبيين من قادتنا ...
|
وكل من قد غيروا سروجهم ...
|
وانتقلوا من وحدويين ...
|
إلى سماسرة !!
|
الشعوب العربية ، عانت كثيراً من أعدائها
وحُكامها على حد سواء ، وارتُكبت في حقها أبشع الجرائم ، ولكن مسلسل الجرائم
المُضاعفة والمُركّبة لم يتوقف عند هذا الحد، بل لعلّه تعمّق وازداد ايلاماً عندما
وقفت طائفة كبيرة من المثقفين والشخصيات العامة ورموز المجتمع الى جانب الطغيان ،
على حساب الشعوب المسحوقة، بعدما انسلخوا من جلدهم وتنكّروا لكافة مبادئهم.
كنا
نعوّل عليهم الكثير، ونعلّق عليهم آمالاً كبيرة، و نظن أنهم سيكونوا لنا نبراساً مع
بدء الحركات الشعبية ، خاصةً أنهم أمضوا السنوات الماضية وهم يتشدقون بالدعوة الى
التغيير والثورة على الظلم والديكتاتورية ، واذ بهم ومع أول اختبار حقيقي ينحازون
الى جانب الظلم والاستبداد ويساندون الطغاة !!
هي
فرصة اذاً ، للدعوة الى تغيير شامل في مفاهيمنا ، واسقاط كافة الرموز المصطنعة
التي صنعناها بأنفسنا ، وكنا السبب في شهرتها ونجوميتها ، فالرمز الحقيقي هو الذي
يقف في وجه الظلم في "عالمنا الحقيقي" ، وليس في وسائل الاعلام وخلف الكاميرات ، أو في العوالم
الافتراضية ، أما من يقف مع الظلم والطغيان والديكتاتورية في اي مكان على حساب
تطلعات الشعوب ومطالبها بنيل حريتها وكرامتها، فهو لا يعاني فقط من خلل في مفاهيمه
ومبادئه، بل انه يعاني من مشكلة حقيقية في انسانيته.
أيمن
أبولبن
1-2-2014