الأحد، 11 سبتمبر 2011

محمود درويش ……. الغائب الحاضر




   محمود درويش الشاعر الفلسطيني الكبير الذي رحل عنا قبل عامين ونيف بعد معاناة طويلة مع المرض، يمثل حالة فريدة في شعره، شعر محمود درويش يختلف عن أشعار معاصريه في مضمونه وفي فكره وفي شكله، الشاعر الفلسطيني الكبير والذي تُرجمت أشعاره لأكثر من عشرين لغة ومن ضمنها العبرية، حمل معه هموم الوطن منذ نعومة أظفاره وحتى رحيله، ولكن ما يميز شعر محمود درويش انه يحمل طرحاً مختلفاً عما اعتدنا على سماعه من الأشعار الوطنية، حيث انه يرسم صورة الفلسطيني الانسان لا الثائر والمنتقم والمتوعد، انه يطرح هموم الوطن عبر مشاعر انسانية بحتة تدغدغ احاسيس المتلقي أياً كان لونه او جنسه او عرقه .

 عندما يتحدث درويش عن الوطن، يتحدث عن ذكريات الطفولة، عن الحب الأول، عن شقاوته صغيراً، عن مدرسته، عن قهوة الصباح عن الزيتون والزعتر، عن الأرض وعن الانسان عن عشقه لأمه وحنينه لها، عن ذكريات الوالد والجد.
   عندما يحاور درويش عدوه، يحاور الجانب الانساني فيه ويحاور العقل ايضا، لا يضع حواجز بينه وبين الاخر، هو يتقبل الآخر ، ويطلب بالمقابل ان يقبله عدوه .
يقول درويش في قصيدته " في ذكرى محمد الدرة " :

مُحمَّدْ،
ملاكٌ فقيرٌ على قابِ قوسينِ مِنْ
بندقيةِ صيَّادِه البارِدِ الدمِ.
من
ساعةٍ ترصدُ الكاميرا حركاتِ الصبي
الذي يتوحَّدُ في ظلِّه
وجهُهُ، كالضُحى، واضح
قلبُه، مثل تُفاحة، واضح
وأصابعُه العَشْرُ، كالشمعِ، واضحة
والندى فوقَ سروالهِ واضح…
كان في وسعِ صيَّادهِ أن يُفكِّر بالأمرِ
ثانيةً، ويقولَ : سـأتركُهُ ريثما يتهجَّى
فلسطينهُ دون ما خطأ…
سوف أتركُهُ الآن رَهْنَ ضميري
وأقتلُه، في غدٍ، عندما يتمرَّدْ!
* *
مُحمَّدْ،
يَسُوع صغير ينامُ ويحلمُ في
قَلْبِ أيقونةٍ
صُنِعتْ من نحاسْ
ومن غُصْن زيتونة
ومن روح شعب تجدَّدْ

 عندما يعشق محمود درويش، تجد لشعره مذاقا خاصا بعيدا عن الشعر العاطفي و قصائد الغزل المعروفة، العشق في أشعار درويش أغنية تنساب بين الكلمات، نسمة هواء عليلة تفوح من أبياته، لمسة حزن دافئة  واشتياق للوطن وللمرأة، عندما يكتب محمود درويش عن المرأة، تشعر أنه يكتب حباً في الوطن، وعندما يتغنى درويش بالوطن تشعر انه يغازل محبوبته !! .
يقول درويش في قصيدة "يطير الحمام .. يحط الحمام "

يطير الحمام
يحطّ الحمام
أعدّي لي الأرض كي أستريح
فإني أحبّك حتى التعب
صباحك فاكهةٌ للأغاني وهذا المساء ذهب
ونحن لنا حين يدخل ظلٌّ إلى ظلّه في الرخام
وأشبه نفسي حين أعلّق نفسي على عنقٍ
لا تعانق غير الغمام
وأنت الهواء الذي يتعرّى أمامي كدمع العنب
وأنت بداية عائلة الموج حين تشبّث بالبرّ حين اغترب
وإني أحبّك، أنت بداية روحي، وأنت الختام
يطير الحمام
يحطّ الحمام
أنا وحبيبي صوتان في شفةٍ واحده
أنا لحبيبي أنا. وحبيبي لنجمته الشارده
وندخل في الحلم، لكنّه يتباطأ كي لا نراه
وحين ينام حبيبي أصحو لكي أحرس الحلم مما يراه
وأطرد عنه الليالي التي عبرت قبل أن نلتقي
وأختار أيّامنا بيديّ كما اختار لي وردة المائده
فنم يا حبيبي ليصعد صوت البحار إلى ركبتيّ
ونم يا حبيبي لأهبط فيك وأنقذ حلمك من شوكةٍ حاسده
ونم يا حبيبي عليك ضفائر شعري، عليك السلام

   كان محمود درويش محباً للحياة في شعره، بعكس ما كنا نعرفه عن الأشعار الوطنية التي تُقدس الموت، محمود درويش كان له فكره الخاص، الذي تبناه ليبين للجميع ان الفلسطيني لا يقدم روحه فداء للوطن حبا في الموت، او حبا في الفداء ،وانما حبا في الحياة !! درويش قدم من خلال شعره نموذجاً للمناضل العاشق المحب للحياة، للفلسطيني الانسان .
   يقول محمود درويش في قصيدته " على هذه الأرض ما يستحق الحياة "

   على هذه الأرض ما يستحق الحياةْ:
نهايةُ أيلولَ
سيّدةٌ تترُكُ الأربعين بكامل مشمشها
ساعة الشمس في السجن
غيمٌ يُقلّدُ سِرباً من الكائنات
هتافاتُ شعب لمن يصعدون إلى حتفهم  باسمين
وخوفُ الطغاة من الأغنياتْ.
ويختم قصيدته بالقول :
سيدتي:
أستحق، لأنك سيدتي
أستحق الحياة
 وعندما يتحدث عن الموت ، تجد ان هناك فلسفة خاصة بالموت لديه ، فهو يتحدث عن الموت وكانه كيان حاضر يصارعه ويغلبه ، أوينكسر امامه في جولاته وصولاته معه ، يقول درويش في قصيدته " لا تعتذر عما فعلت "
لم يسألوا: ماذا وراء الموت؟
كانوايحفظون خريطة الفردوس أكثر من
كتاب الأرض، يشغلهم سؤال آخر
ماذا سنفعل قبل هذا الموت؟
قرب
حياتنا نحيا، ولا نحيا.
كأن حياتنا
حصص من الصحراء مختلف عليها بين آلهة العقار،
ونحن جيران الغبار الغابرون.
حياتنا عبء على ليل المؤرخ
"
كلما أخفيتهم طلعوا عليَّ من الغياب"…
حياتنا عبء على الرسام: "أرسمهم،
فأصبح واحداً منهم، ويحجبني الضباب".
حياتنا عبء على الجنرال
"
كيف يسيل من شبح دم؟"
وحياتنا هي أن نكون كما نريد.
نريد أن
نحيا قليلاً، لا لشيء
بل لنحترم القيامة بعد الموت.
واقتبسوا،
بلا قصد كلام الفيلسوف
"
الموت لا يعني لنا شيئاً. نكون فلا يكون
الموت لا يعني لنا شيئا . يكون فلا نكون"
ورتبوا أحلامهم بطريقة أخرى.
وناموا واقفين!!!

   لا أدري ما الذي دفعني لكتابة هذه السطور، غير أن مشاهدتي لبضع حلقات من مسلسل " في حضرة الغياب" عن سيرة محمود درويش استفزني، وزرع في داخلي غُصة من تواضع هذا العمل، واساءته " حسب رأيي " لمسيرة ولحجم هذا الشاعر الكبير، هذا الشاعر المناضل يستحق منا أكثر من ذلك، يستحق ان يُكرس له عمل وطني ضخم لعرض القضية الفلسطينية من خلال سيرته فدرويش أعظم من أن يتقمص شخصيته ممثل بحجم فراس ابراهيم، يُحسب لفراس ابراهيم تبنيه لفكرة انتاج هذا العمل، ولكن هذا لا يعني أنه مناسب للقيام بدور محمود درويش .
 
 في حضرة الغياب كان كبوة كبيرة للمخرج المعروف نجدت انزور، حيث لم يضف جديدا للعمل فظهر الممثلون وكأنهم مبتدئون، وظهر العمل وكأنه أُنجز على عجل، فأداء معظم الممثلين كان دون المستوى، والنص كان ضعيفا يفتقر الى رؤية واضحة والى خط ومسار فني للمسلسل، عتبي على كل القائمين على هذا المسلسل لأنهم قدموا لنا عملاً قزماً مقارنة مع حجم درويش .
  
محمود درويش الذي رثى زملاءه الذين سبقوه في المنيّة فأبدع لم يجد من يوفيه حقه في الرثاء، لا لقلة محبيه وأصدقائه ولكن لِعِظَم شخصيته !! .
  
 لا أجد ما يرثي فناننا الكبير غير ما أعتبره أنا رثاء الشاعر لنفسه فيما كتبه في جدلية الموت، في واحدة من أروع قصائده " الجدارية " والتي عبر فيها عن رحلة معاناته مع المرض ومع الموت، حيث ترجم فيها درويش تحديه للموت ودفاعه عن حقه في الحياة ، أقول يبقى ما كتبه في هذه القصيدة أعظم رثاء له :
  
 هذا البحرُ لي
هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي
هذا الرصيفُ وما عَلَيْهِ
من خُطَايَ وسائلي المنويِّ … لي
ومحطَّةُ الباصِ القديمةُ لي . ولي
شَبَحي وصاحبُهُ . وآنيةُ النحاس
وآيةُ الكرسيّ ، والمفتاحُ لي
والبابُ والحُرَّاسُ والأجراسُ لي
لِيَ حَذْوَةُ الفَرَسِ التي
طارت عن الأسوار … لي
ما كان لي . وقصاصَةُ الوَرَقِ التي
انتُزِعَتْ من الإنجيل لي
والملْحُ من أَثر الدموع على
جدار البيت لي …
واسمي ، إن أخطأتُ لَفْظَ اسمي
بخمسة أَحْرُفٍ أُفُقيّةِ التكوين لي :
ميمُ / المُتَيَّمُ والمُيتَّمُ والمتمِّمُ ما مضى
حاءُ / الحديقةُ والحبيبةُ ، حيرتانِ وحسرتان
ميمُ / المُغَامِرُ والمُعَدُّ المُسْتَعدُّ لموته
الموعود منفيّاً ، مريضَ المُشْتَهَى
واو / الوداعُ ، الوردةُ الوسطى ،
ولاءٌ للولادة أَينما وُجدَتْ ، وَوَعْدُ الوالدين
دال / الدليلُ ، الدربُ ، دمعةُ
دارةٍ دَرَسَتْ ، ودوريّ يُدَلِّلُني ويُدْميني /
وهذا الاسمُ لي …
ولأصدقائي ، أينما كانوا ، ولي
جَسَدي المُؤَقَّتُ ، حاضراً أم غائباً …
مِتْرانِ من هذا التراب سيكفيان الآن …
لي مِتْرٌ و75 سنتمتراً …
والباقي لِزَهْرٍ فَوْضَويّ اللونِ ،
يشربني على مَهَلٍ ، ولي
ما كان لي : أَمسي ، وما سيكون لي
غَدِيَ البعيدُ ، وعودة الروح الشريد
كأنَّ شيئا ً لم يَكُنْ
وكأنَّ شيئاً لم يكن
جرحٌ طفيف في ذراع الحاضر العَبَثيِّ …
والتاريخُ يسخر من ضحاياهُ
ومن أَبطالِهِ …
يُلْقي عليهمْ نظرةً ويمرُّ …
هذا البحرُ لي
هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي
واسمي -
وإن أخطأتُ لفظ اسمي على التابوت -
لي .
أَما أَنا - وقد امتلأتُ
بكُلِّ أَسباب الرحيل -
فلستُ لي .
أَنا لَستُ لي
أَنا لَستُ لي …


أيمن أبو لبن
11-9-2011

الثلاثاء، 12 يوليو 2011

لمن هذا الورد أيها العاشق ؟!




  المشهد الأول : بداية المشوار

   فتىً جامعيٌ يحملُ أوراقه الدراسية، يتبادلُ أطرافَ الحديثِ مع زميلته التي أحبّها منذ أولِ لقاءٍ جمعهما قبل أعوام، وهما الآن على وشكِ الافتراقِ بعد اكمال الامتحانات النهائية، بإنتظار حفل التخرج قريبا. في ذهنه الكثيرُ من الكلمات ولكنه يعجزُ عن لملمة أفكاره وصياغتها، وفجأة يتوجه اليها بالسؤال المباشر وبدون مقدمات : هل ما زلتِ تصرِّين على أن علاقتنا لا يجبُ أن تتجاوزَ حدود الزمالة ؟ هل هناك شخصٌ آخر في حياتك !؟
  
 تنظر اليه، وترتسم ابتسامةٌ خجولةٌ على وجهها ليزدادَ جمالاَ وإشراقاَ: كان الشكُ يُساورني، وكنتُ أخشى أن يمرَّ الوقتُ وتدق ساعةُ الفُراق ولمّا أُمتِّع لساني بترديد كلمة أٌحبُّكَ، كنتُ أخافَ أن يسرقني الوقتُ ولا تتمتَّع عينايَ بنجوى عينيك وهما تتلألآن بكلمة أٌحبُّكِ، ولكني كنت دائماً واثقةً من مدى حبَّك لي، وكنتُ على ثقةٍ بأنك ستكونُ قادراً على إستنطاقٍ ما بداخلي، وإرغامي على الاعترافٍ بكلٍّ ما أحبِسهُ في داخلي من حبٍ ومن عواطف جياشةٍ .
   لا أدري كيف جعلتني أُبادلُكَ الحبَّ، ولكني تجرعتُ الحبَّ من يديكَ جرعةً جرعةً كل يوم، كان حبي لك يزدادُ يوماً بعد يومِ، مع كل موقفٍ نبيلٍ لكَ ومع كلِّ ما عانيتهُ معي، مع كل عِنادي ، وتجاهُلي لنداءاتِ قلبي .
  أنا التي أيعنت مشاعري بماءِ نُبلِكَ، وما عاد صدري يتَّسعُ لحبك المكنون داخلي .
  
المشهد الثاني : بعد مضي  4 سنوات
  
 يقفُ الفتى في وداعِ حبيبتهِ بعد لقاءهما الأسبوعي، يقتربُ منها بينما هي بإنتظار سيارة أجرة تقلُّها، ويقول لها بصوتٍ خافتٍ : موعِدُنا القادمُ سيكونُ آخرَ موعدٍ لنا، وقبل أن يلتبسَ عليها الأمرُ يُسارعُ بالقول لأنني سأقومُ بخِطبتك بعدَ موعدنا القادم، تبتسمُ ابتسامةً خجولةً كعادتها، ولكنها لا تُبدي ما كان بانتظارهِ من علاماتِ الفَرَح، لا يُعير الأمرَ انتباهاً ويستطردُ في الحديث لقد أنهيتُ إعدادَ مُستلزمات الشقة، وأصبحت جاهزةً لاستقبالنا، وقد وفّرت مبلغاً من المالِ يكفي لمصاريفِ الخطبة، وبعد عامٍ من الآن سأكونُ جاهزاً لمصاريفِ الزواج، كما أن أبي مستعدٌ لمساعدتي في أي شيء، بقي أن أُفاتحه في موضوعنا ، وسأفعلُ ذلكَ قريباً .
تاتي سيارة الأجرة، تنطلقُ الفتاةُ مودِّعة، تُلوحُ له وتغادر مُسرعة .

   المشهد الثالث : الموعد الأخير

  يغادرُ الفتى مكان عملهِ مُسرعاً الى حيثُ اللقاءُ الأخير، وفي طريقهِ يمر بمحل ورود، ينتقي باقةَ ورد بعناية، يختارها وردةً وردة، ويطلبُ من صاحبِ المحل أن يصنعَ منها أجملَ باقة ورد، يطيرُ الفتى يُحلِّقُ، يشعرُ أنَّ قدميه لا تصلانِ الأرضَ، يصلُ قبلها كالعادة، يقفُ مُنتظراً أمامَ المقهى الذى يجمعهما، يمرُّ الوقتُ بطيئاً، ولا تظهر، لا يفقدُ الأملَ، يتمشى قليلاً، متجاهلاً نظراتِ المارة ويقرأُ في أعينهم ما يجولُ في خاطرهم " لمن هذا الورد أيها العاشق ؟"  يجولُ بنظره يميناً ويساراً بإنتظار بزوغ نجم حبيبته، لا يرى شيئاً، تضطربُ نبضاتُ قلبهِ، ولكنه يحتفظ برباطة جأشهِ، وبعد ساعتين من الإنتظار يُدرك أن حبيبتهُ لن تأتيَ اليومَ، هل كان فألاً سيئاً أن قال لها أنه الموعد الأخير !؟

المشهد الرابع : موعدٌ على الهاتف

  يجلسُ الفتى في الغرفةِ وحيداً، يُغلقُ البابَ على نفسهِ، يطلبُ الرقمَ الذي يحفظه عن ظهر الغيب، وينتظرُ سَماعَ صوتِها، يُحاولُ ان يبدو متماسكاً ويبدأ بالعتاب، لماذا !؟ ياتي الصوتُ من الطرفِ الآخر متماسكاً وواثقاً على غيرِ العادة: لم أعد أرغبُ في إستمرار العلاقة بيننا، أحلاميَ الوردية التي كنت أعيشها في لحظات خُلوتي، تصطدم بواقعٍ بعيد جداً عما كنت أطمح له، ضحيتُ من أجل حبنا بالكثير من أحلامي ولم أعد أستطعُ التضحيةَ بالمزيد، ما تعدُني بهِ لا يُشِّكلُ أدنى متطلباتِ سعادتي، يقعُ الفتى من هول المفاجاة، يفترشُ الأرضَ، ويبدأ بالحديث محاولاً أن يُحاورَ قلبها لا عقلها: أذكرُ أنك قلتِ لي يوماً، يكفيني في هذه الحياة أن تجمعنا غرفةٌ وحيدةٌ، نفترشُ فراشها الأرضي، يكفيني وجودك قُربي، كي أشعر بالسعادة، أتذكرين !؟ يختلُّ توازن أفكارها ولكنها سريعاً ما تستعيد توازنها وتقول بجُرأةٍ متناهية أعترفُ لكَ أنني ما عُدت أشعرُ بتلك العواطف التي كانت تدفعني لقول ذلك، في الحقيقة لم أعد أشعر بأني ما زلت أحبك كما كنت أفعل في الماضي القريب، ينهارُ الفتى، يبدأ بالبكاء والعويل، يخترقُ صوتهُ الجدرانَ وينتشر في المكان، يحاول الكلام  ولكن البكاء يمنعه، يحشرج صوته ولا يكاد يُبين، تمضي الدقائق وتنتهي المكالمة، ولكنها ما تزال تسمع صوتَ بُكائه يملأ غرفتها، تتأكد من إغلاق السماعة وتنتظر قليلاً لعلَّ الصوت يغيب، ينقطع الصوت ولكنه سُرعان ما يعود، لا تجد بُدّاً من إغلاق أذنيها كي لا تسمع أنينهُ، ولكنها لم تعلم وقتها أن صوت بكاء العاشق الولهان سيبقى يتردد في أصداء سمعها الى الأبد، إنها لعنةُ العاشق الذي كان يحمل أحلامه  باقةً من الورود، سُرعان ما تناثرت على أقدامِ المارة، الذين سارعوا بإلتقاطها، وهو متسمر مكانه، ينظر اليهم ببرود، وهم يبتسمون ويبادرونه بالسؤال: لمن هذا الورد أيها العاشق !؟


أيمن أبو لبن
12-7-2011

الاثنين، 13 يونيو 2011

نَجمٌ فِيْ الْسَّمَاءِ …… يَحْرُسُنِيَ




   في عَتمةِ ليليَ الطويل، يضيءُ نجمٌ بعيدٌ في سمائي، ينيرُ ليَ الطريق ويُرشدني، يُرافقني في رحلتي، ويُلقي بِظلالهِ من حولي ليَكسرَ حِدّة الجُمودِ ووَحشةَ الطريق. أستمدُّ من نورهِ دفئاً وحناناً وأُلفةً، وأتخذُ منهُ رفيقاً في السفر .
  
خلعتُ من على كاهلي رداءَ الخوفِ من العتمة، وألقيتهُ خلفي، أصبحتُ أستقبلُ ليليَ الطويلَ، عارياً من كلِّ هواجسي القديمةِ، دون أن أبالي، تبدّل الخوفُ بطُمأنينةٍ غريبةٍ تسري في جسدي، زالَ عني كلُّ ذلك الخوف الذي كان يسكُنُني.

   أصبحتُ مدمناً على السهرِ، سهر الليالي، بتُّ انتظرُ تلكَ العتمة التي تَدُّقُ على بابي مُبكراً كلَّ يومٍ، لأنها تُشعِرني بقُربِ بُزوغ ذلك النجم البعيد، ألذي أصبحتُ على موعدٍ دائمٍ معه في كل ليلة .
  
عندما ينبلجُ النهارُ، ويبدأ صَباحُ يومٍ جديد، أشعرُ بالوحدةِ في وسط ذلك النهار، حتى وإن إشتدَّ الزِحامُ من حولي، ووصلَ ذُروته، أجد نفسي مُستوحشا وسط كل تلك الأجواءِ المُزدحمة، ووسطَ كل اؤلئك الناس الذين يبدون في كاملِ أناقتهم، وفي ذُروة نشاطهم وتألقهم، أشعرُ بالوحدة، رغم أني لستُ وحيداً، ورغم كل تلك النشاطاتِ الوهمية التي تدور حولي، أتلهفُ الى تلك اللحظات التي أعود فيها الى نفسي، لأختلي بها.

   في المساء، عندما ألتقي بالأصدقاء ونبدأ بالتسامر، أجلسُ مكتوفاً غيرَ مكترثٍ بما قد يحملهُ هذا اللقاءُ من متعةٍ أو من ترويحٍ للنفس، أشعرُ بالضجر، أجدني أتوق للمغادرة، وقد ينتهي بي الأمر بأن أصمَّ آذاني عما يدور من حولي، مكتفياً بمشاهدة الأحداث من حولي بصمت، أجدني في النهايةِ، أول المغادرين، أخلو بذاتي وأحاورُ نفسي، وسرعانَ ما أجدُ طيفكَ أمامي، يُحاورني ويُشاركني أطرافَ الحديث، أقتربُ منك قليلاً، وأهمِسُ في أذنك: عزيزتي، لا تشعري بالذنب، إن غادرتني، لا تشعري بالضيق إن رحلتِ عني، وتركتني وحيداً، طالما ان نجمَكِ البعيد في السماءِ يحرسني، وأن طيفَكِ ما زال يخترقُ خُلوتي، ويكسرَ حاجزَ صمتيَ الداخلي .
  
 ولكني ما زلت أتساءلُ بين الحينِ والآخر عزيزتي، هل رحلتِ أنت ؟ أم تُراني غادرتُ أنا، وأضعتُ بَوْصلتي، وما زال نجمكِ البعيدُ يحاول أن يُرشدني اليكِ !؟

أيمن أبو لبن
13-6-2011

الثلاثاء، 31 مايو 2011

برشلونة ، قصة نجاح .... والمتعة مستمرة



   في بداية السبعينات من القرن الماضي، تألق فريق اياكس الهولندي بوجود أحد أفضل لاعبي العالم آنذاك " يوهان كرويف " ضمن صفوفه، وقدّم لنا مدربه " رينوس ميشيلز " أحد أفضل المدربين على مستوى العالم، وأكثرهم تأثيرا على مستوى اللعبة، مدرسة جديدة في عالم كرة القدم وطريقة جديدة في اللعب وهي ما عرفت فيما بعد بالكرة الشاملة، والتي تعتمد على اللعب الجميل والاحتفاظ بالكرة مع التمرير القصير وتبادل المراكز، مع اعطاء اللاعب اكثر من دور في الملعب، باضافة الشق الدفاعي للاعبي الوسط والهجوم والعكس صحيح، وذلك باعتماد طريقة 4-3-3 على خلاف كل الخطط التدريبية في تلك الفترة .
     بعد هذا النجاح، قام فريق برشلونة الأسباني باستقدام المدرب " رينوس ميشيلز " لتدريب فريق كرة القدم في النادي، ليس هذا وحسب بل قام النادي بجلب يوهان كرويف للعب في صفوف الفريق، لتبدأ قصة نجاح عظيمة في هذا النادي، أسس لها رينوس ميشيلز، وطوّرها يوهان كرويف فيما بعد، وسار على دربهما جميع مدربي البرشا فيما بعد. وللاشارة فقط، فان هذا المدرب "ميشيلز " عاد ليتسلم تدريب المنتخب الهولندي بعد نجاحه الباهر مع برشلونة حيث تولى تدريب المنتخب الهولندي في كأس العالم 1974 وكان المنتخب البرتقالي فاكهة البطولة آنذاك، حيث قدم أداءً ممتعا وباهراً توّجه بانتصارات كبيرة ومدوية، كان آخرها على حساب السامبا البرازيلي (المدافع عن اللقب) في نصف النهائي، ولكنه خسر في نهائي درامي ومثير امام ألمانيا صاحبة الأرض، ثم عاد ليقود المنتخب الهولندي مرة اخرى في عقد الثمانينات حيث أحرز معه بطولة اوروبا للمنتخبات لأول مرة في تاريخه عام 1988 بوجود خوليت و باستن وريكارد وكويمان .
  
 امتزج أداء برشلونة بالطعم البرتقالي، وأصبحت مدرسة برشلونة من أعظم مدارس كرة القدم في اوروبا والعالم على مستوى اللعب الجميل والكرة الشاملة والاعتماد على الناشئين وابناء النادي، وهو ما نراه مستمرا حتى الان في هذا الفريق، معتمدا على نظرية رينوس ميشيلز الشهيرة : كرة القدم هي معركة ، والهجوم فقط هو خير وسيلة للدفاع واللعب الشامل هو مفتاح الفوز.



رينوس ميشيلز الهولندي

   في عقد الثمانينات، وبعد رحيل ميشيلز و كرويف خبا نجم الفريق قليلاً وعانى من فترة عدم اتزان، رغم ان مارادونا افضل لاعب في العالم في تلك الفترة لعب له. ومع بداية التسعينات، تولى يوهان كرويف نفسه تدريب الفريق بعد ان قام بتدريب فريق اياكس لعدة سنوات، وفور قدومه بدأ كرويف باعادة تهيئة الفريق باستخدام نفس طريقة الكرة الشاملة التي تعلّمها على ايدي ميشيلز، وقاد كرويف فريقه برشلونة لاعتلاء المجد وحصوله على اللقب الاوروبي لاول مرة في تاريخه عام 1992 عن طريق ما عُرف بفريق الأحلام الذي ضم كويمان وستويشتكوف وغوارديولا وزوبي زاريتا وباكيرو ولاودروب .



يوهان كرويف يتوسط فريق الأحلام

  ثم جاء المدرب الهولندي لويس فان غال ليتواصل مسلسل النجاحات على مستوى النتائج والأداء المقنع، وتسيّد برشلونة جميع البطولات المحلية على المستوى الاسباني، حيث أحرز الدوري الاسباني ستة مرات خلال عقد التسعينات.
    ومع بداية هذا القرن جاء المدرب الهولندي الآخر فرانك رايكارد ليعيد الفريق مرة اخرى الى القمة ويحرز معه بطولة اوروربا للمرة الثانية عام 2006، وفي عام 2008 تولى المدرب الشاب بيب غوارديولا لاعب فريق الأحلام السابق مسؤولية تدريب الفريق، ورغم علامات الشك التي حامت حوله الا أن غوارديولا الصغير حقق أرقاما قياسية عجز عنها الأسطورة يوهان كرويف نفسه، وقدم لنا هذه المرة فريقا يتعدى وصفه " فريق الأحلام " قدم لنا غوارديولا دروسا في الصبر والمثابرة وفي تبني ثقافة الفوز والأداء الممتع. غوارديولا أضاف الجدية والالتزام الى الأداء الممتع وقدم لنا دروسا في جعل الفريق لحمة واحدة وعائلة كبيرة تضم ابناء النادي جميعا .
   ومع تفوق برشلونة محليا وقاريا وعلى مستوى العالم، استثمر مدرب المنتخب الاسباني "أراجونيس" هذا النجاح ليقوم بتبني نهج برشلونة في اللعب مستفيدا من وجود اكثر من نصف فريق برشلونة في صفوف المنتخب الاسباني، و تمكن من احراز بطولة اوروبا للمنتخبات لأول مرة في تاريخ اسبانيا عام 2008 على حساب المانيا العنيدة. ثم تلاه المدرب ديل بوسكي الذي قاد اسبانيا للفوز بكاس العالم معتمدا على ثمانية لاعبين من برشلونة، والمفارقة العجيبة هنا أن فوز اسبانيا بكأس العالم جاء على حساب هولندا مهد أسلوب الكرة الشاملة.
   فريق برشلونة في هذا القرن قدم لنا فريقا من الخيال، يُشبهه الجميع بلعبة البلاي ستيشن بل هو أقرب لها، أداء دفاعي ملتزم، خط وسط متمكن قادر على التحكم في الكرة بوجود لاعبين مثل تشافي و انيستا، دقة في التمرير وفي تدوير الكرة، ومن ثم تمريرة حاسمة سريعة وهدف بامضاء أحد لاعبي الهجوم الفتاكين وعلى رأسهم الظاهرة ميسي الذي لا يعرف شيء في العالم سوى كرة القدم، هذا اللاعب الأسطورة الذي حطم كل الأرقام وأسر كل القلوب، وهو ما زال في بداية العشرينيات وأمامه المزيد والمزيد من النجاحات .
 
اذا كان يوهان كرويف قد قدّم لنا فريق الأحلام في التسعينيات، فان غوارديولا قدم لنا فريق الخيال والبلاي ستيشن، والمتعة مستمرة .

   


عندما تكون أحد أنصار فريق برشلونة لا يجب عليك القلق، عليك ان تستعد للمتعة فقط، وعليك ان تهيىء تفسك لوجبة كروية دسمة قد لا تستطيع ان تنام بعدها من فرط الدسامة ومن حلاوة الانتصار، حتى وان تعرض فريقك للخسارة، فستكون خسارة مشرفة بعد اداء مشرف، يجعلك تتقبل الخسارة بروح رياضية .

   عندما تتابع برشلونة وتصبح احد المعجبين به ستلاحظ ان هذا النادي هو " أكثر من مجرد نادي " وهذا ليس شعارا فقط بل هو واقع يتجلى امامك وتشاهده بعينك في كل مباراة عندما يحاول الخصوم ايجاد المبررات للهزيمة، تجد غوارديولا يبتسم حتى في لحظات الهزيمة، يهنىء المنافسين ويحترمهم، عندما يعاني أحد اللاعبين من اي مشكلة، تجد ان باقي أفراد الفريق يساندونه ويشجعونه، تجلى هذا في اصابة ابيدال بالورم الخبيث، و تعاطف اللاعبين والجمهور معه، حتى ان بويول كابتن الفريق سلم شارة الكابتن لابيدال ليقوم بتسلم الكأس الأغلى ( أبطال اوروبا ) دعماً له ولمعاناته في المرض .

  أذكر أن ابيدال في العام الماضي، وقبل أن يتعرض لهذا المرض قال لا اتقبل فكرة أن أرتدي قميصا غير قميص البرشا، واذا ما اختارت الادارة عدم التجديد لي، فساقرر الاعتزال. بعد ان جئت الى هذا النادي وتعرفت على قيمه لا اعتقد اني ساقبل بالانتماء الى غير هذا النادي.

   وهذا ينطبق على مشجعي النادي ايضا، فبعد ان تنضم الى قائمة مشجعي هذا الفريق لا تملك الا ان تصبح مدمناً كرويا، لاسلوب واحد فقط ، وهو الاسلوب البرشلوني .

  برشلونة أكثر من مجرد نادي

أيمن أبو لبن
31-5-2011

الاثنين، 18 أبريل 2011

الادارة الامريكية وحكومات الظل العربية



   مصطلح الإدارة الأمريكية الذي نسمعه يتردد كثيراً في النشرات الإخبارية، دون ان نعيره انتباهنا ودون أن يثير فضولنا، غالباً ما يُطلق على إدارة الحكم في امريكا، ولكن الحقيقة ان الإدارة الامريكية لا تنحصر في الحكومة الامريكية  أو مؤسسة الرئاسة ، بمعنى ان الادارة الامريكية  الحقيقية هي فريق متكامل  من المستشارين والخبراء وأصحاب المعرفة في شؤون البلاد وفي الشؤون الخارجية، الذين يقومون بادارة دفة السياسة العامة في الدولة، وتكون لها اليد الطولى في رسم السياسات واتخاذ القرارات الاستراتيجية، بهدف المحافظة على النهج العام للسياسة الامريكية الداخلية منها والخارجية، بشكل يؤدي الى تناغم وتجانس المنهج العام لكافة الحكومات الامريكية والرئاسات الامريكية على حد سواء، على اختلاف الشخصيات التي تمارس الحكم الفعلي .
   
ولعلنا ندرك أكثر من غيرنا، بسبب تواجدنا في منطقة الشرق الأوسط، مدى الترابط والتجانس في السياسة العامة الامريكية تجاه قضايا المنطقة بالرغم من تعاقب العديد من الرؤساء على اختلاف مرجعياتهم السياسية والإقليمية .
   فلو أردنا ان نقارن بين سياسة الرئيس الامريكي الأسبق جيمي كارتر ومن تلاه وصولاً الى الرئيس الحالي باراك اوباما، لوجدنا ان الاختلافات ضئيلة جداً، تأتي على خلفيات التغيرات في المنطقة  والمناخ السياسي بشكل عام، ومدى تأثير ذلك على أصحاب القرارات .
   فباستثناء حكم جورج بوش الإبن الذي عانى من تطرف شديد وفساد حقيقي في الحكم، اعتمدت باقي الادارات على نفس المنهج المساند لاسرائيل ولمصالحها في المنطقة، ودعم الحكومات الصديقة والمعتدلة، ومحاربة كافة رموز الوطنية والتحرر المعادية لسياسة امريكا في المنطقة، والمعادية لاسرائيل .
   أما في وطننا العربي، فهناك ما يطلق عليه " حكومة الظل " وهي تلك الادارة التي تحكم البلاد فعلياً ولكن في الخفاء، عن طريق التأثير على أصحاب القرارات والسيطرة على قنوات اتخاذ القرارات المختلفة، بشكل يؤدي في النهاية الى السيطرة الفعلية على البلاد ومقدراتها، بمساعدة أصحاب القرارات في بعض الأحيان، أو "بغض الطرف" في أحيان كثيرة (ما في اليد حيلة) كما يقولون.
   في جميع بلادنا العربية، نجد دوماً شعارات الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ونسمع المسؤولين في كل يوم يتحدثون عن اجراءات حقيقية للاصلاح والتغيير، ولكن الذي يحصل في الحقيقة، أن جميع هذه الاجراءات والقرارات لا تُنفذ، لأن من يسيطر على جهات التنفيذ الحقيقية ليست الحكومة بل حكومة الظل والتي تتكون غالباً من مجموعة من المتنفذين على جميع المستويات -ما يطلق عليهم النخب السياسية- وتمتد لتصل الى طبقة رجال الأعمال وأصحاب الأموال (المستثمرين)، جميع هؤلاء يديرون دفة البلاد بما يخدم مصالحهم وبما يخدم استمراريتهم  في حكم البلاد (في الخفاء) .

   ولعل أكثر ما أثار إعجابي بالثورة المصرية هو ذكاؤها وإصرارها على إسقاط النظام المتمثل في رحيل رأس النظام والحزب الحاكم ومن يدورون في فلكه من رجال الأعمال، كانت هذه الثورة ومن قام عليها على درجة كبيرة من الذكاء بحيث لم تكتفي بإسقاط الحكومة او بتعديل الدستور او بغيرها من الوعود الإصلاحية، كان الهدف واضحاً وهو تغيير النظام الحقيقي المتمثل في حكومة الظل، وما زال الصراع قائماً حتى اللحظة بين الأيدي الخفية وبين صُنّاع الثورة.
  
 التشابه كبير بين الادارة الامريكية وحكومات الظل العربية، إلا أن الأختلاف يكمن في ان الإدارة الامريكية تعمل جاهدة لمصلحة السياسة العامة الامريكية، والمحافظة على صورة الدولة باختلاف الزمان والمكان، في حين تعمل حكومات الظل العربية جاهدة أيضا للمحافظة على مكتسباتها الشخصية واستمرار سيطرتها على أصحاب القرارات بما يخدم مصالحها.
   بين الادارة الامريكية وحكومات الظل العربية تقع أزمتنا الحقيقية، وبإدراكنا لحقيقة هذا الوضع في بلادنا نكون قد خطونا الخطوة الأولى في رحلة الالف ميل.

   لا نريد تغيير الحكومة، ولا نريد وزراء جدد، نريد تغيير من يعملون في الخفاء. الشعب يريد اسقاط "حكومة الظل".

أيمن أبو لبن
18-4-2011

الاثنين، 4 أبريل 2011

ما هو المطلوب من الحكومة ؟



   عندما جاءت حكومة البخيت أحاطها الاعلام بهالة كبيرة من الوعود بالإصلاح والحراك السياسي - كما هي العادة مع كل حكومة جديدة - كنت متأكداً وقتها ( وازداد يقيني الآن ) انها لن تقدم شيئا جديدا وأنها لن تضيف لواقع السياسة في الاردن أي جديد، لسبب بسيط وواضح للجميع يتمثل في أن الإصلاح السياسي وتصويب الأوضاع وتعديل الواقع السياسي و و و و و كلها كلمات حفظناها عن ظهر قلب، ولم تعد تُشكل أي نقلة نوعية في الخطاب السياسي ما لم تقترن هذه الأقوال بتغييرات جذرية في النظام، فالإصلاح لا يتم بتغيير الأسماء و بوضع زيد بدلاً من عمرو، ولكنه يتم عبر الإيمان بالإصلاح و بتجديد القناعات، وبث دماء جديدة، وهو شيءٌ لم يتم حتى الآن ولن يتم في القريب العاجل .

   قوات الدرك التي تدربت منذ الصغر على البطش بالمواطن وملاحقته بالأزقة وشتمه بما لم تسمعه أذن من قبل، لن يتغير أداؤها سواءً بقي البخيت أو رحل، حالها حال باقي الأجهزة الأمنية، التطبيل ُوالتزمير للحكومة ( أي حكومة ) وما تقوم به ( من إصلاح ) أصبح عادةً في وسائل إعلامنا وبات من الصعب الإستغناء عنها، أما البرنامج الاقتصادي فهو نتاج سنواتٍ طويلة من الأخطاء الاقتصادية المتوالية والتي بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي بقرار تعويم الدينار، ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن ونحن نرزخ تحت وطأة العجز الاقتصادي، رغم أننا نقرأ في كل عام عن نموٍ اقتصادي وتحسن في الأداء الاقتصادي، وكأننا نعيش في بلد غير هذا البلد، فهل تعتقدون أننا في انتظار ان يَصلُحَ البلد كله ويستقيم شأنه، من خلال وعود بالإصلاح أو بإقالة حكومة وتشكيل حكومة جديدة ؟!

   ما الذي ستغيره هذه الحكومة أو أي حكومة قادمة ؟ هل لرئيس الوزراء سلطة على الأجهزة الأمنية ؟ هل يملك رئيس الوزراء أي سلطة دستورية أو قانونية تخوله إجراء إصلاحات دستورية !؟ هل يملك الوزراء الفرصة لوضع خطة استراتيجية بعيدة المدى لخدمة البلد والمواطن ؟ ولو سلّمنا بأن الوزير الفلاني قام بوضع هذه الخطة، هل سيستمر في عمله لحين اتمام هذه الخطة ؟ هل هناك ما يضمن تنفيذ هذه الخطة بعد رحيل الوزير أم انها ستوضع على الرف، حالها حال أغراض الوزير ( المرحوم ) !؟

   ماذا ننتظر اذاً من الحكومة ومن الأجهزة الأمنية !؟ هل ننتظر حقا إصلاحات سياسية حقيقية !؟ أقول للحالمين الذين يتوقعون إصلاح حال البلد بكبسة زر، وينتظرون ان يتحسن الحال وهم قاعدون، أقول لهم آن الآوان أن تفيقوا من أحلامكم، وتبدأوا بالعمل، درب الإصلاح طويل وهو يبدأ بكم ومن خلالكم، يقول الله سبحانه وتعالى :
(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم)

  وهذه الآية فيها نفيٌ ووعدٌ وفيها شرط، النفي هو نفيٌ للتغيير بدون عمل، أما الشرط فهو البدأ بالتغيير، وأما الوعد فهو تحقيق التغيير، هو وعدٌ ربانيٌ بالتغيير إن بدأنا به بأنفسنا .

   علينا أولاً أن نؤمن بالتغيير وبالإصلاح الذي يبدأ بتعديل الدستور وتعديل قانون الانتخاب، وحل مجلسي النواب والاعيان، الفصل بين السلطات، وتهيأة الحريات الكاملة للنشاطات الحزبية بما يؤدي في النهاية الى حكم الشعب لنفسه عن طريق انتخابات نزيهة، تفرز لنا برلماناً قوياً، وتنبثق عنه حكومة منتخبة تقودها الأغلبية، وتكون تحت مساءلة ومراقبة البرلمان، وهذا يتطلب أيضاً فك جهاز قوات الدرك، وتغيير نهج وسياسة كافة الأجهزة الأمنية والمخابراتية، وبث الدماء الجديدة فيها بحيث يكون همها الأوحد الوطن والمواطن.

    إعادة النظر في كافة القوانين والتعليمات، بشكل يضمن المساواة والعدالة في الحقوق والواجبات لكافة المواطنين على اختلاف أصولهم وأديانهم وميولهم السياسية، وبالأخص في التعليم والعمل وفي التأمين الصحي وفي الوصول الى المراتب العليا في الدوائر الحكومية والأمنية.
   
وضع الرجل المناسب في المكان المناسب من أجل حلولٍ عملية واستراتيجية لمشاكل البطالة والاقتصاد والمياه والتعليم والصحة، باختصار، المطلوب هو تغيير السياسات بشكلٍ شاملٍ وجذري ، فهل أنتم مستعدون !؟

أيمن أبو لبن
12-4-2011